الثلاثاء 3 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة و 1 / 2.. فايزة أحمد وأنا وقرص الطعمية!

كلمة و 1 / 2.. فايزة أحمد وأنا وقرص الطعمية!

بين الحين والآخر أفضل أن أنجز مشاويرى الصباحية فى القاهرة سيرًا على الأقدام وفى تلك الأوقات التى تختنق فيها الشوارع وتتكدس السيارات بلا حراك، ولكنها ترسل المزيد من السموم للهواء التى جعلت القاهرة مع الأسف واحدة من أكثر مدن العالم تلوثًا. فى تلك اللحظة نكتشف أن الخطوة كلها بركة، وأن هذه البركة لا تحل إلا إذا كنت تسير على الرصيف، مع أسفى الشديد على الحال الذى آلت إليه الأرصفة!



كنت قد قرأت دراسة تؤكد أن مخ الإنسان يحتاج بين الحين والآخر إلى تدريبات لياقة وهذا لا يتوفر إلا إذا غيرت طريقة السير، أى أن عليك أن تبحث عن شوارع جانبية أخرى للوصول إلى بيتك أو محل عملك، وهذا ما فعلته، وأنا أسير من منزلى فى حى المنيل الذى يبتعد نحو 20 دقيقة سيرًا على الأقدام عن مجلة (روزاليوسف) وزد عليها عشرًا، لو كنت فى طريقك لقلب القاهرة، اخترقت شوارع جاردن سيتى والذى كان معروفًا قبل أربعة عقود من الزمان بحى الأثرياء، حيث صار أثرياء هذه الأيام يفضلون الإقامة فى المدن الجديدة، أخترق «جاردن سيتى» وأنا فى طريقى إلى ميدان التحرير وفجأة استوقفتنى رائحة زيت طعمية انبعثت من أحد المحلات بعد أن وجهتنى أنفى إلى مصدر تلك الرائحة، ثم فجأة تذكرت حكاية عمرها 40 عامًا أنه نفس المحل الذى كانت تقطن فوقه مباشرة الفنانة الكبيرة الراحلة «فايزة أحمد» وزوجها الموسيقار الراحل «محمد سلطان» فى العمارة التى تطل على النيل، ملحوظة تمت سرقة لوحتى (عاش هنا) لفايزة وسلطان اللتين تصدرتا مدخل العمارة، وجارٍ تركيب لوحتين بديلتين قريبًا.

 كانت «فايزة» بسبب تلك الرائحة النفاذة، قد استصدرت أمرًا من محافظ القاهرة بإغلاق المحل أو على أقل تقدير منعه من قلى الطعمية، وأخواتها أقصد طعمية بالبيض أو بالبسطرمة وأخواتهما، وقتها اعتبرتها استغلالًا للنفوذ وقطع أرزاق، تساءلت كيف لفنانة كبيرة أن تستغل شهرتها لتغلق محل أكل عيش وأجريت تحقيقًا نشرته على صفحات مجلة «روزاليوسف»، حيث كنت وقتها لا أزال أتدرب استطلعت فيه رأى موسيقيين بحجم «محمود الشريف» و«منير مراد» و«أحمد صدقى» قالوا جميعًا إن الشعب فى حاجة إلى قرص الطعمية أكثر من حاجته إلى صوت «فايزة أحمد»، ثم أجريت حوارًا مع دكتور أنف وأذن وحنجرة عن التأثير السلبى لرائحة الزيت على الصوت، فقال لى على العكس تمامًا تلك الرائحة مفيدة جدًا للمطرب فهى تجلى الأحبال الصوتية!

تراجع المحافظ عن قراره، وغضبت «فايزة» وتوترت العلاقة بيننا، ثم صرنا فى سنواتها الأخيرة صديقين حتى رحيلها عام 83، سألت نفسى وأنا أتجول بالقرب من بيت «فايزة» هل حقًا الشعوب فى حاجة إلى قرص الطعمية أكثر من صوت «فايزة»؟ نحن نحتاج إلى قرص الطعمية بقدر احتياجنا إلى صوت «فايزة أحمد».. فهى بالنسبة لى الأفضل.. مكانتها فى قلبى مباشرة بعد «أم كلثوم» و«فيروز».. ولماذا إذًا وضعت فى كفتى الميزان صوت «فايزة» مقابل «قرص الطعمية».. إنها بالتأكيد قسمة غير عادلة.. تطلعت إلى شرفة «فايزة أحمد» وشعرت أنها تبتسم لى وتسامحنى على تلك المداعبة التى أعترف لكم أنها ثقيلة، وسرحت لماذا قادتنى قدمى بالصدفة إلى بيتها.. هل لا أزال أشعر بالذنب، أم ربما لأننى أشعر أن محطات الأغانى الإذاعية والقنوات الفضائية الغنائية فى عالمنا العربى هى التى أذنبت ولا تزال فى حق «فايزة»، ونادرًا ما تقدم لنا عبر موجاتها أغانيها، وهى لديها هذا الكنز من الروائع مثل «ست الحبايب» و«حمال الأسية» وأحبه كثيرًا كثيرًا!

بالصدفة اكتشفت أننى أتطلع تحت شرفة فايزة فى يوم ذكراها رقم 40 التى مرت قبل يومين فى هدوء بدون حفاوة تستحقها (كروان الشرق)!