السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سؤال جديد يطرحه مسلسل (55 مشكلة حب) عن أحد أمراض العصر: النسيان بين الحرية والألم فى «الفريدو»

هناك من يحلم بالنسيان، نسيان كل ما مر به من ألم أو مرارة أو فشل أو حزن، ويرى فى النسيان شكلاً من أشكال الحرية. وهناك من يعانى من النسيان، نسيان كل شيء فى حياته أهله وأصدقائه وبيته وحتى اسمه، ويرى فى النسيان عذابه ومخاوفه التى تصل إلى حد الانهيار النفسى.



 

وهنا أتحدث عن النسيان المرضى المُلقب بمرض «ألزهايمر» أحد أمراض العصر الحالى، مرض يعانى منه كبار السن بسبب خلل ما فى وظائف المخ وما أكثرهم فى مصر والوطن العربى، مرض لا يعذب فقط صاحبه، ولكن أهله ومن يعيشون معه. ولكن هل فكرت مرة فيما يشعر به مريض ألزهايمر، ما يمر به من تقلبات نفسية وعقلية وتساؤلات تحيط بأفكاره ليل نهار، هل هو مُدرك أنه ينسى وأنه مريض بالنسيان أم هو فى عالم آخر، أم هناك مراحل للمرض، مراحل من التدهور يصاحبها الألم.

تلك التساؤلات تطرحها حكاية (الفريدو) من مسلسل (55 مشكلة حب) المأخوذ عن كتاب يحمل نفس الاسم لـ«د.مصطفى محمود» حيث يناقش مرض ألزهايمر لكن من الناحية النفسية والعقلية، يغوص داخل أعماق الشخصية صاحبة المرض وهى «ثرية» فى شكل من الدراما أقرب للسيكودراما، حيث يعايشك كمشاهد مع حالة «ثرية» ومراحل تطور مرض ألزهايمر لديها، ما يدور بعقلها وكيف تشعر تجاه نفسها ومن حولها، ماذا تتذكر ومن تنسى، وهل يمكن علاجها أو التحكم فى تطور حالتها.

موضوع مهم تمت مناقشته من خلال حكاية (الفريدو) بسلاسة وعمق فى نفس الوقت، فقد ركز السيناريست الذى قام بالمعالجة الدرامية «عمرو محمود ياسين» على الجانب النفسى والصراعات داخل شخصيات العمل التى تم رسمها بإبداع، فتجد على سبيل المثال بطلة العمل والشخصية المحورية «ثرية» التى تجسد دورها «إلهام شاهين»، امرأة مليئة بالحب والعطاء تعانى من مرض ألزهايمر، تدخل فى رحلة مع هذا المرض الذى يفتك بعقلها وبالتالى تدخل فى صراعات داخلية نفسية تشعر أحيانا أنها سليمة وتتذكر كل شيء ومن حولها فتظهر هادئة مبتسمة، وأحيانا تشعر بالضياع النفسى إلى أن تصل لضياع هويتها وكيانها. وهنا تجد نفسك كمشاهد تتعايش مع حالاتها النفسية والعقلية المتغيرة، تحزن معها وتفرح لفرحها وفى مشاهد نسيانها للأحداث ولمن حولها تجاوب أنت كمشاهد على تساؤلاتها كأنك تساعدها على التذكر وهنا قمة التماهى مع الشخصية، فأنت تمتزج معها عاطفيا وذلك هو العنصر الأقوى فى هذا العمل الفنى.

 أما عن باقى شخصيات العمل فعلى سبيل المثال شخصية «فريد» التى يجسدها «أحمد فهمى» فقد قام بأدائها بهدوء وسلاسة تناسب الموقف الذى يواجهه، فهو ابن الأخ المحب المُضحى الذى يحاول إيجاد الحلول دائما، وهو ليس شخصية مركبة ولكنه شخصية حزينة تحاول أن تُفرح أقرب من لها، ويحاول أيضا استرجاع حب حياته وتصحيح أخطاء الماضى. أما شخصية «سارة» التى تجسدها «ندى موسى» فقد فقدت فيها الإحساس بالشخصية وصراعاتها ولم تغص فى أعماقها حتى تؤديها بصدق وسلاسة فتُشعرك دائما كمُشاهد بالتوتر أكثر من أى مشاعر أخرى كالتعاطف معها مثلا أو الانتصار لها ضد ما تواجهه.

أيضا هناك أكثر من ممثل صاعد أدوا أدوارهم بتميز مثل «عمر شرقى» فى دور «زنجر»، و«إنچى كيوان» فى دور «مريم».

بينما على الجانب الآخر يوجد نوع من الاستسهال الذى وقع فيه السيناريست «عمرو محمود ياسين» فى نهاية بعض الخطوط الدرامية، فقد تخلص من خط بعض شخصيات العمل بشكل ساذج وليس قويًا دراميا مثل الخط الدرامى الخاص بشخصية «مريم» والخط الدرامى الخاص بشخصية «مازن»، وأيضا فكرة الحلول السحرية المتوفرة لدى شخصية «فريد» فى كل الأوقات من شراء العمارة وبيع كل ما يملك فى إيطاليا وإيجاد الممرضة الأمينة، وكل ذلك لا يحدث تباعا فى واقع الحياة، فأين العقبات التى واجهته أثناء رحلة مرض عمته «ثرية».

لكن هذا لا يمحى أهمية فكرة العمل وعمق تناوله من الناحية النفسية وأثره الدرامى على المُشاهد، فقد جعله يفهم مرض ألزهايمر ويتعاطف مع مرضاه ويحقق عنصرى «الخوف والشفقة» فى الدراما. الخوف من أن يمرض أحدهم به والشفقة على مرضى ألزهايمر مما يدعو لتطهير النفس البشرية وفقا لفلسفة «أرسطو» فى الدراما. ولذلك يظل الأثر والبصمة على نفس المُشاهد هو الأهم وهو ما يدوم حتى وإن غابت بعض العناصر الأخرى.

وتبقى الإجابة عند المُشاهد.. هل النسيان شكل من أشكال الحرية أم هو عذاب وألم ما بعده ألم؟