الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تباين الانتماءات ووجهات النظر بين الأعضاء.. وأشياء أخرى أخطر التحديات؟!

منذ انطلاقها عام 2009، أعلنت مجموعة بريك (بريكس لاحقا، بعد انضمام جنوب أفريقيا عام 2010) هدفها: تأسيس نظام عالمى ثنائى القطبية يتحدى سيطرة الدول الغربية الكبرى على الاقتصاد العالمى، وبالخصوص مجموعة G7 التى تمثل نحو 27 % من الاقتصاد العالمى وتضم عشرة بالمئة من سكان العالم (نحو 770 مليون شخص).. وتمثل مجموعة بريكس، المكونة من دول الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، نحو 25 % من الاقتصاد العالمى، وتسعى المجموعة إلى توسيع الدول المنضمة إليها، وفى حال اكتمل التوسع ستتحول بريكس إلى قوة اقتصادية موازية أو تفوق قوة المجموعة الغربية، لكن وفق محللين يرون أن بريكس لديها العديد من التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية تجعلها غير مهددة لهيمنة الغرب على الاقتصاديات العالمية، وتعتبر هذه التحديات هى أهم العوائق التى تواجهها بريكس لخلق عالم متعدد الأقطاب، وهو الهدف الأساسى التى كانت تسعى إليه هذه المجموعة.



 

 فاعلية بريكس.. التساؤل الأكبر

وفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز أوضح الكاتب والمحلل الاقتصادى، بول مكنمارا، إن البريكس ليست منظمة اقتصادية فعالة لأنها تعتبر «تزاوج بين قوة اقتصادية عظمى فى الصين وقوة محتملة فى الهند مع ثلاثة مصدرين للسلع الأساسية راكدين اقتصاديا بشكل أساسى».

ويشير مكنمارا إلى الاختلاف الواضح بين اقتصادات دول المجموعة «من حيث التجارة والنمو والانفتاح المالي». يعوق تكامل دول المنظمة، حيث تشير أحدث بيانات صندوق النقد الدولى إلى أن حصة الصين تبلغ 73 % من مجموع الاقتصادات الممثلة فى بريكس.

ويضيف المحلل الأمريكى أن «الحديث عن أن المنظمة تمثل ربع الاقتصاد العالمى لا يظهر الديناميكية الحقيقية لتوازن القوى داخلها» وشبه هذا الحديث بالقول إن عدد سكان الصين (أكثر من مليار شخص) وألبانيا (مليونا شخص) يمثلان «معا» ربع سكان العالم.

ويحاول مكنمارا تشبيه المنظمة بكتلة تمثل الصين أكثر من ثلاثة أرباع حجمها، وليست مجموعة من الدول المتكافئة والمتكاملة والقادرة على تشكيل نفوذ اقتصادى قوى.

ومع هذا، يقول المحلل السياسى الأمريكى وزميل معهد هدسون، ريتشارد وايتز فى تقرير آخر للصحيفة نفسها، إن «على واشنطن أن تحافظ على انتباهها بشأن توثيق العلاقات بين الصين وروسيا وجنوب إفريقيا»، وأن من المهم الالتفات إلى «طلب إيران للانضمام إلى المجموعة».

 تهديد الانقسامات.. وتهديد الهيمنة

وتعتبر جنوب إفريقيا، أصغر عضو من حيث النفوذ الاقتصادى وعدد السكان، أول المستفيدين من توسيع الكتلة فى عام 2010 عندما أصبح التجمع يعرف باسم بريكس.

وأعربت أكثر من 40 دولة كما تشير شبكة CNBC، بما فى ذلك إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين والجزائر وبوليفيا وإندونيسيا ومصر وإثيوبيا وكوبا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجزر القمر والجابون وكازاخستان، عن اهتمامها بالانضمام إلى بريكس. إلا أنه وفق تصريحات لمسؤولين بجنوب إفريقيا، فقد قدمت 23 دولة حتى الآن بصورة رسمية الانضمام إلى تجمع بريكس.

وقالت إيران، التى تضم نحو ربع احتياطيات النفط فى الشرق الأوسط، إنها تأمل فى أن يتم تحديد آلية العضوية الجديدة «فى أقرب وقت ممكن».

ويقول زميل معهد هدسون، الباحث والمحلل الأمريكى ريتشارد وايتز، فى تصريحات إعلامية، إن توسيع المجموعة، سيسهم على الأغلب بـ«توسيع الانقسامات بين أعضائها»، حيث أوضح وايتز، أنه لن تستطيع روسيا والصين السيطرة على الأجندات المختلفة للدول الأعضاء، خاصة بعد التوسيع.

كما إن العلاقات التجارية للدول المرشحة للانضمام، مع الغرب، يمكن أن تعرقل رسم سياسة محددة تناوئ، أو على الأقل تنافس الاقتصاد الغربى.

وقد أعرب مستشار الأمن القومى للبيت الأبيض جيك سوليفان، خلال سؤاله عن خطورة بريكس على هيمنة الغرب، فى حديثه للصحفيين، الأسبوع الماضى، عن أنه لا يرجح أن بريكس ستتحول إلى منافس جيوسياسى للولايات المتحدة.

ولعب سوليفان على وتر الخلافات، مؤكدا: «هذه مجموعة متنوعة للغاية من البلدان، مع وجود اختلافات فى وجهات النظر حول القضايا الحرجة».

لكن فريقا بحثيا من جامعة تافتس، وفقا لما نقله موقع The Conversation يقول إن «توحيد مجموعة البريكس أدى إلى تحويل المجموعة إلى قوة تفاوضية فعالة تتحدى الآن أهداف واشنطن الجيوسياسية والاقتصادية».

ويضيف البحث أن «تجاهل مجموعة البريكس باعتبارها قوة سياسية رئيسية - وهو الأمر الذى كانت الولايات المتحدة تميل إلى القيام به فى الماضى - لم يعد خيارا واردا».

من جانبه، علق أستاذ العلوم السياسية فى جامعة سان فرانسيسكو الأمريكية، ستيفن زونز، إن البريكس قد تسهم بتقويض مركزية الغرب فى النظام الاقتصادى العالمى وجميع دول بريكس هى جزء من مجموعة العشرين (G20) للاقتصادات الكبرى.

ويضيف زونز فى حديثه، أن «هناك عوامل داخلية وخارجية فى الولايات المتحدة تعزز نفوذ القوى المناوئة لها، مثل الأزمات الاقتصادية العالمية، وأيضا توجه السياسة الداخلية الأمريكية نحو اليمين الشعبوى الذى يريد التركيز على الداخل بشكل أكبر من التعاون مع الخارج».

ويشير أستاذ العلوم السياسية، زونز، فى تصريحات صحفية، إلى أن توسع البريكس بهذه الطريقة، ومن خلال دول حليفة للولايات المتحدة قد يعتبر «تهديدا للنفوذ الأمريكى».

ويضيف زونز أن «السياسة الداخلية للولايات المتحدة وصعود اليمين المتطرف والانكفاء الداخلى تجعل حلفاء أمريكا ودول العالم الأخرى تبحث عن بدائل، وفى هذه الحالة تمثل الصين والهند، وهما أكبر دولتين فى العالم من حيث عدد السكان، واللتان تتمتعان باقتصادات سريعة النمو جدا، خيارا مناسبا للغاية لهذه الدول».

 تحديات «بريكس»

منذ إنشاء بريكس فى عام 2009 كنادٍ غير رسمى لتوفير منصة لأعضائه لتحدى النظام العالمى الذى تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، وكان هدفها الأساسى السعى لخلق عالمى اقتصادى متعدد الأقطاب.

ومع تفاقم التوترات فى أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، والتنافس المتزايد بين بكين والولايات المتحدة، سعت الصين وروسيا إلى السعى لتعزيز بريكس.

لكن المجموعة ليست موحدة بالكامل بما يخص الموقف من الغرب، حيث تعتبر الهند شريكا مهما للولايات المتحدة، وهى معروفة بموقفها المتحفظ تجاه توسيع المجموعة، كما أن البرازيل، على لسان رئيسها لولا دا سيلفا أكدت أنها لا تريد لبريكس أن «تكون نقطة مقابلة لمجموعة G7 أو G20 أو الولايات المتحدة»، مضيفا من جوهانسبرج «نريد فقط أن ننظم أنفسنا».

ووفق تقرير لوكالة رويترز، فإن الهند تتواصل بشكل متزايد مع الغرب كما فعلت البرازيل فى عهد زعيمها الجديد.

بالإضافة إلى ذلك، اشتبكت الهند والصين عسكريا بشكل دورى على طول حدودهما المتنازع عليها، مما زاد من التحدى المتمثل فى صنع القرار بشكل متوافق فى مجموعة تعتمد على الإجماع.

وأشارت تصريحات رئيس البرازيل إلى تباين فى الرؤية داخل التكتل الذى يقول محللون سياسيون تحدثت معهم رويترز إنه يكافح منذ فترة طويلة لتشكيل رؤية متماسكة لدوره فى النظام العالمى.

وأمام مجموعة بريكس عدد من التحديات المهمة، يأتى على رأسها آلية صياغة نظام عالمى جديد على الأصعدة كافة، وبخاصة السياسية والاقتصادية والتنموية، عبر تعزيز وتنويع التعاون جنوباً. وبالفعل كان العمل على تنفيذ هذه الخطوات ومن أهمها إنشاء مصرف جديد للتنمية الذى هدف منذ إنشائه، ولو أن دوره ما زال متواضعاً نسبياً، إلى أن يكون بالنسبة إلى هذه الدول إطاراً موازياً وربما لاحقاً بديلاً للبنك الدولى ولصندوق النقد الدولى لتخفيض الاعتماد على هاتين المؤسستين الدوليتين بوصفهما تقعان تحت سيطرة قوى الشمال. كما تهدف قمة جوهانسبرج إلى العمل على بلورة قواعد وآليات لتعزيز التجارة والاستثمار البينىّ فى إطار الجنوب العالمى، والبحث فى إنشاء عملة جديدة لتخفيف الاعتماد على الدولار والتخلى التدريجى عنه.

وعلى الرغم من التفاؤل الذى تحمله العديد من الدول ذات الاقتصاديات الناشئة والنامية نحو قمة جوهانسبرج فإن توقيت انعقاد القمة جاء فى وقت حساس، وذلك عقب انعقاد قمة كامب ديفيد قبل أيام بين الرئيس الأمريكى جو بايدن، ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، ورئيس الحكومة اليابانية فوميو كيشيدا، والتى تؤشر لتحالف ثلاثى جديد.

هذه التصورات ليست بعيدة عن أعضاء «بريكس» الحاليين وبعضهم يحاول مواجهتها. وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدى باندور قالت هذا الشهر إنه من «الخطأ للغاية» رؤية توسع محتمل فى «بريكس» كخطوة معادية للغرب.

أمور السياسة قد تشكل إذاً أحد التحديات الكبيرة أمام «بريكس»، كما تواجه الصين أيضا خلال الفترة الحالية عددا من المشاكل، بينها تفاقم مشكلة ديون ولاياتها، وعددا من الشركات العقارية الكبيرة، والنمو البطىء للاقتصاد فى الربع الثانى، وانكماش الأسعار فى يوليو، إضافة إلى تباطؤ الإيرادات المالية للحكومة فى الأشهر السبعة الأولى من عام 2023.

وفى مواجهة كل هذا تسعى الصين لتعزيز رؤيتها ونفوذها عبر مجموعة «بريكس». تعتبر زيارة الرئيس الصينى إلى جنوب أفريقيا الثانية له هذا العام، وهى رحلة «نادرة» له بعد لقائه الرئيس فلاديمير بوتين فى روسيا مارس الماضى.

إحدى هذه الرؤى عبر عنها سفير الصين لدى جنوب إفريقيا تشين شياو دونج حيث قال إن بلاده تنظر إلى «بريكس» باعتبارها «منصة مهمة للتعاون بين الدول الناشئة والنامية والعمود الفقرى للعدالة والإنصاف الدوليين». وقال تشين إن المجتمع الدولى يتطلع بشغف إلى أن تلعب دول «بريكس» دورا قياديا.

كما أن الطموحات بإطلاق «بريكس» عملة مشتركة، أمر يخالف المبدأ الأساسى للمجموعة، وهو مواجهة الدولار كعملة احتياط عالمية، كما أنه اقتراح يواجه عددا من التحديات، بينها هيمنة الدولار على التجارة العالمية. ويتطلب هذا الأمر التخلى عن جزء كبير من السيادة الاقتصادية، كما هو الحال فى منطقة اليورو.

أما فيما يتعلق بفرص التجارة والاستثمارات فى الطاقة تحديدًا فإن هذا يعتبر التحدى الأكبر، خاصة مع تطلعات بتطوير البنية التحتية للدول الأعضاء وخاصة فى جنوب إفريقيا باعتبارها البوابة الرئيسية للتجارة بين أعضاء التحالف، والعمل على تفعيل التجارة البينية بعملات الدول الأعضاء بعيدا عن الدولار، إضافة لمناقشة معايير أى توسعات مستقبلية حال حدوثها، وهذا لو حدث فستكون هذه القمة نجحت فى تحقيق أبرز أهدافها.