الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية .. مشاركة اجتماعية وسياسية: المرأة.. فى زمن الرسالة! "66"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

قبل نزول القرآن كان الرجل فى الجاهلية يعتبر المرأة مصدرًا للعار، بحيث يسود وجهه إذا بشروه بمولود أنثى، إلا أن ذلك لم يمنع النساء المسلمات من الدعوة إلى الله والصبر على أذى المشركين.

 

كانت المرحلة المكية دعوة إلى التوحيد والمسـاواة فى بيئة تؤمن بالفوارق الطبقية وبأفضلية الرجل على المرأة، فالسيدة خديجة أول من آمن بالرسالة، وسمية بنت خياط أول شهيدة فى الإسلام، وشاركت النساء فى الهجرة إلى الحبشة، وفى بيعة العقبة الثانية شاركت اثنتان من نساء الأنصار.

وفى المرحلة المدنية أقيمت أول دولة إسلامية، جعلت للمرأة مكانة لم يعرفها العرب من قبل، ومما أسهم فى تقبل هذا التغير أن نساء الأنصار كن يحظين بعلاقة مع أزواجهن تمكنهن من النقاش والجدل؛ فبدأت المهاجرات يفعلن فعل نساء الأنصار.

المرأة فى التشريع 

والتشريع الإلهى لا ينحاز للرجل ضد المرأة، لأنهما معًا خلق الله تعالى، ولكن الرجل الذى سيطر فى العصور القديمة والوسطى فرض سيطرته على المرأة، فأصبحت أقل درجة من الرجل، ولذلك تحتاج إلى اجتهاد لتوضيح حقوقها الإنسانية والاجتماعية.

وفى القرآن آيات تؤكد المساواة بين الرجل والمرأة، فكلمة الزوج تدل على الرجل والمرأة، والسياق هو الذى يوضح من المقصود منهما، إلا إذا جاء فى سياق الآية ما يؤكد أن الخطاب موجه للرجل وحده.

وفى الخطاب كلمات مثل الناس، وبنى آدم، والذين آمنوا، تدل على أنه يشمل المرأة، فالقرآن حين يأمر بالصيام يأمر الذين آمنوا بالصيام وكذلك حين يأمر بالصلاة، والأمر يشمل الجنسين، وكل خطاب عام فى القرآن يأتى للناس ولبنى آدم وللمؤمنين وللكافرين، يشمل الرجل والمرأة بالتساوى، إلا إذا كان فى السياق تخصيص لأحدهما.

والرجل والمرأة ينتميان لأب واحد وأم واحدة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً) النساء 1، ويشمل هذا كل الناس بكل ألوانهم وأعراقهم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13.

وفى المسئولية والجزاء: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) آل عمران 195، ولذلك كانت المرأة شريكًا فى إقامة الدولة فى عهد النبى محمد عليه الصلاة والسلام، بدأتها بالهجرة، ثم بالبيعة، ثم بالمشاركة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولذلك فإن حديث القرآن عن الشورى وهى من أساسيات دولة الإسلام يشمل المرأة مع الرجل: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى 38.

المرأة والمجتمع

قضية المرأة هى قضية المجتمع، فمجتمعاتنا أغلبيتها ما زالت ذكورية التفكير، التمييز فيها لصالح الذكر المسيطر، وبالتالى ينعكس هذا الأمر سلبًا على المرأة. 

وأى ميزات تعطى للمرأة نابعة من مستجدات اقتصادية أو اجتماعية وليست من تغيير فعلى بنظرة المجتمع، فمثلاً قبول فكرة عمل المرأة مرتبط بالوضع الاقتصادى وليس نابعًا من الاقتناع بأهمية عمل المرأة، والدافع لذلك هو الدخل من عمل المرأة الذى يدعم الرجل ماديًا ولكنه لا يعطيها قيمة اجتماعية، فالمرأة تفتخر بعمل زوجها ومركزه، وفى المقابل لا يفتخر الرجل عادة بعمل أو مركز زوجته لأن هذا يعتبر عيبًا ومسًا بكرامة الرجل.

وعادة فإن الرجل الذى يسمح لزوجته بالعمل يكون تبريره لذلك بأن: «ليس عيبًا أن تعمل المرأة، أو أنهم بحاجة إلى الدخل من عملها، أو لأنها تعمل فى مكان لا تختلط فيه بالرجال». 

الزواج والأسرة

إن المتغيرات التى طرأت على مجتمعاتنا غيرت الكثير من المظاهر بالنسبة للزواج والأسرة، فأصبح الرجل يبحث عن المرأة العاملة ليس لقدرتها الفكرية ولاتساع مداركها ولا لأنها أفضل من المرأة غير العاملة، بل لأنها مصدر دخل.

من هنا قد يبدو أن حظ الفتاة العاملة أكبر من غيرها فى إيجاد زوج، رغم ما يفرضه عملها من تأخير على سن الزواج تبعاً لاستكمال تعليمها، من هنا أصبحت النظرة للمرأة كمصدر للدخل بعد أن كانت النظرة لها كمتعة جسدية فقط، ورغم اقتناع الأزواج بضرورة عمل نسائهن كمصدر دخل يعينهم، إلا أنهم يرفضون تحريرها من كامل القيود، مثل النظر إليها على أنها على نفس الأهمية وليست أقل منه، فالأمر يبدو كأنه حسب مزاجهم ومتطلباتهم لا غير.

بعض الأزواج يرحبون بعمل الزوجات ولكنهم يتناسون ما سيترتب عليه من تبعات داخل المنزل، فلا يهتمون بمساعدة زوجاتهم بتحمل جزء من أعباء المنزل، مثل العناية بالأطفال وتدريسهم، هذا يحمل المرأة العاملة فوق طاقتها.

وبسؤال المرأة العاملة عن سبب عملها، غالباً ما يكون الجواب «من أجل الأولاد، أو من أجل المعاش»، فليس هناك وعى بأهمية عمل المرأة عند بعض النساء، فالأمر مرتبط بالمنفعة المادية، وليس نابعاً من إيمان بضرورة العمل وتحقيق الذات وتفعيل طاقات المرأة الخلاقة والمساهمة فى بناء المجتمع بطريقة أفضل.

كما أنه توجد مشاكل أخرى بالنسبة لحالات العنف الأسرى وضد المرأة تحديدًا، فمع تغير بعض المفاهيم الخاصة بضرورة عمل المرأة والتعليم مثلًا، إلا أنه لم تتغير مفاهيم أخرى بالنسبة مثلًا لسن الزواج التقليدى للمرأة، ومثل حرية الاختيار، أو النظر بعين المساواة للمرأة، ولذلك تتزايد بعض المظاهر الخاصة بالتعامل بدونية مع المرأة ومنها ارتفاع نسبة حالات التحرش الجنسى.

المرأة فى الإسلام

الحركة الطبيعية للتاريخ تسير بالمشاركة بين الرجل والمرأة، إلا أن انفراد الرجل بكتابة التاريخ جعل دور المرأة يتوارى، وهذا يجعل مهمة المؤرخ صعبة فى توضيح دور المرأة فى صنع التاريخ.

وعن مشاركة المرأة للرجل فى زمن الرسالة فقد أشار القرآن إلى المهاجرات وبيعتهن للنبى ولجوئهن إلى دولة المدينة، وأكدت روايات السيرة ذلك حيث تحدثت عن المرأة التى تسبق أباها فى الإيمان مثل أم حبيبة التى سبقت والدها أبو سفيان فى الإيمان، ومثل فاطمة أخت عمر بن الخطاب التى سبقته فى الإيمان، ومثل حواء بنت يزيد الأنصارية وقد سبقت إلى الإسلام زوجها أبا يزيد، ومثل أم كلثوم بنت عقبة التى هاجرت من مكة وهى فتاة فجاءت للنبى بعد صلح الحديبية تاركة أهلها، وخرج فى أثرها أخواها الوليد وعمارة فرفضت أن تعود معهما.

وكان يعقب الهجرة مبايعة المرأة للنبى كحاكم ونبى على الالتزام بتشريع الدولة وأحكامها، مثلها فى ذلك مثل الرجل تماماً، والنبى قبل أن يهاجر إلى المدينة عقد مع الأنصار بيعتى العقبة الأولى والثانية، وشهد العقبة الثانية ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان هما أم عمارة وأسماء بنت عمر.

وكانت المرأة تشارك فى إقامة الدولة وفى الدفاع عنها، وهى إشارات متفرقة عن تفاعل المرأة فى عصر الرسالة ودورها فى إقامة الدولة الإسلامية فى عصر النبى. 

على المستوى التاريخى فقد جعل الله تعالى المثل الأعلى للمؤمنين فى كل زمان ومكان اثنتين من النساء هما السيدة مريم وزوجة فرعون، كما جعل المثل الأسفل للكافرين امرأتين هما زوجة النبى نوح وزوجة النبى لوط: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِى عِنْدَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) التحريم 10-12.

وفى القرآن جاءت قصة ملكة سبأ فى سورة النمل، وتكررت فى السور قصة فرعون، وبالمقارنة بين اثنين من الحكام كلاهما تعامل مع نبى من الأنبياء بطريقة مختلفة، وفازت ملكة سبأ، وخسر فرعون، وليس المعنى أن المرأة أفضل من الرجل فى الحكم، ولكنها إشارة إلى أن امرأة حكمت فكانت راشدة فى وقت يضل فيه أغلب الحكام الرجال.

فقد كان فرعون مصر مستبدًا إلى أن انتهى به الأمر إلى الغرق والتدمير، أما بلقيس ملكة سبأ فقد كانت بطبيعتها تستشير، وتخاف على مملكتها من استبداد الملوك، فنجت بملكها وبشعبها.

والفرق بين الإسلام كدين وبين الفكر الدينى، أن الفكر الدينى يرفض ولاية المرأة للرئاسة، ويرفض توليها القضاء، وفى الحضارة الغربية لم يتم إعطاء المرأة حقوقها السياسية إلا مؤخراً، ولكن الإسلام سبق الجميع فى ذلك.

إن تغيير مفاهيم مجتمعية ثابتة أمر صعب قد يحتاج لوقت طويل لتحقيقه، لذلك يجب تغيير الكثير من المفاهيم لدى المجتمع وتطوير النافع منها لتدعم الفرد نفسه، نحن بحاجة إلى مراجعة الكثير من الأفكار التى من شأنها تغيير بعض المفاهيم السائدة ضد المرأة، ومن هنا يتم دعم حقوق المرأة لأن تطور حال المرأة من تطور حال المجتمع.