الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قالت إن أحمد بن طولون أول من أسس جيشًا مصريًا ريم بسيونى: نحتاج إعادة اكتشاف تاريخنا

هى باحثة وأستاذة جامعية.. حازت كتاباتها على إشادات الأوساط الثقافية.. ومكّنتها الرواية التاريخية من التحليق بأفكارها؛ فكتبت عن شخصيات تبدو أسطورية وسحرية إلى حدٍ ما، كما فى روايتَى «القطائع» و«الحلوانى».



حصُلت على جائزة أفضل عمل مترجم فى أمريكا عام 2009 عن روايتها «بائع الفستق»، وجائزة نجيب محفوظ عن روايتها «أولاد الناس» فى عام 2020، كما حصُلت على جائزة الدولة للتفوق فى الآداب عن مُجمل أعمالها.. وتُرجمت أعمالها إلى الإنجليزية والإسبانية والإيطالية واليونانية؛ لذا جاء حوارنا فى «روزاليوسف» إلى الكاتبة والروائية الدكتورة ريم بسيونى، للحديث عن مشوارها الأدبى الزاخر وعن أعمالها المميزة.. إليكم نص الحوار:

امتازت رواياتك التاريخية بالأمانة العلمية وعدم الخضوع لهوى الحب والكره فيما تكتبين.. كيف حققتِ تلك المعادلة الصعبة؟

- الحقيقة بالنسبة للأمانة فى عرض التاريخ فى رواياتى، فأعتقد أننى تأثرت جدًا بالمنهج البحثى الذى تدربت عليه وما تعلمته بجامعة «أوكسفورد»، فكنا نتعلم الموضوعية والدقة فى البحث عن المعلومة.. لا شك أن لكل واحدٍ منا انتماءاته وأفكاره؛ لكن هذا لا يمنع من الموضوعية الشديدة فى معالجة أى موضوع ننظر إليه فى ضوء علم اللغة الاجتماعى أو التاريخ.. وكنت دائمًا حين أجد معلومات متناقضة أحاول الموازنة بينها وأن أبحث عن الحقيقة، فأعتقد أن دراستى فى مصر وخارج مصر وتدربى على المنهج البحثى ساعدنى كثيرًا فى كتابة الرواية التاريخية.

 وفى رأيك.. كيف تكون الرواية التاريخية ناجحة ومكتملة الأركان؟

- أى رواية فى الدنيا لها أركان معينة منها الشخصية والأحداث وطريقة السرد.. فلا بد من التوازن بين وجود شخصيات مكتملة مكتوبة بطريقة جيدة، وبين وجود أحداث إلى حدٍ ما تمس الإنسانية، وأيضًا بين وجود سرد بليغ يقدر إنه يجذب القارئ وفى نفس الوقت بلغة رصينة.. فهناك مكونات للرواية مهمة جدًا، وكنا ندرسها بالجامعة حتى لو لم تكن تلك الرواية تاريخية.. فإذا لم توجد هذه المكونات فى الرواية؛ فبالتأكيد ستصبح ناقصة.

 هناك العديد من الفترات التاريخية لا نعرف عنها سوى معلومات ضئيلة وفترات أخرى سقطت أو أُسقطت من التاريخ.. فما هى رؤيتك لإعادة صياغة تلك الحقَب التى أُهملت؟

- هذا صحيح جدًا.. نحن لدينا فترات فى التاريخ المصرى، وأحدثت تأثيرًا فى الهُوية المصرية، ولم نتحدث عنها كثيرًا، ومنها الثلاث فترات التى كتبت عنها وكانت فيها مصر مستقلة فى العصور الإسلامية مثل فترة «الفاطميين» التى لم نعرف عنها الكثير.. ففى رواية «الحلوانى» تحدثت عن تلك الفترة، وركزت على شخصيات مهمة جدًا فى الوجدان المصرى وفى العمارة الإسلامية وفى التاريخ المصرى مثل شخصية «جوهر الصقلى» و«بدر الجمالى».. فهذه الشخصيات كان لازم إنى أُلقى الضوء عليها.

وتستكمل: فى رواية «القطائع» عندنا شخصية مثل «أحمد بن طولون» وهو أول من أقام دولة مستقلة فى مصر، وأول من أقام جيشًا مستقلًا عن الدولة الإسلامية للمصريين، وهذه النقاط فى حد ذاتها تعتبر إنجازات كبيرة وهذه الشخصية كانت تستحق إنى أكتب عنها رواية كاملة.. وطبعًا العصر المملوكى مُشوه ولم يفهمه الكثير.. وأُناس كثيرون يكتبون عنه بدون إدراك ولا قراءة.. وهذا عصر مهم للغاية من الناحية الثقافية والمعمارية والتجارية، ويعتبر من أزهى العصور الإسلامية.. فرواية «أولاد الناس» و«ثلاثية المماليك» كانت لازم تنصف أو تتكلم عن هذا العصر بطريقة موضوعية وفيها عرض للحقيقة، والقارئ من حقه أن يقرأ أو يفهم أكتر عنها.

صرحتِ فى أكثر من مرة بأنك كنت تقرئين منذ سن صغيرة.. فكيف ساهمت قراءات المؤرخين القدماء فى تشكيل الوعى الثقافى لديكِ؟

- الحقيقة أن القراءة للمؤرخين القدماء تعتبر رحلة تعليمية فى حد ذاتها.. نحن لدينا إرث من العلماء الذين كتبوا باللغة العربية فى العصور الوسطى وفى أواخرها على وجه التحديد.. هؤلاء العلماء يعتبرون بالنسبة لنا مدارس فى المنهجية البحثية وفى التاريخ والفلسفة.. وعندنا علماء فى شتى المجالات رائعين جدًا ومهم إننا نعرف عنهم.. وحين بدأت قراءة لهم منذ أحد عشر عامًا «حسيت إنى كان فايتنى كتير أوى».. وقبل ذلك لم أكن أقرأ لهم بشكلٍ كبير؛ لأن معظمنا يخاف إنه هو يفتح هذه الكتب، وفاكرين إنها صعبة.. والحقيقة إنها ليست صعبة أبدًا، ومن المهم الاطلاع عليها.

 كتبتِ من خلال رواية «القطائع» عن أحمد بن طولون وفكرة بناء دولة مصرية مُستقلة فى العصر الإسلامى بالقرن الثالث الهجرى.. ما أبرز النقاط التى أثارت حماستك للكتابة عن ذلك الحاكم؟

- أحمد بن طولون شخصية ساحرة.. قائد قوى ولديه بصيرة ومُلهم.. فعل لمصر الكثير وأحبها بإخلاص.. حتى إنه حين مات، مشى بجنازته كل المصريين من مسلم ومسيحى ويهودى.. مشى فيها كل الناس من طفل وامرأة ورجل وشيخ.. فنحن نتحدث عن قائد أحبَّهُ المصريون، وشعروا بحلمه؛ ومن أجل ذلك نجد فى رواية «القطائع» رواية ثانية بداخلها اسمها «حُلم أحمد»؛ لأن أحمد بن طولون كان عنده حلم إن مصر تصبح قوية ومُستقلة.. استطاع إنه يعمل لمصر ازدهارًا على كل المستويات؛ لدرجة إن المؤرخين الأجانب حين يتحدثون عن مصر الإسلامية، ووجود مصر القوى فى العصر الإسلامى يذكرون أنه من بداية العصر الطولونى.. فبالنسبة لهم هذا عصر مهم جدًا.

 لماذا لم تصل إلينا المعلومة الصحيحة بأن «أحمد بن طولون» هو أول من كوّن جيشًا من المصريين وليس «محمد على».. وكذلك أن «صلاح الدين الأيوبى» هو أول من بنى مدارس فى مصر؟ وكيف يتم تزييف التاريخ من وجهة نظرك؟

- هناك معلومات تاريخية كثيرة جدًا ولا تصل إلينا؛ لعدم معرفة الناس بكل ما هو مكتوب «يعنى أى حد لازم قبل ما يكتب أو يتكلم عن شىء يعمل بحث قوى وطويل».. أحمد بن طولون أدخل المصريين وقتها فى الجيش بأجر «يعنى ليس باعتبارهم عبيد».. والحقيقة إن الدكتورة «سيدة اسماعيل الكاشف» كتبت كتبًا كثيرة جدًا فى منهجية البحث عن التاريخ الإسلامى، منها كتاب عن «الدولة الطولونية» ذكرت فيه أن أحمد بن طولون هو أول من أدخل المصريين فى الجيش وليس محمد على.. وكان حظى وافرًا إنى قرأت كل كتبها.. «فهل المعلومة السالف ذكرها واصلة لكل الناس؟ الحقيقة لأ» وتم ذكرها برواية «القطائع» باستفاضة.

وتضيف، أن «الكاشف» واحدة من أهم مؤرخى مصر، ولا بد أن تأخذ حقها أكثر من ذلك؛ فكتاباتها عن التاريخ الإسلامى تعتبر مراجع مهمة جدًا، وهى من أول السيدات اللائى أخذن الدكتوراه فى التاريخ الإسلامى واهتموا بالبحث العلمى.. فنحن نحتاج إلى إعادة قراءة تاريخنا، وإعادة الكشف عن شخصيات عظيمة مرّت من هنا ولم نعرف عنها.

 وتؤكد على أن مدارس «صلاح الدين الأيوبى» غاية فى الأهمية.. «فكرة إنى أبنى مدرسة مثلما ذكرت فى رواية «الحلوانى» لتعليم شىء آخر غير الفقه والحديث ده شىء مهم، وطبقها من بعده الكثير أُسوةً به ومنهم المماليك».. وأدت إلى نهضة علمية شديدة موجودة فى البلاد الإسلامية.. محتاجين نركز على مراجع كثيرة، ولا نأخذ المعلومة من مرجع واحد؛ لتجنب الوقوع فى أخطاء جسيمة.

 بدأت روايتك البليغة «الحلوانى» بقول الإمام السيوطى: «إن يوسف عليه السلام لما دخل مصر وأقام بها قال: اللهم إنى غريب فحببها إلىَّ وإلى كل غريب.. فمضت دعوة يوسف.. فلا يدخلها غريب إلا أحب المقام بها» فمن خلال رؤيتك.. كيف مضت تلك الدعوة؟

- طبعًا فكرة إن الغريب يجد فى مصر الراحة والسكن مهمة جدًا؛ لأن مصر كانت دائمًا مُرحبة.. والغريب فى مصر «يتمصر» ويعطى للبلد من الناحية الثقافية أو المعمارية أو التجارية.. فمهم أن نفهم ذلك وخصوصًا فى هذه العصور التى تتحرك وتتنقل فيها الناس كثيرًا جدًا.. فامتدت دعوة يوسف بالفعل واستجاب الله له فلم يدخل مصر غريب إلا أحب المقام بها.

 ذكرتِ من قبل أن «ثلاثية المماليك» أخذت منكِ ثلاث سنوات فى التحضير لها و«ثلاثية ابن طولون» أخذت سنتين.. حدثينا عن كواليس تلك المدة فى التحضير لأعمال دسمة ومُطعمة بمعلومات مُكثفة.. وهل لديكِ طقوس مُحددة فى الكتابة؟

- بالنسبة لثلاثية المماليك.. فالرواية تتكون من ثلاثة أجزاء فى كتابٍ واحد، وتعتمد كلها على سيرة المماليك فى مصر منذ عهد الناصر قلاوون وحتى الغزو العثمانى لمصر وذبح «طومان باى»، ويقوم السرد فى الرواية بأجزائها الثلاثة عبر ثلاث قصص تدور كلٌ منها فى إطار تاريخى رومانسى موضحةً الوضع الاجتماعى والسياسى والتاريخى لمصر فى تلك الفترة التى سيطر فيها المماليك على الحكم بعد انتهاء الحكم الأيوبى.. كل هذا استغرق منى وقتًا طويلًا لنقل كل تفاصيل تلك الحقبة المجهولة من التاريخ للقراء.

وتستطرد: درست كل ما يخص العمارة المملوكية لثلاث سنوات متتالية باللغتين العربية والإنجليزية.. وتعد فترة حكم المماليك لمصر، والتى تُقدر بأكثر من 300 عام، هى أكثر الفترات التى لم تأخذ حقها فى السرد الأدبى مما شجعنى على تلك الخطوة.. كما أن «ثلاثية ابن طولون» كانت تحتاج إلى تشييد صرح سردى روائى، شديد الحبكة، بطريقة سلِسة وشخصيات تبقى مع مُتلقى الرواية طويلًا لا تغادره.

وعن ـ1طقوسها فى الكتابة، فتقول إنها ليس عندها طقوس مُعينة فى الكتابة؛ غير أنها تعمل بحثًا علميًّا مُكثفا.. وتحب العمل فى فترة الصباح أكثر من المساء.. «وعلى حسب يعنى لو عندى فكرة؛ فبتستغرق كل وقتى صبح وليل، ولو لم يوجد فيصبح لدىَّ وقت أطول بالتأكيد».

 من الجمل التى استوقفتنى فى رواية «أولاد الناس» وكتابك العلمى الأخير عن الفكر الصوفى واللغة الصوفية «البحث عن السعادة»: على لسان الإمام البوصيرى «أستغفر الله من علمٍ بلا عمل»، وعلى لسان ابن عربى «الفتح من الله معجزة» إلى آخره.. ففى نظرك؛ لِمَ كنا غافلين بهذا القدر عن تلك البلاغة وعن أعظم مُفكرى العالم ونصِفهم بـ«الدراويش»؟

- مهم جدًا أن نفهم الفكر الصوفى وتطوره عبر التاريخ.. فى كتابى هنا أبدأ من العصر الأموى وأنتهى عند عصر المماليك، وهو كتاب علمى يطرح أفكار هؤلاء العلماء الذين يعتبرون أهم علماء الإنسانية، مثل «ابن عربى» و«أبو حامد الغزالى».. وهم مفكرون يكتبون عن الإنسانية والرحمة وعن تقبل الآخر.. فمن المهم أن نفهم تاريخيًّا إطار استعمالهم للغة وفكرهم؛ لذا جاء كتابى «البحث عن السعادة».. كما ذكرتُ أيضًا فكرة العمل والعلم عند الفكر الصوفى؛ فعندهم العلم بلا عمل ليس له قيمة.

 يتجلى إبداعك فى تقديمك لنا التاريخ بطريقة سلِسة رغم أن نصوصه جامدة.. فما هى نصيحتك لمن يريد أن يخوض غمار كتابة الرواية التاريخية للوصول إلى إمتاع القارئ بهذا الشكل؟

- أنا نصيحتى لأى حد بيفكر يكتب إنه يقرأ.. ويقرأ بعين القارئ والكاتب.. ده مهم جدًا.. القراءة ثم القراءة ثم القراءة.

دائمًا ما تكتبين عن التجربة الإنسانية التى تشعرين بها.. فهل لديكِ قيود فى الكتابة؟ وهل حدث من قبل أن أوقفتِ مشروعًا أدبيًّا خشيةً من سوء فهم الكثير لمحتواه أو خشيةً من ردة فعل الجمهور بمعنى أوضح؟

- لا، أنا فى الحقيقة ليس عندى أى تخوف من أى شىء.. أكتب عما يمس قلبى بإخلاص وصدق.. وأعى جيدًا أنه حين يكتب الإنسان بصدق عن أى شىء؛ يصل سريعًا إلى القارئ.. «فعمرى ما كان عندى أى حاجة كنت عاوزة أكتبها وتوقفت عن كتابتها خوفًا من شىء أو من ردة فعل حد وأحمدُ الله على ذلك».

 وختامًا.. ما هى أقرب الجوائز إلى قلبك؟

- كل الجوائز أسعدتنى وفخورة بحصولى عليها.. لكن طبعًا جائزتَى «نجيب محفوظ» وجائزة «الدولة للتفوق» كلاهما قريب من قلبى.. فنجيب محفوظ اسم كاتب أُقدره وأحترمه كثيرًا وأشعر أنه غيّر طريقة الكتابة فى العالم وليس فقط فى مصر؛ فشرف كبير لى الحصول على جائزة تحمل اسمه.. وجائزة الدولة للتفوق هى جائزة من مصر على مُجمل أعمالى، فلها طعم رائع جدًا.. «كون إن حد يحصُل على جائزة من بلده.. وإن بلده تكرمه؛ فدى حاجة مهمة وتُشعر الواحد باعتزاز شديد وفرحة عارمة».