الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد أن أطلقت أحدث أعمالها فى «مينى ألبوم»: عودة «آمال ماهر» فى 2023.. «كويسة» جماهيريا.. و«تائهة» فنيـًا!

أخيرًا، وبعد غياب طويل، وشائعات كثيرة، ما بين الاعتزال تارة، والاختفاء وتدهور الحالة الصحية تارة أخرى، صدر «مينى ألبوم» الفنانة «آمال ماهر»، بعنوان (أنا كويسة)، والمكون من خمس أغان فقط.



قبل الدخول فى تفاصيل الألبوم، يجب أن ننوه، أن قطعًا وبما لا يدع أى مجال للشك، أن الفنانة «آمال ماهر»، من أهم الأصوات الموجودة على الساحة فى الوطن العربى، ولكن للأسف الشديد، الموهبة ليست كل شىء، فهذا الصوت العظيم هبة من المولى عز وجل، ولا دخل لـ«آمال» به، ولذلك أختلف دائمًا مع من يمدحون فى «آمال ماهر»، أو غيرها، بسبب جودة الصوت، فهذا أمر إلهى، ومن هنا يأتى السؤال.. متى نشيد بالفنان؟ ومتى نلوم عليه؟ قطعًا نشيد به، ونلومه، بناء على اختياراته، وكيف استغل الموهبة الإلهية فى التعبير عن احتياجات الجمهور، وبحسبة رقمية بسيطة للغاية ومجردة، فعدد سنوات النشاط الفنى لهذه الفنانة وصل هذا العام بالتحديد لربع قرن بالتمام والكمال، لأنها بدأت عام 1998، وعلى مدار 25 سنة، قامت «آمال ماهر» بإصدار 5 ألبومات فقط، بالإضافة إلى المينى ألبوم الصادر حديثًا (أنا كويسة).

وقطعًا هذه الحسبة الرقمية ليست فى صالح «آمال ماهر»، التى لم تستغل موهبتها بالشكل الأمثل.

وعلى المستوى الفنى، فهى تعد واحدة من ضمن كثيرين لديهم موهبة ربما تكون استثنائية ولكن فى الوقت ذاته، تفتقد لمفهوم «الهوية»، فهى لا تمتلك شكلًا غنائيًا خاصًا بها، فهى ليست كـ«سميرة سعيد» التى تتعامل مع الطرف الآخر دائمًا فى أغانيها بمفهوم «الند»، وهى ليست «نانسى عجرم»، «الدلوعة»، التى تستهدف بأغانيها المراهقين، وليست كـ«روبى» التى تعتمد على الإيحاءات فى أغانيها وتقدم نفسها كامرأة مثيرة فى أعمالها الغنائية.

أى مستمع جيد لأعمال «آمال ماهر» طيلة مشوارها الفنى، لن يجد أى رابط بين أعمالها، فلا يوجد منهج واضح نستطيع التوقف أمامه، قطعًا تقدم أعمالًا غنائية جيدة، أحيانًا تنجح هذه الأعمال، وأحيانًا أخرى لا تلقى الانتشار الجماهيرى، ولكن فى الحالتين، يكون عنصر التوفيق، أو الإخفاق، قائمًا على جودة العمل فى حد ذاته، وليس لمنهج الفنان الذى صدر العمل باسمه!

وبمعنى أوضح، أغانى «آمال ماهر»، عندما تنجح، فهى تنجح لأن الأغانى نفسها جيدة، وكانت ستنجح أيضًا عند صدورها بصوت أى فنان آخر، طالما كان هذا المنتج لا يتعارض مع مدرسته ومشروعه، إذا كنا نتحدث عن فنان أصلًا يمتلك مدرسة أو مشروعًا!

كل ما قيل فى السطور السابقة هو مدخل للحديث عن مينى ألبوم (أنا كويسة) وكما تعودنا، سنحاول سويًا أن نفكك الأعمال الغنائية، ونلحقها بالمدرسة التى ينتمى إليها الفنان، وفقًا للهوية التى قدم نفسه بها للجمهور.

ولذلك (أنا كويسة) يفتقد لمفهوم الترابط، بين أغانيه، سواء على مستوى المواضيع المطروحة فى الكلمات، أو على المستوى الموسيقى، خصوصًا فى الجوانب المتعلقة بالتوزيعات، فلا يوجد هناك «Genre» بعينها مسيطرة على الأغانى، ولذلك فبكل تأكيد هو يفتقد لمفهوم « album Concept»، بل إن من حيث المواضيع فهناك أغان تتناقض مع بعضها البعض، ومنها على سبيل المثال (أنا كويسة) والتى كتبها «أحمد المالكى» وكان موفقًا فى التعبير عن موقف المرأة التى مرت بانكسارات عديدة ولكنها استطاعت أن تتجاوز محنتها بفضل صلابتها ومساندة القريبين منها، والأهم فى تنفيذ «مالكى» لهذه الفكرة، هو أنه لم يحاول أن يظهر هذه السيدة بمفهوم «المرأة الحديدية»، صحيح أنها لا تزال «كويسة»، ولكنها تحتاج إلى مزيد من الدعم، وتطلب هذا الدعم كأنثى بصورة رجاء لطيف فى الجزء الذى قالت فيه: «ولو أهمكوا من فضلكوا ممكن خدمة.. خرجونى فسحونى.. الهوا عقلى واشغلونى.. وإن فتحت السيرة تانى.. سكتونى»، هذا الشعور بالرجاء العاطفى، بكل ما تحمله الكلمة من معان عاطفية، ما كان ليصل إلينا بكل هذا الدفء والألفة، الذى جعلنا نشعر بحالة تعاطف حقيقى، إلا بفضل الملحن «بلال سرور»، وكذلك الموزع «Mehmet Yildirim» والذى يبدو من اسمه أنه لا ينتمى إلى ثقافتنا العربية، ولكنه أجاد فى أن يجعل صوت «آمال» فى هذا المقطع بالتحديد هو البطل الأول، والمزيكا هى العنصر المساعد، حتى يصل إلينا إحساسها بهذا الصدق، كواحدة من أهم الأغانى النموذجية التى استمعنا إليها فى هذا الصيف.

ونفس هذه الأغنية تتضاد مع أغنية (كسبتوا الرهان)، والتى كتبها «أحمد حسن راؤول» عن نموذج المرأة التى دخلت فى علاقة عاطفية بكل قوتها، ولكنها خرجت منها مهزومة ومنكسرة بل كما قالت «آمال» بصوتها «أضعف واحدة أنا فى الدنيا»، وحتى لا يفهم حديثى بشكل خاطئ، هذه الأغنية أيضًا من الأغانى الدرامية النموذجية والتى وفق فيها كل صناعها وهم الملحن «محمد عبيه» والموزع «أحمد أمين»، ولكنى أتحدث عن ترابط الأغانى ببعضها من حيث المواضيع.

أما فى أغنية (صاحبة عمرى) فكان من الممكن أن نعتبرها الجزء الثانى لـ(أنا كويسة)، فهى أولًا من كلمات نفس الكاتب «أحمد المالكى»، وثانيًا هى واحدة من ضمن الأغانى القليلة التى تتحدث عن المفهوم الإيجابى للصداقة، وأجاد «سامح كريم» كعادته فى تلحينها، وبدى عليه التفاهم والانسجام مع الشاعر «أحمد المالكى»، خاصة أن هذا الثنائى كان لهما الكثير من النجاحات قبل ذلك، ومنها على سبيل المثال (أول كل حاجة) لـ«عمرو دياب»، وكذلك الثنائى المتفاهم فنيًا وجينيًا الأخوان دهيمة «إلهامى وأدهم» وتنفيذهما للتوزيع الموسيقى على إيقاعات المقسوم، حتى تصلح هذه الأغنية للرقص المشترك بين الفتيات كتأكيد على المفهوم الإيجابى للصداقة فى تجمعات الصديقات مع بعضهن.

ولو كنا استمعنا إلى (أنا كويسة)، وبعدها مباشرة (صاحبة عمرى)، فحينها كنا سنشعر أننا أمام تدرج فى الأحداث، بداية من فتاة تعانى من أزمة عاطفية ناتجة عن علاقة فاشلة، خرجت منها ببعض الصدمات ولكنها لا تزال متماسكة، وبعدها مباشرة تتحدث عن الصديقة ودورها الإيجابي فى المساندة للتخطى والتعافى من آثار العلاقة الفاشلة.

 كان يجب أن يكون بناء الـ«مينى ألبوم» بهذا الشكل! ولكن للأسف «الحلو ميكملش».

ونعود من جديد للأغانى المتناقضة «من حيث الموضوع»، فهناك مثال آخر، فأغنية (أنا الحب)، بمعانيها العذبة والرقيقة والمليئة بالمشاعر والأحاسيس العاطفية، والتى كتب كلماتها «عمرو يحيى»، ولحنها «مصطفى العسال» لكى تكون «First dance» يستخدمها المقبلون على الزواج فى أفراحهم، وكذلك التوزيع الموسيقى لـ«د.يحيى يوسف» الذى بمجرد سماع البيانو فى مقدمة الأغنية، علمت أن الأغنية من توزيعه، فهو مميز بهذا الدخول الهادئ فى أغلب أغانيه العاطفية، وله «نمط» يتكرر كبصمة موسيقية فى هذه النوعية من الأغانى نذكر منها على سبيل المثال (فى قلبى مكان) لـ«محمد محسن»، والجزء الثانى منها (أهلًا بيك).

وبرغم أن الموزع الموسيقى «سامح إبراهيم» بدأ هو الآخر مقدمة أغنية (الحكاية فى مشهدين) بالبيانو، ولكن شتان الفارق، ففى هذه الأغنية استطاع «عمرو يحيى» بكلماته، و«مصطفى العسال» بألحانه أن يعبرا عن انتهاء العلاقة العاطفية بين الطرفين ورمى تهمة إفساد المشروع العاطفى على «النصيب».

ولكن بعيدًا عن حالة الترابط، بلا شك كل الأغانى فى هذا «المينى ألبوم» جيدة من حيث التنفيذ، حتى فى تفاصيل أغلب التوزيعات الموسيقية لم يكن هناك استخدام لنفس الجمل اللحنية كفواصل موسيقية فى الأغانى وهو ما زاد من حالة التنوع والزخم داخل الأغنية الواحدة، ولكن تبقى أزمة أغلب إصداراتنا الغنائية المصرية المجمعة، فهى دائمًا تفتقد لمفهوم الترابط، وتطرح دائمًا بثقافة «كوكتيل الفخفخينا»!