الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

القوات الإسرائيلية استهدفت الصحفيين بصورة ممنهجة وسط صمت دولى للردع إسكات صوت الحقيقة صحفيون فى مرمى رصاص الاحتلال

لم تكتفِ نيران قوات الاحتلال الإسرائيلية أن تحصد آلاف الأرواح من سكان قطاع غزة المنكوب؛ بل اتجهت أفواه المَدافع الإسرائيلية لتطال أصحاب الأقلام والصور من الصحفيين فى محاولة منها لطمس مشهد ما يحدث فى الأراضى المحتلة من فظائع وانتهاكات إنسانية؛ حيث أعلنت الوكالات الدولية المعنية، باستشهاد نحو 13 صحفيًا وإصابة آخرين خلال أسبوع واحد منذ بداية الحرب فى قطاع غزة.. خطوة ممنهجة جديدة من القتل الممنهج الذى يستهدف به الاحتلال أصحابَ الكلمة ومَقار عملهم، فى إطار يُوصَف بأنه «نمط فتّاك مستمر منذ عقود»، بينما تمر كل هذه الجرائم بلا محاسبة.



 شهداء الكلمة

وفى بيان لـ«منتدى الإعلاميين الفلسطينيين» ونقابة الصحفيين الفلسطينية، الاثنين الماضى، أعلنا عن ارتفاع عدد الإعلاميين الذين قضوا منذ إطلاق عملية «طوفان الأقصى» فى السابع من أكتوبر الجارى إلى 11 شهيدًا بالإضافة إلى فقدان اثنين من الطواقم الإعلامية وإصابة العشرات من الصحفيين وذويهم.

ورصد تقرير للجنة الحريات التابعة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين: «تم رصد 11 شهيدًا وأكثر من 20 إصابة وفقدان 2 فى غزة، وتدمير 50 مؤسّسة إعلامية وقصف بيوت الصحفيين على رءوس ساكنيها، إضافةً إلى عشرات الانتهاكات بالضفة الغربية والقدس».

وأضاف التقرير بأنه «منذ بداية الحرب على قطاع غزة تم رصد الصحفيين الفلسطينيين فى القطاع واستهدافهم بصواريخ طائرات الاحتلال الإسرائيلى».

واستعرض بيان النقابة «توثيقًا لاستهداف الصحفيين» منذ انطلاق الحرب على قطاع غزة حتى مساء الأحد 15 أكتوبر، وأشار إلى «التصعيد العنيف فى استهداف الصحفيين الفلسطينيين».

وفى هذا الإطار؛ «تم رصد أكثر من 20 إصابة كانت الأعنف فى قطاع غزة، وبَعد الإعلان عن قصف نحو 20 منزلاً للصحفيين بشكل كامل والبعض بشكل جزئى، اتخذ جيش الاحتلال الإسرائيلى تصعيدًا جديدًا فى قصف منازل عدد من الصحفيين على رءوس ساكنيهم مما أدى إلى إصابة واستشهاد أفراد عائلاتهم».

إضافة إلى ذلك؛ «تم تدمير نحو 50 مقرًا ومركزًا لمؤسّسات إعلامية نتيجة القصف»، منها: شبكة الأقصى الإعلامية، وكالة معًا الإخبارية، صحيفة القدس، إذاعة بلدنا، إذاعة زمن، إذاعة القرآن الكريم، مكتب شبكة الجزيرة، تليفزيون فلسطين، مكتب الوكالة الفرنسية، بالإضافة إلى الاعتداء على فريق عمل هيئة الإذاعة البريطانية BBC فى تل أبيب واحتجازهم تحت تهديد السلاح.

كذلك وثّق التقرير إصابة العديد من الصحفيين الفلسطينيين فى الضفة الغربية وتعرُّض الطواقم للضرب والاحتجاز والمنع من التغطية وإطلاق النار باتجاهها، ومصادرة وتحطيم معدات صحفية.

كما تم «تشويش واختراق بث» عدد من المؤسّسات الإعلامية، كذلك «وقف بث قناة الأقصى عن القمر الصناعى Eutelsat استجابة لضغوط الاحتلال».

وأشار التقرير إلى «تعرُّض العديد من الصحفيين للتهديد المباشر ولحملات تحريضية من قِبَل صفحات عبرية على منصات التواصل الاجتماعى»، و«رصد العديد من المنشورات العبرية التى تطالب بتصفية الصحفيين ووصفهم بالمخربين والإرهابيين».

 سِجِلّ من الانتهاكات

والجمعة قبل الماضية، استشهد الصحفى اللبنانى عصام عبدالله، من وكالة رويترز الإخبارية، وأصيب 6 صحفيين آخرين هم: كارمن جوخدار وإيلى براخيا، وثائر السودانى وماهر نازح، بالإضافة إلى كريستينا عاصى وديلان كولنز، من وكالة الصحافة الفرنسية.

ووفق تصريح لمصدر أمنى لبنانى؛ فقد استهدفت طائرة «أباتشى» إسرائيلية الصحفيين بصاروخ موجّه فى منطقة علما بجنوب لبنان.

وأضاف المصدر، لوسائل إعلام لبنانية، إن الصحفيين كانوا يقومون بعملهم من فوق تلة لرصد الأحداث فى جنوب لبنان، وبعيدين عن أى موقع عسكرى، كما كانوا يضعون إشارات للتعريف بهم بوصفهم صحفيين إلا أن الطائرات الحربية لم تأبه بكل هذا وقامت بقصف التابة.

والجمعة أيضًا، أعلنت شبكة BBC البريطانية أن فريقها الصحفى فى إسرائيل تعرّض للاعتداء والاحتجاز تحت تهديد السلاح، بعد أن أوقفتهم الشرطة فى مدينة تل أبيب.

وقالت الشبكة- فى بيان نشر على موقعها الرسمى-، «كان مهند توتنجى، وهيثم أبو دياب، وفريق بى بى سى عربى فى طريقهم إلى أحد الفنادق، عندما اعتُرضت سيارتهم».

وأضافت: «سُحبت السيارة- التى تحمل علامة تليفزيون بالخط الأحمر- وفُتِّشوا ودُفعوا باتجاه الحائط».

وقال توتنجى وأبو دياب، إنهما عَرّفا نفسيهما على أنهما صحفيان فى «بى بى سى»، وأظهرا للشرطة بطاقات الهوية الصحفية.

وأثناء محاولته تصوير الحادثة، قال توتنجى، إنه رُمى هاتفه على الأرض، وضُرب على رقبته.

 غزة..أرض الشهادة

ولقطاع غزة كان النصيب الأكبر من ضحايا الصحفيين الذين يقومون بعملهم فى القطاع، وقد وثقت «وحدة الرصد والمتابعة» بالمكتب الإعلامى فى قطاع غزة، عشرات الاعتداءات بحق الصحفيين، ومن يمكنهم نقل جرائمه- التى يرتكبها بالصوت والصورة- ما أسفر عن استشهاد 12 منهم حتى الآن.

وأعلن المكتب، ومن بعده منتدى الإعلاميين الفلسطينيين، أسماء الصحفيين الذين قتلهم الاحتلال؛ وهم: حسام مبارك، وأحمد شهاب، وعلى نسمان، ومحمد أبو مطر، وإبراهيم لافى، ومحمد جرغون، ومحمد الصالحى، وأسعد شملخ، وسعيد الطويل، ومحمد صبح أبو رزق، وهشام النواجحة، والصحفية سلام ميمة التى استشهدت وزوجها وأطفالهما الثلاثة.

ولم تكتفِ قوات الاحتلال الغشيمة بالقتل الممنهج فقط، إلا أنها قامت بعدد من الاعتقالات وأسر بعض الصحفيين وعائلاتهم أيضًا فى القطاع؛ حيث أعلنت عائلة الصحفى نضال الوحيدى، الأسبوع الأول من المقاومة، أن ابنها أسير لدى قوات الاحتلال، عقب اعتقاله برفقة آخرين، خلال تغطية الأحداث التى اندلعت أثناء اقتحام حاجز إيرز «بيت حانون» شمالى قطاع غزة.

كما اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلى فى الضفة الغربية الصحفيين مصطفى الخواجا، وصبرى جبر، وعبدالناصر اللحام، ومعاذ عمارنة، وفق بيان نقابة الصحفيين الفلسطينية. كما تعرّض طاقم قناة «القاهرة الإخبارية»، للاعتداء خلال تغطية الأحداث فى القدس، ووجهت قوات الاحتلال السلاح فى وجه الطاقم وأجبروهم على إخلاء المكان، كما انقطع الاتصال بالطاقم لفترة بسبب قطع الكهرباء والاتصالات فى غزة وحمّلت «القاهرة الإخبارية» مسئولية تأمين طاقمها وإدانة قوات الاحتلال.

 سجِل جرائم ممتد

يعتبر الاعتداء الممنهج على الصحفيين والإعلاميين فى غزة والأراضى الفلسطينية المحتلة منهجًا اتبعته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدار أعوام لطمس كلمة الحق وعدم نقل الرؤية الصحيحة كاملة للرأى العام العالمى.

فقبل عملية «طوفان الاقصى» تم تسجيل اعتداءات على 46 صحفيًا فى مجال الإعلام عام 2021 إبان نقل معركة «سيف القدس»؛ حيث استهدفت القوات الإسرائيلية عددًا من مقار وسائل الإعلام بغارات جوية.

وحسب تقرير لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، تعرّض أكثر من 144 صحفيًا فلسطينيًا وأجنبيًا؛ لاعتداءات جيش الاحتلال خلال تغطيتهم الأحداث بفلسطين المحتلة، خلال السنوات ما بين 2018 و2022، بما فى ذلك إطلاق النار عليهم، ورشقهم بقنابل الغاز والقنابل الصوتية، والضرب، والسحل، مما خلف إصابات بليغة نتج عن أغلبها عاهات دائمة، كفقدان الأطراف والأعين، والتشوهات فى الوجه.

وتعتبر قصة الصحفى يوسف الكرنز أحد أشهر القصص المأساوية للصحفيين فى الأراضى المحتلة؛ حيث فقد ساقه اليسرى أثناء تغطيته أحداث مسيرة العودة فى 2018، والصحفى بتليفزيون القدس سامى مصران، الذى فقد عينيه بعد أن أصيب بالرصاص فى 2019، ومراسل وكالة الأناضول على جاد الله، الذى استهدف لثالث مرة برصاصة مطاطية فى رأسه.

وحسب نقابة الصحفيين الفلسطينيين؛ فقد أدت هذه الاعتداءات إلى استشهاد أكثر من 46 صحفيًا منذ 2000 حتى 2022، بينهم صحفى «صوت الأقصى» يوسف أبو حسين الذى استشهد 2021 جراء القصف الإسرائيلى لمدينة غزة، وصحفى وكالة أسوشيتد برس الإيطالى سيمونى كاميلى، الذى قتل برفقة مترجمه الفلسطينى على شهة جراء انفجار صاروخ إسرائيلى فى غزة 2014.

ووفق تقرير «لجنة حماية الصحفيين»، يشكل الفلسطينيون 90% من الصحفيين والإعلاميين الذين قتلوا على يد الجيش الإسرائيلى. أما الـ10% فكانوا من الصحفيين الأجانب.

 إدانات دون تحرك

ولا يقتصر استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلى لوسائل الإعلام على الأشخاص العاملين بها؛ فقد أشار «منتدى الإعلاميين الفلسطينيين» إلى أن الاحتلال الإسرائيلى دمر مقار عدة مؤسّسات إعلامية فى غزة، منها وكالة شهاب، ومكتب صحيفة الأيام، وشركة «إيفينت» للخدمات الإعلامية، ومكتب اليوم الإخبارى، ووكالة معًا وسوا، وإذاعة القرآن الكريم، وإذاعة بلدنا، ومؤسّسة فضل شناعة، وغيرها من المؤسّسات ممن لم يتم رصدها بسبب العدوان.

كما شهد العدوان على غزة فى عام 2021 تدمير مقار عدد من وسائل الإعلام العربية والدولية. ووثقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين تدمير أكثر من 33 مؤسّسة إعلامية خلال 10 أيام من القصف الإسرائيلى، أبرزها: وكالة أسوشيتد برس الأمريكية.

وفى 15 مايو 2021 استهدفت 4 صواريخ إسرائيلية برج الجلاء، الذى يضم مقار عدد من وسائل الإعلام الدولية والمحلية فى غزة. وقبل ذاك استهدفت الطائرات الحربية برج الشروق الواقع فى الحى نفسه، الذى يضم مقار 15 من وسائل الإعلام؛ أبرزها: قناة روسيا اليوم والتليفزيون الألمانى ZDF وتليفزيون دبى.

وأدان الاتحاد الدولى للصحفيين عمليات الاستهداف هذه، وقال أمينه العام أنتونى بيلانجى، إن «الاستهداف الممنهج للمؤسّسات الإعلامية هو محاولة مخزية من الجيش الإسرائيلى لإسكات صوت الإعلام، الذى ينقل الأخبار عن العنف الذى يمارسه فى غزة، وهو مخالف للقانون الدولى. ويجب وضع حد لاستهداف الصحفيين والاعتداءات المقصودة عليهم».

ولم يكترث الاحتلال الإسرائيلى بكل هذه الإدانات الدولية والاستهداف الممنهج للصحفيين، سواء الأجانب منهم أو من أصحاب القضية إلا أنه خلال عملية «طوفان الاقصى» وعلى مدار أيام كان القتل والسحل والضرب المبرح أحد أساليبه المتبعة، وعلى مدار أيام قتل نحو 8 صحفيين فلسطينيين، قتل صحفى بوكالة رويترز، احتجز صحفى BBC، كما سجّل إطلاق غاز الفسوفور على تجمع للصحفيين، وفق ما نقلته نقابة الصحفيين الفلسطينية ووسائل الإعلام الغربية، هذا بالإضافة إلى إطلاق قنابل غاز مسيلة للدموع على صحفى قناة RT الروسية، وCNN التركية.. ولا يزال الوضع مستمرًا وسط عجز دولى لردع المحتل الإسرائيلى.