السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فى الذكرى الـ50  لنصر أكتوبر  جيش مصر هو الأقوى فى الشرق الأوسط  الرصاصة لا تزال فى جيبنا.. كيف غيرت الحرب خريطة المنطقة؟ وكيف تعيد رسمها من جديد؟ وكيف حددت مبادئ السياسة الأمريكية تجاهها؟

فى الذكرى الـ50 لنصر أكتوبر جيش مصر هو الأقوى فى الشرق الأوسط الرصاصة لا تزال فى جيبنا.. كيف غيرت الحرب خريطة المنطقة؟ وكيف تعيد رسمها من جديد؟ وكيف حددت مبادئ السياسة الأمريكية تجاهها؟

جاء  أكتوبر.. أهلاً أيام النصر.. تلك الأيام المَجيدة.. التى يتجدد معها كل عام إحساسُ الفَخر والعزة والكرامة.



 

وكأن الرجال يَعبرون الآن.. وتَعبر الأمّة المصرية كلها معهم حاجز الخوف والانكسار.. وصدَى صوتهم فى السماء «الله أكبر.. الله أكبر».. ودماء غالية لا تفرّق بين مسلم ومسيحى هم أبناء هذه الأرض الطيبة منها وُلدوا وفى سبيلها ضَحوا وعليها استشهدوا.. سلام على جيل أكتوبر.. سلام على الأرض والشهداء فى كل حين.

وفى كل عام نسعى لمعرفة تفاصيل أكثر عن حرب أكتوبر ومعجزة العبور.. نصر أكتوبر ليس مجرد مناسبة نتحدث عنها.. إنه الفصل الأهم فى حياة الأمّة المصرية.. نعم حياة الأمم عبارة عن فصول تاريخية.. تبدّل حالها.. تعيد رسْمَ مَلامحها من جديد.. فصول تضع الماضى والحاضر والمستقبل فى قوالب مُحددة؛ لتؤكد أن مرورَها لم يكن أبدًا مرورًا عابرًا.

وعند الحديث عن نصر أكتوبر المَجيد فنحن نقف أمامَ فاصل تاريخى غيّرَ كل المَوازين العسكرية والسياسية والاقتصادية؛ بل إنه غيّر خريطة الشرق الأوسط.. وأعاد ترتيب مُحددات القوَى الدولية تجاه المَنطقة بمفاهيم لا تزال قائمة إلى يومنا هذا.

حرب  أكتوبر وإن كانت تشكل فى معناها المجرد حربَ تحرير بكل ما تحمله الكلمة من بطولات وتضحيات نظل نحكى عنها ونتباهَى بها إلى الأبَد.. إلا إنها فى ثقلها الاستراتيچى تشكل الحدث الأهم خلال القرن العشرين، والذى تمتد منه كل الخطوط الاستراتيچية التى تتحكم فى موازين الشرق الأوسط سواء فى زمن مضى أو زمن نعيشه أو زمن يحيا فيه غيرنا.. وهو ما سأسعَى إلى توضيحه فى النقاط الأتية: 

 أولاً- الهدف الاستراتيچى المباشر عام 73 والهدف الاستراتيچى الذى تحقق عام 2020 

عندما تمكنت القوات المسلحة المصرية من تحطيم نظرية الدفاع الإسرائيلى يوم السادس من أكتوبر عام 1973 كان الرجال يشعلون النارَ وينزفون الدماءَ على الأرض المقدسة لتحريرها وفى الوقت نفسه؛ يمزقون الأوراق والمفاهيم السياسية التى رسمت مصير المنطقة منذ عام 1948 وبلغت مَداها عام 1967 والمتمثلة فى وهْم (نظرية الأمن الإسرائيلى) والتى تخلصنا منها عام 1973 لنعلن نحن عن قواعد جديدة للعبة من موقع المنتصر.

وظنّى أن هذا الهدف الاستراتيچى المتمثل فى تحطيم نظرية الدفاع الإسرائيلى أو نظرية الأمن الإسرائيلى التى كانت تؤسّس على  ضمان تفوُّق إسرائيل على العرب.. كان حاضرًا فى عقلية الرئيس الراحل محمد أنور السادات والقيادة العسكرية المصرية، وهو ما ظهر واضحًا فى التوجيه السياسى العسكرى الصادر من الرئيس السادات إلى المشير أحمد إسماعيل يوم السادس من أكتوبر عام 1973، وكذلك فى أحاديث متعددة للرئيس السادات خلال مسار استكمال استعادة الأرض بالسلام ليصبح السادس من أكتوبر عام 1973 هو بداية تاريخ جديد للشرق بمفهوم استراتيچى جديد. واليوم وبَعد 50 عامًا على النصر المَجيد.. وبكل صدق لا نقول فقط إن مصر نجحت فى تحقيق هدفها بتحرير الأرض؛ ولكنها نالت مَرادها الاستراتيچى فى عام 2020 عندما أصبحت تمتلك القوة العسكرية الأكبر فى المنطقة؛ لنؤكد أن «الرصاصة لا تزال فى جيبنا»، حيث نسعَى إلى ربط ما جرَى قبل 50 عامًا بما يجرى اليوم.

نَعَم «الرصاصة لا تزال فى جيبنا».. ففى أحدث تصنيف لموقع جلوبال فاير باور جاء تصنيف الجيش المصرى فى المرتبة التاسعة عالميًا متفوقًا على جيوش إسرائيل وإيران وتركيا، وذلك بَعد طفرة التحديث الكبرى والشاملة لقواتنا المسلحة خلال التسع سنوات الماضية، وبمعنى أوضح منذ تحمَّل الرئيس عبدالفتاح السيسى المسئولية والذى يدرك ما يمثله مفهوم «امتلاك القدرة» وكثيرًا ما تحدث به لما تمثله القوات المسلحة المصرية من عامل قوة واستقرار لمصر والإقليم فى ظل حالة السيولة التى ضربت منظومة الأمن الإقليمى بَعد سقوط عدد من الدول المركزية فى المنطقة وأصبحت ميليشيات الإرهاب تحاصر ما تبقى من دول بهدف الانقضاض عليها فى لحظة وَهَن وتدميرها بمساعدة دول إقليمية أخرى.

 ثانيًا - مسئولية القرار وحجم الضغط الذى يتحمله صانع القرار فى لحظات تقرير المصير 

فى كتابه الشهير «البحث عن الذات» وصَفَ الرئيس الراحل محمد أنور السادات التركة التى تسلمها من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بالتركة المُبهمة!!.

فى كل ما يخص أوضاع الدولة المصرية عام 1970 عندما تولى الرئيس السادات الحُكم.. أوضاع مبهمة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا؛ فضلاً عن الوضع الاجتماعى المتمزق.. الشارع الذى فقد ثقته فى نفسه وفى كل شىء.

تركة غير واضحة المَعالم وكان عليه أن يتحمَّل المسئولية.. ويتحمّل ضغط شعب جُرح كبرياؤه ولا يستوعب الصدمة.. وفى الوقت نفسه كان عليه أن يقوم بالإعداد للمعركة وتصعيد جيل جديد من القادة لكى يخوض الحربَ وأن يتمكن من امتلاك القدرات العسكرية اللازمة لتحرير الأرض فى زمن دوليًا عُرف بزمن الوفاق.

ذلك لأن القوتين العُظمَيَيْن آنذاك سواء الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتى كان بينهما توافق على عدم التصعيد وإشعال جبهات بين المعسكرات.. وهو ما سُمّى بحالة اللا سلم واللا حرب.. مرحلة رمادية مدمرة كان على السادات كسْرها.

وهنا أتأمل حال الرئيس البطل الراحل محمد أنور السادات فى الأيام والساعات التى سبقت لحظة اتخاذ القرار.. حِمْلٌ لا تطيقه الجبال ولكن يتحمله رجال كالسادات، وهذا ما سيسجله له التاريخ.

وبالعودة إلى تصور حال الرئيس السادات فى تلك المرحلة.. دعنا نتخيل المشهد كاملاً.. صحيح أن رئيس الجمهورية يتخذ القرارَ وفق تقديرات مؤسّسية لكن دائمًا وأبدًا هناك لحظات حاسمة تظهر معدن القادة العظام على مَرّ العصور.. لحظات يتقرر معها مصير الأمم والشعوب حينها يقف القادة أمام المسئولية التاريخية بمفردهم.

ولذلك؛ فإن فلسفة التعاطى الصحفى والنخبوى بشكل عام مع القرار السياسى؛ وبخاصة القرار المصيرى هو أحد دروس حرب أكتوبر.

بمعنى أوضح؛ قبل الحرب خرجت أقلام تشكك فى القدرة على تحقيق النصر.. وبَعد الحرب خرجت أقلام تشكك فى القدرة على استعادة ما تبقى من الأرض وإننا مقبلون على مرحلة جديدة من اللا سلم واللا حرب.. نَعَم هذا حدث.

وعندما اتخذ السادات قرارًا مصيريًا آخر بكسر الجمود السياسى والمُضى قُدُمًا نحو السلام.. خرجت أقلام تشكك فى إمكانية تحقيق ذلك.. وعندما توصل لاتفاق كان التشكيك فى إمكانية تنفيذه.

الآن وبَعد مرور كل هذه السنوات وقد رحل الجميع.. ولكن أين السادات؟ وأين المشككون؟.. فرضًا لو خضع السادات لضغط هذه الأقلام التى كانت تصنع رأيًا عامًّا وتؤثر فى اتجاهات الجماهير.. ترَى ما هو المصير الذى كان ينتظر مصر حينها؟

ولهذا؛ فإن القراءة السياسية المُنصفة والتوثيق الصحفى لهذه المرحلة يجعلنا نجزم بأن صناعة القرار تختلف عن القدرة على اتخاذ القرار، تختلف عن مناقشة أبعاد القرار والظروف المحيطة به.. وأن عدسة الرؤية لدَى دوائر صُنع القرار تختلف عن عدسة الرؤية لدَى صانع القرار، ومؤكد أنها تختلف كثيرًا عن من يناقش أبعاد القرار.. إذ تكون رؤية شاملة لدَى صانع القرار وحده، ولهذا فهو يتحمّل المسئولية السياسية والتاريخية. 

 ثالثا: التوجيه الاستراتيچى بالقتال والمعجزة العسكرية التى جرت فى أكتوبر 1973

«كلاوزفيتز» چنرال ومؤرخ حربى قديم له العديد من المؤلفات الاستراتيچية عن الحرب وأسهمت كتاباته التى تعود لأكثر من قرنين من الزمان فى جعل علم التكتيك والاستراتيچية دربًا من دروب الفلسفة الإنسانية ولا تزال تدرّس أفكاره فى العديد من الأكاديميات العسكرية الدولية، وهو مَن أطلق العبارة الشهيرة (الحرب هى مواصلة السياسة بطريقة أخرى)، وبالتالى فإن السياسة تسبق العمل العسكرى وتعقب العمل العسكرى.. ترصد نتائجه وتبنى عليها اتجاهاتها من جهة ومن جهة أخرى تعظم نتائجه أو تهدرها.

وفى تقديرى؛ أن هذه الفلسفة الاستراتيچية التى أطلقها كلاوزفيتز تنطبق إلى حد بعيد على ما فعلته مصر فى حرب أكتوبر عام 1973؛ حيث مهدت للانتصار العسكرى بالقراءة السياسية والقدرة الاستخباراتية التى عرَّفها الرئيس السادات بـ«خطة الخداع الاستراتيچى» وعند لحظة الحسم دخلت مصر الحرب بتوجه استراتيچى واضح تضمن ثلاثة عناصر رئيسية كما تظهرها الوثيقة الموقعة من الرئيس السادات، وهى:

• إزالة الجمود العسكرى بكسر وقف إطلاق النار.

• تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة فى الأفراد والأسلحة والمعدات. 

• العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية حسب نمو وتطور إمكانيات وقدرات القوات المسلحة.

وتحققت المعجزة العسكرية وعَبَر الرجال مُحمّلين بالسلاح والشرف والتضحية والفداء ليهزموا كل النظريات التى قالت إن العبور مستحيل ومَخاطره لا يمكن تقديرها ليسجلوا أسطورة عسكرية باسم القوات المسلحة المصرية.

التاريخ العسكرى اعتبر اجتياز مونتجمرى لحقل ألغام العلمين فى خمسة أيام خلال الحرب العالمية الثانية إنجازًا كبيرًا؛ ولكن هذا الإنجاز لا يذكر إذا ما تمّت مقارنته بما جرَى يوم السادس من أكتوبر عام 1973.. سواء فى اجتياز مانع مائى بحجم قناة السويس ثم تدمير خط بارليف وقيام الطيران المصرى بتدمير كل مراكز قيادة العدو فى سيناء وكل مطاراته العسكرية وكل نقاطه الحصينة ثم فتح نيران المدفعية التى حولت الجبهة إلى جهنم.

أمّا عن أيام الحرب الأولى بحسب تقديرات البنتاجون الأمريكى؛ فقد بلغت خسائر إسرائيل خلال خمسة أيام فقط 110 طائرات،  400 دبابة، 3000 قتيل،  1000 أسير من بينهم 43 طيارًا وأكثر من 15000 مصاب وجريح، وهو ما استدعى التدخل الأمريكى المباشر لدعم إسرائيل، وهنا كان الجسر الجوى الأمريكى، وهنا أيضًا أدرك الرئيس السادات أن المعركة الآن أصبحت مع الولايات المتحدة وأنه بالفعل انتصر وأن مصر قد عَبَرت حاجز الخوف بلا رجعة واستعادت كبرياءها بين الأمم، وأن القوات المسلحة المصرية حققت المعجزة، وقد حان وقت العمل السياسى الذى يجب أن يعظم من نتائج العمل العسكرى بتحقيق الغاية وهى تحرير الأرض والانطلاق إلى أفق أبعد، وهو إعادة صياغة الشرق الأوسط وفق معطيات جديدة فرضتها مصر بنصرها فى حرب أكتوبر.

 رابعًا:  ثبات الاستراتيچية الأمريكية تجاه المنطقة بعد نصر أكتوبر

قبل حرب أكتوبر لم تكن الدول العربية على رادار المَصالح الأمريكية المباشرة ولكنها جزء من التصور السياسى الأمريكى فى معركته مع الاتحاد السوفيتى.. هذه النظرة اختلفت تمامًا بَعد نصر أكتوبر المجيد.

عندما تمكنت القوات المسلحة المصرية من تحقيق النصر فى المواجهة المباشرة مع إسرائيل رغم الدعم الأمريكى؛ كان ذلك البداية الفعلية للتأسيس الثانى للعلاقات «المصرية- الأمريكية» حتى وإن ظهرت بوضوح بعد اتفاقية السلام عام 1979.

كذلك؛ فإن قدرة الدول العربية على التنسيق واستغلال سلاح النفط وقت المعركة.. أضافت أبعادًا أخرَى فى نظرة واشنطن إلى الشرق الأوسط.. بمعنى أنها أدركت أن هذه البقعة البعيدة عنها جغرافيًا يمكنها أن تخلق أزمات فى الداخل الأمريكى.

 وأن الصراع بين العرب وإسرائيل يمكنه أن يسبب أيضًا مَتاعب لأى رئيس أمريكى سواء من الكونجرس أو من جماعات الضغط، وبالتالى السلام بين العرب وإسرائيل ينظر له أى رئيس أمريكى على أنه ورقة تضاف إلى رصيده الانتخابى.. صحيح أنها ليست ورقة الحسم، ومثال ذلك أنها لم تشفع لـ«كارتر» على سبيل المثال ولكنها تظل إحدى الأوراق المهمة لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ اشتعال الحرب يوم 6 أكتوبر عام 1973 فى عهد إدارة نيكسون وصولاً إلى عهد إدارة دونالد ترامب فى عام 2020 والتى نجحت فى إنجاز اتفاق سلام بين دولة الإمارات العربية الشقيقة وإسرائيل فى توقيت انتخابى جيد بالنسبة لـ دونالد ترامب وقتها، واستمرت فى عهد الرئيس الأمريكى الحالى بايدن..

وللحديث بقية.