الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ): بَعد الطلاق.. بين النفقة والحضانة! "69"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

تشير  الإحصائيات الرسمية إلى زيادة حالات الطلاق فى مصر، والتى وصلت إلى أكثر من 254 ألف حالة خلال 2021، حسب ما أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

 

ما لا ترصده الإحصائيات هو التبعات التى يدفع ثمَنَها جميع أطراف الطلاق؛ وبخاصة إذا قرر طرف أن ينتقم من الباقين مستغلًا العوار الذى يشوب بعض قوانين الأحوال الشخصية، التى وضعت قبل سنوات طويلة تَغيّر فيها المجتمع المصرى.

ومنها: «ينتهى حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشرة، ويخير القاضى الصغيرَ أو الصغيرةَ بَعد بلوغ هذه السّن فى البقاء فى يد الحاضنة من دون أجر حضانة، وذلك ريثما يبلغ الصغير سن الرشد أو حتى تتزوج الصغيرة».

 طرد بالقانون

وواحدة من أهم تلك المواد التى تعتبرها النساء مُجحفة بحقوقهن، المادة التى تتعلق بمكان الإقامة الذى تعيش فيه السيدة المطلقة مع أطفالها؛ وبخاصة أن القانون ينص على أحقية الزوج السابق فى استراد شقة الحضانة التى تعيش فيها مطلقته وأطفاله لدى بلوغ أصغر الأطفال سن 15 عامًا، ووقتذاك يكون من حقه المطالبة بتخيُّر الطفل بينه وبين والدته، وحتى إذا اختار الصغيرُ البقاءَ مع والدته فيتم الحكم بأن يعيش معها ولكن مع استرداد الزوج شقة الحضانة.

وبالتالى تجد الكثير من السيدات أنفسهن فى مهب الريح مع أطفالهن حالما يتخطون سن الخامسة عشرة، دون أى اعتبارات للجوانب الاجتماعية أو النفسية أو حتى الإنسانية.

وتنص المادة 20 من القانون رقم 100 لسنة 1985 ثم المعدلة فى الفقرة الأولى من القانون رقم 4 لسنة 2005، على أنه: «ينتهى حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشرة، ويُخيّر القاضى الصغيرَ أو الصغيرةَ بَعد بلوغ هذه السّن فى البقاء فى يد الحاضنة دون أجر حضانة، وذلك ريثما يبلغ الصغير سن الرشد أو حتى تتزوج الصغيرة».

وطبقًا للمادة 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985، وعملًا بالمادة 18 مكررًا من القانون المذكور؛ فإن مسكن الزوجية يعود إلى الأب باعتباره مسكن الحضانة، ما لم يكن مسجلًا باسم الأم قانونًا ملكية أو تأجيرًا، وبالتالى فإن استبقاء الصغير تحت يد الأم بعد انتهاء مدة الحضانة الإلزامية؛ لا يعطيها الحق فى الاحتفاظ بهذا المسكن.

 النفقة

أثناء الزواج النفقة على الزوجة والأولاد من واجب الزوج، وهو شرط فى القوامة عليها: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، النساء 34. وبَعد الطلاق والمرأة فى العدة يتم الإنفاق عليها، ويستمر الإنفاق عليها إذا حملت، فإذا وضعت يستمر فى الإنفاق عليها وعلى إرضاع الوليد حولين كاملين: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى)، الطلاق 6.

وحقها فى السكن: (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)، الطلاق 1، إخراجهن من بيوتهن وهن فى العدة هو اعتداء على حدود الله، أى على الشرع، والذى يتعداه يظلم نفسَه.

عدم الإضرار بهن والتضييق عليهن: (وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)، البقرة 231، نفس الوضع فالزوج ظلم نفسَه قبل أن يظلمها.

قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، البقرة 233.

التشريع هنا بَعد الطلاق النهائى وبَعد وضع الحَمل، ويقوم الزوج بالإنفاق عليها وعلى الرضيع مدة الرضاعة، ويشمل هذا الإقامة والكسوة والمعيشة. ثم هو ملزم بالإنفاق على الطفل وحده بَعدها، سواء تزوجت أو بقيت دون زواج، وتحديد النفقة بالمتعارف عليه أنه عدل ومناسب للوضع وبالتشاور، وعدم الإضرار لأى من الطرفين.

 المتعة والحضانة

فى القرآن الكريم جاءت كلمة المتاع فى الحياة الدنيا: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى)، هود 3، وقوله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)، آل عمران 185.

ومن المتاع جاءت المتعة فى موضوع الزواج فى تمتع الزوج بزوجته: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)، النساء 24، فالمتعة كمكافأة للزوجة المطلقة ومن مات عنها زوجها، فقد فرض للمرأة فريضة مالية مقدرة بالمعروف وحسب أحوال الزوج تأخذها المرأة فى حالة الطلاق وموت الزوج.

فالمرأة تأخذ الصداق والنفقة فى حياتها الزوجية، فإذا انتهت العلاقة الزوجية كان لها المتعة كفريضة مالية أوجبها تعالى على الزوج ليقدمها للزوجة؛ لتستعين بهذه المتعة على قضاء طلبات الحياة عند الطلاق أو الترمل فى فترة العدة.

فى التشريع الخاص بنساء النبى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)، الأحزاب 28.

وعن متعة الأرملة، تظل سَنة فى البيت بعد وفاة زوجها، مع حقها فى الميراث، وبعد عام فى البيت تقضيه لها أن تخرج وتتزوج، ومدة العام لا ترتبط بالعدة التى هى أربعة أشهر وعشرة أيام، ومن حقها أن تخرج وتتزوج فى أى وقت بعد انتهاء العدة: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِى مَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، البقرة 240.

وعن متعة المطلقة: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)، البقرة 241، أوجبه تعالى حقًا على المتقين.

والمتعة حق للمطلقة حتى لو لم يدخل زوجها بها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)، الأحزاب 49، فالمطلقة قبل الدخول بها لها حقها فى المتعة.

ولحث الأزواج على دفع متعة الطلاق جعلها تعالى حقًا على المحسنين، كما وصفهم قبلها بالمتقين، ولم يستثن من وجوب المتعة الفقير أو الغنى: (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)، البقرة 236، مقدار المتعة بالمتعارف على أنه عدل وبحسب حال الزوج ومقدار دخله.

 الحضانة

الحضانة مصطلح فقهى يعنى احتضان الأم للولد ورعايته فى فترة الطفولة، والقرآن تحدّث عن رضاعة الوليد والتصاقه بوالدته طيلة مدة الرضاعة التى تصل إلى حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، ويعبر عن انتهاء هذه الفترة: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا)، أى أن الفطام انفصال بين الأم ورضيعها.

وقد أوجب تعالى أن تكون نفقة رضاع المولود على الأب ومن يقوم مقامه، وقد تقوم مرضعة بإرضاع الولد، ويكون ذلك باتفاق وتشاور بين الوالدين المنفصلين.

مدة الرضاعة

بَعد الحَمل والولادة تأتى الرضاعة وبّعدها ينفصل الطفل عن أمّه: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ)، لقمان 14، أى أن فترة الرضاعة للمولود عامان كاملان.

وتأتى المشاكل للرَّضيع عندما تنفصل أمُّه عن أبيه، لكن التشريعات تلزم الأب بنفقة الرضيع سواء كان يرضع من أمّه أو من مرضعة مستأجرة، وعلى الأب أن ينفق على المرضعة بالغذاء والكسوة مدة الرضاعة، وعلى القضاء تحديد مقدار النفقة لتكون بالمعروف دون مشقة على الأب ودون إضرار بالأم، وإن كان الأب متوفيًا فعلى من يرثه أن يحمل المسئولية.

وإذا أراد الوالدان فطام الرضيع فيكون ذلك بتشاور وتراضٍ بينهما، وإذا اتفقا على استئجار مرضعة فيجب أن تأخذ حقوقها كاملة.

طبيًا الرضاعة هى عامل محفز لإفراز هرمون «الأوكسيتوسين» فى الحليب الذى يرضعه الطفل من المرضعة، وهو الهرمون المسئول عن الترابط الاجتماعى الوجدانى، مما يساعد الرضيع على الشعور بالأطمئنان النفسى.

الإنفاق على المرأة مرتبط بفترة الرضاعة إلى وقت الفصال، والتشريع هنا عمّن تم انفصالها نهائيًا بوضع الحَمل، ويقوم الزوج بالإنفاق عليها وعلى الرضيع فى الإقامة والمعيشة، وملزم بالإنفاق على الطفل وحده بعد انتهاء الرضاعة، سواء تزوجت أو بقيت دون زواج، فقد انتهت مسئولية زوجها السابق بالنسبة لها.