الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تصفية القضية الفلسطينية والدولة المصرية وطريق الحرير الصينى: هل سقطت المقاومة الفلسطينية فى الفخ الأمريكى؟

ما بين ضربات السلاح ووميض شاشات الإعلام وصرخات المنتصرين والمهزومين على حد سواء، يسكن شيطان التفاصيل باسم السياسة وألعابها التى لا تنتهى.



مسرح عمليات الشرق الأوسط يشهد جولة جديدة بعنوان طوفان الأقصى، بدأت فى 7 أكتوبر 2023، فى مشهد لا يبدو أنه سوف ينتهى قريبًا.

ومن أجل استيعاب المعطيات، يجب النظر إلى مسرح العمليات عشية طوفان الأقصى حتى نفهم المرحلة الجديدة التى قد تولد على يد نتائج ومخرجات هذه الجولة.

تفكك إسرائيل

فى إسرائيل، سيطر اليمين القومى على حكومة نتنياهو، وكشفت الحركة الصهيونية عن وجهها الدينى الأصلى، بعد قرابة مئة عام من التنكر فى رداء مدنى، تارة اشتراكى وتارة ديمقراطى وحتى قومى، ولكن الأصل جماعات دينية وظيفية سعى الغرب لصناعة كيان لها فى الشرق الأوسط يكون حائط فصل بين مصر التاريخية من جهة وعمقها الاستراتيجى فى الشام والأناضول من جهة أخرى، وهو المخطط الناجح الذى أنتج دولة إسرائيل.. حتى الآن. ومن ناحية أخرى، أفلست النخب السياسية الإسرائيلية فى إنتاج كنيست/برلمان مستقر، وفى إنتاج حكومة مستقرة، وفى إنتاج جيل جديد من الساسة قادر على تولى الحكم بعد الجيل المؤسس، وحتى المؤسسة العسكرية التى طالما حكمت إسرائيل فقد عقمت أيضًا عن تقديم سياسى قادر على أن يخرج إسرائيل من أزمتها السياسية.

خاضت إسرائيل سبعة انتخابات برلمانية مبكرة منذ عام 2013، منها خمس جولات ما بين عامى 2019 و2022، وفشلت المعارضة الإسرائيلية فى إيجاد بديل لحزب الليكود طيلة تلك السنوات.

محاولة اليمين الدينى السيطرة على القضاء وإنشاء حرس دينى موازٍ للجيش، أدى إلى إضراب فى الجيش الإسرائيلى خلال صيف 2023، وهكذا فإن ملامح الانهيار والتشرذم قد وصلت إلى جميع أركان إسرائيل، مجتمعيًا قبل الساسة والعسكريين، فسكان إسرائيل منذ عام 2011 يتظاهرن بشكل دورى من أجل مطالب لم تتحقق أبدًا، سواء الأزمة الاقتصادية والبطالة ونقص الاستثمارات الأجنبية وصولًا إلى مظاهرات ضد هيمنة اليمين الدينى على القضاء والجيش.

سبع جولات انتخابية فى 2013 و2015 وإبريل 2019 وسبتمبر 2019 و2020 و2021 و2022 لم تقدم إجابة لمطالب الناخب الإسرائيلى فى أسوأ عقد فى تاريخ أحدث دولة بالشرق الأوسط.

للمفارقة، كانت إسرائيل بحاجة إلى عملية «طوفان الأقصى» حتى يرفع الجيش والمخابرات والحكومة شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، لتهدأ الاضطرابات الشعبية ويتم خلع اليمين الدينى من الحكومة مقابل حكومة وحدة وطنية تقوم بتمشيط الجيش والقضاء على نفوذ الحاخامات وإعادة الرداء المدنى لدولة إسرائيل مرة أخرى، إلى جانب جذب التعاطف الدولى وتعاون حكومات الغرب مع تل أبيب مرة أخرى بعد التوتر الجارى بين تل أبيب وحلفائها فى الغرب على ضوء تململ حكام الغرب من التعامل مع نتنياهو.

 صراع «فلسطينى - فلسطينى»

أما فى فلسطين، فإن الرئيس محمود عباس (أبو مازن) يخطو إلى عامه الـ88 ويتولى رئاسة السلطة الفلسطينية منذ 18 عامًا، حيث تولى المسئولية فى يناير 2005 وانتهت ولايته عام 2009 ولم تجر الانتخابات الفلسطينية منذ ذلك الحين على ضوء انقلاب حماس وسيطرتها على قطاع غزة عام 2007.

تعيد المقاومة الفلسطينية بتنفيذ عملية طوفان الأقصى تقديم أوراق اعتماد جناحها السياسى للشعب الفلسطينى باعتباره الأجدر على أن يتولى رئاسة السلطة الفلسطينية خلفًا للرئيس أبومازن، رغم أن قادة الجناح السياسى لحماس قد تفاجأوا بالعملية العسكرية مثل أى متفرج حول العالم عبر شاشة التلفاز، حيث عمل الجناح العسكرى للمقاومة فى قطاع غزة على الإعداد والتدريب وتنفيذ طوفان الأقصى دون إخطار الجناح السياسى بل وبعيدًا عن أعين قادته على ضوء الاختراق والتاريخ الطويل من الوشايات الحمساوية.

الجناح العسكرى للمقاومة الفلسطينية كان بحاجة إلى تنشيط ذاكرة أهالى قطاع غزة بل وسائر الشعب الفلسطينى بأنه الفصيل الفلسطينى الوحيد القادر على ضرب إسرائيل حتى اليوم، بينما جميع الفصائل الأخرى قد تراجع دورها فى المقاومة مقابل الانخراط فى العملية السياسية.

هكذا، كان الجناح السياسى والجناح العسكرى للمقاومة الفلسطينية كل على حدة ورغم الخلافات، بحاجة إلى طوفان الأقصى.

بنك أهداف دولى

أما إقليميًا ودوليًا، فقد كان هنالك بنك أهداف مطلوب من طوفان الأقصى، فقد انتهت قمة العشرين فى الهند بإعلان الممر الاقتصادى بين الهند والإمارات والسعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، وهو المشروع المضاد لمشروع الحزام والطريق الصينى، والغرب بحاجة إلى ضرب وتعطيل مشروع القرن الصينى.

رئة طريق الحرير الصينى الثانى هى محور قناة السويس المصرية، وهى المعبر الذى سوف ينقل بضائع طريق الحرير من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب والعكس، وبالتالى فإن صناعة فوضى فى قطاع غزة وتصديرها إلى شبه جزيرة سيناء المصرية وصولًا إلى قناة السويس سوف يخدم الحرب الاقتصادية العالمية الجارية بين الصين والغرب.

كما أن المشروع الوطنى الإصلاحى المصرى بحاجة إلى ضربة تعيد مصر إلى المربع رقم صفر بحسب الحسابات الإقليمية والغربية، إذ إن خط السكك الحديدية بين طابا والعريش إضافة إلى تطوير ميناء العريش قد قضى على فكرة قيام إسرائيل بأى أدوار تجارية بديلة لمصر ما بين البحرين الأبيض والمتوسط أو استغلال سواحل إسرائيل فى حركة التجارة الدولية، ميناء العريش عقب عودة الحياة لشمال سيناء وانتهاء الإرهاب أنهى أحلام إسرائيل فى انتعاشة استثمارية واقتصادية وتجارية على سواحلها.

خلال الأعوام القليلة الماضية ورغم سيل من الجوائح الاقتصادية ضرب العالم؛ فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يتوقف عن تحقيق حلم المصريين فى تعمير وتطوير سيناء بل وتحولت إلى منصة صناعية وليست منطقة مهمشة تنتظر فتات التطوير من العاصمة كما كان يجرى عبر العصور.

ضرب المشروع الوطنى الإصلاحى وثورة البناء والتعمير والتطوير والتشغيل مفتاحه ضرب سيناء، ولأن الحروب التقليدية لم تعد تنفع مع مصر، فإن تقنيات «حرب ما بعد الحداثة» هى الحل وضرب عصفورين بحجر واحد، إيجاد مبرر لضرب قطاع غزة ودفع سكانه العزل إلى سيناء، تصدير الفوضى والإرهاب على وقع العملية العسكرية إلى سيناء، وأخيرًا أن تطول تلك الفوضى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومحور قناة السويس وطريق خط سكك حديد طابا - العريش وصولًا إلى ميناء العريش وإيقاف العمل بمدن الجيل الرابع فى شبه جزيرة سيناء وعلى رأسها مدينة شرق بورسعيد.

 تهجير سكان غزة

ويعتبر تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء واحدًا من أقدم المشاريع الصهيونية لتفريغ فلسطين من سكانها وإنتاج واقع ديموجرافى جديد لصالح الاستيطان الصهيونى، وترجم الجنرال الإسرائيلى إرييل شارون هذه الفكرة إلى مشروع سياسى فى الثمانينيات حينما كان وزيرًا للدفاع ثم لاحقًا حينما تولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية، حيث صاغ الفكرة بعنوان «فلسطين هى سيناء» بعد أن خسرت إسرائيل الأراضى المصرية عقب حرب 6 أكتوبر 1973 وبالتالى رأى شارون أن غسل عار الهزيمة يأتى بتوطين الغزاويين فى سيناء، وعلى هذا الأساس اندلعت سلسلة حروب غزة أعوام 2006 و2008 و2012 و2014 و2021 و2022 ونحن نشهد اليوم الجولة الثامنة فى هذه المحاولة الصهيونية.

تدخلت مصر فى الحروب السبع وتوصلت إلى وقف لإطلاق النار قبل أن يبدأ المخطط، ورغم أن القاهرة تلعب الدور ذاته فى الحرب الثامنة أو نسخة 2023 فإن هنالك اتفاقًا ضمنيًا بين قوى إقليمية ودولية على محاولة تجاهل الدور المصرى والمجهودات المصرية فى محاولة لإحراج مصر.

ويعود ذلك إلى اغتيال شخصية مصر الدولية التى صنعها الرئيس السيسى بسياسته الدولية، حيث لم تعد مصر تنتسب إلى محاور أو معسكرات، ولكن مصر قطب إقليمى ودولى بحد ذاته، لها شبكة مصالح اقتصادية مع جميع المعسكرات والمحاور والأقطاب ولا ترعى إلا مصالحها ومصالح شعبها فحسب، فأصبحت مصر اليوم هى الدولة الوحيدة ذات العلاقات الحسنة بالجميع، روسيا والصين والولايات المتحدة والهند وبريطانيا والاتحاد الأوروبى.

ولكن الغرب غير راض عن هذا القطب الدولى المنفرد بسياسة غير مسبوقة، وحاولوا ابتزاز مصر لجرها إلى معسكر الغرب وقطع علاقتها مع روسيا والصين، أدوات الابتزاز كانت مقالات صحفية عن ملف حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدنى، أو ادعاء أن مصر تقوم بتسليح روسيا بوجه أوكرانيا، إلى جانب إشعال النيران فى جبهات السودان وليبيا، فى محاولة لصناعة منصات للفوضى حول مصر يمكن أن تقوم بتصدير هذه الفوضى للداخل المصرى.

محاولة تجاهل وتصفية الدور المصرى الدولى والإقليمى فى القضية الفلسطينية ومن قبلها فى ملفات السودان وليبيا، يسقط كل مرة أمام مفردات الواقع وحقائق التاريخ، إذ منذ بداية طوفان الأقصى والهاتف الدولى بقصر الاتحادية لا يهدأ، حيث تلقى الرئيس السيسى اتصالات من رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس التركى رجب طيب إردوغان والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون والمستشار الألمانى أولاف شولتس وأمير قطر حمد بن خليفة آل ثانى إلى جانب عدد من قادة دول الاتحاد الأوروبى والعالم العربى والإسلامى.

 حسابات أمريكية وإيرانية

منذ بداية طوفان الأقصى، بدأ الإعلام الأمريكى لعبة التمهيد لحتمية التدخل العسكرى الأمريكى فى هذه الجولة، بنفس المخطط الإعلامى الذى استخدم فور اندلاع أحداث 11 سبتمبر 2001 للتمهيد للتدخل العسكرى الأمريكى السريع فى أفغانستان ثم العراق.

أصبحت حركة حماس فى الإعلام الأمريكى هى تارة تنظيم القاعدة وتارة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ويتم الحديث عن وجود ضحايا من الأمريكان فى صفوف القتلى ووجود مواطنين أمريكان فى صفوف الأسرى، وأن إسرائيل لم تعد قادرة على حماية نفسها ويجب أن تتدخل الولايات المتحدة لحسم هذه الجولة.

الحديث الأمريكى بسرعة التسليح وإرسال المساعدات الاقتصادية بل وفتح القاعدة الأمريكية فى إسرائيل للجيش الإسرائيلى من أجل أن ينهل من أسلحتها ما ينقصه، إضافة إلى توجه الأسطول السادس الأمريكى بالبحر المتوسط إلى سواحل إسرائيل وإرسال حاملة الطائرات فورد ثم حاملة الطائرات أيزنهاور هو أمر يفوق بكثير حماية أمريكا لإسرائيل من قطاع غزة بل يفوق حتى فكرة مشاركة أمريكا فى اجتياح برى لقطاع غزة.

ولكن بالعودة إلى رسائل الإعلام الأمريكى، فإن الإعلام الأمريكى وحتى الخطاب الرسمى للدولة الأمريكية قد ربط ما بين إيران وطوفان الأقصى منذ اليوم الأول، وأن الجناح العسكرى للمقاومة الفلسطينية يتحرك بالاتفاق مع إيران دون العودة للمكتب السياسى أو حتى قطر وتركيا بحسب الإعلام الأمريكى.

تحاول أمريكا فصل إيران عن المحور الروسى الصينى ومعاقبتها على هذا التقارب، وذلك بالتفاوض الخشن عبر السلاح، ومع وجود المارينز والأسطول الأمريكى السادس فى شرق المتوسط، فإن أية أفكار إيرانية عن التدخل أو تقديم مساعدات لحزب الله فى لبنان قبل أن تكون إلى قطاع غزة هو أمر غير واقعى على وقع التواجد العسكرى الأمريكى.

تمتلك إيران والولايات المتحدة قناة اتصال دائمة تسمى قناة جنيف، وسوف تبدأ جولة جديدة من الاتصالات عبر قناة جنيف للتفاوض على أشلاء ما يجرى فى فلسطين المحتلة، رغم أن الإعلام الأمريكى يمهد لضربة أمريكية على إيران، فإن المصالح الأمريكية - الإيرانية المشتركة أكبر بكثير من نقاط الخلاف بين واشنطن وطهران، فالولايات المتحدة تسعى إلى تهذيب السلوك الإيرانى وليس محاربته أو الإجهاز عليه.

كما أن الأجنحة الحاكمة فى الحزب الديموقراطى وإدارة جو بايدن دائما ما كانت تنتصر لرؤية التواصل والانفتاح مع إيران بدلًا من سياسة المواجهة، سواء أجنحة جو بايدن وباراك أوباما وجون كيرى وهيلارى كلنتون على حد سواء.

ومع ذلك فإن إدارة بايدن لا تستبعد توسع الحرب إلى دول أخرى، سواء لبنان عبر حزب الله أو حتى سوريا عبر الفصائل الموالية لإيران، كما أن الفصائل الموالية لإيران فى اليمن والعراق ليست بعيدة عن اللعبة إذا ما جرى استهداف حقيقى لإيران.

وهنالك جناح متطرف داخل دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية يسعى للحرب الإقليمية الشاملة فى الشرق الأوسط منذ انتهاء الحرب الباردة، ورئيس الوزراء البريطانى تونى بلير فى مذكراته كشف أن الحملة الأمريكية على العراق عام 2003 كان مخططًا لها أن تشمل سوريا ولبنان والأراضى الفلسطينية وإيران لحسم معركة الشرق الأوسط للأبد، وأن وزير الدفاع الأمريكى دونالد رامسفيلد وافق على هذه الرؤية ووضع البنتاجون المخطط كاملًا، ولكن صمود المقاومة العراقية فى الأيام الأولى للغزو الأمريكى للعراق جعل إدارة جورج بوش الابن تقتصر العمل العسكرى على العراق فحسب.

تسعى إدارة جو بايدن إلى الحصول على انتصار دبلوماسى واسع وحتى عسكرى محدود فى عملية طوفان الأقصى، ما يرمم شعبية جو بايدن والديمقراطيين أمام طوفان آخر هو دونالد ترامب الذى يبدو أن جميع العراقيل القانونية والجنائية وحتى الجمهورية التى توضع أمامه لمنعه من الترشح قد خابت ولا يزال الرئيس الأمريكى السابق يتصدر استطلاعات الرأى بين الشعب الأمريكى ليصبح نجم الشباك الأول فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية نوفمبر 2024.

تستخدم إدارة جو بايدن الديمقراطية نفس أساليب المحافظين الجدد الجمهوريين وعلى رأسهم إدارة جورج بوش الابن فى ابتكار «الشيطان» من أجل إيجاد ذريعة للهجوم عليه وتحقيق بنك الأهداف، والشيطان هذه المرة هو طوفان الأقصى وحركة حماس وربما إيران من أجل الذهاب إلى مستوى إرسال الأسطول الأمريكى السادس للمرة الأولى إلى سواحل شرق المتوسط منذ أن أرسل الرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور المارينز الأمريكى إلى لبنان عام 1958 لوقف الحرب الأهلية اللبنانية الأولى.

 إشعال الجبهة الداخلية المصرية

تفاجأ الصديق قبل العدو بقوة وتوسع التجربة والمشروع الوطنى الإصلاحى المصرى بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد ثورة 30 يونيو 2013، أنهى الرئيس السيسى مظاهر الفوضى والإرهاب والاضطرابات السياسية وأعاد الأمن إلى الشوارع والطمأنينة إلى كل بيت مصرى، وتحولت مصر إلى قطب سياسى ومركز عالمى للتجارة والطاقة وعادت لزعامة الدوائر العربية والإسلامية والإفريقية.

وكما جرى مع جميع التجارب المصرية السابقة عبر التاريخ، يتكالب الجميع على التجربة المصرية فى ذروة نضجها على أمل القضاء عليها، وتحاول دوائر غربية أن تستغل الانتخابات الرئاسية المصرية 2023 من أجل إعادة سيناريو الانتخابات الأوكرانية 2004 حينما قام عملاء الغرب بإفساد المشهد الانتخابى وتحويله من عملية انتخابية لعملية احتجاجية شعبية ما أدى إلى خسارة أوكرانيا للاستقلال والاستقرار، ما أدى إلى سلسلة من التفاعلات السياسية وصلت إلى حرب عالمية مصغرة داخل أوكرانيا تحت مسمى الحرب الأوكرانية 2022 التى لا تزال مستمرة حتى اليوم ويدفع اقتصاد كل بيت فى العالم ثمن تفاعلات هذه الحرب حتى اللحظة.

ولكن الدولة المصرية قد استطاعت وبقرار وإرادة شعبية التخلص من التنظيم المحلى للإخوان، فإن المعركة الآن أصبحت مع التنظيم الدولى للإخوان الذى يدير ملف الظهير المدنى للإخوان والعناصر المحلية الداعمة للتنظيم الإرهابى.

وعلى ضوء هذه المعطيات، فإن النائب السابق أحمد الطنطاوى الذى يدير حملة انتخابية مجهولة التمويل فى محاولة للحاق بالانتخابات الرئاسية ديسمبر 2023، قد بدأ فى التحرك ظنًا منه أنه قادر على صناعة تلك الاضطرابات التى يطلبها العدو عبر تنظيم الإخوان، هذه التحركات تشمل محاولة محاصرة واقتحام الهيئة الوطنية للانتخابات على غرار ما قام به الإرهابى حازم صلاح أبو إسماعيل حينما حاصر المحكمة الدستورية العليا، أو ادعاء وجود مشاكل فى التوكيلات الانتخابية عوضًا عن الاعتراف بحقيقة أنه بلا شعبية تذكر فى الشارع المصرى وأن هنالك فارقًا ضخمًا بين أرقام السوشيال ميديا ملعب اللجان الإلكترونية للتنظيم الدولى للإخوان وما بين نبض الشارع المصرى.

ثم لاحقًا الدعوة الهزلية لعمل توكيلات شعبية وإلكترونية عوضًا عن التوكيلات الرسمية ما يجعله يتاجر ويخاطر بحياة العشرات من المصريين الذين ينساقون خلف كلامه دون أن يدركوا أنهم بصدد إجراء جناية تزوير توكيل.

ومن المقرر أن يقوم الطنطاوى فى وقت لاحق بالدعوة للنزول والاحتجاج فى الشارع على عدم ترشحه للانتخابات بدلًا من الاعتراف بعدم قدرته على إقناع 25 ألف مصرى فحسب بتزكيته للترشح للانتخابات، كما أن هنالك مخططًا إقليميًا للدعوة إلى مظاهرات مؤيدة لعملية طوفان الأقصى، تصبح مدخلًا لمظاهرات ضد الأنظمة العربية.

وهذا المخطط ليس الأول من نوعه، ولكن المظاهرات التى شهدتها مصر فى سنوات 2005 و2007 و2011، كانت ابنة الاحتجاجات الشعبية التى اندلعت سنة 2000 دعمًا للانتفاضة الفلسطينية ثم التى اندلعت عام 2003 رفضًا للغزو الأمريكى للعراق.

والطنطاوى لا يتحرك منفردًا، ولكن جميع عناصر الظهير المدنى للإخوان ذات الاتصال بالتنظيم الدولى للإخوان والعناصر الإرهابية الهاربة خارج مصر يتحركون فى المخطط ذاته.

الاتفاق على الاختلاف لرعاية المصالح المشتركة

فى حروب ما بعد الحداثة فإن فكرة وجود معسكرات واضحة هو فعل ماض ينتمى إلى أدبيات الحرب الباردة وما قبلها فى فصول تاريخ الصراع الدولى بين الشرق والغرب، ولكن هنالك بنك أهداف لكل طرف يمكن عبره الاتفاق على الاختلاف، والذهاب إلى جولة من الصراع من أجل تنفيذ بنك أهداف كل طرف بل ويمكن أن نرى نقاط تماس بين بعض الأطراف المتصارعة والتى تسعى لحصدها بصناعة جولة من الحروب الإقليمية، تمامًا كما فعل البعض بإشعال حرب أوكرانيا أو اضطرابات غرب إفريقيا.

وإجمالًا يمكن القول أن بنك أهداف الأطراف الإقليمية والدولية فى طوفان الأقصى يشمل ما يلى:

1 – تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء المصرية وتصفية القضية الفلسطينية وحل الدولتين.

2 - إعادة توطين الفوضى والإرهاب بشبه جزيرة سيناء خاصة فى محيط قناة السويس ومحور قناة السويس والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس والمناطق الصناعية الحديثة بسيناء وصولًا إلى مدينة شرق بورسعيد وخط سكك حديد طابا - العريش وميناء العريش، ما يعنى عمليًا ضرب المشروع الوطنى الإصلاحى المصرى وتصفية 10 سنوات من العمل الدؤوب للدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى.

تصفية شخصية مصر الدولية ودور مصر التاريخى بالقضية الفلسطينية والثورة الصناعية المصرية وثورة البناء والتطوير والتعمير والتشغيل الجارية فى كل شارع مصرى.

3 - قطع الطريق على مبادرة الحزام والطريق فى شرق المتوسط وتحديدًا قناة السويس ما يعنى إيقاف طريق الحرير الصينى الثانى لصالح الممر الهندى الصهيوخليجى الأمريكى.

4 - فك الانحياز الإيرانى إلى المحور الروسى - الصينى لصالح الوفاق النووى الأمريكى الإيرانى وتفاهمات قناة جنيف.

5 - تصفية المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة والقضاء على الجناح العسكرى للفصائل الفلسطينية.

6 - اندلاع اضطرابات شعبية فى مصر- عبر الظهير المدنى للإخوان - وما تبقى من دول جامعة الدول العربية تمهيدًا لسلسلة من الاضطرابات شبيهة بما جرى فى يناير 2011 للقضاء على الدول الوطنية وتوطين نموذج اللا دولة فى الباقة المتبقية من الدول المقاومة للمشروع الأمريكى فى الشرق الأوسط.

7 - القضاء على أى محاولة للنهوض بالدولة الوطنية فى سوريا والعراق ولبنان واليمن عبر محاولة توريط تلك الدول فى حرب إقليمية عبر الفصائل الإيرانية.

ما بين تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على المشروع المصرى وفرملة طريق الحرير الصينى محاور ثلاثة هى الرئيسية فى الحرب وما بينها من محاور فرعية.. يمر الشرق الأوسط بأشرس محاولة لصناعة حرب إقليمية تصبح حربًا عالمية بالوكالة على نمط الحرب الأوكرانية، وأشرس محاولة لإحياء حركات الإسلام السياسى وتوطين الفوضى والإرهاب فى الدول الوطنية المتبقية للوصول إلى نموذج اللا دولة وتحويل الدول الرئيسية بالشرق الأوسط من لاعب إقليمى إلى ملعب إقليمى تتبارى القوى الإقليمية والدولية فى المنافسة على موارده الطبيعية والبشرية والجغرافية.