الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سيرة ذاتية بائسة ومحاولة إسرائيلية يائسة: يوم أن سقطت «جولدا»

نصف قرن يمر وتظل الرؤوس مرفوعة، جيلا بعد جيل تفتخر بيوم العزة والكرامة، يوم النصر على هزيمة كل معتد يأخذ ما لا يستحق.. عدو عكف طوال سنوات فى ابتكار أشكال متلونة لتزييف الحقائق، إلا أن شدة وقسوة الواقع، النابع عن الحق فى الأرض، يكون مستحيلًا تغييره حتى بالقوة الناعمة عن طريق استخدام الفن كوسيلة.



 

الكيان الإسرائيلى الذى فشل طوال 50 عامًا فى تغيير حقائق هزيمته فى حرب السادس من أكتوبر 1973، يحاول مرة أخرى فى استجداء الاستعطاف، وإن فشل فى تزييف الواقع، معتمدًا على نشأة جيل جديد يهوى منصات البث، التى لا تتوانى بدورها عن تقديم يد المساعدة، تحت مسمى (الحرية).

(جولدا).. فيلم جديد عن سيرة ذاتية محدد مقتصر، دون تفاصيل تاريخية، تتناول أياما قليلة من اللحظات المميتة التى عاشتها رئيسة حكومة الاحتلال الإسرائيلى «جولدا مائير» قبيل الحرب، وأحلك لحظاتها الصعبة التى عاشتها مع حكومتها إثر المفاجأة التى تعرضوا لها، والفشل الإسرائيلى الذريع فى معرفة وقت الحرب، والتى برزت فى مشهد اجتماع الحكومة بعد الهجوم المفاجئ، حينما قال أحد المسؤولين الإسرائيليين إنهم دفعوا - حينها - 100 مليون دولار لبرنامج الاستماع التجسسى، من أجل التحذير قبل 72 ساعة من ساعة الصفر للهجوم.

لم يكن الغرض من العرض المستمر لأكثر من 100 دقيقة إبراز انتصارات حرب أكتوبر فى «سيناء»، أو على «الجولان»، والنجاحات العظيمة التى حققتها «مصر، وسوريا» فى استعادة أراضيهما المحتلة، بل ركز الفيلم على جوانب إنسانية لاستقطاب التعاطف مع «مائير»، ووزير الدفاع الإسرائيلى «موشى ديان»، والعدو الإسرائيلى بشكل عام.. وذلك بعد أن تكبدت إسرائيل خسائر فادحة، وتعرضت «مائير» لانتقادات لاذعة، بسبب افتقار الحكومة الإسرائيلية إلى الاستعداد، والبطء فى اتخاذ القرار والتصرف.

الفيلم قدم شخصية «مائير» التى تلعب دورها الممثلة البريطانية «هيلين ميرين»، كسيدة مضحية، وعاطفية، مريضة وفى الوقت ذاته تتابع أعمالها، تجرح إصبعها بأظافرها من شدة الضغط عليها نتيجة للتوتر الشديد أثناء سماعها أصوات جنود الاحتلال، وهم يستغيثون من هجوم القوات المصرية!!

ولم يقدم الفيلم الصورة الحقيقية المنافية، حينما احتلت إسرائيل قبلها الأراضى الفلسطينية، وجزءًا من الأراضى العربية المجاورة، بل بررها فى سياق القصة، بأنها خطوة اتخذت لإجبار الدول على الاعتراف بإسرائيل حينها، وهو الجزء الذى برز بوضوح خلال المحادثات الهاتفية بين «مائير» و«هنرى كسينجر»، الذى لعب دوره الممثل «ليف شرايبر»!!

على كل.. ليس لدى المخرج «جاى ناتيف» أو الكاتب «نيكولاس مارتن» الكثير ليقولاه عن طفولة «مائير»، أو مرحلة البلوغ المبكرة فى الفيلم، بل نجدها امرأة عجوز فى عمرها، تتخذ قرارات رهيبة، عندما تتعرض قوات الاحتلال الإسرائيلى لهجوم من الجانبين. 

إن اللحظات المختصرة فى الفيلم، أثارت استياء عدد من النقاد حول العالم، حيث أعرب عضو دائرة نقاد الدراما فى «نيويورك»، والناقد فى صحيفة «نيويورك بوست» الأمريكية، «جونى أوليكسينسكى» عن استيائه من الفيلم، إذ قال، إنه: «عندما تم الإعلان عن فيلم (جولدا) لأول مرة، بدا الأمر وكأنه سيذهب إلى طريق جائزة الأوسكار»؛ مؤكدًا- فى الوقت ذاته- أنه تفاجأ على نحو غير سار بمدى رداءة إنتاج الفيلم. 

وأضاف أن بطلة الفيلم، هى شخصية مختبئة فى أطراف صناعية، وشعر مستعار رمادى، على أمل أن يؤدى التحول المشابه إلى صرف الانتباه عن الكتابة السيئة، والافتقار التام إلى البصيرة؛ موضحًا أن مساحيق التجميل لا تعوض عيوب الفيلم العديدة؛ معتبرًا أن الفيلم رخيص المظهر.

من جانبه، اعتبر الناقد «بيتر برادشو» بصحيفة «جارديان» البريطانية أن الفيلم ممل إلى حد كبير؛ واصفا إياه أنها سياسية راكدة، بينما قدمت صورة شخصية لـ«مائير» بشكل سطحى؛ متسائلًا: لماذا لم يتمكن الفيلم من تصوير المشاهد الأهم فى حياة «جولدا»، وتم اللجوء إلى اللقطات الأرشيفية فقط، دون الاستناد على خطى درامية متوازية.

أما الناقد «ريكز ريد» فى صحيفة «أوبرزفر» البريطانية، فقال إنه من الواضح أن شجاعة الممثلة «ميرين»، التى لا هوادة فيها، وثقتها بنفسها بأنها تستطيع لعب أى دور تريده؛ مضيفًا فى الوقت ذاته - أن تجسيد رئيسة الوزراء الإسرائيلية المسنة ليست واحدة من تلك الشخصيات التى يمكن أن تجسدها الممثلة.

الانتقاد لم يتوقف عند النقاد الغربيين فحسب، بل رأت ناقدة بصحيفة «ساوث تشاينا مورنينج بوست» الصينية أن الفيلم مثقل بمهمة شبه مستحيلة، تتمثل فى نقل تعقيدات السياسة الإسرائيلية فى هذه الفترة، إلا أن المخرج لم يتمكن من التغلب على هذا مثلما لم تستطع «مائير» حينها أيضًا.

وبعيدًا عن الانتقاد الذى يشوب الفيلم، إلا أنه أثار جدلًا واسعًا فى الأوساط العربية والمحلية أيضًا.. كما أن انتشاره المفاجئ خلال الأيام القليلة الماضية التى سبقت الذكرى الـ50 لحرب السادس من أكتوبر، رغم عرض الفيلم لأول مرة على «نتفليكس» يوم 25 أغسطس الماضى، أثار الشكوك، وتحديدًا بعد أن عرض الفيلم (كاملًا) على مواقع التواصل الاجتماعى، رغم حقوق الملكية التى يلتزم بها الغرب، ومواقع التواصل التى تحذف أى مواد تحمل حقوقًا ملكية ما إن تجاوزت عددًا محددًا من الثوانى!!

ومع ذلك، قوبل الفيلم بين الشباب المصرى على مواقع التواصل بنظرة فخر واضحة، ظهرت جليًا فى التعليقات وتحديدًا فى المشاهد التى تناولت خسارة الجانب الإسرائيلى، اعتزازًا بالنصر المصرى.

فى النهاية.. يعد أبرز ما يمكن أن يختتم به فيما يخص التعليق على الفيلم، هى تلك الجملة التى قيلت باللغة المصرية خلال أحداثه، أثناء لحظات العبور، من قبل أحد الجنود المصريين، والتى دوت صداها داخل الأروقة الإسرائيلية، وأرهقت رئيسة الحكومة الإسرائيلية «جولدا مائير»، وقادة الاحتلال من حولها، وهى: «الصهاينة كلهم ماتوا.. إحنا مسيطرين كل السيطرة على المنطقة.. كل الاحترام ليكم وللجيش المصرى».