الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الاستقرار أولاً استراتيچية مصر لحل الأزمة فى السودان

فى 15 أبريل الماضى، كانت بداية الصراع السودانى بين قوات الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتى)، وكانت مصر حاضرة منذ اللحظات الأولى فى اندلاع الصراع الدائر منذ خمسة أشهر، حيث حاولت القاهرة أن تقدم جميع سبل الدعم للشعب الشقيق وحاولت بجميع السبل فتح طرق دبلوماسية لدرء الصراع بين القوات المختلفة، وأدت التطورات المستمرة التى يشهدها الداخل السودانى إلى انعكاسات على مصالح الدولة المصرية، نظرًا لتشابك عدد من الملفات، فيما شكل تدفق مزيد من اللاجئين السودانيين على مصر تحديًا متزايدًا يواجه الاقتصاد المصرى الذى يعانى بالفعل من ضغوط شديدة.



 ورغم  استمرار المواجهات المسلحة بين طرفى الصراع؛ فإنه لم يستطع أى طرف حسم المعركة لصالحه والقيام بإعادة ترتيب المشهد، وهو ما يعنى أن استخدام الأداة العسكرية لن يساهم فى حسم الصراع فى السودان، بالإضافة إلى أن هناك اتساعًا لبؤرة الصراع وامتداد العنف خارج الخرطوم، وهو ما يهدد بإطالة أمد الصراع وتصاعد حدة المعاناة الإنسانية، وهو الأمر الذى حذرت منه الإدارة المصرية على مدار الأشهر الماضية، وكان اجتماع دول الجوار محاولة للقاهرة لطرح رؤية لاستقرار البلاد والحفاظ على أرواح الشعب السودانى الشقيق، ليس هذا فحسب؛ بل عملت الإدارة المصرية على طرح الأزمة السودانية فى جميع المحافل الدولية، كما حرصت على تقديم مقترحاتها للحلول السياسية للتوافق بين طرفى النزاع وهو ما يعكس استراتيچية مصر الراعية لأمن وسلام المنطقة.

الاستقرار والسلام

منذ اندلاع الأزمة السودانية حرصت الإدارة المصرية على تأكيد الحيادية بين طرفى الصراع، وحرصت القاهرة على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع طرفى الأزمة، وهو ما يجعلها وسيطًا يحظى بالقبول من جانب مختلف الأطراف فى الداخل السودانى. 

وقد كان التعاطى الإنسانى من جانب الدولة المصرية، واستضافتها للاجئين السودانيين؛ إذ تسببت الصراعات الدائرة فى السودان فى نزوح الآلاف من السودانيين لدول الجوار، هو ما أشاد به المجتمع الدولى، خاصة بعد فتح الحدود واستضافتها للسودانيين منذ اندلاع الصراع، وتوفير المساعدات الإغاثية لهم. 

وقد اتسمت المقاربة المصرية بأنها عملت على حشد الدول المجاورة للسودان، والتى لديها مصلحة مشتركة فى إنهاء الصراع، والحفاظ على وحدة وسيادة الدولة السودانية، حيث إن عدم استقرار السودان من شأنه أن يؤدى إلى زعزعة أمن الدول المشتركة فى الحدود مع السودان، ولذلك يعتبر تأمين الحدود المشتركة أولوية لدى دول الجوار لمنع تسلل العناصر الإرهابية وتهريب الأسلحة، وقد عملت الدولة المصرية على حشد الدول المجاورة للسودان وقيامها بعقد قمة على مستوى الزعماء ورؤساء الحكومات لدول الجوار المباشر السودان فى 13 من يوليو الماضى، حيث أوضحت الدولة المصرية رؤيتها بشأن معالجة الأزمة السودانية والتى تتمحور حول التركيز على الرؤية المصرية لإنهاء الأزمة فى السودان والوقف الدائم لإطلاق النار، والبدء بعدها فى مشاورات حول المسار السياسى بمشاركة كل الأطراف السودانية لوضع خارطة طريق جديدة لمستقبل السودان، وتتم ترجمة هذه الرؤية إلى خطوات فعلية من خلال تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، للتوصل لحل سياسى للأزمة بشكل مستدام. 

الدبلوماسية لحل الأزمة

وكانت استضافة مصر لقمة دول الجوار بهدف أساسى فى استكشاف الحلول والسبل المناسبة لإنهاء الصراع الدموى فى السودان والتخفيف من عواقبه السلبية على دول الجوار وهو ما أكده البيان الختامى للقمة الذى وضع 8 بنود لحل الأزمة.

وقدمت دول جوار السودان، عدة مقترحات لحل النزاع وتوافق زعماء القمة على أهمية حل الصراع الراهن بين قوات الجيش السودانى والدعم السريع، بالنظر للتداعيات السلبية على دولهم فى المقام الأول، ولما يمثله من تهديد على المنطقة والعالم ككل.

ودعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى توحيد رؤى دول جوار السودان بشأن الأزمة التى يشهدها السودان، لافتًا إلى أن الجارة الجنوبية «تمر بأزمة عميقة لها تداعياتها السلبية على الأمن والاستقرار فى المنطقة والعالم».

كما دعا السيسى الأطراف المتحاربة لوقف نزيف الدم السودانى، وإطلاق حوار وطنى جامع يهدف إلى الوصول لحل سياسى شامل.

الحل يبدأ من القاهرة

لعل السؤال المطروح دومًا هو: لماذا ينبغى أن يكون مفتاح الحل فى السودان فى القاهرة وليس أى عاصمة إقليمية أخرى؟

ووفق معطيات الأحداث والعلاقات المصرية - السودانية الأزلية، فإن مصر لا تمتلك ترف الوقوف موقف المتفرج رغم التحديات الجسيمة التى تواجهها على الصعيدين الداخلى والإقليمى؛ حيث تشترك مصر والسودان ثقافيًا واجتماعيًا، وفى الحدود والتحالفات والمصالح الإقليمية لعدة قرون. 

كما أن للصراع الحالى فى السودان تداعيات كبيرة على مصر، لا سيما فيما يتعلق بالموارد المائية والأمن الإقليمى. لقد أصبح نهر النيل، وهو شريان الحياة لإمدادات المياه والزراعة والنقل لكلا البلدين، مصدر قلق وتهديد بسبب الخلافات حول سد النهضة الإثيوبى. وعليه يتوجب على مصر أن تدافع عن أمنها المائى فى مواجهة عوامل مثل الزيادة السكانية وتغيُّر المناخ والعواقب المحتملة لسد النهضة. بالإضافة إلى ذلك، تكافح مصر مع تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السودانيين، فضلا عن وجود نحو خمسة ملايين سودانى يعيشون بين أهلهم فى مصر، مما يزيد الضغط على اقتصادها ومواردها المحدودة. ولعل ذلك كله يؤكد أهمية المقاربة المصرية والجهود التعاونية لإيجاد حل للصراع.

وعلى عكس بعض الأطراف الأخرى التى تنطلق من مصالح أنانية ومنحازة، تمتلك مصر قنوات اتصال بمعظم الأطراف الفاعلة فى المشهد الأمنى والسياسى فى السودان، فضلًا عن إمكانية توفير جميع المساعدات اللوچستية للتوصل لحل سلمى ومستدام للصراع فى السودان.

ولقد مهدت مصر الطريق بالفعل لعقد قمة دول الجوار من خلال تحركاتها الدبلوماسية واتصالاتها منذ بداية الحرب. وشمل ذلك الاتصالات الدبلوماسية مع الأطراف المتصارعة والزيارات المبكرة لوزير الخارجية سامح شكرى، إلى دول الجوار، ولا سيما جنوب السودان وتشاد، والتى تشير هذه الجهود إلى استعدادات مصر الدائمة للتوصل إلى حل بين جميع الأطراف السودانية.

كما عملت القاهرة على استضافة ورش عمل للقوى المدنية والأحزاب السودانية، بحثًا عن حلول لتعقيدات المرحلة الأخيرة من العملية السياسية بعد توقيع الاتفاق الإطارى السياسى. ولعل ذلك كله يدل على فهم مصر الجيد لأبعاد الأزمة وجذورها، وكذلك إدراكها لتطوراتها. وهذا ما جعل لقمة دول الجوار دلالتها الخاصة بسبب موقفها المتوازن وترحيب أطراف الصراع بها. 

وأخيرًا، هناك مخاوف بين بعض الدوائر الدبلوماسية من أن عمليات السلام الإفريقية والعربية المتنافسة ستقوض بعضها البعض. ولعل ذلك هو ما يجعل خطة السلام المصرية التى دعمتها دول الجوار السودانى الأكثر طموحًا وشمولية حتى الآن، كما أن مصر تعتزم الاستفادة من علاقاتها الطويلة مع القادة العسكريين وزعماء الحركات المسلحة لعقد اجتماعات مباشرة ودفع وقف إطلاق النار وأهداف المساعدة فى الوصول إلى حل سلمى مستدام.

لكن لا تزال هناك عقبات عديدة على طريق السلام، لا سيما عدم استعداد الفصائل المتحاربة لقبول فكرة عدم وجود حل عسكرى للصراع. كما أن ميل رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد إلى التوافق مع مبادرة «إيجاد» الإقليمية، التى دعت إلى تدخل عسكرى محتمل يتعارض مع فلسفة المبادرة المصرية التى تؤكد على عدم التدخل الخارجى والدفاع عن سيادة السودان، كما أن زيارة البرهان الأخيرة إلى مدينة العلمين ولقاءه مع الرئيس السيسى عكست توافق أحد طرفى الأزمة مع رؤية الإدارة المصرية، وهو الأمر الذى نطمح فى نفاذه خلال الفترة المقبلة من خلال تعزيز الحوار، وإقرار وقف إطلاق النار والوصول إلى المساعدات دون تدويل الأزمة وعسكرتها.