الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لم تحسم بعد شكل العملة الجديدة هل تقضى «البريكس» على «الدولرة»؟

تعد مناقشة اقتراح البريكس الحساس المتمثل بعملة جديدة مدعومة بالذهب إحدى النقاط الرئيسية فى القمة؛ خصوصًا أن ملف العملة الجديدة ملف مثير للجدل لعدم وضوحية الدوافع ورائه؛ حيث يرى البعض الخطة كخطوة تم تصميمها لترسيخ مكانة البريكس على رأس الاقتصاد العالمى.



وتوفر مجموعة «بريكس» للدول الأعضاء فرصة لتبادل التوصيات فى العديد من المجالات بشأن القضايا الدولية والإقليمية وتسعى مجموعة «بريكس» إلى طرح عملة موحدة جديدة؛ من أجل استخدامها فى التبادلات التجارية فى سبيل منافسة الدولار الأمريكى الذى يهيمن كعملة مرجعية على معظم التجارة العالمية، من أجل القضاء على تلك الهيمنة؛ حيث طلبت مجموعة دول «بريكس» من بنك التنمية الجديد، إرشادات حول كيفية إنشاء عملة مشتركة جديدة محتملة لتسهيل تنمية الاقتصاد العالمى، أثارت تلك الخطوة تساؤلات حول إمكانية أن تحل عملة «بريكس» الموحدة محل الدولار الأمريكى، وهو ما يراه مراقبون دوليون ممكنًا فى ظل الظروف الراهنة.

 

 عملة موحدة

وتسعى دول مجموعة بريكس إلى إطلاق عملة موحدة بينها تنهى بها هيمنة الدولار الأمريكى على الاقتصاد العالمى، إذ أعلن ذلك الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يونيو 2022، مشددًا على أن مجموعة بريكس تعمل على تطوير عملة احتياطية جديدة على أساس سلة العملات للدول الأعضاء.

وتخطط دول «البريكس» التى تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا فعليًا لإدخال عملة جديدة قابلة للتداول مدعومة بالذهب. 

العملة الجديدة كانت محور النقاشات خلال الاجتماع الذى عقده وزراء خارجية دول «البريكس»، إلى جانب ممثلين من دول مثل إيران ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فى يونيو 2023.

من الصعب تقييم جدوى عملة بديلة دون معرفة الشكل الذى قد تبدو عليه. وتشير التقارير والتقديرات إلى أن الخطة قد تتمثل فى تركيز العملة على بنك التنمية الجديد (NDB)، وهو مؤسّسة مالية أنشأتها مجموعة «بريكس»، الذى سيكون بمثابة غرفة مقاصة. ويبدو أن هذا يشير إلى أن بنك التنمية الجديد سوف يصبح المعادل لمجموعة «البريكس» لصندوق النقد الدولى.

قدّم وزير المالية الروسى، أنطون سيلوانوف، المزيد من الأدلة حول ماهية عملة بريكس.

وقال إنه بدلًا من التفكير فيها كعملة بديلة، «ربما يسميها وحدة دفع داخل دول البريكس».

وبالتالى فإن عملة «بريكس» ستستقر فى البداية على التجارة بين دول «البريكس». وهذا من شأنه من الناحية النظرية أن يخلق الظروف اللازمة لعلاقات نقدية أكثر ثباتًا بين الدول الأعضاء نوع من الربط، على سبيل المثال، مثل آلية سعر الصرف الأوروبى قبل اليورو للنمو بشكل عضوى.

وصرّح نائب الرئيس والمدير المالى لبنك التنمية الجديد ليزلى ماسدورب فى 5 يوليو 2023: «إن تطوير أى شىء بديل هو طموح متوسط إلى طويل الأجل.. لا يوجد اقتراح فى الوقت الحالى لإنشاء عملة بريكس». 

القضاء على الدولرة

هناك علامات مبدئية على تأثير التحولات الچيوسياسية على الدولار، وفقًا لبيانات تكوين العملة الرسمية لاحتياطيات النقد الأجنبى الصادرة عن صندوق النقد الدولى، فقد تقلصت شريحة الدولار من الاحتياطيات العالمية: فى حين أنها لا تزال تشكل الأغلبية، فقد هبطت من (66 %) فى عام 2003 إلى نحو (58 %) فى السنـوات الأخيرة. ويكشـف تحلـيل Eurizon SLJ Capital لبيانات COFER بالقيمة الحقيقيـة عـن انخفاض حـاد فى الدولار، ويشير إلى انخفــاض حـاد مـن (55 %) من الاحتياطيات العالمية فى عام 2021 إلى (47 %) فى عام 2022. وعلى الرغم من انخفاض حصة العملة الاحتياطية للدولار مع اكتساب اليورو واليوان شعبية؛ فإن الدولار لا يزال العملة الاحتياطية الأكثر استخدامًا، يليه اليورو والين والجنيه واليوان.

لا يزال التأثير المحتمل لعملة «بريكس» الجديدة على الدولار الأمريكى غير مؤكد؛  حيث يناقش الخبراء قدرتها على تحدى هيمنة الدولار. وبحسب هربرت بونيش وهو زميل أول فى جامعة تشجيانغ، وكبير الاقتصاديين السابق فى بنك التسويات الدولية، إنه من غير المرجح أن تحل عملة «البريكس» محل الدولار،؛ بل إنها ستتعايش جنبًا إلى جنب مع النظام النقدى العالمى القائم على الدولار. فقد استغرقت عملية إحلال اليورو مكان الدولار خمسة عقود من الزمان، واشتملت على إنشاء اتحاد المدفوعات الأوروبى فى عام 1950، وتوفير الأموال من وزارة الخزانة الأمريكية للتخفيف من نقص السيولة (مع إجراء التسويات بالذهب أو الدولار)، وإدخال نظام مقاصة خاص بالعملة الأوروبية.

هناك بعض العقبات التى تقف فى طريق طرح عملة موحدة فى حالة دول «البريكس»؛ حيث إن عدد العمليات التجارية الحاصلة بين الدول الأعضاء محدودةً نسبيًا مقارنةً بالعمليات التجارية الحاصلة بينها وبين العضو الرئيسى فى مجموعة «البريكس»، الصين. ولهذا السبب؛ سيتوجب على الدول الأعضاء مواءمة أسعار الصرف الثنائية.

وتشير التقارير الواردة من جنوب إفريقيا إلى أن الخطة قد تتمثل فى تركيز العملة على بنك التنمية الجديد، ونظرًا لأنه سيكون النقطة المحورية للعملة، فمن الجدير النظر فى طبيعة وتاريخ المؤسّسة.

 بنك التنمية

تم إنشاء البنك فى البداية لمساعدة البلدان فى الوصول إلى أموال التنمية، مما جعله يبدو أشبه ببديل للبنك الدولى أكثر منه بديلًا عن صندوق النقد الدولى، ولكن، تشير الخطط الأخيرة إلى أنه قد ينتهى به الأمر إلى لعب كلا الدورين فى وقت واحد.

المقر الرئيسى للبنك يقع فى شنغهاى، ويخشى الغرب من هذه الخطوة؛ حيث أكدت تقارير أنّ «ما قد نشهده هو ظهور كتلة تجارية واقتصادية تكنوقراطية إلى حد كبير على غرار نظام بريتون وودز بعد عام 1945 والتى من شأنها أن تشير إلى بداية حقبة. 

ويرى الدكتور عماد عكوش، المحلل الاقتصادى اللبنانى، أن قمة بريكس تأتى فى وقت تشهد فيه اقتصاديات بعض الدول أزمات، وسوف تحاول وبخاصة الصين الاستفادة منها للتشبيك مع أكبر عدد من الدول الإفريقية.

وتوقع «عكوش» أن تنضم بعض الدول إلى المجموعة، فى مقدمتها المملكة العربية السعودية التى تعانى من أزمة العجز فى موازنتها، وهى تبحث من خلال هذا التجمع إلى توسيع رقعة المستثمرين لديها، واستقطاب المزيد من الاستثمارات؛ خصوصًا من الصين والهند.

وشدد على ضرورة تعزيز دور هـذا التـكتل والذى يملـك سوقًـا تصـل إلى أكثـر من  50 % مــن أسواق العالم، وثروات تزيـد علـى

 30 %، وذلك عن طريق حوكمة عمله سياسيًا واقتصاديًا وماليًا، والبدء فى تنفيذ مشاريع تعزز هذه الحوكمة، مؤكدًا أن بنك التنمية الجديد هو أحد هذه العوامل التى تساعد على العمل المشترك، وكذلك ضرورة أن تستند العملة الجديدة الموحدة للمجموعة إلى متانة اقتصاد الدول الأعضاء، وأن يتم التداول بها تجاريًا بين هذه الدول؛ حيث يعد هذا التوجه مهمًا لكسر أحادية الدولار واستعماله كإحدى أدوات العقوبات الأساسية اليوم من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية.

 نظام موازِ

تجاوزت الخطط الرامية إلى الحد من نفوذ الدولار بطرُق أخرى مرحلة المناقشة، بعض دول «بريكس» نفذت بالفعل سلسلة من مقايضات العملات الثنائية لزيادة استخدام العملات المحلية فى التجارة وتجاوز الدولار، مما أدى إلى تعميق مسارات التخلص من الدولار. وقعت الصين اتفاقيات مع كل من روسيا والبرازيل لإسقاط الدولار الأمريكى فى التجارة. وارتفعت التدفقات التجارية المقومة باليوان بين روسيا والصين العام الماضى. وفى 21 مارس 2023، قال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إنه يدعم استخدام اليوان الصينى للتسويات التجارية بين روسيا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وجاء هذا التصريح بعد أن زار الزعيم الصينى موسكو.

ومن الخطوات التاريخية الأخرى التى اتخذتها الصين استكمال أول تجارة للغاز الطبيعى المسال تمت تسويتها باليوان، والتى تمت بين شركة النفط الوطنية الصينية وشركة توتال الفرنسية من خلال بورصة شنغهاى للبترول والغاز الطبيعى.

وسعت دول «بريكس» إلى خَلق نظام اقتصادى جديد موازٍ لنظام المؤسّسات الدولية الحالية، وتتعامل بطرُق جديدة تخرج الدولار من معاملاتها باعتباره وسيطًا ومقياسًا لأسعار العملات، ووسيلة للدفع، وحتى وحدة لعمل المقاصة الدولية. وقد قامت «بريكس» حتى الآن بخَلق مؤسّسات جديدة تسعى لخَلق نظام اقتصادى مالى دولى جديد. وهذه المؤسّسات قد بدأت عملها من دون ضجيج أو محاولة لتعطيل دور المنظمات الدولية النظيرة لها.