الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

خطورة الاجتماع تنبع من قيمة المنظمة وقوة الدول الأعضاء وأهمية الأچندة لحظـة فارقـة فى تاريخ.. وخارطة العالم!

تعد قمة «بريكس 2023» حدثًا استثنائيًا يُعقد وسط أزمات سياسية واقتصادية دولية تمر بها دول العالم، وهزة تضرب النظام العالمى التقليدى وتطلع الدول النامية والفقيرة نحو البحث عن الشركاء التنمويين الشموليين والتنمية والنهضة.



وتترقب الأسواق نتائج القمة التى استضافتها جنوب إفريقيا، وما ستؤول إليه من قرارات اقتصادية وتطورات جوهرية للتحالف، إذ إن من المتوقع أن تصوّت المجموعة المكونة حاليًا من 5 دول هى «روسيا، والبرازيل، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا» على اختيار أعضاء جُدد.

 

أهمية هذا الاجتماع لا تنبع من قيمة المنظمة وقوة الدول الأعضاء وحسب؛ بل من أهمية الأچندة التى تناقشها القمة، فى مقدمتها بحث توسيع قاعدة بريكس وضم دول جديدة فى مقدمتها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات وإيران والبحرين والجزائر، ناهيك عن مناقشة العملة الموحدة للمنظمة وتطوير بنك التنمية.

وقدمت عدة دول عربية وهى: «الجزائر ومصر والسعودية والإمارات» بالإضافة إلى «البحرين والكويت والمغرب وفلسطين»، طلبات رسمية للانضمام إلى بريكس، من بين 23 دولة قامت بالخطوة نفسها، وفق ما أعلنته جنوب إفريقيا.

ففى 7 أغسطس، قالت وزيرة الخارجية فى جنوب إفريقيا ناليدى باندور، فى بيان، «لدينا طلبات رسمية باهتمام قادة 23 دولة بالانضمام إلى بريكس، والعديد من الطلبات غير الرسمية الأخرى بشأن إمكانيات العضوية».

والدول التى طلبت الانضمام إلى بريكس رسميًا هى: «مصر والجزائر والأرجنتين والبحرين وبنغلاديش وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وإثيوبيا وهندوراس وإندونيسيا وإيران وكازاخستان والكويت والمغرب ونيجيريا، وفلسطين والسعودية والسنغال وتايلاند والإمارات وفنزويلا وفيتنام».

ويقود توسيع «تحالف بريكس» إلى تعزيز دورها كتحالف اقتصادى يتمتع بمجموعة من المزايا التى تؤهله لمنافسة مجموعة السبع، وبما يتسق مع الأهداف الرئيسية التى أنشئ هذا التحالف من أجلها ككيان يسعى لخلق حالة من التوازن بالاقتصاد العالمى.

 ما هى مجموعة بريكس؟

مجموعة «بريكس» هى منظمة سياسية بدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006، وعقدت أول مؤتمر قمة لها فى يونيو 2009 فى مدينة يكاترينبورغ الروسية.

تحول اسمها من «بريك» إلى «بريكس» فى 2011، بعد انضمام جنوب إفريقيا إليها، وتهدف هذه المجموعة الدولية إلى تنمية العلاقات الاقتصادية فيما بينها بالعملات المحلية، ما يقلل الاعتماد على الدولار.

من المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصادات هذه الدول، اقتصاد أغنى الدول فى العالم حاليًا- بحسب غولدمان ساكس، والتى كان أول من استخدم هذا المصطلح فى عام 2001.

صاغ فكرة مجموعة بريكس كبير الاقتصاديين فى بنك غولدمان ساكس، جيم أونيل، فى دراسة أجريت عام 2001 بعنوان «بناء اقتصادات عالمية أفضل لدول بريكس».

وكان «أونيل» استخدم فى البداية مصطلح «بريك» لوصف «الأسواق الناشئة» فى البرازيل وروسيا والهند والصين.

ومنذ عام 2000 إلى عام 2008، ارتفعت حصة هذه البلدان الأربعة فى الناتج العالمى بسرعة، من 16 بالمئة إلى 22 بالمئة، وكان أداء اقتصاداتها أفضل من المتوسط أثناء وبعد فترة الركود العالمى الذى ضربت العالم فى 2008.

وفى عام 2006، أدى هذا المفهوم بحد ذاته إلى ظهور التجمع الذى تم دمجه بين البرازيل وروسيا والهند والصين؛ قبل أن تنضم جنوب إفريقيا فى القمة الثالثة عام 2011.

يطمح التكتل، إلى إيجاد نظام اقتصادى موازٍ للنظام الحالى الذى تقوده الولايات المتحدة، إذ ترى الصين فى هذا التكتل؛ نموذجًا لمناصرة الاقتصادات النامية والفقيرة.

والجانب الاقتصادى، شكل العمود الفقرى الرئيس لتأسيس مجموعة بريكس، وأخذ الأعضاء يطورون خططهم الاقتصادية كتكتل واحد، وصولاً إلى قوة اقتصادية قادرة على مواجهة القوة الاقتصادية الغربية الحالية.

ويقوم تحالف بريكس بإعادة تشكيل النظام العالمى من خلال تحويل القوة من «الشمال العالمى» إلى «الجنوب العالمى».

وقالت وكالة «أسوشيتد برس» للأنباء إن روسيا والصين «تتطلعان لكسب المزيد من الأرض السياسية والاقتصادية فى العالم النامى فى قمة جنوب إفريقيا، فى وقت وصلت فيه المشاعر المناهضة للغرب ذروتها».

وأشارت إلى أن القمة تناقش «نقطة سياسية محددة ذات آثار مباشرة أكثر»، وربما يتم اتخاذ قرار بشأنها، وهى مسألة التوسيع المقترح لكتلة بريكس، التى تم تشكيلها فى عام 2009 من قِبَل دول الأسواق الناشئة فى البرازيل وروسيا والهند والصين، وإضافة جنوب إفريقيا فى العام التالى.

ونقلت الوكالة عن مسئولين فى جنوب إفريقيا أن المملكة العربية السعودية واحدة من أكثر من 20 دولة تقدمت بطلب رسمى للانضمام إلى مجموعة البريكس فى توسع محتمل آخر.

واعتبرت أن «أى تحرك نحو إدراج ثانى أكبر منتج للنفط فى العالم فى كتلة اقتصادية مع روسيا والصين من شأنه أن يلفت الانتباه بوضوح من الولايات المتحدة وحلفائها فى مناخ چيوسياسى شديد البرودة، ووسط تحرك بكين مؤخرًا لممارسة بعض النفوذ فى الخليج العربى».ونقلت عن تلميذ أحمد، سفير الهند السابق لدى السعودية قوله: «إذا دخلت السعودية بريكس، فستضفى أهمية غير عادية على هذا التجمع».

ولفتت «أسوشيتد برس» إلى تعاظم دور «بريكس» فى العالم، وأهمية التكتل بالنسبة للمزيد من الدول قائلة: «يقول المحللون إن حتى الاتفاق على مبدأ توسيع بريكس، الذى يتكون بالفعل من جزء كبير من أكبر اقتصادات العالم النامى، يُعد انتصارًا أخلاقيًا للرؤية الروسية والصينية للكتلة كموازنة لمجموعة السبع».

وتابعت: «تقدمت دول تمتد من الأرجنتين إلى الجزائر ومصر وإيران وإندونيسيا والإمارات العربية المتحدة بطلب رسمى للانضمام إلى جانب السعودية (إلى بريكس)».

فى المقابل، نقلت الوكالة مخاوف واشنطن وقالت إنها شددت على علاقاتها الثنائية مع جنوب إفريقيا والبرازيل والهند فى محاولة لتعويض أى نفوذ روسى وصينى كبير ينبع من دول البريكس.

وأوضحت أن عدم الارتياح يتمثل فى «أن تصبح مجموعة بريكس الأكبر حجمًا، ناطقًا باسم الصين وتضعف مكانة الأعضاء الآخرين؛ بينما التفاؤل فى هذا التوسع يكمن فى أنه سيوفر صوتًا للدول الناشئة وسط عالم منقسم ومستقطب».

واعتبرت أنه مع فرضية قبول أعضاء جدد؛ فإن «بريكس» يمكن أن تولد نحو نصف الإنتاج العالمى بحلول عام 2040، إذا انضم الأعضاء الطامحون مثل إندونيسيا، أكبر منتج لزيت النخيل فى العالم، والسعودية، أكبر مصدر للنفط.

وأضافت: «يعنى ذلك تعزيز النفوذ العالمى للتحالف (البريكس)؛ لكن بالمقارنة؛ فإن مجموعة السبع ستوفر نحو ربع الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وهو ما يمثل فعليًا انهيارًا لحصة (G7) عمّا كان عليه قبل 15 عامًا، عندما بلغ 45 فى المئة».

من جانبها، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، إن اجتماع دول البريكس فى جنوب إفريقيا، اجتذب «اهتمامًا عالميًا لم يسبق له مثيل منذ سنوات».

واعتبرت الصحيفة أن العملية العسكرية الروسية الخاصة فى أوكرانيا والحرب التجارية بين بكين وواشنطن أدت إلى تنشيط الجدل حول ما إذا كانت الكتلة ستظل تحالفًا تجاريًا فضفاضًا أَمْ ستصبح تحالفًا دوليًا جديدًا.

 أرقام ضخمة

تظهر الأرقام القوة الاقتصادية التى وصلت إليها دول بريكس، فقد أصبحت مسيطرة وكبيرة على مستوى العالم، وتظهر بيانات صندوق النقد الدولى، أن مساهمة التكتل بلغت 31.5 بالمئة فى الاقتصاد العالمى بنهاية 2022، مقابل 30.7 بالمئة للقوى السبع الصناعية.

ويبلغ حجم اقتصادات بريكس حتى نهاية عام 2022، نحو 44 تريليون دولار، كما أنها تسيطر على 17 بالمئة من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية.

بجانب ذلك، تسيطر دول بريكس الحالية على 27 بالمئة من مساحة اليابسة فى العالم، بمساحة إجمالية 40 مليون كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكان التحالف 3.2 مليار نسمة ما يعادل نحو 42 بالمئة من إجمالى سكان الأرض، بينما يبلغ عدد سكان دول مجموعة السبع، نحو 800 مليون نسمة.

ومع دخول الأعضاء الجدد إلى مجموعة بريكس يمكن أن تنمو مساحة التحالف بمقدار 10 ملايين كيلومتر مربع، كما سيزداد عدد السكان بمقدار 322 مليون نسمة.

وتضم المجموعة كذلك، ثلاث قوى نووية هى: روسيا، الصين، الهند، وأربعة من أقوى جيوش العالم، بصدارة الصين والهند وروسيا.

وتشير بيانات صندوق النقد الدولى، إلى أن حجم اقتصاد الصين لوحده، يفوق 6 من اقتصادات (G7)، وهى ألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وكندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة.

مشاريع عملاقة

شرعت دول تحالف، فى مشاريع طموحة للبنية التحتية، مما يعكس رؤى كل منها للتنمية الذكية والمستدامة.

فعلى سبيل المثال، تهدف مبادرة «الحزام والطريق» الصينية إلى إنشاء شبكات بنية تحتية واسعة النطاق تربط آسيا وأوروبا وإفريقيا.

كذلك، خططت الهند لتطوير 100 مدينة ذكية مرتبطة بقطارات سريعة، بينما تسعى روسيا إلى بناء الشرق الأقصى الروسى، كجسر اقتصادى جديد بين أوروبا وآسيا من خلال المناطق الاقتصادية الخاصة المتقدمة.

فيما ركزت البرازيل وجنوب إفريقيا على الزراعة على نطاق واسع والتوسع الصناعى.

واتخذ «الجنوب العالمى» خطوات لإدخال بدائل لنظام التجارة القائم على الدولار، إذ اتفقت الصين والبرازيل، على سبيل المثال، على الانخراط فى تجارة عبر الحدود باستخدام عملاتهما الخاصة، متجاوزين نظام الدولار.

كما دعت دول الآسيان إلى بدائل للتجارة القائمة على الدولار، علاوة على ذلك، انخرطت دول مثل روسيا والهند فى التجارة باستخدام عملاتها الخاصة، والهند وبنغلاديش بصدد فعل الشىء نفسه.

فى سياق متصل؛ أصبحت «بريكس» منتدى لمعالجة القضايا العالمية الحرجة، مثل التجارة والتمويل وتغيُّر المُناخ وأمن الطاقة، وسطوة الغرب على مفاصل اقتصادية رئيسة، كالدولار- عملة التجارة والاحتياطى الأولى عالميًا.

فى عام 2014، أطلقت الدول الأعضاء بنك التنمية الجديد (NDB) برأس مال أولى قدره 50 مليار دولار؛ يعمل كبديل للبنك الدولى وصندوق النقد الدولى، حيث يوفر التمويل لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة.

كما أنشأت دول بريكس ترتيب احتياطى الطوارئ (CRA)، وهى آلية سيولة مصممة لدعم الدول الأعضاء التى تواجه صعوبات فى الدفع، ويعد منافسًا لصندوق النقد الدولى. وتُظهر هذه المبادرات، نية التكتل، فى إنشاء مؤسّسات تمثل مصالح الاقتصادات الناشئة، وتوفر بديلًا للمؤسّسات المالية العالمية الحالية.

 الأهداف

ومن بين الأهداف الرئيسية الأخرى للمجموعة رغبة القوى الخمس الناشئة فى تعزيز مكانتها على مستوى العالم من خلال التعاون النشط فيما بينها، وذلك من خلال السعى إلى تحقيق نمو اقتصادى شامل بهدف القضاء على الفقر ومعالجة البطالة وتعزيز الاندماج الاقتصادى والاجتماعى.

كما تعمل على توحيد الجهود لضمان تحسين نوعية النمو عن طريق تشجيع التنمية الاقتصادية المبتكرة القائمة على التكنولوچيا المتقدمة وتنمية المهارات، والسعى إلى زيادة المشاركة والتعاون مع البلدان غير الأعضاء فى مجموعة بريكس.

وتتمثل الأهداف أيضًا فى تعزيز الأمن والسلام من أجل نمو اقتصادى واستقرار سياسى، والالتزام بإصلاح المؤسّسات المالية الدولية، حتى يكون للاقتصادات الناشئة والنامية صوت أكبر من أجل تمثيل أفضل لها داخل المؤسّسات المالية.

كما يعد العمل مع المجتمع الدولى للحفاظ على استقرار النظم التجارية متعددة الأطراف وتحسين التجارة الدولية وبيئة الاستثمار من أهم الأهداف بجانب السعى إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية المتعلقة بالتنمية المستدامة، وكذا الاتفاقات البيئية متعددة الأطراف.

ويهدف «البريكس» إلى التنسيق والتعاون بين دول المجموعة فى مجال ترشيد استخدام الطاقة من أجل مكافحة التغيرات المُناخية، وتقديم المساعدة الإنسانية والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، وهذا يشمل معالجة قضايا مثل الأمن الغذائى العالمى.

وتتوقع الدول الأعضاء للمجموعة أن تحقيق هذه الأهداف من شأنه أن يعطى زخمًا جديدًا للتعاون الاقتصادى على مستوى العالم.

وذكرت مجلة «ذا نيشن» الأمريكية، أنّ مجموعة «البريكس» تستعدّ للانتقال إلى دور أقوى بكثير فى الشئون العالمية.

وذكرت المجلة أنّ مجموعة «البريكس» حافظت على مكانة منخفضة بشكل عام على الساحة العالمية منذ تأسيسها فى أعقاب الأزمة المالية العالمية، لكن فى العام الماضى، تجاوز الناتج الاقتصادى المشترك لأعضاء المجموعة الخمسة للمرة الأولى ناتج مجموعة السبع التى تقودها الولايات المتحدة.

وأضافت المجلة: إنّ هذا العام تستعد مجموعة البريكس للانتقال إلى دور أقوى بكثير فى الشئون العالمية، إذ يبدو أنّ 13 دولة أخرى مهمة من جنوب الكرة الأرضية، بما فى ذلك السعودية وإيران، قد يتم قبولها فى المجموعة فى قمتها المقبلة المقرر عقدها فى أواخر آب/أغسطس فى جنوب إفريقيا.

وبحسب قولها، «تسلّط الحيوية الحالية لمجموعة البريكس الضوء بشكل صارخ على فشل مساعى واشنطن لخنق روسيا اقتصاديًا وسياسيًا».

وأشارت إلى أنّ «الهيمنة التى مارستها حفنة من الدول الغربية على الشئون العالمية لأكثر من 500 عام تفسح المجال الآن لعالم مختلف تمامًا فيه هيمنة أقل للعِرق الأبيض»، وفق المجلة.

ولفتت إلى أنّ هناك 3 تطورات رئيسية تكمن وراء النمو الحالى للمجموعة؛ الأول هو «الغضب الذى شعرت به دول الجنوب العالمى من الطريقة التى احتكرت بها الدول الغربية الوصول إلى الإمدادات الطبية وبراءات الاختراع الرئيسية خلال المعركة ضد فيروس كوفيد».

أمّا الثانى؛ فهو «النجاح فى الانتخابات البرازيلية فى تشرين الثاني/نوفمبر الماضى للرئيس السابق لولا دا سيلفا، التى أنهت حكم اليمينى جاير بولسونارو. بفوز لولا، استأنفت البرازيل التزامها بالسياسات التى تركز على التنمية، والتى تتميز بتوجه جنوبى، والتى كانت دائمًا تكمن فى قلب مشروع البريكس».

والتطور الثالث هو رد الفعل العالمى القوى على العقوبات الاقتصادية التى فرضها الرئيس الأمريكى، چو بايدن، على روسيا العام الماضى.

 الخارطة الاقتصادية المقبلة

تستهدف النسخة الـ 15 لمجموعة «بريكس»، التى تتولى الرئاسة الدورية فيها جنوب إفريقيا، إعادة تشكيل العلاقات الدولية والتخلص من سيطرة القطب الواحد، الذى يتحكم فى مقدرات الشعوب.

وتأتى قمة دول «بريكس» فى وقت تراجعت فيه شهية كثير من دول العالم فى الهرولة إلى الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التى ظلت تسيطر على الاقتصادات النامية؛ لتفتح المجموعة نافذة أمل جديدة ومسارات هجرة نحو تكتل لم يمضِ على تجربته سوى عقد ونصف، خاضت خلالها تحديات ضد هيمنة الدولار والقطب الواحد.

وتحاول دول مجموعة «بريكس» الانتقال إلى نظام اقتصادى دولى رديف، عبر توفير بدائل عمّا تعتبره هذه الدول أدوات للهيمنة المالية الغربية، وهو هدف يتقاطع اليوم، ولأسباب مختلفة - مع أهداف دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التى تحاول الانضمام إلى المجموعة.

وحال نجاح هذه الخطوة، ستكون المجموعة قد تمكنت ولأول مرة من خلق أداة تداول جديدة، لا تخضع للقيود أو العقوبات الأمريكية، ولا تمر بالضرورة بالمصارف الأمريكية، كما هو الحال مع الدولار اليوم، بحسب التقرير.

وتعد مجموعة بريكس أكثر تطور صناعى من مجموعة السبع الكبار، وهو ما يؤكد على أن قوة أخرى غير واشنطن تسيطر على كتلة اقتصادية عالمية مهمة وبالتالى نفوذ عالمى جديد، فالأرقام الاقتصادية التى صدرت مؤخرًا عن مجموعة «بريكس»، وإعلان دول عديدة رغبتها فى الانضمام إلى المجموعة، تؤكد أن هذه المجموعة التى بدأت من خلال 4 دول فقط، ستعمل على تغيير كبير فى موازين القوة الاقتصادية والسياسية عالميًا.

ويرى خبراء أن «بريكس» آخذة فى الصعود؛ خصوصًا بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة، وعدم مشاركة دول المجموعة فى العقوبات المفروضة من الغرب على موسكو، وهو ما يعنى مزيدًا من الاستقلال والسيادة لهذه الدول التى «لا ترغب فى العيش بعالم القطب الواحد».

ويؤكد الخبراء أن بريكس ليست مجرد «قوة سياسية» عبر محاولتها تغيير خطوط الصدع فى مجال السياسة العالمية؛ بل تغير أيضًا ما يحدث فى الفضاء الاقتصادى على مستوى العالم، ونظرًا للتوسع الذى تعمل عليه «بريكس»؛ فقد تقدمت دول عدة بطلبات الانضمام إلى المجموعة ومنها «الأرجنتين، المكسيك، مصر، إثيوبيا، الجزائر، السعودية، الإمارات، فلسطين، بنغلاديش، بيلاروسيا، بوليفيا، فنزويلا، فيتنام، كوبا، هندوراس، إندونيسيا، إيران، كازاخستان، نيجيريا، السنغال، تايلاند» ويضاف إلى ذلك دول أخرى مثل «تونس» التى أعلنت أخيرًا نيتها فى الانضمام للمجموعة.

لعل ما يدفع هذه الدول للانضمام للمجموعة، هو أن من بين أهدافها تحقيق التكامل الاقتصادى والتعاون مع الدول الأعضاء من أجل التجارة والتنمية ودعم المشاريع والبنية التحتية للأعضاء، ليكون التنوع الجغرافى والإمكانات المتعددة التى تتشكل منها الدول الراغبة فى الانضمام هو مصدر إلهام وقوة إضافية لمجموعة البريكس التى أصبحت وجهتهم كبديل للغرب.

ولعب تكتل البريكس الاقتصادى خلال العقد الماضى دورًا حيويًا فى تشكيل الاقتصاد العالمى من حيث إجمالى الإنتاج، وبدأ يثبت جدارته بخلق نظام سياسى عالمى جديد متعدد الأقطاب قد يكون بديلاً للنظام العالمى القديم المبنىّ على أساس القطب الواحد، وهو ما سينتج عنه تحول چيوسياسى تحصل فيه الدول النامية الرائدة على صوت أكبر فى النظام الدولى وبالتالى تتحدى الهيمنة الغربية؛ خصوصًا واشنطن.

تجدر الإشارة إلى أن التعداد السكانى لدول «بريكس» أكثر من 3 مليارات و200 مليون نسمة، فيما تعد اقتصاداتها من أكثر الاقتصادات النامية فى العالم، ويتنبأ لها محللون ببلوغ نسبة نمو 40 فى المئة من الاقتصاد العالمى بحلول 2025، قبل أن تترجمها الصين صاحبة المرتبة الثانية كأقوى اقتصاد فى العالم سنة 2020، وحلت الهند خامسًا، والبرازيل ثامنًا وروسيا فى المرتبة الـ 11.

وترتبط الدول الخمس فى المجموعة برابط سياسى أنشئت على أساسه يتمثل فى رفض الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية، ورفض هيمنة تسببت فى إغراق الاقتصاد العالمى فى أزمات يعانى الكثير من أجل الخروج منها ولا يربطها نطاق جغرافى أو إقليمى.

لذا يمكن أن نسبغ على البريكس مصطلح المنظمة العابرة القارات، أو بالأحرى المنظمة المرنة وهو ربما الذى شجع الكثير من الدول فى التوجه إليها.

كسر هيمنة الدولار

تنامى الحديث فى الآونة الأخيرة عن احتمال إنشاء مجموعة بريكس عملتها الخاصة، الأمر الذى من شأنه أن يقلّل من الطلب على الدولار الأمريكى، وبالتالى سيضعف موقف الدولار الأمريكى كعملة احتياطية عالمية.

ويمثّل انضمام دول عربية إلى المجموعة محطة مهمة فى تحوّل موازين القوى الاقتصادية العالمية. فالجزائر ومصر والسعودية والإمارات، مرشحة لتكون دولًا رائدة فى إنتاج وتصدير الطاقات النظيفة خلال العقود القليلة المقبلة، على غرار الهيدروچين الأخضر والأمونيا الخضراء، والتى من المتوقع أن تنافس الوقود الأحفورى.

ويكمن جزء من أهمية مجموعة بريكس فى امتلاكها النفط والقمح والمعادن واسعة الاستخدام مثل الحديد، أو المعادن النادرة المستخدمة فى الصناعات التكنولوچية، فى حين تستمد الولايات المتحدة قوتها من قوة الدولار وامتلاكها احتياطيات ضخمة من الذهب، تعادل نحو ضعف ما تمتلكه روسيا والصين مجتمعتين.

ويواجه الدولار منذ بدء الأزمة «الروسية- الأوكرانية» ضغوطًا كبيرة، فى ظل توجه العديد من الدول لإزالة الدولرة العالمية، فى وقت تتحد فيه العديد من أكبر الدول اقتصاديًا وأكثرها اكتظاظًا بالسكان؛ لإطلاق بديل للعملة الأمريكية.

ويستهدف تحالف بريكس، الوصول إلى استخدام عملة موحدة، وبالفعل طلبت المجموعة من بنك التنمية الجديد، التابع لها، إرشادات حول كيفية إنشاء عملة مشتركة جديدة، لتسهيل تنمية الاقتصاد العالمى، وحماية أعضاء المجموعة من العقوبات الغربية، وهو ما قال عنه مسئول سابق فى البيت الأبيض إن عملة بريكس قد تهز عرش الدولار.

وتحت عنوان «لماذا تريد دول البريكس تقليل اعتمادها على الدولار؟»، تطرقت صحيفة «لوموند» الفرنسية للقمة، وقالت: «هذه الدول الخمس- البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا- تزن ما يقرب من ربع ثروة العالم».

واعتبرت الصحيفة أن مسألة إنهاء هيبة الدولار وعلى الرغم من كونها أمرًا طموحًا، أحد الأهداف التى تناقشها قمة البريكس، مشددة على أن العديد من الدول باتت تسعى «للهروب من الحدود الإقليمية لقانون الولايات المتحدة، الذى يستخدم الدولار لفرض عقوبات وغرامات في الخارج».