الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بالذكر والإنشاد وتوزيع الحلوى «فى حب النبى» احتفالات المولد النبوى عبر التاريخ مزيج من الروحانية والبهجة

لكل حكاية أصل، ولكل أصل تاريخ، وتاريخ الاحتفال بالمولد النبوى الشريف ممتد عبر العصور، فمنذ القدم وإحياء تلك الذكرى العطرة التى تحل فى الثانى عشر من ربيع الأول مرتبط بطقوس دينية وعادات ثقافية تمزج بين الروحانية والبهجة، ويعد أشهرها المدائح النبوية، الذكر، وتغنى الشعراء بيوم مولد الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم السلام مثل البوصيرى حين يقول (وُلِدَ الْمُصْـطَـفَـى وَحَــــقَّ الْـهَـنَــاءُ، ليلةُ المولدِ الذى كَان للدين سرورٌ بيومِهِ وازْدِهاءُ)، فضلًا عن تشكيل الحلوى التى انفرد المصريون بسر صنعتها، وابتكروا من موادها ما عرف بـ(عروسة المولد) التى تمثل حتى يومنا هذا أهم مظاهر الاحتفال بالمولد النبوى.



 

 أصل الحكاية 

(وُلِدَ الْمُصْـطَـفَـى وَحَــــقَّ الْـهَـنَــاءُ) بين أجواء مفعمة بالروحانية تغنى البوصيرى بالمولد النبوى الشريف، ويحكى المؤرخ والأثرى سامح الزهار أن بدايات الاحتفال بالمولد النبوى الشريف تعود إلى العصر الفاطمى حيث تزامن الاحتفاء به مع دخول الفاطميين إلى مصر، ويعد الخليفة الفاطمى المعز لدين الله أول من أسس لهذا الاحتفال، وأقيم أول احتفال فى عهده، وكانت الدولة بما تتضمنه من الخليفة والوزراء، والشعب يستقبلون هذه المناسبة التى تبدأ فى مطلع شهر ربيع الأول وتستمر حتى اليوم الثانى عشر من الشهر نفسه». 

 ملامح الاحتفال بالمولد النبوى 

وفيما يختص بمظاهر احتفال العصر الفاطمى بالمولد النبوى يقول: «أهم سمات هذا العصر فى الاحتفال بهذه المناسبة تكمن فى الإفراط فى صنع الحلوى بأشكالها المختلفة كالطيور والقطط والخيول والعرائس أى عروسة المولد، كما تم ابتكار نظام جديد يهدف إلى تخزين المواد الغذائية من السمن والسكر والدقيق، حتى يتم تصنيع الحلوى، وكانت توزع بأمر الخليفة على كافة طبقات الشعب فى جميع المناسبات الدينية بصفة عامة، وبالمولد النبوى بصفة خاصة».

ويضيف أن فى العصر الأيوبى تم إلغاء جميع مظاهر الاحتفالات الدينية وكان صلاح الدين الأيوبى يستهدف تقوية دولته عسكريًا، ومواجهة ما يهددها من أخطار ومحو جميع الظواهر الاجتماعية التى تميز بها العصر الفاطمى. 

 خيمة المولد 

وبشأن طقوس احتفال الدولة المملوكية يفسر: «عندما جاءت الدولة المملوكية اتخذ الاحتفال بمولد النبى، الكثير من العظمة ليتناسب مع ما شهده المجتمع من رفاهية، فقد كان السلاطين حريصين على مشاركة الشعب فى الاحتفال بهذه المناسبة، وكان السلطان يقيم بالحوش السلطانى خيمة فى القلعة تسمى بـ(خيمة المولد)، ويعد السلطان قايتباى هو أول من أسس هذه الخيمة، ووصفت بإنها زرقاء اللون على شكل قاعدة فى وسطها قبة مقامة على أربعة أعمدة وبلغت تكلفتها حوالى ستة وثلاثين ألف دينار وكان يوضع عند أبوابها أحواض تملأ بالماء المحلى بالسكر والليمون وتعلق حولها الأكواب الفاخرة المصنوعة من النحاس والمزينة بالنقوش ويبدأ المقرئون فى التلاوة بآيات من القرآن الكريم، وكلما انتهى مقرئ أعطاه السلطان صرة بها ٥٠٠ درهم فضة وبعد صلاة المغرب يتم توزيع الحلوى السكرية وفى صباح يوم المولد يوزع السلطان كميات من القمح على الزوايا». 

 الطبول الضخمة والقناديل

لم يحتفِ المصريون القدماء وحدهم بالمولد الشريف، بل امتداد الاهتمام بهذه المناسبة إلى قائد الحملة الفرنسية نابليون بونابرت، وحول مظاهر احتفائه يسرد الزهار: «فى زمن الحملة الفرنسية اهتم نابليون بونابرت بإقامة الاحتفال بالمولد النبوى الشريف وقام بإرسال ٣٠٠ ريال إلى منزل الشيخ البكرى نقيب الأشراف فى مصر، كما أرسل الطبول الضخمة والقناديل لاستمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية». 

 نقيب الأشراف 

وحول احتفاء خيمة البكرى بمولد الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم السلام يوضح: «فى عهد الأسرة العلوية أصبح مسئولية الاحتفال تقع على عاتق نقيب الأشراف الذى يتلقى دعمًا من الخزانة العامة للدولة وإدارة الممتلكات الخديوية، التى تخصص كميات كبيرة من الأرز واللحوم والسكر لبيعها فى الاحتفال، ومن مظاهر تلك الاحتفالات أن تزدان خيمة البكرى بزيارة الخديوى وما يصاحبه من العلماء والأعيان لسماع قصة المولد النبوى وتوزع الحلوى وشراب الليمون».

 سرداقات الاحتفال

   ويشير إلى العصر الحديث وتحديدًا عهد الملك فؤاد حيث انتقلت ساحة الاحتفال بالمولد النبوى الشريف إلى العباسية، وتولت وزارة الأوقاف إقامة السرادقات طوال فترة الاحتفالات». 

 حلوى المولد 

وفيما يتعلق بتشكيل حلوى المولد يقول الزهار: «فى هذا الشأن يذكر الإمام المقريزى أنه وقت الدولة الفاطمية شُكلت الحلوى على هيئة 1000 صورة وتمثال وكان هناك سوق يسمى (سوق الحلاويين) تصنع فيه التماثيل من السكر على أشكال عرائس، خيول، سباع، قطط وغيرها، وعن سبب تسمية الحلوى بـ «العلاليق» يضيف: «عرفت الحلوى بالعلاليق لأنها كانت تُعلق على أبواب الحوانيت بخيوط رفيعة».

 عروسة المولد

أما عن أشهر العادات المرتبطة بالاحتفال بالمولد النبوى الشريف يتابع: «أشهر مظاهر الاحتفاء تتجلى فى عروسة المولد وحصان المولد، وعن عروسة المولد نجد الإمام المقريزى يصفها بأنها كانت تصنع من السكر على هيئة حلوى منتفخة وتجمل بالأصباغ وتشكل على هيئة عروس تضع يداها فى خصرها، وتزين بالأوراق الملونة والمراوح الملتصقة بظهرها».

 رمزية حصان المولد

وعن الدلالة التى يشير إليها حصان المولد يفسر: «هناك روايتان فى رمزيته، تقول الرواية الأولى أنه يرمز إلى الخليفة صاحب الفتوحات، البطولات، والانتصارات، وتشير الرواية الثانية إلى أنه فى فترة حُكم الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله قد تم منع الاحتفالات بما فيها احتفالات الزواج فيما عدا الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، وبالتالى فقد انتهز البعض فرصة احتفال الدولة بالمولد النبوى الشريف، وقرر عدد كبير ممن قدموا على خطوة الزواج بالاحتفال بالزواج أثناء احتفالات المولد النبوى، وهذا التمثال الحلوى (الفارس والحصان)، بمثابة إشارة رمزية إلى الزوج الذى انتصر بالاحتفال بزواجه ويمتطى جواده ليأخذ زوجته إلى البيت الجديد».