الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الرجل الذى جذب الأضواء بتمرده على «بوتين» لغز مقتل «بريجوجين»

لقى يفجينى بريجوجين، قائد قوات فاجنر الروسية، مصرعه فى تحطم الطائرة الخاصة التى كانت تقله من موسكو إلى سان بطرسبورج بحسب ما أعلنته هيئة الطيران المدنى الروسية، وقُتل معه 9 أشخاص آخرين.



تمّت إقالة الچنرال سيرجى سوروفيكين، القائد السابق للقوات الروسية فى أوكرانيا والذى كان على صلة بزعيم تمرد مسلح قصير، من منصبه كقائد للقوات الجوية، بعد أسابيع من عدم اليقين بشأن مصيره.

 

لم يظهر «سوروفيكين» علنًا منذ 23 و24 يونيو، عندما أرسل يفجينى بريجوجين، رئيس مجموعة فاجنر للمرتزقة، رجاله للسير نحو موسكو. وفى مقطع فيديو تم نشره خلال الانتفاضة، حثه سوروفيكين - الذى يُعتقد أن لديه علاقات وثيقة مع بريجوجين - على سَحب المرتزقة.

كما شكلت انتفاضة فاجنر أخطر تحدٍ لحُكم الرئيس فلاديمير بوتين المستمر منذ 23 عامًا، وانتشرت تقارير تفيد بأن سوروفيكين كان على عِلْم بها مسبقًا. ألغى بريجوجين التمرد قبل أن يصل إلى موسكو بعد أن قال إنه يريد تجنب إراقة الدماء.

مَن هو؟

يفجينى بريجوجين هو المؤسِّس والقائد لمجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة، وكان بريجوجين ذات يوم حليفًا وثيقًا للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لكن زعيم الكرملين توعّد بمعاقبة المتورطين فى «التمرد المسلح».

وعادة ما كان بريجوجين شخصية تفضل العمل فى الظل، وقد تم تسليط الضوء عليه ومقاتليه فى دائرة الضوء بعد الحرب «الروسية- الأوكرانية» العام الماضى؛ حيث لعب مرتزقة فاجنر دورًا رئيسيًا فى معارك متعددة.

يشترك بوتين وبريجوجين فى بدايات متواضعة نسبيًا، وقد نشأ زعيم فاجنر فى الأحياء الأكثر صرامة فى سان بطرسبورج، مسقط رأس الرئيس أيضًا، ويعرف الرجال بعضهم البعض منذ التسعينيات، وأصبح بريجوجين من الأثرياء من خلال فوزه بعقود تقديم الطعام المربحة مع الكرملين، مما أكسبه لقب «طاهى بوتين».

من قائد لقوة مرتزقة يصور نفسه على أنه يقاتل بعض أصعب المعارك العسكرية الروسية فى أوكرانيا، انتقل بريجوجين (62 سنة) إلى أخطر دور له حتى الآن: الدعوة إلى تمرد مفتوح ضد القيادة العسكرية لبلاده.

ورفع بريجوجين، صاحب مجموعة «فاجنر» المتحالفة مع الكرملين، حدة الانتقادات اللاذعة المستمرة منذ أشهر لسلوك روسيا فى الحرب، من خلال الدعوة إلى انتفاضة مسلحة لإطاحة وزير الدفاع. وردت أجهزة الأمن الروسية على الفور، وفتحت تحقيقًا جنائيًا وحثت على اعتقال بريجوجين.

وفى دلالة على مدى جدّية تعامُل الكرملين مع تهديد بريجوجين؛ سارعت شرطة مكافحة الشغب والحرس الوطنى لتشديد الأمن فى المرافق الرئيسة فى موسكو، بما فى ذلك الوكالات الحكومية والبنية التحتية لمرافق النقل، وحث بريجوجين، وهو مُدان سابق وبائع نقانق وشريك منذ فترة طويلة لبوتين؛ الروس على الانضمام إلى «مسيرته نحو العدالة».

«طاهى بوتين»

تعود معرفة بريجوجين ببوتين لفترة بعيدة فى الزمن، إذ وُلد كلاهما فى ليننجراد التى تُعرف الآن باسم سانت بطرسبورج.

خلال الأعوام الأخيرة من الاتحاد السوفيتى، قضى بريجوجين فترة فى السجن - 10 سنوات باعترافه الشخصى - رغم أنه لم يذكر سببَ ذلك.

بعد ذلك، امتلك كشكًا لبيع النقانق ثم مطاعم فاخرة جذبت اهتمام بوتين. فى ولايته الأولى، اصطحب الزعيم الروسى الرئيس الفرنسى آنذاك جاك شيراك لتناول العشاء فى أحدها.. يتذكر بريجوجين فى مقابلة نشرت عام 2011 «رأى فلاديمير بوتين كيف بَنيت مشروعًا تجاريًا من كشك، ورأى أننى لا أمانع فى خدمة الضيوف الكرام لأنهم كانوا ضيوفى».

توسعت أعماله بشكل كبير لتشمل تقديم وجبات الغداء المدرسية. عام 2010، ساعد بوتين بريجوجين فى افتتاح مصنع بُنى بمساعدة قروض سخية من قِبَل بنك حكومى. فى موسكو وحدها، فازت شركته «كونكورد» بعقود بملايين الدولارات لتقديم وجبات الطعام فى المدارس العامة. كما قام بتحضير وجبات طعام لمناسبات فى الكرملين لسنوات عدة- مما أكسبه لقب «طاهى بوتين»- وقدّم التموين الغذائى وخدمات المرافق للجيش الروسى.

عام 2017، اتهم أليكسى نافالنى، وهو شخصية معارضة ومحارب للفساد، شركات بريجوجين بخرق قوانين مكافحة الاحتكار من خلال تقديم عطاءات لنحو 387 مليون دولار فى عقود وزارة الدفاع.

 الجانب العسكرى

يمتلك بريجوجين أيضًا مجموعة «فاجنر»، وهى قوة مرتزقة متحالفة مع الكرملين أصبحت تلعب دورًا مركزيًا فى رؤية بوتين للنفوذ الروسى فى مناطق الاضطرابات حول العالم.

وتقول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة ودول أخرى إن قوات المرتزقة تورطت فى صراعات فى دول عبر إفريقيا على وجه الخصوص. يزعم أن مقاتلى «فاجنر» يوفرون الأمن لقادة دول أو أمراء الحرب مقابل مبالغ سخية، غالبًا ما تشمل حصة من الذهب أو الموارد الطبيعية الأخرى. ويقول مسئولون أمريكيون إن روسيا ربما تستخدم أيضًا عمل «فاجنر» فى إفريقيا لدعم حربها فى أوكرانيا.

فى أوكرانيا، أصبح مرتزقة بريجوجين قوة رئيسة فى الحرب، يقاتلون كنظراء للجيش الروسى فى المعارك مع القوات الأوكرانية.

ويشمل ذلك مقاتلى «فاجنر» الذين سيطروا على مدينة باخموت التى شهدت أكثر المعارك دموية وأطولها. بحلول الشهر الماضى، بدا أن مجموعة «فاجنر» والقوات الروسية سيطرتا إلى حد كبير على باخموت، وهو نصر له أهمية استراتيچية طفيفة بالنسبة إلى روسيا رغم الخسائر فى الأرواح. تقدر الولايات المتحدة بأن ما يقرب من نصف القوات الروسية التى قُتلت فى أوكرانيا منذ ديسمبر (كانون الأول)، وعددها 20 ألف جندى، كانت من مقاتلى «فاجنر» فى باخموت. وكان من بين جنوده المأجورين عدد من السجناء المجندين من السجون الروسية.

چنرالات روسيا

عندما حاربت قواته وماتت بأعداد كبيرة فى أوكرانيا، ثار بريجوجين غضبًا ضد القادة العسكريين الروس. وفى مقطع فيديو نشره فريقه الشهر الماضى، وقف بريجوجين إلى جانب صفوف من جثث قال إنها لمقاتلى «فاجنر». واتهم الجيش الروسى النظامى بعدم الكفاءة وقطع قواته عن الأسلحة والذخيرة التى يحتاجون إليها للقتال.

قال بريجوجين حينها «هؤلاء هم آباء وأبناء شخص ما. الحثالة التى لا تعطينا الذخيرة ستتعذب فى الجحيم».

«أعمال مسيئة»

اكتسب بريجوجين اهتمامًا محدودًا فى وقت سابق فى الولايات المتحدة، عندما اتهم وعشرات الرعايا الروس الآخرين وثلاث شركات روسية هناك بإدارة حملة سرية على وسائل التواصل الاجتماعى تهدف إلى إثارة الاضطرابات قبل فوز دونالد ترامب فى الانتخابات عام 2016.

ووجهت إليهم لائحة اتهام فى إطار تحقيق المدعى الخاص روبرت مولر فى التدخل الروسى فى الانتخابات. عاقبت وزارة الخزانة الأمريكية بريجوجين وشركاءه مرارًا وتكرارًا فيما يتعلق بتدخله المزعوم فى الانتخابات وقيادته لمجموعة «فاجنر».

بعد لائحة الاتهام لعام 2018، نقلت وكالة الأنباء «ريا نوفوستى» الروسية عن بريجوجين قوله، فى ملاحظة ساخرة بوضوح «الأمريكيون أناس حساسون للغاية، يرون ما يريدون رؤيته. أنا أعاملهم باحترام كبير. لستُ مستاءً على الإطلاق لأننى مدرج فى هذه القائمة. إذا كانوا يريدون أن يروا الشيطان، فليروه».

وصفته إدارة بايدن بعد تلك الملاحظة بأنه «مرتكب معروف لأعمال مسيئة»، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، إن «اعتراف بريجوجين الوقح، إن عنى شيئًا، فهو مجرد مظهر من مظاهر الإفلات من العقاب الذى يتمتع به المحتالون والمقربون من الحُكم فى عهد الرئيس بوتين والكرملين».

 انتقاد بوتين

نظرًا إلى أن بريجوجين كان أكثر صراحة ضد الطريقة التى يدير بها الجيش الروسى التقليدى القتال فى أوكرانيا، استمر فى لعب دور لا غنى عنه على ما يبدو فى الهجوم الروسى، وبدا أنه لم يتعرض لأى محاسبة من بوتين بسبب انتقاده لچنرالاته.

وأشارت تقارير إعلامية فى بعض الأحيان إلى أن تأثير بريجوجين فى بوتين آخذ فى الازدياد وأنه كان يسعى إلى منصب سياسى بارز. لكنّ محللين حذروا من المبالغة فى تقدير نفوذه مع بوتين.

وقال مارك غالوتى من جامعة كوليدج بلندن والمتخصص فى الشئون الأمنية الروسية، متحدثًا فى الـ«بودكاست» الخاص به بعنوان «فى ظلال موسكو» In Moscow’s Shadows، إنه «ليس واحدًا من الشخصيات المقربة من بوتين أو من الوثيقين به».. وأضاف: «بريجوجين يفعل ما يريده الكرملين ويحقق لنفسه نقاطًا بشكل جيد للغاية فى هذه العملية. ولكن هذا هو الشىء- إنه جزء من طاقم العمل وليس جزءًا من العائلة».

 مصير المجموعة

صنفت المملكة المتحدة مجموعة «فاجنر» الروسية الخاصة كمنظمة إرهابية «فى غضون أسابيع»؛ كجزء من حملة قمع جديدة على الشبكة شبه عسكرية، وفقًا لما ذكره مطلعون فى الحكومة البريطانية.

وبحسب ما أوردته صحيفة «فايننشال تايمز» فإنه من المتوقع أن تعلن وزيرة الداخلية البريطانية سويلا بريفرمان عن التصنيف قريبًا بما يتماشى مع السلطات المنصوص عليها فى قانون الإرهاب لعام 2000، بعد أشهر قضاها المسئولون فى إعداد قضية قانونية مفصلة.

وفرضت بريطانيا بالفعل عقوبات على مجموعة «فاجنر» ومؤسّسها يفجينى بريجوجين ومجموعة من كبار قادة الشبكة شبه العسكرية.