الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قمة الـ «G20» تحالفات جديدة تحدد سياسة العالم

منذ تأسيس مجموعة العشرين «G20» عام 1999 كان اجتماع نيودلهى فى القمة الثامنة عشرة هو الأهم منذ الأزمة المالية العالمية فى 2008، فمع الحضور «العربى- الإفريقى» القوى فى القمة، فبجانب المملكة السعودية، التى تُعتبر عضوًا فى المجموعة، جاءت دعوة مصر والإمارات العربية وسلطنة عُمان كضيف شرف، هذا بجانب جنوب إفريقيا، دُعيت دول إفريقية أخرى إلى القمة، منها موريشيوس ونيجيريا، علاوة على رئيس الاتحاد الإفريقى.



 

وجاءت هذه القمة فى توقيت غاية فى الأهمية، بعد عقد قمة «بريكس» الأخيرة، ومع استضافة الهند للقمة كان ذلك بمثابة جسر وقاطرة بين المجموعتين الرئيستين داخلها، سواء مجموعة الدول الصناعية الـ 7 أو مجموعة بريكس، أو بشكل أدق بين روسيا والصين من جانب، والولايات المتحدة والغرب من جانب آخر.

لكن فى الوقت نفسه جاءت قمة نيودلهى لتعلن عن خطط جديدة وتصور آخر للاقتصاديات العالمية، البعض منها أثار حفيظة بعض الدول الأعضاء؛ خصوصًا فيما يتعلق بالحرب «الروسية- الأوكرانية»، لكن البيان الختامى للقمة أكد أن هذه الحرب وتبعيتها على الاقتصاد العالمى قد أكدت عن وجود قوى جديدة ونظام عالمى آخر يتم تشكيله ووضع محدداته دون النظر لخطط ومصالح الغرب فقط.

 كواليس القمة

قبل أيام من عقد القمة فى 9 سبتمبر الحالى، أعلن كل من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظيره الصينى شى جين بينج عن عدم حضورهما لقمة نيودلهى، وإذا لم يكن غياب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مفاجئًا؛ لكونه لم يحضر قمة مجموعة العشرين العام الماضى فى إندونيسيا وقمة مجموعة البريكس فى جنوب إفريقيا، فضلاً عن وجود مذكرة توقيف بحقه، إلا أن إعلان الصين عدم حضور الرئيس شى جين بينج القمة أثار استغرابًا وعلامات استفهام بشأن أسباب هذا الغياب؛ خصوصًا أنها المرة الأولى التى يتخلَّف فيها الرئيس الصينى عن حضور اجتماعات القمة منذ توليه السلطة عام 2013.

شكّل إعلان غياب الرئيس الصينى استياء العديد من القادة الذين كانوا يعولون على القمة للاجتماع به لمعالجة الملفات الشائكة مع الصين، وفى مقدمة هؤلاء القادة الرئيس الأمريكى چو بايدن الذى عبّر عن خيبة أمله لعدم حضور الرئيس الصينى القمة.

ومع ذلك، أكد أنه سيلتقيه، فى إشارة منه إلى إمكانية الاجتماع بالرئيس شى على هامش قمة مؤتمر التعاون الاقتصادى لآسيا والمحيط الهادئ APEC فى سان فرانسيسكو فى شهر تشرين الثانى/نوفمبر المقبل.

ووفق التقديرات؛ فإن غياب الرئيس الصينى يعكس عددًا من الأمور المهمة التى تنعكس على الساحة الدولية، ومنها إظهار الفجوة القوية فى العلاقات بين بكين والغرب. وقد أرادت الصين من خلال ذلك توجيه رسائل عدة وتسجيل موقف إزاء الأحداث الحاصلة على اعتبار أنها قوة عظمى لها وزنها وثقلها على الصعيد الدولى. 

 فرض القوى الجديدة

كما تأتى القمة فى وقت تشهد العلاقات بين الصين والهند، التى تترأس حاليًا مجموعة العشرين، توترًا كبيرًا، إذ تمر العلاقات بين البلدين بأسوأ مراحلها، فقد أخفق الجانبان فى التوصل إلى تفاهم بشأن فض الاشتباك بينهما فى المناطق المتنازع عليها، على الرغم من جولات المشاورات التى عقدت، وآخرها لقاء الرئيس الصينى رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى على هامش قمة البريكس التى عقدت فى جنوب إفريقيا مؤخرًا، والتى لم تفضِ إلى أى تقدم.

كما سُجل مؤخرًا توترٌ بين البلدين على خلفية نشر الصين خريطة حدودها الجديدة التى تظهر فيها ضمن أراضيها مناطق تؤكد الهند أنها عائدة إليها. وكذلك تأتى فى وقت تجرى نيودلهى مناورات عسكرية قرب حدودها مع الصين.

إضافة إلى توتر العلاقات بين نيودلهى وبكين، تريد الأخيرة إضعاف الهند التى تسعى، وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن تصبح قوة عظمى تنافس الصين فى المنطقة، فالهند اليوم أصبحت تفوق الصين فى عدد السكان، كما أنها تنافسها فى مجال التكنولوچيا والفضاء والتجارة الدولية. وقد بدأت توسع انتشارها وتعزز علاقاتها مع مختلف دول العالم، ومما لا شكَّ فيه أن غياب الرئيس الصينى يشكل فشلاً للقمة بشكل عام، وللهند بشكل خاص.

كما يؤكد مراقبون أن غياب الرئيسين الروسى والصينى يُعد إخفاقًا لقمة العشرين، فى وقت بدأت تكتلات عالمية أخرى، كمجموعة البريكس، تصعد لتنافس التكتلات العالمية التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، فقد حظيت قمة البريكس التى عقدت الشهر الماضى فى جنوب إفريقيا باهتمام يفوق ما تحظى به قمم مجموعة العشرين والسبع، لا سيما بعد انضمام دول جديدة إلى المجموعة، من بينها دول أعضاء فى مجموعة العشرين، كالسعودية والأرجنتين، ما يساعد على تعزيز وضعية البريكس وفعاليتها فى التجمعات الدولية. وبالتالى؛ تسعى كل من روسيا والصين، فى وقت يشهد العالم تغيرات كبيرة، إلى إنهاء الهيمنة الغربية على الساحة الدولية والتوصل إلى نظام عالمى سياسى واقتصادى أكثر توازنًا.

 خط مشروعات مرتقبة

على هامش القمة جاء الإعلان عن مشروع جديد لربط الهند بأوروبا من خلال خط مشروع يمتد عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم يعبر المملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل قبل أن يصل إلى أوروبا. وسيشمل المشروع أيضًا كابلاً بحريًا جديدًا وبنية تحتية لنقل الطاقة، وفقًا لما ذكرته صحيفة «فايننشال تايمز».

ويهدف المشروع إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية، وربط الموانئ البحرية، لتعزيز التبادل التجارى وتسهيل مرور البضائع.

وتم الإعلان عن المشروع على هامش قمة مجموعة العشرين التى عقدت فى مدينة نيودلهى الهندية يوم السبت الماضى، من خلال مذكرة تفاهم اتفق عليها القادة بمن فيهم الرئيس الأمريكى چو بايدن ورئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى وولى العهد السعودى محمد بن سلمان الذى أعلن عن المشروع، وهو الأمر الذى يهدد طموح الصين فى المقام الأول.

من جهة أخرى؛ أعلنت الولايات المتحدة وأوروبا أنهما توحّدان جهودهما لدعم مشروع آخر للبنية التحتية، وهذه المرّة فى إفريقيا. وهذا المشروع هو «ممر لوبيتو»، الذى يربط جمهورية الكونغو الديموقراطية وزامبيا عبر ميناء لوبيتو فى أنجولا.

وقال مايكل كوجلمان، الخبير فى شئون جنوب آسيا فى مركز ويلسون فى واشنطن، عبر منصة «إكس» إنّه «إذا تحقّق ذلك؛ فإنّه سيغيّر قواعد اللعبة عبر تعزيز الروابط بين الهند والشرق الأوسط»، مضيفًا إنّ ذلك «يهدف إلى مواجهة مبادرة الحزام والطريق».

وتقوم بكين من خلال «مبادرة الحزام والطريق» التى تأتى ضمن إطار برنامج «طرق الحرير الجديدة» باستثمارات ضخمة فى عدد من الدول النامية لبناء البنية التحتية؛ حيث يهدف هذا المشروع إلى تحسين العلاقات التجارية بين آسيا وأوروبا وإفريقيا وحتى خارجها، من خلال بناء الموانئ والسكك الحديدية والمطارات أو المجمّعات الصناعية، ممّا يسمح للعملاق الآسيوى بالوصول إلى المزيد من الأسواق وفتح منافذ جديدة أمام شركاته.

غير أن معارضيه يعتبرون أن بكين تهدف من خلاله إلى تعزيز نفوذها السياسى، كما ينتقدون الديون الخطرة التى يرتّبها على الدول الفقيرة. وكان چو بايدن قد وصفه فى يونيو الماضى بأنه «برنامج الديون والمصادرة» الذى «لن يذهب بعيدًا جدًا».

و«الحزام والطريق»، هى مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير القديم، وتهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات فى البِنَى التحتية على طول طريق الحرير الذى يربطها بالقارة الأوروبية؛ ليكون أكبر مشروع بنية تحتية فى تاريخ البشرية، ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية عبر مسارات متعددة.

ووفق موقع «أكسيوس» الأمريكى؛ فإن فكرة إنشاء السكك الحديدية كانت قد تبلورت خلال اجتماعات ما يُعرف باسم «مجموعة آى 2 يو 2 (I2U2)، والتى تأسّست كمجموعة عمل فى العام 2021 فى واشنطن بهدف مناقشة مشاريع البنية التحتية الاستراتيچية فى منطقة الشرق الأوسط، وتضم كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية والهند والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تمثل أحد أضلاع المفاوضات الحالية؛ فإنها قد تكون جزءًا من المشاريع المستقبلية فى حال تم التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهو ما لا يبدو محتملاً فى المدى القريب.

تطبيق المشروع، فى حال تم، سوف يفتح الباب لإعادة تشكيل أنماط التبادل التجارى فى المنطقة وعبرها. كما أنه يمثل خطوة مهمة للهند على طريق تثبيت دورها الإقليمى والدولى، ويضعها فى سياق منافس للصين ومشروعها فى إحياء طريق الحرير. المشروع سيلقى بظلاله أيضًا على مكامن التنمية الاقتصادية فى المنطقة، ويدفع بالأچندة الاقتصادية أمام الأچندة السياسية؛ ما يمثل انعكاسًا لرؤية الاندماج الاقتصادى الأمريكى والسلام الاقتصادى الإسرائيلى.

ويعتبر المشروع منافسًا لـ«ميناء جوادر» الباكستانى الذى تستثمر فيه الصين فى إطار مشروعها «الحزام والطريق»، فيما لا يزال أثره غير واضح على «ميناء تشابهار» فى إيران، والذى تعمل الهند على تطويره منذ توقيع اتفاقية بين الهند وأفغانستان وإيران فى 2016. أمّا بالنسبة لتركيا، والتى اتخذت خطوات على طريق تعزيز مشروع «الحزام والطريق» الذى يمر عبر تركيا نحو أوروبا؛ فإن هذا المشروع لربط دول الخليج بالهند ومنها إلى أوروبا قد يمثل تحديًا محتملاً؛ إذ إن اكتمال هذا المشروع قد يعزز من الاندماج الاقتصادى بين دول المنطقة وجنوب آسيا، مشكلاً خطًا موازيًا لمشروع الحزام والطريق الذى تمثل تركيا جزءًا منه. كما أن ما يجعل الأمور أكثر تعقيدًا بالنسبة لتركيا هو احتمالية أن تكون اليونان- غريمة تركيا التاريخية- أولى محطات هذا المشروع فى جانبه الأوروبى.

 قناة السويس لن تُستبدل

وفق خبراء؛ فإن المشروع المرتقب له آثار سياسية تم توضيحها سابقًا وأثار تجارية، لكن يبقى تساؤل: هل سيتم التأثير على التجارة عبر قناة السويس بسبب هذا المشروع العملاق؟

ووفق خبراء؛ فإن قناة السويس لن تتأثر التجارة بها بهذا المشروع حال تنفيذه، وأوضح الخبير السعودى فى التجارة الدولية، الدكتور فواز العلمى، أن التجارة المارة بالبحر الأحمر وفى قناة السويس تمثل نسبة 13% من التجارة العالمية، وهى نسبة لا يستهان بها؛ حيث تشكل تلك التجارة نحو 23 تريليون دولار، وهو رقم مميز وكبير، ولذلك فإن قناة السويس ستنتعش من هذا الممر المهم لدول الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبى.

وأضاف العليمى إن الممر لا يستثنى قناة السويس المصرية التى ستكون ضمن المشروع. من جهة أخرى؛ استبعد الخبير الاقتصادى الروسى ألكسندر نازاروف، أن يستطيع ممر الشحن المقترح «الهند- أوروبا عبر الخليج وإسرائيل» منافسة ممرات الشحن التقليدية عبر البحر مثل قناة السويس.

وأضاف الخبير فى منشور فى قناته على تطبيق «تيليجرام»: «فى رأيى أن الاضطرار إلى تفريغ وتحميل البضائع مرتين يجعل هذا المشروع أكثر تكلفة وأبطأ من الطريق البحرى. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن الصراع العسكرى المحتمل بين الولايات المتحدة والصين سيحدث فى المقام الأول فى البحر، ما يعنى القيام بعمل عسكرى ضد اتصالات العدو».