الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ميثاق أخلاقيات وضوابط لتقنين استخدامات الذكاء الاصطناعى البابا تواضروس يحذر من «شهوة عبادته».. وبابا روما يُطالب بالتفكير فى مخاطره

على الرغم من أن الكنيسة لا تمانع إطلاقًا أن تواكب التطور فإنها دائمًا تخشى من الاستخدام الخاطئ لأدواته ودائمًا تجدها تضع أمامها الآية التى ذكرت فى رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس «وَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ» (1 كو 14: 40). نصب أعينها.. ففى إحدى عظاته التى ألقاها البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية حذر من شهوة عبادة الذكاء الاصطناعى ووضعها فى بند شهوة «عبادة ممالك الدنيا والمتجسدة فى الإلحاد وعبادة الذات، وعبادة الميديا، وزمن الشاشة، ونشر الأفكار المنحرفة، و«مجتمع الميم» والذى يضم المثلية الجنسية، والمتحولين جنسيًّا، ومزدوجى الميل، وعبادة العلم، والذكاء الاصطناعى، والاستغناء عن ربنا.



 

البابا تواضروس لم يهاجم فكرة الذكاء الاصطناعى وإنما حذر من شهوة عبادته أى أن يكون هو المتحكم فينا عن طريق الاستخدام الزائد له، وهو ما ينادى به دائمًا فهو كثيرًَا ما ينتقد الاستخدام السيئ للتكنولوجيا بكل أشكالها سواء كان عن طريق أجهزة الكمبيوتر أو الموبايل وغيرهما من الأجهزة الإلكترونية.

أيضًا كثيرًا ما ينتقد البابا تواضروس الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعى ويشجع الآباء والأمهات على تشجيع أولادهم على ترك أجهزة اللاب توب والرجوع إلى قراءة الكتب مرة أخرى.

نفس المبدأ نادى به البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، حيث دعا البابا العالم إلى التفكير فى المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعى مشيرًا إلى «الاحتمالات التخريبية والتأثيرات المتناقضة» للتكنولوجيا الجديدة.

 البابا فرنسيس أطلق تحذيره فى رسالة بمناسبة اليوم العالمى للسلام للكنيسة الكاثوليكية مؤكدًا أنه لا يعرف كيف يستخدم الكمبيوتر حتى الآن.

وأكد بابا الفاتيكان أن العالم بحاجة إلى اليقظة والعمل حتى لا يتجذر منطق العنف والتمييز فى إنتاج مثل هذه الأجهزة واستخدامها على حساب الأكثر ضعفًا واستبعادًا».

وأضاف: إن «الحاجة الملحة لتوجيه مفهوم الذكاء الاصطناعى واستخدامه بطريقة مسؤولة ليكون فى خدمة الإنسانية، تتطلب أن يمتد التفكير الأخلاقى إلى مجالى التعليم والقانون».

ووصف بابا الفاتيكان فى عام 2015 الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى والرسائل النصية بأنها «هدية من الرب» شريطة أن تُستخدم بحكمة.

وفى عام 2020 وقع الفاتيكان ميثاقًا حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعى مع شركتى التكنولوجيا «مايكروسوفت» و«آى.بى.إم» لزيادة تطوير الناحية الأخلاقية للذكاء الاصطناعى وذلك بعد المخاوف التى أثارها البابا فرنسيس حول الذكاء الاصطناعى وتأثيره على المجتمع. يهدف الميثاق إلى إطلاق مبادئ تعزز الاستخدام الأخلاقى للذكاء الاصطناعى.

وتؤكد مبادرة «نداء روما لأخلاقيات الذكاء الاصطناعى» على أن التكنولوجيا يجب أن تحترم الخصوصية، وأن تعمل بشكل موثوق ودون تحيز، وأن تنظر فى احتياجات جميع البشر، وأن تعمل بشفافية، وهو مجال ما زال البحث فيه مستمرًا لأن قرارات أنظمة الذكاء الاصطناعى غالبًا ما تكون غامضة.

وعكست الوثيقة الاهتمام المتزايد بين الشركات والمؤسسات لوضع حواجز للتكنولوجيا السريعة التطور. وقد استخدمت الشرطة أنظمة التعرف على الوجه للتحقيق فى الجرائم، كما استخدمت شركات «فورتين 500» الذكاء الاصطناعى لفحص المتقدمين إلى الوظائف، والمثالان يعتبران من المهام العالية الخطورة حيث قد يؤدى استخدام برامج غير دقيقة أو متحيزة إلى ضرر كبير.

ويعكس الميثاق فكرة أن مسؤولى الفاتيكان لديهم مخاوف بشأن استيلاء الذكاء الاصطناعى على العديد من نواحى الحياة.

وأكد الفاتيكان أنه بدأ فى اتخاذ خطوات جدية فى وضع أخلاقيات صارمة بشكل متزايد، بشأن أنظمة الذكاء الاصطناعى.

وعلى الرغم من تخوفات قيادة الكنيسة تجاه انتشار الذكاء الاصطناعى وعدم وجود ضوابط له، فإن هناك بعض الكنائس اللوثرية فى ألمانيا بدأت بالفعل فى استخدام الذكاء الاصطناعى فى الكنيسة ففى شهر يونيو الماضى طلب برنامج (شات بوت) للذكاء الاصطناعى من المصلين فى كنيسة القديس بولس فى بلدة فيورت البافارية النهوض من المقاعد والتسبيح.

وقد بدأ روبوت الدردشة (شات بوت)، الذى تم تجسيده من خلال صورة رمزية لرجل أسود ملتح على شاشة ضخمة فوق المذبح، العظة أمام أكثر من 300 شخص حضروا صباح الجمعة القداس التجريبى الذى أقيم فى الكنيسة اللوثرية، والذى يقوم تمامًا على ما يسمى بالذكاء الاصطناعى.

بوجه بلا تعبيرات وصوت رتيب، قالت الصورة الرمزية «أصدقائى الأعزاء، إنه لشرف لى أن أقف هنا وأعظكم كأول (برنامج) ذكاء اصطناعى فى تجمع هذا العام للبروتستانت فى ألمانيا».

وهو الأمر الذى أثار العديد من التخوفات فى تحكم وتدخل الذكاء الاصطناعى فى الوعظ الدينى ليثير زوبعة كبيرة مثل التى أثيرت حول الشريحة الإلكترونية التى قيل أنها سيتم زرعها فى البشر، ورأى بعض الأقباط أنها علامة من علامات اقتراب يوم القيامة وأن رؤيا يوحنا اللاهوتى وهو السفر الختامى للكتاب المقدس ستتحقق حيث ستظهر سمة الوحش (الشيطان) على وجوه من سيختارونه.

وقد رأى البعض أن هذه الشريحة هى السمة المذكورة فى رؤيا يوحنا وذلك نظرًا لتشابه الاسم بين سمة وsim أى الشريحة.

إلا أن أحد المواقع التابعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية رأى أن هذا مستبعد حيث قال: إن هذه الرقاقة لم يتم اتخاذ قرار بتعميمها على الجميع فى أمريكا ولا فى أى بلد فى العالم. ومن خلال بحث بسيط على الإنترنت، رأينا أنه قد حدثت قرصنة لهذه الرقاقة من قبل بعض المُبَرْمِجين على سبيل التجربة وإثبات أنها ليست آمنة 100 %.. فمن المستحيل أن يتم تعميمها وبها مشاكل فى الأمن.

ولا نظن أن المجتمع سيقبل بهذا الأمر، لما فيه من انتهاك للحقوق الشخصية والحريات.. وهى فكرة بها الكثير من الجدل والخلاف.

كما أن سمة الوحش مرتبطة بالشر، أما هذه الرقاقة فلا علاقة لها بالخطية أو الشيطان.. بل هى أمر اجتماعى أو سياسى أو طبى أو غيره إن حدثت.. ولا تعنى أنه ينبغى أن يترك مَنْ يضعها الله، أو يؤمن بدين جديد..!

وأضاف: إن سفر الرؤيا يوضح أن ليس الجميع سيقبلون سمة الوحش.. أى أن هناك اختيارًا.. أما إن كانت فرضًا من الحكومة على المجتمع، ففى تلك الحالة ليس هناك اختيار.. فإن كانت هى كما البعض يعتقد، فمستحيل أن يُحاسِب الله شخصًا على شىء فُرِضَ عليه.

وأشار إلى قول الكتاب المقدس عن نهاية العالم: «فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ مَعَهُ، الصَّانِعِ قُدَّامَهُ الآيَاتِ الَّتِى بِهَا أَضَلَّ الَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ» (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى 19: 20) يقول: «الذين قبلوا».. أى أنه فى حالة سمة الوحش الحقيقية، سيرفض البعض هذه السمة، أى أن هناك اختيارًا.. هذا من جانب، ومن جانب آخر القبول مرتبط بالعبادة للشر (الذين سجدوا لصورته)، وثالثًا فهم بالطبع يعلمون بما أن لهم الإمكانية فى القبول أو الرفض.

وأضاف: إنه ليس شرطًا أن تكون سمة الوحش هى سمة بالفعل أو علامة ظاهرة أو مادية.. فقد رأينا مثلًا أن «كواكب» كانت رمزًا للكهنة فى السفر، و«المناير» كانت رمزًا للكنائس (رؤ 1: 20)؛ «رؤوس» هى رمزًا لجبال وملوك رؤ 17: 9، و«قرون» هى ملوك.. إلخ.

إذن، لا نستطيع أن نجزم أن هذه هى سمة الوحش أم لا، ولكن حتى الآن، لم يبدُ فى الأمر شىء من هذا القبيل بعد.

وبذلك نجد فى النهاية أن الكنيسة تسير فى خطوات واضحة وواحدة وهى مواكبة التطور، ولكن فى حدود الاستفادة منه وإخضاعه للاستخدام الجيد فى أمور الخدمة وغيرها، حيث إن الاستخدام الزائد دائمًا ما يجعل الإنسان عرضة للإدمان وعدم القدرة على التحكم فى نفسه، وبالتالى هنا تكمن الخطورة التى يحذر منها دائمًا البابا تواضروس والذى دائمًا ما يطالب الآباء بوضع قيود مستمرة على استخدام الأبناء للتكنولوجيا بصفة عامة، إلا أنه فى النهاية يبقى الذكاء الاصطناعى شبحًا يهدد هذا العالم ما دام لم يتم اتخاذ خطوات كبيرة فى تقنين استخداماته.