الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نص التقرير الذى يؤكد الهزيمة الإسرائيلية فضيحة.. وليس تقصيرًا!

 يعترفون: الثغرة فشلت تمامًا.. والسبب شارون!



 ويؤكدون: الجيش الإسرائيلى كان مفككًا ومهلهلاً.. وليس جيشًا!

ويقولون: نتائج حرب يونيو جعلت المجتمع فاسدًا مسترخيًا!

 

لماذا يجب أن نعيد نشر ما جاء فى هذا التقرير؟!.. لأنه لم ينشر بالكامل.. سوى فى العام الماضى.. ولأنه لم يزل أقوى دليل وأهم اعتراف إسرائيلى على ما جرى فى أكتوبر 1973 بعد مرور ربع قرن.. وبعد ظهور الدعاوى التى تقول إن الحرب قد انتهت بالتعادل!! ولأنه يؤكد - حسب أقوالهم - أن الثغرة لم تنجح.. ولأنه يؤكد كذلك أن سبب هزيمة إسرائيل لم يكن جيشها فقط، وإنما شعبها.. وبالتالى فإن الذى هزم لم يكن الجيش، وإنما الدولة بأفكارها وثقافتها وقيمها الحضارية المزعومة.

 

استغرق عمل لجنة «أجرانت» أربعة عشر شهرا كاملا، بحثت خلالها عشرات الآلاف من الوثائق، خلال مائة وست وخمسين جلسة.. وتم الاستماع إلى ستين شاهدا بداية من رئيسة الوزراء جولدا مائير، حتى صغار الجنود.. وظل التقرير النهائى الكامل سريًا لم يفرج عنه إلا فى العام الماضى فقط.

يقع التقرير فى «1552» صفحة، ويتناول أربعة أجزاء.

الأول: المعلومات التى توافرت فى الفترة التى سبقت الحرب والتى تتحدث عن نوايا مصر وسوريا فى إعلان الحرب، ومصداقية هذه المعلومات.

الثانى: استعدادات الجيش الإسرائيلى فى الأيام التى سبقت الحرب.

الثالث: تنظيم الجيش الإسرائيلى بشكل عام.

الأخير: عمليات الجيش الإسرائيلى لصد الهجمات المصرية والسورية.

وفى الجزء الأول تم تحديد ثلاثة عناصر أساسية كانت وراء فشل المخابرات الإسرائيلية فى توفير معلومات وتقديرات مسبقة وتقديمها للجيش الإسرائيلى لكى يحتاط، ويفشل الخطة المباغتة والخداع المصرى.. إذ إن المخابرات الإسرائيلية كانت لديها قناعة تامة بأن مصر لن تدخل الحرب دون أن تتأكد تماما من أنها تمتلك قدرات جوية تستطيع أن تضرب العمق الإسرائيلى.. وفى الوقت نفسه أن تدخل سوريا الحرب بمفردها.

وكان السبب الثانى.. هو فشل «إيلى زعيرا» مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية فى تحقيق الوعد الذى قطعه على نفسه بأن المخابرات الإسرائيلية ستمنح الجيش الإسرائيلى إنذارًا مسبقًا بفترة تكفى لحشد منظم لقوات الاحتياط.. وكذلك الفشل الكامل فى تفسير المعلومات الخاصة بوجود حشود مصرية وسورية، والتى اعتبرت أنها مجرد تدريبات على الجبهة المصرية وذات نسق دفاعى على الجبهة السورية.

وكشفت المناقشات الساخنة داخل لجنة «أجرانت» أن خطة الخداع المصرية كانت ناجحة لأقصى درجة، وأقنعت الإسرائيليين بأن احتمال نشوب حرب على الجانب المصرى ضئيل للغاية.. على الرغم من توافر المعلومات للإسرائيليين عن إجلاء العائلات الروسية من مصر وسوريا بشكل مفاجئ.. حتى إن الأمر تم فى سوريا بطريقة مرتبكة.. فقد نقلت العائلات فى أتوبيسات ثم إلى أحد الموانئ السورية، لكنهم أعادوهم فى منتصف الطريق بعد أن وصلت طائرات روسية لكى تسافر بهم لبلادهم.

وبالنسبة لمصر تم الأمر بشكل أكثر دقة، حتى إنها خدعت المخابرات الأمريكية نفسها.. فقد كشفت لجنة التحقيق أن مدير المخابرات الإسرائيلية «إيلى زعيرا» لجأ للمخابرات الأمريكية لكى تفسر له ما يحدث فى ميناء الإسكندرية من عمليات ترحيل لعائلات الروس فى مصر.. والتى بدورها فسرت الأمر على أنه تبادل لأطقم الخبراء الروس وعائلاتهم.. ليس أكثر!

وكشف التقرير عن عيوب داخل الجيش الإسرائيلى الذى فقد حالة الانضباط العسكرى.. وأصبح يعيش على أسطورة وهمية بعد حرب يونيو 1967.. ويقول التقرير: لقد نمت وترعرعت فى الجيش الكثير من الصلاحيات بدون سند قانونى.. وهذا ما أكده أحد القادة برتبة عميد أثناء شهادته إذ يقول: لقد أدت مشكلة الانضباط إلى أضرار هائلة فى مجال ضياع الأسلحة والأضرار بالمعدات ووقوع حوادث الموت عن طريق الخطأ.

وأضاف التقرير: «الأمر والطاعة هما أبرز ملامح الوظيفة العسكرية بالمقارنة إلى المهن الأخرى، وبدون انضباط عسكرى يتحول الجيش إلى جماهير مسلحة.. والجيش الذى يتميز بعدم الانضباط من شأنه أن يقع فى سلسلة من الأخطاء والعيوب».

وحسب رأى اللجنة، فإن هذه العوامل أثرت بصورة سلبية على حالة الانضباط داخل المجتمع الإسرائيلى بصفة عامة.. خلال الفترة ما بين حرب يونيو 1967 وحرب أكتوبر 1973.

وعن تأثير ذلك على المجتمع المدنى الإسرائيلى تقول اللجنة: «إن أى جيش مثل جيش الدفاع الإسرائيلى لا يمكن أن يعيش بمعزل عن المجتمع المدنى.. ولقد أصاب المجتمع الإسرائيلى الكثير من العيوب فى أعقاب انتهاء التوتر بعد الانتصار فى حرب يونيو 1967.. ومن هذه العيوب.. تفشى جو الثراء الوهمى، والملاحقة التقليدية للإنجازات والمكاسب المادية السهلة وأخلاقيات العمل المتردية من جانب العاملين الذين يمارسون العقوبات على الجمهور..»، أضيفت الجملة الأخيرة بتأثير من جانب عضو اللجنة حاييم لسكوف.. مدير عام هيئة الموانئ الذى فقد وظيفته فى أعقاب نزاعات وصراعات عنيفة مع عمال الميناء.. وهناك سلبيات أخرى تفشت فى المجتمع الإسرائيلى أشارت إليها اللجنة.. والتى كشفت عن الوجه الحقيقى للمجتمع الإسرائيلى عندما يكون فى حالة استرخاء بعيدا عن الحرب، إذ يقول التقرير: إن مناخ سيطرة المادة وتقلص القيم يحمل معه خطر التفكك والفوضى، ونظام حساب الرواتب والضرائب، حيث يجد المواطن صعوبة فى التعامل معه دون اللجوء إلى الكثير من الألاعيب والحيل التى تدفعه إلى تجاوز حدود القانون واللجوء إلى النفاق والتلون.. وهناك من سيرون فى هذا الجزء تحليلاً خطيرًا ومؤلمًا للمساوئ الاجتماعية.. التى لا تزال سارية حتى الآن.

وأضاف التقرير: «بعد انتصار يونيو 1967 حصل قادة الجيش الإسرائيلى على هالة وتقدير.. ولكن مع هذا الإحساس بالفخر أتت مظاهر الدعة والاستكانة وتخفيف التوتر والهدوء.. وبدأت تطفو مظاهر عدم الحرص فى استخدام المال العام»!

وأكد التقرير أن الجيش الإسرائيلى كان مفككًا من الداخل رغم كل ما كانوا يزعمونه من أنه جيش لا يقهر.. لينكشف الوجه الحقيقى لتلك الأسطورة الزائفة.. إذ يقول: «فى أعقاب حرب يونيو 1967 وبسبب الزيادة فى حجم القوات ظهرت الحاجة إلى سرعة الترقى، وعلى وجه الخصوص بين صغار الضباط.. وكان لهذا تأثيره السلبى على قدرة الضابط فى توحيد صفوف وحدته، ويفرض أساليب الانضباط العسكرى».. وشهد أحد كبار القادة أمام اللجنة قائلاً: «هناك المرحلة التى نتعرف فيها على المنصب وندرسه، وهناك المرحلة الثانية بأن تؤدى المهنة أو الوظيفة.. ومن الضرورى أن تكون هناك مرحلة ثالثة فيها يكون من الواجب عليك أن تساهم لصالح المنصب باعتبارك صاحب خبرة ومحنكًا.. وللأسف الشديد فإننا فى جيش الدفاع الإسرائيلى لا نصل على الإطلاق إلى المرحلة الثالثة»!

وجاء فى التقرير أيضا: «بمرور الأعوام حدث غموض وعدم وضوح فى تحديد وتعريف الصلاحيات ومسئولية الجهات المختلفة التى يتكون منها جيش الدفاع الإسرائيلى.. وأصبح هناك من يمارسون الصلاحيات دون أى سند أو قاعدة، فى التشريع العسكرى ودون أن يفرض عليهم أى مسئوليات رسمية مقابل ذلك».

ومن أمثلة ذلك ما يسمى بقضية «تسئيليم» الثانية.. التى اتضح فيها أنه لم يكن هناك أى ضابط كبير مسئول بصورة رسمية عن المناورة التى لقى فيها خمسة من جنود «دورية هيئة الأركان» مصرعهم.. واتضح أيضا أن رئيس الأركان لم يعين قائدًا للمناورة، بل عين «مشرف».. وهذا مصطلح غير موجود داخل الجيش الإسرائيلى!

وبناء على ما عثرت عليه لجنة أجرانت من العيوب والسلبيات داخل الجيش الإسرائيلى قبل حرب أكتوبر 1973، قدمت توصية مهمة، لكن هذه التوصية لم تدخل حيز التنفيذ، وهى أن يتم تعيين منسق عام للجيش الإسرائيلى برتبة لواء يكون خاضعًا فقط لسلطة القانون الذى سيعمل بناء عليه «أى أنه لن يكون خاضعًا لرئيس هيئة الأركان»، وأشارت اللجنة إلى أن مثل هذا التعيين من شأنه أن يؤدى إلى احتكاك بين نشاط المفتش العام وأداء دور هيئة الأركان وقادة الجيش، لأن الأخيرين من شأنهما أن يريا فيه مصدرا للإزعاج.

لكن رؤساء الأركان ووزراء الدفاع تخوفوا كثيرا من مثل هذا الاحتكاك وتنصلوا من تنفيذ التوصية!

وأطاحت لجنة التحقيق بعدد لا بأس به من رؤوس الجنرالات الذين تميزوا بالصلف والغرور.. ثم جاءت ردود أفعال الإسرائيليين الذين شعروا بمرارة الهزيمة لتقيل الساسة الذين حاولت اللجنة تبرئتهم.

واتهمت اللجنة رئيس الأركان الإسرائيلى «دافيد إليعازر» بأنه يتحمل مسئولية ما حدث عشية حرب أكتوبر بشكل شخصى لعدم تقديره الصحيح وإخفاقه فى مجال استعداد الجيش الإسرائيلى.. ليتحول الرجل فى لحظة واحدة من النقيض للنقيض فى أعين الإسرائيليين.. حيث جاء فى قرار اللجنة: «نحن نقر اتهامه بحزن وأسى، فقد كان رئيس الأركان يتمتع بثقة كبيرة لدينا ولدى الإسرائيليين، ولكن لأنه لم يصمد وارتكب أخطاء كثيرة.. فنحن نوصى بإنهاء خدمته كرئيس الأركان».

ومن جانبه، كشف الجنرال «أفراهام برن» قائد القطاع الشمالى من سيناء أثناء الحرب.. أن لجنة التحقيق لم تحقق فى أمر ما يسمى بـ«الثغرة» التى قام بها إريل شارون نحو الضفة الغربية للقناة.. وأكد الجنرال بكل وضوح أنها كانت عبارة عن فشل تام!

وأنه بالإضافة لذلك فقد كذب شارون على اللجنة، حيث كان قائدا للقطاع الأوسط من سيناء، وكانت خطة هيئة الأركان أن يتم القيام بهجوم مضاد من خلال قوات القطاع الشمالى، بينما تبقى قوات شارون كاحتياطى لها، ثم تهاجم قوات شارون وتبقى قوات الجنوب احتياطية لها.. لكن شارون ترك مكانه كقوات احتياطية تاركا قوات القطاع الشمالى «عارية»، الأمر الذى كاد يؤدى إلى كارثة.. على حد قول الجنرال الإسرائيلى.. الذى أضاف: إن شارون لم يلتفت لاعتراض بقية ضباط قطاعه، كما أنه انسحب من أربعة مواقع، وادعى أن قائد القطاع الشمالى هو الذى تركهم.. وقد أقرت اللجنة بالرغم من كل هذا أنه أخطأ فى هذا الأمر، لكنها لم تدنه!

وأدان التقرير رئيس المخابرات العسكرية «إيلى زعيرا».. إذ قالت اللجنة: «إنه تبنى بشدة قناعة خاطئة أوقفت أى استعدادات مطلوبة للجيش الإسرائيلى وتعامل مع الأمور باستبداد دون الأخذ بمشورة الآخرين، وهو الأمر النابع من ثقة بالنفس جعلته صاحب القرار الأخير فى الأمور المخابراتية.. ورأينا أنه إزاء فشله الخطير، فإن الجنرال «زعيرا» لا يستطيع الاستمرار فى عمله كرئيس للمخابرات العسكرية.

من جانبه، شن «إيلى زعيرا» هجومًا شديدا على لجنة التحقيق واتهمها بمحاباة الحكومة الإسرائيلية.. فى مقال شهير نشرته جريدة «هاآرتس» الإسرائيلية والذى بدأ بمقدمة عن أهمية السلطة القضائية للحفاظ على الديمقراطية من الفساد الذى قد يشوب السلطتين التنفيذية والتشريعية.. واتهم لجنة أجرانت بأنها أضرت كثيرا بالديمقراطية الإسرائيلية وأضاف, ؤن اللجنة خرجت بأن هناك أخطاء جسيمة وقعت قبل حرب أكتوبر 1973 وخلالها.. ولكنها لم تحدد بالضبط تلك الأخطاء.. وكانت تحليلات اللجنة لهذه الأخطاء عقيمة.. والأخطر أن اللجنة رفضت إلقاء المسئولية على الأشخاص الذين كان من الواضح أنهم مسئولون عنها».

وانتقد زعيرا قيام اللجنة بإدانة رئيس الأركان بصفته عسكريا متخصصا، بينما برأت وزير الدفاع «موشيه ديان» لأنه ليس من أهل التخصص.. قائلا: «لقد كان الظلم البين يتمثل فى القول بأنه كان من الواجب علی «دافيد إليعازر» رئيس الأركان أن يتوصل بنفسه إلى تقييم مستقل فى حين أن وزير الدفاع لم يكن ملزما أن يفعل ذلك.. رغم أن الأمر لم يكن مرتبطا بالوضع العسكرى فقط، بل كان يتعلق بالتقييم السياسى حول النوايا السياسية للزعيمين المصرى والسورى، «حيث إن قرار شن الحرب من أهم القرارات السياسية التى يمكن أن يتخذها رئيس دولة».

وينتقد خطة الدفاع الإسرائيلية على البر الشرقى للقناة، والتى كانت تعتمد على وجود قوة نظامية، بما فيها من السلاح الجوى، تكفى من وجهة نظر رئيس الأركان لإيقاف العبور المكثف من قبل القوات المصرية إلى أن يتم استدعاء قوات الاحتياط.

ويقول زعيرا: «لقد كان وزير الدفاع على علم خلال عامين على الأقل بالجدل الشديد الذى ثار داخل جيش الدفاع الإسرائيلى حول مفهوم الدفاع فى جبهة قناة السويس، حيث كان المفهوم الرسمى الذى وصفه «حاييم بارليف» ينصب على أنه يجب الدفاع عبر خط المياه «القناة».. بينما طالب كل من «يسرائيل طل» و«إرييل شارون» بتبنى أسلوب الدفاع المتحرك وإدارة المعركة الدفاعية فى المنطقة بين القناة وممرى «متلا والجدى»، وعلى الرغم من ذلك وقف وزير الدفاع - موشى دايان - لا يحرك ساكنا.. فهو لا يؤيد الموقف الرسمى، وكذلك لا يؤيد الموقف المعارض.. والأمر هنا لا يتعلق بجزئية عملية، ولكنه قرار استراتيجى من الدرجة الأولى.. ويوجه زعيرا «رئيس المخابرات العسكرية أثناء الحرب» الاتهامات إلى موشى دايان وزير الدفاع فى ذلك الحين قائلا: «وفقا لتقييم وزير الدفاع للوضع فى نهاية شهر مايو 1973.. هناك احتمال نشوب الحرب فى النصف الثانى من فصل الصيف، أى خلال ثلاثة أو أربعة شهور من اليوم الذى أصدر فيه توجيهاته لهيئة الأركان لكى تستعد للحرب.. فماذا فعل فى هذا الصدد؟!.. هل انتهى دوره بمجرد الإبلاغ بنتائج تقييمه لهيئة الأركان؟!

ألم يكن من الواجب أن يتحمل المسئولية ويصدر قرارا حاسما فى قضية مصيرية جدا مثل مفهوم الدفاع بالنسبة لجبهة القناة؟! علاوة على ذلك.. رغم أن نسبة القوات على خط القناة بلغت خمسين إلى واحد لصالح القوات المصرية.. لم يدرك وزير الدفاع رغم خبرته أن سلاح الجو الإسرائيلى ليس فى استطاعته تقديم المساعدة للقوات البرية، لأنه يحتاج إلى يومين على الأقل من أجل تدمير الصواريخ «أرض - جو» ولن يستطيع تقديم أى عون ما لم ينفذ هذه المهمة».

ويختتم زعيرا اتهاماته قائلا: «ألم يكن من مسئولية وزير الدفاع أن يدرك أن هناك دعامة أساسية من دعائم النظرية الأمنية - القوات الجوية - منهارة»؟!

وبالفعل أثار التقرير الذى صدر عن لجنة أجرانت ردود فعل عنيفة داخل المجتمع الإسرائيلى الذى لم يصدق الصدمة التى كشفت عن الأساطير والأوهام التى اخترعها قادتهم.

وشعروا بانهيار كل المزاعم.. وأنهم عرايا أمام القوات المصرية.. وبعد تصريح القيادات العسكرية بتوصيات من اللجنة.. خرجت مظاهرات عنيفة تطالب بمعاقبة القيادات السياسية التى أوهمتهم بقوة زائفة!

وكانت الصفعات موجهة بشكل أساسى إلى جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل فى ذلك الوقت.. وموشى دايان وزير الدفاع.. وكان معظم المتظاهرين من جنود الاحتياط تعبيرا عن مرارة الهزيمة، قد نظموا إضرابات عن الطعام.. مما دفع جولدا مائير للاستقالة وتشكيل حكومة جديدة برئاسة إسحق رابين.

فى نفس الوقت نشبت حرب داخل الجيش الإسرائيلى نفسه سميت بـ«حرب الجنرالات» تبادل فيها القادة الاتهامات بالتقصير، بل الكذب فى تقارير رسمية والفشل فى تنفيذ المهام.. كان لكل هذه الأحداث، تأثير أعمق داخل المجتمع الإسرائيلى من جميع جوانبه.. حتى إن البعض أطلق عليه الزلزال الذى هز المجتمع الإسرائيلى.

ومن ثم تم الكشف عن العديد من سلبيات هذا المجتمع، والتى أطلق عليها فى ذلك الوقت التقصير «مجدال»، وذلك من أجل تخفيف وقع الهزيمة، ليصبح مصطلحا فى كتابات الإسرائيليين خاصا بالسلبيات التى أدت إلى هزيمتهم فى حرب أكتوبر.

والواقع أن ما جاء فى التقرير وما تلاه من ردود فعل يؤكد أن هزيمة إسرائيل لم تكن «تقصيرا»، وإنما فضيحة إسرائيلية بكل المقاييس!

ولقد أدت حرب أكتوبر إلى شعور لدى الإسرائيليين، بأن دولة إسرائيل حلت عليها لعنة الحرب، ولا بد من وضع نهاية لهذه الحروب انطلاقا من ضرورة أن تعيش هذه الدولة فى سلام مع جيرانها حتى لو اقتضى الأمر التنازل عن بعض الأراضى التى تم احتلالها عام 1967.. وكانت هذه بداية ما يعرف بحركة السلام الآن.

ولكن على الجانب الآخر.. ظهرت حركات أخرى متشددة تدعو إلى المزيد من الاستيلاء على الأرض، وتؤكد على ضرورة التمسك بها مع بناء المزيد من المستوطنات مثل حركتى «جوش أمونيم» و«أرض إسرائيل الكبرى».

وهناك مجموعة أخرى خاصة بين العسكريين ترفض الاعتراف بهزيمة القوات الإسرائيلية، ويقولون: إن الحرب انتهت بالتعادل، بعدما عبرت القوات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية للقناة التى عرفت بالثغرة.. وأن ما خسرته إسرائيل لا يمثل شيئا كبيرا مقارنة بما حققته فى حرب يونيو 1967.. وقد ابتكر هذا الادعاء المغلوط وزير الخارجية الأمريكى فى ذلك الوقت «هنرى كيسنجر».. وهو يهودى الديانة.