الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هل يستطيع بايدن التدخل فى غزة؟ تهديد أَمْ فشل؟

مع تصاعد حدة المواجهات المسلحة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية فى اتخاذ خطوات إجرائية لتعزيز الدعم العسكرى الأولى، بالتوازى مع إلقاء الرئيس الأمريكى جو بايدن كلمة، فى 10 أكتوبر الجارى والتى أكد فيها استمرار هذا الدعم وهاجم من خلالها المقاومة الفلسطينية ووجه عبرها تحذيرات إلى «أطراف ثالثة» من التدخل فى الحرب لاستحصال مكاسب منها. 



فى هذه الأثناء، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن حاملة الطائرات الأمريكية «يو إس إس جيرالد آر فورد» وصلت إلى شرق البحر المتوسط. كما أعلنت أن معدات عسكرية وصلت إلى إسرائيل بالفعل.

قد توحى هذه المظاهرة العسكرية الأمريكية الداعمة لإسرائيل أن واشنطن فى طريقها إلى الانخراط فى الحرب فعلاً إلى جانب حليفتها الاستراتيجية. لكن التمعن فى الملابسات التى صاحبت هذه التحركات، فضلاً عن الظروف الداخلية الأمريكية والإقليمية والدولية المعقدة، قد يوحى بشكل آخر، محاولة الرئيس الأمريكى الحفاظ على ماء وجهه أمام جميع شعبه وحلفائه قبل أشهر قليلة من الانتخابات الأمريكية.. لكن هل كان تهديد بايدن حقيقيًا أم فشلًا آخر مثل فشله فى أوكرانيا؟

 محاولة جديدة

تعهد الرئيس الأمريكى جو بايدن بتعزيز الدعم العسكرى لإسرائيل فى أعقاب هجوم غير مسبوق شنته المقاومة الفلسطينية وأدى إلى مقتل أكثر من ألف إسرائيلى وإلى تنفيذ إسرائيل ضربات انتقامية مكثفة على قطاع غزة.

وأثار خطاب بايدن «النارى» عدة تساؤلات حول ما إذا كان بوسع واشنطن زيادة المساعدات الدفاعية لإسرائيل دون المخاطرة بالمساعدات لأوكرانيا خاصة فى ظل إطاحة نواب جمهوريين برئيس مجلس النواب كيفن مكارثى والفشل حتى الآن فى تسمية بديل.

ويصر مسئولون فى إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن على أن واشنطن يمكنها بالتأكيد القيام بالأمرين معا، لكنهم يقرون بأن الأمر سينطوى على تحديات كبرى، حيث يتعين على بايدن إقناع مجلسى الشيوخ والنواب بتمرير تشريع يسمح بتمويل إضافى.

وتصاغ مشاريع قوانين الإنفاق هذه عادة فى مجلس النواب، حيث يتحكم رئيس مجلس النواب، وهو الزعيم المنتخب لحزب الأغلبية، فى التشريعات التى يتم طرحها للتصويت.. ولكن بعد الإطاحة برئيس النواب كيفين مكارثى الأسبوع الماضى فى سابقة جديدة على التاريخ الأمريكى، فليس من الواضح ما إذا كان بوسع النائب باتريك مكهنرى الذى يشغل مؤقتا منصب رئيس مجلس النواب أن يدعو قانونيا للتصويت على أى تشريع يتعلق بالمساعدات.

ويزيد الأمر تعقيدا أن العديد من المنتمين سياسيا لأقصى اليمين الذين أطاحوا بمكارثى يعارضون أصلا تقديم المساعدات لأوكرانيا، من بينهم النائب جيم جوردان، وهو من بين المرشحين الأوفر حظا فى سباق منصب رئيس مجلس النواب.

ورفض جمهوريون فى مجلس النواب إدراج المساعدات لأوكرانيا فى مشروع قانون إنفاق طارئ تم إقراره فى اللحظة الأخيرة الشهر الماضى لتجنب إغلاق الحكومة.

أما التأييد لإسرائيل فهو أقوى بكثير، حيث يرتبط جمهوريون بشكل وثيق برئيس الوزراء الإسرائيلى المحافظ بنيامين نتنياهو، وتدرس إدارة بايدن ربط طلب المساعدة لأوكرانيا بتقديم مزيد من الأموال لإسرائيل.

وتعتبر إسرائيل من المتلقين الرئيسيين للمساعدات العسكرية الأمريكية على المدى الطويل، وتتمتع بتدفق مستمر للمساعدات الأمريكية، وفى المرحلة الحالية من الصراع، فإن حاجة إسرائيل الرئيسية هى للأسلحة الخفيفة للمشاة وأنظمة الاعتراض فى الدفاع الجوى لحماية بنيتها التحتية المدنية والمراكز العسكرية للقيادة والسيطرة.

ومن غير المرجح أن تكون إسرائيل قد استنفدت ذخائر أسلحتها الخفيفة فى هذه المرحلة المبكرة من الصراع، ويحاول بايدن جاهدًا أن يقنع الكونجرس وخاصة مجلس النواب بتمرير مشروع المساعدات إلى إسرائيل وربطها بمساعدات أوكرانيا أيضًا، ولكن هل ينجح فى هذا مع موجات الاعتراضات القوية التى يواجهها بايدن داخل أروقة الإدارة الأمريكية؟

الأمر قد يصبح صعبًا إلى حد ما، لذا فإن خطاب باريدن الهجومى القوى ربما كان يحمل معالم أخرى أو تهديدات غير واقعية لأسباب أخرى تختلف عن أزمة الدعم المادى.

إذ إن واشنطن تحاول قدر ما تستطيع رغم التلويح باستخدام القوة، تجنب الانخراط فى مواجهة عسكرية جديدة، خاصة إذا كانت هذه المواجهة فى منطقة الشرق الأوسط، وربما من هنا، يمكن تفسير أسباب حرص الرئيس جو بايدن، إلى جانب بعض المؤسسات الأمريكية، على غرار وزارتى الدفاع والخارجية، على نفى وجود مؤشرات توحى بأن إيران طرف رئيسى فى المواجهة الحالية بصورة صريحة، بعد أن أشار تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال»، فى 9 أكتوبر الجارى، إلى أن الضوء الأخضر للعملية العسكرية فى غزة قد منح خلال اجتماع بين قادة فى الحرس الثورى والمقاومة الفلسطينية فى بيروت، فى 2 من الشهر نفسه، وأن التخطيط للعملية بدأ منذ نحو شهرين. وهنا، فإن ثمة اعتبارات عديدة يمكن من خلالها تفسير الاستراتيجية الأمريكية الحالية تجاه حليفتها إسرائيل خلال هذه المعركة.

 الهروب من المواجهة

على مدار أيام يواجه بايدن اتهامات قوية بأن صفقة تبادل السجناء التى دفعت واشطن خلالها لطهران 6 مليارات دولار كانت مساهمة قوية فى الدفع بعملية «طوفان الاقصى» والتى ساهمت فيها إيران، وفق الادعاءات الأمريكية من المعارضة، فى تنفيذ مخطط غزة الآن.

وهنا، فإن الإدارة الأمريكية سارعت بدورها إلى الدفاع عن نفسها، ليس فقط من خلال نفى وجود دلائل تؤكد ضلوع إيران فى العملية العسكرية التى شنتها المقاومة الفلسطينية، فى 7 أكتوبر لجارى، وإنما أيضاً من خلال إعادة التأكيد على أن هذه الأموال سوف تنفق وفقاً لآلية محددة تشرف عليها وزارة الخزانة الأمريكية بحيث يتم توجيهها لأغراض معينة مثل شراء الدواء والغذاء.

فضلاً عن ذلك، فإن توجيه اتهام مباشر إلى إيران بأنها وراء هذه العملية العسكرية قد يرتب استحقاقات أخرى لا تبدو الإدارة الأمريكية مستعدة لها فى الوقت الحالى. إذ إن ذلك قد يستنفر الميليشيات الموالية لإيران فى المنطقة لإعادة استهداف المصالح – أو بمعنى أدق القواعد العسكرية - الأمريكية، لاسيما فى كل من سوريا والعراق. بل كان لافتاً على سبيل المثال، أن ميليشيا الحوثيين فى اليمن كانت حريصة على الانخراط فى رسائل التحذير المتبادلة بين إيران وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة أخرى.

إذ أكد زعيم الميليشيا عبد الملك الحوثى، فى كلمة ألقاها بمناسبة الحرب فى غزة، فى 10 أكتوبر الجارى، على «الجهوزية للمشاركة بالقصف الصاروخى وبالمسيرات وأى خيارات عسكرية أخرى إذا تدخلت أمريكا بشكل مباشر فى العدوان على فلسطين».

والملاحظ فى هذا السياق، أن عملية استهداف القواعد العسكرية الأمريكية فى العراق وسوريا تراجعت خلال الشهور الأخيرة، وهو ما لا يمكن فصله عن الاتصالات والتفاهمات التى كانت - وربما ما زالت- تجرى بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وهو مسار يبدو أنه كان يتوافق مع حسابات الإدارة الأمريكية.

هذه الحسابات كانت ترتبط ـ قبل صراع غزة - بمحاولة الوصول إلى تهدئة لمعظم الملفات الإقليمية الرئيسية فى المنطقة، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فى نوفمبر 2024، حيث يحاول الرئيس الأمريكى تحقيق أى نجاح يحسب له أمام شعبه بعد فشله المتكرر فى عدة ملفات سواء فى الداخل الأمريكى أو فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.. ووفق محللين فإن بايدن لن يحاول فتح حرب جديدة قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية، لكن خطابه الأخير جاء فقط لاستقطاب دعم اللوبى اليهودى داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن جهة أخرى يحاول بايدن إدارة الصراع غير المباشر مع روسيا، من خلال الحرب فى أوكرانيا، فى محاولة توجيه النتائج التى سوف تنتهى إليها هذه الحرب فى مسار يحفظ للولايات المتحدة الأمريكية مكانتها باعتبارها القوى الدولية الرئيسية فى النظام الدولى، بعد أن كانت هذه المكانة تتعرض لـ«ضغوط» بفعل التطورات التى طرأت على الساحة الدولية فى العِقد الأخير على الأقل.

أما الدافع الأخير الذى يؤكد أن بايدن لن يحاول الانخراط بصورة مباشرة فى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، هو محاولاته فى الدفع لإبرام مزيد من اتفاقيات تأسيس علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وبعض الدول العربية، حيث ترى الإدارة الأمريكية أن نجاحها فى تحقيق هذا الهدف كفيل بتعزيز فرص الرئيس بايدن فى تجديد ولايته الرئاسية مرة أخرى فى عام 2024.، وربما تؤجل العمليات العسكرية فى غزة هذه الخطة، لكن مازال بايدن يطمح فى تحقيق هذا الغرض.

 السيناريو الصعب

ومع كل هذا فإن انخراط واشنطن فى عمليات غزة بصورة مباشرة يمكن أن يحدث فقط فى حالة ما إذا اتسع نطاق الصراع لتشمل إلى جانب إسرائيل والمقاومة الفلسطينية بعض الميليشيات الموالية لإيران فى المنطقة على غرار حزب الله اللبنانى.

إذ إن ذلك كفيل ليس فقط بدفع واشنطن إلى الانخراط كطرف مباشر فى الحرب، وإنما أيضاً بوقف الاتصالات والتفاهمات التى تجرى مع إيران، خاصة حول الاتفاق النووى المتعثر منذ انسحاب إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب منه فى 18 مايو 2018.

 صحيح أن هذه التفاهمات لم تصل إلى صفقة جديدة فى هذا الصدد، لكن الصحيح أيضاً أنه كان هناك نوع من التوافق العام بين الطرفين على عدم الوصول إلى ما يمكن تسميته بـ«المرحلة الحرجة»، إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو مسار أصبح غير مضمون فى ظل المعطيات الجديدة التى فرضتها عملية «طوفان الأقصى»، والتى جاءت أيضًا فى وقت كانت الولايات المتحدة الأمريكية منشغلة بدورها فى الأزمة التى فرضها عزل رئيس مجلس النواب الجمهورى كيفن مكارثى، فى 4 أكتوبر الجارى.

فضلاً عن ذلك، فإن الحرب الحالية قد توفر فرصة لقوى دولية مناوئة من أجل محاولة الحصول على مكاسب منها، وكان لافتاً فى هذا السياق أنه فى اليوم الذى تحدث فيه الرئيس بايدن عن «الدعم الكامل» لإسرائيل، بدأت روسيا بدورها فى توجيه رسائل تفيد بأنها ليست بعيدة عن الحسابات الإقليمية والدولية لما يجرى فى غزة حالياً، حيث لا يمكن استبعاد أن تحاول استثمار ذلك فى إدارة صراعها مع الدول الغربية فى أوكرانيا، وهو ما يوحى فى النهاية بأن الحرب الحالية دشنت مرحلة جديدة سوف يكون لها تأثير مباشر على مسارات التفاعلات التى تجرى على الساحتين الإقليمية والدولية على المديين المتوسط والبعيد.