الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد 50 عاما «النصر» ما زال يؤلم إسرائيل «الملاك» الذى حير الموساد

فى كل عام مع اقتراب شهر أكتوبر تتفنن إسرائيل فى روايتها حول النصر المصرى محاولة طمس الحقائق أو تغييرها فى محاولة فاشلة من الدولة العبرية الحفاظ على ماء وجهها حول العالم، فتغيير التاريخ لعبة أتقنها الصهاينة ولن يتوقفوا عن ممارساتها أو ترويجها إعلاميًا، وتبقى حرب أكتوبر أو كما تطلق عليها إسرائيل The Yom Kippur War، أو يوم الغفران، نقطة سوداء فى تاريخ الموساد الإسرائيلى أحد أقوى الأجهزة الأمنية عالميًا، لكنه لم يفلح أمام المصريين أو فى حربهم لاسترداد أراضيهم المحتلة.



 

وفى الأسبوع الماضى، نشرت صحيفة إسرائيلية وثائق تثبت أن أشرف مروان، صهر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، كان عميلًا للموساد، وعلى مدار حياته كان مروان لغزا لدى العديد من أجهزة الاستخبارات، وحتى وفاته فى لندن عام 2007 التى أيضًا تعتبر لغزا، لما تمتع به أشرف مروان من قوة وقرب من مراكز اتخاذ القرار سواء إبان فترة حكم الزعيم عبدالناصر أو أنور السادات، وهو الأمر الذى تحاول تل أبيب استغلاله لتعرض أكاذيبها سواء من خلال كتب أو وثائق أو أفلام وكان فيلم «الملاك» الذى عرض على منصة Netfilx بعنوان The Angel أو الملاك لتعرض وثائق تؤكد روايتها، لكن على الرغم من كل هذه المحاولات المستميتة من قبل الموساد إلا أن هذه الوثائق تؤكد براءة أشرف مروان من كل هذه الادعاءات.. وتفضح أهداف إسرائيل فى إثارة البلبلة حول النصر العظيم.. فالأسباب والأهداف معروضة ضمن سطور الادعاءات.

‏«Some Day When We>ll Be Allowed to Tell»

فى 7 سبتمبر الجارى، نشرت صحيفة Haaretz الإسرائيلية وثائق تم الإفراج عنها للمرة الأولى من قبل الموساد فى كتاب تحت مسمى Some Day When We>ll Be Allowed to Tell» أو «يومًا ما عندما يُسمح لنا بالحديث»، تكشف من خلاله كيف عمل أشرف مروان صهر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وسكرتير الرئيس الأسبق أنور السادات، كعميل لجهاز الموساد إبان فترة مكوثه فى لندن وحتى حرب أكتوبر المجيدة.

وكانت هذه الوثائق تعرض أن مروان قد أفصح خلال لقاء له مع الضابط المسئول عنه فى الموساد- حسب الصحيفة- واسمه «دوبى» عن موعد حرب أكتوبر وعن خطة الجيش المصرى والسورى للهجوم على قوات الاحتلال.

ونشرت الصحيفة أن الكتاب الذى تم الإفصاح عنه تم إعداده من قبل إحدى الباحثات فى قسم التاريخ فى الموساد، ووُصف بأنه أول كتاب يصدر عن الموساد رسميا. ويضم الكتاب وثيقتين: الأولى، هى وثيقة يعود تاريخها إلى الخامس من أكتوبر 1973، توثق طلب مروان مقابلة رئيس الموساد، فى ذلك الوقت، تسفى زامير، بشكل عاجل، عشية الحرب. وجاء فى هذه الوثيقة: «اتصل (مروان) فى الساعة 9:30 مساء يوم الخميس (فى الرابع من أكتوبر) هاتفيًا، وقال إنه سيصل غدًا الجمعة، مساء الخامس من أكتوبر، لعقد لقاء، سيقدم خلاله معلومات ذات أهمية كبيرة، وسأل عما إذا كان من الممكن أن يشارك تسفى زامير، رئيس الموساد، فى اللقاء، لأهمية الموضوع، وألمح إلى أن المعلومات التى سيقدمها تخص.. (هذا الجزء من الوثيقة لا يزال محظورا) وهى بحوزته».

أما الوثيقة الثانية، فهى عبارة عن بروتوكول والنص الكامل لمحضر الاجتماع الذى عُقد فى لندن فى 5 أكتوبر 1973، بين رئيس الموساد حينها (زامير) ومروان، والذى تم فيه التحذير من اندلاع الحرب قبل 16 ساعة من نشوبها.

ووفق الرواية الإسرائيلية فإن أشرف مروان بدأ علاقته بجهاز الموساد منذ عام 1970، وكان حينها يقيم فى لندن وعمل مروان على إيصال جميع المستندات إلى إسرائيل بصورة منتظمة، خاصة بعد أن أصبح سكرتير الرئيس الراحل أنور السادات كما أنه سرب إلى الموساد جميع محاضر اجتماعات الرئيس الراحل مع الجانب السوفيتى قبل حرب أكتوبر.

ووفق صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فإن مروان كان يحصل فى كل لقاء مع رجال الموساد على 50 ألف جنيه إسترلينى، وذلك على سبيل المكافاة فقط، وهذا المبلغ دون حتى الإفصاح عن أى معلومات، ووفق الصحيفة الأمريكية فإن مروان على مدار عمله مع الموساد حصل على نحو 20 مليون دولار.

المعلومة الذهبية

وفق وثائق الموساد المنشورة، فإن مروان قدم لرئيس جهاز الموساد «معلومة ذهبية»، خلال اللقاء الذى تم عشية الخامس من أكتوبر عام 1973، حيث كشف مروان لرئيس «الموساد» فى الاجتماع الذى بدأ نحو الـ12 ليلًا واستمر حتى الثانية فجرًا، أن المصريين يعتزمون عبور قناة السويس إلى سيناء، و«الخطة هى انتهاك وقف إطلاق النار من قبل المدفعية والقوات الجوية ثم عبور القناة. وسيتم تنفيذ المعبر بواسطة خمسة أو ستة جسور، أى احتلال منطقة لا يزيد عمقها على 10 كيلومترات».

كما نقل أشرف مروان لرئيس «الموساد» تفاصيل الضربات الجوية المتوقعة من الجيشين السورى والمصرى، ومما جاء فى الوثيقة أنه «سيهاجم سلاح الجو المصرى أهدافًا فى سيناء وليس عمق إسرائيل. وستهاجم القوات الجوية السورية ثلاث قواعد عسكرية، إحداها رمات داوود».

وأضاف: «الرئيس السادات واثق من أن الأسد سيذهب معه لأنه يراها الفرصة الوحيدة للحرب».

كما أكد مروان، وفق الوثائق، خلال جلسته مع رئيس «الموساد» أن السادات قد قرر تاريخ الحرب فى 25 سبتمبر، لكنه لم يخبر أحدًا، ثم طلب تجهيز مقره فى القصر «ومن هذا شعرت أنه جاد». وفى 29 سبتمبر، دعا السادات أعضاء مجلس الأمن القومى إلى اجتماع سرى وأبلغهم بأنه قرر بدء الحرب قريبًا. لم يذكر ما التاريخ. قبل يومين (الثالث من أكتوبر) أبلغ السادات السوفيت بنيته انتهاك وقف إطلاق النار قريبًا. لكنه لم يعطهم التاريخ أيضًا».

وجاء فى الوثيقة أيضًا أن أشرف مروان قال فى اللقاء إن «السادات كان يخطط لحرب طويلة»، وعندما سئل لماذا؟ قال إن هناك فرصة بنسبة 99% للحرب، أجاب: «من تجربتى مع الرئيس يمكنه تغيير رأيه حتى لمجرد ضغط إصبعه على الزر. إنه يعتقد أنه سيفاجئك، لكننى شخصيًا لست متأكدًا».

وهنا يتم طرح تساؤل فى غاية الأهمية.. لماذا لم يقم زامير بتأنيب مروان على عدم إرساله هذه المعلومات فى 25 سبتمبر؟ وكيف يمكن لأى دولة أن تقرر شن حرب قبل ساعات فقط؟

فلماذا لم يسأل زامير نفسه هذا السؤال؟ ولماذا لم يسأله أيضا كل رجال الموساد حتى اليوم لأنفسهم؟ ألم يثر تأخر مروان فى إبلاغهم بالمعلومات اليقينية التى عرفها يوم 29 سبتمبر أى شكوك لدى زامير وضباطه وخلفائه من بعده؟!!

المثير فى الأمر أن كاتب مقال بصحيفة هاآرتز الإسرائيلية نفسها، يدعى أوفير أدريرت، قد نشر تحليلًا به نفس الأسئلة حول الوثائق المفرج عنها، وأضاف فى مقاله أن هذه الوثائق تدين الجانب الإسرائيلى وجهازه الاستخباراتى فى إخفاقه حتى مع وصول «معلومة ذهبية» عن الحرب.

أهداف إسرائيل

على الرغم من محاولة الصهاينة لإثارة البلبلة حول حرب أكتوبر أو حرب الكيبور بالعبرية، ومع ترفع الجانب المصرى عن الرد على ادعاءات الموساد، فالنصر سواء سياسيًا أو عسكريًا لا يدع مجالا للشك من توضيح الفائز فى هذه المعركة، لكن لإسرائيل دائمًا أهدافا ودوافع أخرى:

1 - اعتادت إسرائيل فى كل عام، مع اقتراب ذكرى حرب أكتوبر، أن تكرر الادعاء الكاذب بأنها انتصرت فى الحرب من خلال نشر المعلومات المضللة لإفساد احتفالات المصريين بهذه الذكرى العظيمة الخالدة.

2 - محاولة دفع الإدارة المصرية لإصدار رواية رسمية عن حقيقة أشرف مروان دون مواربة، لأنه إذا كان دافع مصر لعدم الرد على الرواية الإسرائيلية فى هذا الصدد هو عدم وجود رواية رسمية إسرائيلية عن القضية، فإنه بعد إصدار الموساد لوثائقه عنها بشكل رسمى بعد نصف قرن من النصر، لم يعد لدى السلطات المصرية- من وجهة النظر الإسرائيلية- مبررا للاستمرار فى تجاهل التسريبات الإسرائيلية القديمة والحديثة عن نفس القضية.

3 - تلاحظ القيادات السياسية فى إسرائيل أن أى حدث كارثى تواجهه الدولة فى الوقت الراهن يتم مقارنته بما حدث فى حرب أكتوبر 1973، فحرائق الغابات الواسعة فى إسرائيل عام 2010 عجزت الدولة عن احتوائها لعدة أيام تم تناوله فى الصحافة الإسرائيلية فى حينها على أنه تكرار للمأساة التى واجهتها إسرائيل فى حرب أكتوبر بسبب تقصير القادة وعجزهم عن حماية الدولة والشعب.

وفى الوقت الراهن يتم مقارنة تداعيات الأزمة السياسية التى أحدثها رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو على خلفية إصراره على تنفيذ خطة الإصلاحات القضائية، بأنها تعيد إسرائيل لنفس المخاوف التى راودتها أثناء وبعد حرب أكتوبر والتى تهدد بانهيار المجتمع والدولة معا.

وتعنى هذه المقارنات أن حرب أكتوبر والهزيمة التى تلقتها إسرائيل فيها أصبحت نقطة مركزية فى الوعى العام للشعب الإسرائيلى، وأنه لم يتقبل حتى اليوم مزاعم انتصار دولته فى هذه الحرب، لذلك تحاول الدولة العبرية من خلال تكرار الادعاء بالانتصار فى هذه الحرب القضاء أو على الأقل احتواء شعور الإسرائيليين العميق بأنهم لم ينتصروا فى تلك الحرب، عبر الإلحاح على الرواية المزيفة ومدها بمعلومات تبدو جديدة، ولكنها لا تحمل فى الواقع أى إضافة يمكنها أن تغير من حقيقة الهزيمة المريرة التى تعرضت لها فى أكتوبر 1973.

4 - استمرار جهاز الاستخبارات الإسرائيلى (الموساد)، عبر نشر تلك الوثائق، فى شن حربه الخاصة ضد غريمه جهاز الاستخبارات العسكرية (آمان)، حيث إن الرواية السائدة داخل إسرائيل حتى يومنا هذا لازالت تُحمل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مسئولية الهزيمة فى حرب أكتوبر، ويحاول الموساد منذ سنوات طويلة تبرئة نفسه من هذه المسئولية وإلصاقها بجهاز الاستخبارات العسكرية وحده، ولذلك تعتبر قضية أشرف مروان قضية مركزية فى تلك الحرب، حيث لا يزال إيلى زعيرا (مدير المخابرات الحربية الإسرائيلية أثناء حرب أكتوبر) يؤكد على أن جهازه قام بواجبه على أكمل وجه، وأن السبب فى هزيمة إسرائيل هو نجاح المخابرات المصرية فى خداع الموساد بزرع أشرف مروان بين صفوفه.