الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الصراع بالوكالة يشتعل فى القارة السمراء هل تدخل «النيجر» مرحلة اللاعودة؟!

فى خطوة استباقية أعلن المجلس العسكرى فى النيجر، الخميس الماضى، تشكيل حكومة جديدة برئاسة على الأمين وتضم 20 وزيرًا، ووزيرا الدفاع والداخلية فيها جنرالان فى المجلس الذى استولى على السلطة فى أواخر يوليو.



عقد رؤساء دول غرب إفريقيا الخميس الماضى قمة من أجل الاتفاق على خطة عمل تجاه النيجر، بعد رفض قادة المجلس العسكرى بقيادة عبدالرحمن تيانى التنحى عن السلطة على الرغم من تهديد منظمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) باستخدام القوة لاستعادة الديمقراطية.

ويرفض المجلس العسكرى الجديد فى النيجر، المبادرات الدبلوماسية من دول إفريقية والولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق لإنهاء هذا التوتر، وتجاهل الموعد النهائى الذى حددته (إيكواس) فى 6 أغسطس لإعادة الرئيس محمد بازوم لحكم بلاده.

أعلن المجلس العسكرى الإطاحة بالرئيس محمد بازوم وإلغاء كافة الاتفاقيات العسكرية السابقة مع فرنسا وطرد سفراء الدول الغربية، بالإضافة إلى طرد جميع القوات الغربية من البلاد وسط ارتفاع وتيرة التحذيرات من قبل المجلس العسكرى فى النيجر لأى تدخلات خارجية لهذه القرارات، لكن الأمر المريب فى النيجر هذه المرة هو رفع علم روسيا خلال لقاء قادة المجلس العسكرى مع المواطنين بعد أيام من إعلان عزل الرئيس محمد بازوم، الأمر الذى يؤكد أن روسيا اتجهت لفتح ساحة صراع جديدة مع الغرب داخل إفريقيا ودول تمركز قواعدها العسكرية وهو ما يؤكد أن التوترات لن تتوقف عند النيجر فقط بل يمكن أن تمتد إلى العديد من الدول الأخرى.. وتصبح إفريقيا ساحة حرب جديدة بالوكالة لإنهاء التواجد الغربى وإعلان قوة روسيا الخارجية.

 نقطة تحول

بعد الأحداث التى شهدتها النيجر 26 يوليو الماضى، وعزل الرئيس محمد بازوم وإعلان المجلس العسكرى بقيادة عبدالرحمن تيانى بتولى مهام البلاد، جاءت هذه الضربة صاعقة خاصة لدول الغرب، وطرحت العديد من التساؤلات حول توقيتها خاصة وأن عبدالرحمن تيانى كان قائدا للحرس الرئاسى منذ 12 عامًا فما الدوافع التى أدت إلى نشوب هذه الأحداث فى هذا التوقيت تحديدًا؟ وما تداعيات الموقف على منطقة غرب إفريقيا خاصة بعد أحداث مشابهة فى مالى وغينيا وبوركينا فاسو ومطالبات المجلس العسكرى فى النيجر بعدم التدخل فى شئون البلاد وغلق المجال الجوى والتأكيد على أن التدخل الخارجى سيواجه بكل قوة.

من جهة أخرى، أعلنت مجموعة إيكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا) التدخل العسكرى فى النيجر للإفراج عن الرئيس محمد بازوم وسط تحذيرات ورفض من المجلس العسكرى لهذه الخطوة.

وتضم إيكواس كلًا من بنين وبوركينا فاسو والرأس الأخضر وساحل العاج وجامبيا وغانا وغينيا وغينيا بيساو، إضافة إلى ليبيريا ومالى والنيجر ونيجيريا والسنغال وسيراليون وتوجو، كما أنها تحظى بدعم من الولايات المتحدة وفرنسا.

وكانت إيكواس قد أعطت مهلة حتى 6 أغسطس لقادة المجلس العسكرى للتراجع عن موقفهم والإفراج عن محمد بازوم وهو الأمر الذى واجهه رئيس المجلس العسكرى عبدالرحمن تيانى بالرفض وإعلان غلق المجال الجوى للبلاد والتوعد بمواجهة أى تدخل عسكرى، ومن جهة أخرى خرجت مظاهرات فى العاصمة نيامى تعلن انضمامها للمجلس العسكرى واستعداد الشعب للدفاع بجانب القوات المسلحة أمام قوات إيكواس، وتم رفع أعلام روسيا ومالى وغينيا وبوركينا فاسو فى شوارع النيجر معلنة عن رفضها أى تدخل فى الشئون الداخلية للبلاد، إلا أن التدخل العسكرى من إيكواس لم يتم حتى الوقت الراهن وسط رفض عدد من الدول التدخل فى الشأن النيجرى منها إيطاليا والجزائر وبعض الدول الإفريقية.

كما دعت مالى وبوركينا فاسو، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات لمنع العمليات العسكرية فى المنطقة، حسبما أفاد وزير الخارجية المالى عبدولاى ديوب، مشيرًا إلى رسالة مشتركة لوزيرى خارجية البلدين.

وبعد لقاء وفد مالى وبوركينا فاسو مع السلطات الحالية فى النيجر، أكد العقيد عبدولاى مايجا، وزير الإدارة الإقليمية واللامركزية فى مالى، أن مالى وبوركينا فاسو لن تتسامحا مع أى تدخل عسكرى فى النيجر.

وتشهد علاقات قادة نيامى الجدد توتّرًا مع الدول الغربية ومعظم الدول الإفريقية التى أدانت ما يحدث فى النيجر، إلّا أنّها ممتازة مع مالى وبوركينا فاسو.

وأبدى البلدان تضامنهما مع النيجر، وحذرا من أنه إذا تعرّضت لهجوم عسكرى، فسيكون ذلك بمثابة «إعلان حرب» عليهما.

من جهة أخرى، جددت الولايات المتحدة، الأربعاء، الدعوة إلى القيادة العسكرية فى النيجر لإطلاق سراح الرئيس محمد بازوم وأسرته فورًا، فيما دعت مالى وبوركينا فاسو مجلس الأمن الدولى لمنع أى تدخل عسكرى فى الأزمة.

وقال وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، الثلاثاء، إنه تحدث إلى رئيس النيجر محمد بازوم للتعبير عن استمرار الجهود الرامية لإيجاد حل سلمى للأزمة الدستورية فى الدولة الإفريقية.

وقال فى تغريدة: «تكرر الولايات المتحدة دعوتها للإفراج الفورى عنه وعن أسرته».

اغتيال الغرب

ورغم توتر الأوضاع فى البلاد وإعلان قادة المجلس العسكرى طرد القوات الفرنسية والأمريكية من أراضيها وإعطائهم مهلة 30 يومًا فقط لنقل قواعدهم، فإن باريس التى يصل عدد جنودها فى النيجر إلى نحو 1500 جندى رفضت هذا القرار وأعلنت عن عزمها البقاء داخل البلاد.

من جهة أخرى تتواجد قاعدتان أمريكيتان فى النيجر وهما القاعدة 101 و102 وهما تعتبران قواعد تجسس أكثر منها قواعد عسكرية وفق خبراء.

لكن وفق صحيفة «تليجراف» البريطانية، فإن زيارة تيانى إلى مالى جاءت لمطالبة قوات فاجنر المتواجده فى البلاد للدفاع عن النيجر حالة التدخل الغربى، ووفق الصحيفة البريطانية، فإن قوات فاجنر أعلنت التعبئة العسكرية بين جنودها وهى المرة الأولى التى تعلن فيها فاجنر عن التعبئة بين صفوفها منذ محاولة انقلابها الفاشل فى روسيا.

وهو الأمر الذى يؤكد أن فاجنر قد تقوم بسحب قوات لها إما من بيلاروسيا أو سوريا ونقلهم إلى النيجر، وبالفعل وصلت أول طائرة عسكرية إلى العاصمة نيامى بعد 24 ساعة فقط من اجتماع قادة المجلس العسكرى فى النيجر فى مالى.

 النقطة الفارقة

وسط تأزم الوضع فى النيجر يرى محللون دوليون أن أزمة الغرب الأفريقى تعود لحقبة الحرب الباردة؛ فباستثناء الأزمات الإنسانية الكبرى فإن الأحداث الوحيدة التى تحظى باهتمام كبير فى القارة السمراء هى التنافس بين القوى الخارجية العظمى.

بهذا الرأى استهل الكاتب الصحفى والأكاديمى الأمريكى هوارد دبليو فرينش مقالا تحليليا بمجلة «فورين بوليسى» حول تأثير الأحداث التى شهدتها النيجر قبل أسبوعين، وما تلاها من تداعيات على منطقة الساحل؛ إذ يشير إلى أنها تمثل لحظة تحول جيوسياسية حقيقية فى السياسة البينية بالقارة ومكانة القوى الخارجية فيها.

ويقول فرينش إن الاهتمام بالقارة السمراء ظل على مدى عقود مُنصبا على التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتى على النفوذ فى دول القارة.

وفى الآونة الأخيرة، خلال الفترة التى شهدت تعزيز بكين مكانتها فى إفريقيا، أصبحت قضايا القارة تُتناول من زاوية صراع المصالح بين الولايات المتحدة والصين.

وبعد الأحداث التى شهدتها النيجر -كما يقول فرينش- خرج علينا الكُتّاب بتحليلات متسرّعة حول معركة متأرجحة بين واشنطن وموسكو فى منطقة الساحل الإفريقى، مع إضافة تفاصيل تتعلق بمرتزقة مجموعة فاجنر الروسية الغامضة وزيها المعروف.

ويرى أنه رغم تعاقب السنين، فإن السؤال الرئيسى الذى يُطرح فى العالم الغنى عندما تحدث تغييرات سياسية فى إفريقيا ثابت لا يتغير أبدا؛ وهو كيف سيهدد صعود موجة الأحداث الأخيرة نفوذ وقوة الولايات المتحدة والغرب فى المنطقة؟

كما يرى أن القوى العظمى لم تقدم شيئا لإفريقيا، ولا تسعى لمساعدتها فى حل أزماتها الاقتصادية، وأن اهتمام الولايات المتحدة منصب على حث بلدان القارة السمراء على الالتزام بالحكم الديمقراطى من دون تقديم معونة تذكر فى هذا الإطار، فى حين ينصب اهتمامها الحقيقى على محاربة الجماعات المتطرفة فى بلدان الساحل.

ويقول فرينش إن التوترات فى النيجر مثّل لحظة تحول جيوسياسى حقيقيا للأفارقة أصبحت فيه الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والصين أقل أهمية على الفور من الأفارقة أنفسهم.

ويتجلى ذلك بوضوح فى الدور الذى لعبته نيجيريا فى الأزمة حتى الآن، التى تعد أكبر دولة فى المنطقة ويتزعم رئيسها بولا تينوبو المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وهى أهم منظمة سياسية واقتصادية فى غرب إفريقيا.

فقد أصر الرئيس النيجيرى وإيكواس على استعادة حكم رئيس النيجر المخلوع واستعادة نظامها الديمقراطى.

ويرى الكاتب أن الأفارقة يشقون طريقهم للإمساك بزمام الأمور فى منطقة الساحل؛ وهو ما قد يعوق بعض الأمور، لكنه من الضرورى لمستقبل المنطقة ومستقبل إفريقيا قاطبة أن يتولى الأفارقة مسؤولية عملياتهم الخاصة، وأن يضعوا قوانينهم الداخلية الخاصة، وحل مشاكلهم الدبلوماسية والعسكرية بأنفسهم عندما يحتاجون إلى ذلك.

وختم الكاتب الصحفى الأمريكى مقاله بتأكيد أن الدول الأفريقية لن تتمتع بسيادة تذكر، ولن يكون لها دور يذكر ما لم تمسك بزمام الأمور؛ فتصبح الحاكم والحارس لمنطقتها. واستشهد بمقولة مشهورة فى العلوم السياسية للمنظّر الاجتماعى الراحل تشارلز تيلى «إن الحروب تصنع الدول».