السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

انتظرنا الغناء عن غزة.. فخاب الرجاء!

فى المقال السابق، تحدثنا عن غياب دور المغنى العربى فى التعبير عن متطلبات الوضع الراهن، أو أن يكون للفنان أى موقف واضح من أى نوع، فى أى قضية اجتماعية، أو سياسية، أو دينية، تطرأ على مجتمعنا.



مح

بل تأكدنا بما لا يدع أى مجال للشك، أن المغنى العربى أصبح منعزلاً عن واقعه، ولا يمت له بأى صلة، والدليل على ذلك الغياب التام والمستمر من المغنين العرب، الذين لم يقدموا أى أغنيات متعلقة بالإبادة الجماعية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى من جيش الاحتلال الإسرائيلى.

وطوال الأسبوع الماضى، انتظرنا أن يخيب ظننا، وأن نجد العديد من الأغانى الحقيقية التى تعبر عن أوجاع الجماهير التى تقوم بحملات مقاطعة للشركات المساهمة فى زيادة «غلة» جيش الاحتلال ومعاونيه، وهناك مجموعات كبيرة تقوم بالتبرعات، وأضعف الأفعال تقوم الغالبية بتوثيق جرائم الصهاينة ضد الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما تقوم القيادة السياسية بالتصدى لمنهج التهجير والقضاء على القضية الفلسطينية سياسيا، وتضغط بكل قوتها لدخول المساعدات الإنسانية لأهالينا فى غزة.

وسط كل هذا يعم الغياب التام للأغنية العربية فى التعبير والتوثيق لأى مشهد من هذه المشاهد، حتى ما تم صناعته من أغانً «قليلة» للغاية، لا تتناسب من حيث الجودة مع حجم الحدث، وصدرت فى الأسواق وكأنها لم تكن، فلم يتفاعل معها الجمهور وفشلت فى أن تحقق أى تواصل حقيقى بين الفنان والجماهير.

ومن هذه الأغانى (الهوية عربي) لـ«هانى شاكر»، وهى واحدة من ضمن الأغانى التجارية، التى تستغل الحدث لتسجل مشاركة للفنان، وكأنه تخلص من عبء كان ضاغطاً على عاتقه، ولكن حدثنى عن المحتوى! الجودة! المضمون! لا شيء.

أغنية صنعت على طريقة «نباطشية» الأفراح الشعبية، عندما يمسكون المايك ويبدأون فى ذكر أسماء العائلات مع التحية والسلام، فنجد «هانى شاكر» يذكر أسماء المدن الفلسطينية بدون أى أسباب، ذكر لمجرد الذكر، «رام الله، يافا، عكا، والقدس، الخليل، وغزة، وفى حيفا ليا ذكرى»، ولا يقول ما هى الذكرى، ولا يقول سببا لنطق أسماء هذه المدن!

تواجد لمجرد التواجد، هذا هو المنهج الحقيقى الذى صنعت به الأغنية غير الصادقة فى التعبير عن مشاعر الجمهور، فكان الطبيعى أن تفشل فى تحقيق 100 ألف مشاهدة على يوتيوب!

ومن «هانى شاكر» لـ«أحمد سعد» واسم اغنيته «المبتكرة»، (غصن الزيتون) وإعادة تدوير الكليشيهات، كم مرة سمعنا فى أغانينا هاتين الكلمتين، ثم نستكمل فى الأغنية إعادة تدوير نفس الكلمات «الأقصى نادى»، وهى اسم اغنية قديمة لـ«محمد فؤاد»، ثم الأخطر فى الأغنية ما قيل عن بكاء «محمد والمسيح»، تأكيداً لتديين القضية، وإنها حرب يهودية ضد الإسلام، أو البعض يلصق بها المسيحية على استحياء، وكأن المجتمع اليهودى بأكمله راض عما تفعله العصابات الصهيونية المسماه بإسرائيل، رغم أننا رأينا بأعيننا تظاهرات فى لندن والولايات المتحدة الأمريكية ليهود رافضين ما يحدث من مجازر فى حق الفلسطينيين، لتكون هذه الأغنية وغيرها تأكيداً على عدم ثقافة الفنانين والصناع، وعدم متابعتهم للأحداث، أو حتى فهم حقيقة الصراع، وبالتالى سيفشلون فى التعبير عنه بامتياز.

هذا الفشل الذى أتحدث عنه ليس بسبب ضعف المحتوى الفنى فقط، ولكن أيضا أتحدث عن فشل جماهيري، فهذه الأغنية لم تصل إلى المليون مشاهدة وهو رقم لا يتناسب مع حجم شعبية «أحمد سعد» ونسب مشاهدات أغانيه، لأن الجمهور لا يسمع جديداً، هو يسمع ما تعود أن يسمعه، وفشل الفنانين فى صناعة أغانى تعبر عن حجم مستوى الحدث.

قطعا هناك بعض الأغانى التى صدرت حديثا عن غزة، ولكنها كلها فشلت فشلاّ محبطاً، وهذا ليس مزايدة على أحد، بل هو إقرار لحقيقة واضحة، ثابتة، رقميًا، وفنيًا، وكأنه اعتراف ضمنى من الفنانين والعاملين فى مجال الغناء، انهم لا يجيدون سوى التعبير عن مشاعر الهجر والفراق، وهذا ليس تقليلا منهم، فنحن نحتاج إلى هذا أحيانا، ولكننا أيضا فى اللحظة الحالية، نحتاج إلى فنانين قادرين على التعبير عن حدث يهم الملايين من العرب، وحتى هذه اللحظة لا نجدهم!