العضو الوحيد فى حكومة نيكسون الذى مازال على قيد الحياة: ذا نيشن: تأثير هنرى كيسنجر الخبيث سيبقى معنا لفترة طويلة حتى بعد رحيله

مرڤت الحطيم
لا يزال هنرى كيسنجر مهندس العلاقات الخارجية الأمريكية شخصية مثيرة للجدل والاستقطاب فى السياسة الأمريكية، حيث أُدين على أنه مجرم حرب مزعوم من قبل العديد من الصحفيين والناشطين السياسيين والمحامين العاملين فى مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى تبجيله باعتباره وزيرًا للخارجية الأمريكية وصاحب تأثير فعال من قبل العديد من علماء العلاقات الدولية البارزين. كيسنجر هو العضو الوحيد في حكومة نيكسون الذى مازال على قيد الحياة، وفى تقرير نشرته مجلة ذا نيشن الأمريكية تقول إن الدور السلبى لهنرى كيسنجر تمثل فى إجراءات كان يجب تجنبها لأنها قللت من قوة الولايات المتحدة. كما قالت إن وزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر وبالرغم من تعديه الـ100 عام تظل أهميته كما هى لكنها وصفت تأثيره بالخبيث كما كان دائما.
وأشارت ذا نيشن إلى أنه من الصعب على اللاعبين السياسيين الأقوياء أن يتخلوا عن المسرح بمجرد انتهاء عروضهم ولا يمكن استعادة الأهمية والنفوذ إلا بعد مسح الذاكرة السياسية حيث تتلاشى أصداء أفعالهم الفظيعة وجرائمهم المحلية أو الدولية. وتابعت أن كيسنجر قدم المشورة الرسمية وغير الرسمية لكل رئيس أمريكى من دوايت أيزنهاور إلى دونالد ترامب وترك بصمته على السياسات الخارجية لكلا الحزبين الرئيسيين. وأكدت أن نهج كيسنجر فى التعامل مع السياسة الدولية كان ثابتًا لأكثر من نصف قرن وكان من المقرر فقط متابعة الإجراءات التى تعزز القوة العسكرية والإمبريالية للولايات المتحدة. وأشارت إلى أن دوره السلبى تمثل فى هذه الإجراءات التى كان يجب تجنبها لأنها تقلل من قوة الولايات المتحدة بأى شكل من الأشكال. واستذكرت المجلة دوره فى بعض الملفات الدولية منها: بابوا وتيمور الشرقية وإندونيسيا.
ففى عام 1969 وفى محاولة لإبقاء إندونيسيا فى معسكر الحرب الباردة الأمريكية وضع كيسنجر موافقته على استفتاء مزيف فى بابوا التى كانت تسعى إلى الاستقلال عن إندونيسيا واختار أن يكون هناك شخصيا أثناء الانتخابات. وعن سؤال لماذا اهتمت الولايات المتحدة بهذا الملف؟ الإجابة كانت فى أن التمسك بولاء حاكم إندونيسيا الاستبدادى المناهض للشيوعية سوهارتو كان يعتبر أمرًا حاسمًا بالنسبة لسياسة واشنطن الخارجية.
ووصل سوهارتو نفسه إلى السلطة بعد موجة من الإبادة الجماعية تم خلالها ذبح ما بين 500 ألف إلى 1.2 مليون من الشيوعيين المفترضين والمتعاطفين معهم. وفى عام 1975 أعطى كيسنجر الضوء الأخضر أيضا لغزو إندونيسيا لتيمور الشرقية والذى قتل خلاله مئات الآلاف.
وفى جنوب شرق آسيا وابتداءً من عام 1969، كان كيسنجر أيضا مهندس حملة القصف السرية التى قام بها ريتشارد نيكسون فى كمبوديا فى محاولة لمنع تدفق الإمدادات من ڤيتنام الشمالية. ولولا هنرى كيسنجر ربما كانت حرب ڤيتنام قد انتهت فى عام 1968 بدلا من الاستمرار حتى عام 1975، كانت لديه قناة للتواصل مع حليف الولايات المتحدة ورئيس ڤيتنام الجنوبية وأقنعه بالانسحاب من محادثات السلام، وبفضل كيسنجر ستتبع الحرب مسارها القاسى لمدة سبع سنوات أخرى من الموت والدمار.
و فى باكستان وبنجلاديش وخاصة فى عام 1971 قدم كيسنجر دعما ضمنيا للديكتاتور العسكرى الباكستانى الچنرال آغا محمد يحيى خان، ففى الرد على النصر المفاجئ الذى حققه أحد أحزاب المعارضة فى أول انتخابات ديمقراطية فى باكستان أطلق يحيى جيشه على شعب باكستان الشرقية، وقتل ثلاثة ملايين شخص فى صراع الإبادة الجماعية الذى أعقب ذلك والذى أدى فى النهاية إلى إنشاء دولة بنجلاديش. ولكن لماذا هذا الميل نحو باكستان؟ لأن ذلك البلد كان يساعد كيسنجر فى تحقيق انفتاحه البالغ الأهمية على الصين ولأنه كان ينظر إلى الهند أيضا على أنها عميل سوڤييتى.
وفى أمريكا اللاتينية، استذكرت المجلة الإطاحة العنيفة عام 1973 بسلفادور أليندى الرئيس الاشتراكى المنتخب فى تشيلى وكان ذلك الانقلاب تتويجا لحملة أمريكية دامت سنوات من التخريب الاقتصادى والسياسى نظمها هنرى كيسنجر. وخلال الأيام القليلة الأولى من الانقلاب تم سجن 40 ألف شخص فى الاستاد الوطنى فى العاصمة سانتياجو وقد تعرض العديد منهم للتعذيب والقتل. وعلى شكل مماثل دعم كيسنجر الحرب القذرة التى شنتها الأرچنتين ضد المنشقين، وعملية كوندور الأكبر حجما والتى قامت فيها وكالة المخابرات المركزية بتنسيق الانقلابات والقمع والتعذيب ومقتل عشرات الآلاف من الاشتراكيين وغيرهم من النشطاء فى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية. واختتمت المجلة أنه فى عالم السياسة الواقعية فى عهد هنرى كيسنجر لا تكون التصرفات جيدة إلا عندما تدعم وتعزز القوة الاستراتيچية الأمريكية على مستوى العالم ولكن فى واقع الأمر فإن أسلوب كيسنجر فى السياسة الواقعية هو فى حد ذاته وهم.
وعلى الرغم من بلوغه المئة عام من عمره وهو عمر لا يرغب كثيرون أو لا يستطيعون فيه التعرف على أحدث التقنيات والتكنولوچيا، فإنه يمكن القول إن كيسنجر أصبح مهووسًا بموضوع الذكاء الاصطناعى. بل إنه تعاون مع اثنين من المؤلفين المشاركين فى تأليف كتاب صدر عام 2021 بعنوان عصر الذكاء الاصطناعى ومستقبل الإنسان. وعبر كيسنجر فى أكثر من مرة عن خشيته من تسبب الذكاء الاصطناعى أو الآلات بأزمات عالمية وإحداث ضرر شامل. وأشار إلى أن الظروف تتطلب وجود قادة مسئولين فى دفة القيادة يحاولون تجنب الصراع. وقال إن هدف الولايات المتحدة فى المحافظة على التحكم البشرى فى الذكاء الاصطناعى إنما هو هدف مرغوب فيه للغاية غير أنه قال إن السرعة التى يعمل بها الذكاء الاصطناعى ستجعله إشكاليا فى مواقف الأزمات. وقال إن البشر لا يستطيعون مراجعة كل المعرفة التى اكتسبتها الآلة مضيفًا نحن نعطيها تلك المعرفة، أنا أحاول الآن أن أفعل ما فعلته فيما يتعلق بالأسلحة النووية للفت الانتباه إلى أهمية تأثير هذا التطور. وأشار إلى أنه سيكون هناك سباق تسلح بالذكاء الاصطناعى لكن الأمر سيكون مختلفًا لأنه فى سباقات التسلح السابقة يمكنك تطوير نظريات معقولة حول كيفية انتصارك، إنها مشكلة جديدة تماما من الناحية الفكرية.
وحول العلاقات الصينية - الأمريكية قال كيسنجر إن تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين يمكن أن يتحول إلى صراع بين الطرفين ،ولفت إلى أنه لا يمكن إقصاء الصين من النظام الدولى. وقال كيسنجر فى مقابلة مع صحيفة وول ستريت چورنال الأمريكية: أعتقد أن الصين بالنظر إلى قوتها خصم محتمل وخطير للولايات المتحدة. وأضاف: أعتقد أن هذا يمكن أن يتحول إلى صراع لدينا مجتمعان لهما وجهات نظر تاريخية عالمية، لكن ثقافات مختلفة تتنافس مع بعضها البعض مشيرا إلى أن المشكلة فى بحر الصين الجنوبى يمكن أن تكون سببا للصراع. وأكد كيسنجر أنه يريد أن يفهم ما إذا كان بإمكاننا إيجاد طرق لحلها على أساس مبدأ الحرية فى أعالي البحار، إذا فشلنا فى القيام بذلك فلا يمكن تجنب الاشتباكات.
وفى الوقت نفسه أشار إلى أن الصراع المحتمل بين الولايات المتحدة والصين بالنظر إلى الأسلحة الحالية يمكن أن يهدد بتدمير الحضارة مؤكدا الآن الأهم سيكون الحوار بين الزعيمين ،حيث يتفقان على أن لديهما أخطر الوسائل فى العالم وأنهما سيديران سياستهما بطريقة تقلل احتمال اندلاع صراع عسكرى بينهما واستخدام هذه الوسائل. وفى حديثه أشار كيسنجر إلى أن الصين تسعى للأمن وليس للهيمنة العالمية مع أنها تسعى لتكون القوة العظمى فى المنطقة وفقا لرأيه.
وعن أزمة أوكرانيا، كان كيسنجر قال فى وقت سابق إن اقتراح ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسى الناتو كان سيكون خطأ فادحا، مشيرا إلى أن دعوة كييف لحلف الناتو هى التى أدت إلى اندلاع النزاع المسلح. وأضاف: نعيش الآن فى عصر جديد تماما مشيرا إلى أن الوضع الچيوسياسى على مستوى العالم سيشهد تحولات كبيرة بعد انتهاء حرب أوكرانيا. وعن الحرب الباردة الجديدة حذر هنرى كيسنجر من مغبة الدخول فى حرب باردة ثانية معتقدا أنها ستكون أكثر خطورة من الأولى. وفى لقاء مع صحيفة إل موندو الإسبانية قال كيسنجر يمكن أن تبدأ حرب باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة يتمتع كلا البلدين بموارد اقتصادية متشابهة وهو ما لم يكن الحال خلال الحرب الباردة الأولى. وهنرى كيسنجر هو سياسى أمريكى من مواليد 27 مايو 1923، شغل منصب وزير خارجية الولايات المتحدة ومستشار الأمن القومى الأمريكى فى ظل حكومة الرؤساء ريتشارد نيكسون وچيرالد فورد وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 1973، كما حصل على البكالوريوس بدرجة امتياز فى لعلوم السياسية من جامعة هارڤارد. وكان رائدا فى محاولات توفيق العلاقات بين أمريكا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى وهو العضو الوحيد فى حكومة نيكسون الذى مازال على قيد الحياة.