الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة و 1 / 2.. حضور بالعافية على طريقة (حسن أبوالروس)!!

كلمة و 1 / 2.. حضور بالعافية على طريقة (حسن أبوالروس)!!

تتذكرون فريد شوقى فى فيلم (بداية ونهاية)، وهو يؤدى دور (حسن أبوالروس) المطرب البلطجى صاحب الصوت المُنفر، إلاّ أنه يجبر الجميع على الاستماع إليه، وبالقوة البدنية يخشاه الجميع فيرضخون مرغمين إليه؟ حضور البعض عبر الوسائط الاجتماعية هو الوجه الآخر لـ(أبوالروس)، الذى كان يغنى بصوت مُنفر: (والله زمان.. زمان والله) ويجبر الجميع على الإنصات إليه وإعلان الإعجاب.



كثيرًا ما شاهدت تنويعة عصرية تذكرنى بـ(أبوالروس)، هذا المطرب المُحبط وزميله المُلحن وهما يوجّهان كلمات لها مَذاق اللكمات لكل من اختلف معهما يومًا، أو ربما من الممكن أن يختلف معهما يومًا، وهاتك يا تشريح وتشليح!

كثيرًا ما أراد أيضًا هذا الفنان الشاب الذى كان واعدًا قبل عَشر سنوات، فصار متوعدًا الجمهور بكثرة إلحاحه على التواجد عبر (السوشيال ميديا)، مُفتعلاً قصة حب وهمية، أو مشاجرة، أو تجاوز لفظى، المهم بالنسبة له أن يظل فى البؤرة، لا يتوقف عن إحاطة نفسه بسَيْل من الأخبار عبر الوسائط الاجتماعية؛ لتصل الرسالة للناس وكأنه يقول: (نحن هنا).

الفنان عادة لا يملك القدرة على الاعتراف بـأنه قد صار بعيدًا عن اهتمام الناس، و(البطارية) لم تعد صالحة لإعادة الشحن.. سألوا مؤخرًا نجمة كبيرة ابتعدت عن الشاشات، فقالت: أنا أتعمد ذلك حتى تزداد وحشة الجمهور.. وأضافت: أنا لا أزال مطلوبة ولكنى أنتقى أدوارى.. وتؤكد أنها رفضت مؤخرًا عَشرة أدوار بطولة، ولأن مبدأها ألا تجرح أى زميل، ولهذا فلن تذكر أسماء الأعمال التى وافق عليها الآخرون بعد أن اعتذرت هى. نتابع فى العديد من البرامج تفاصيل حياة الفنانين التى تنشرها «الميديا»، يسعى بعضهم لإمداد الصحافة والفضائيات ببعض منها؛ ظنًا منه أن هذا يؤدى إلى زيادة مساحة الاهتمام والشغف، تغيّر الزمن الذى كان يحرص فيه الفنان أن يظل بعيدًا عن الجمهور، الناس لا تتعامل معه كحالة إنسانية بشرية يحب ويكره وينجب ويتزوج ويُطلق، ولكنهم يفضلونه كائنًا مثاليًا، تلك كانت هى صورة الماضى، الآن سقطت كل الأقنعة.

عدد من الفنانين ونجوم الإعلاميين بين الحين والآخر باتت خطتهم لكسب ود الجماهير، تتلخص فى العمل على شيوع أخبار تؤكد على الجانب الخيرى المعطاء؛ خصوصًا أن تلك الانطباعات المبدئية تلعب دورًا إيجابيًا عند دائرة واسعة من الجماهير، الذين صار لديهم (ترمومتر) خاص فى الحُكم على الفنان يحددون بَعده درجة الحب من خلال مواقفهم الأخلاقية، رُغم أن المقياس النهائى كان ولا يزال هو العطاء عبر الشاشة.

 لو عُدنا للزمن الماضى الذى نطلق عليه دائمًا تعبير (زمن الفن الجميل)، وإن كنت أرى أن كل زمن به الجمال والقبح، فى الزمن الماضى كان هناك غطاءٌ لا يمكن اختراقه بسهولة، ويحرص الفنان على إقامة أسوار عالية وأسلاك شائكة تمنع الاقتراب من الحياة الشخصية.

تابع الآن كثرة الظهور البرامجى والجرأة فى الإعلان عن تفاصيل حياة النجوم المادية والعاطفية والشخصية؛ ربما تحقق لهم تلك البرامج أموالاً تدفعها الفضائيات مقابل الإعلان عن الأسرار، كما أنها قد تذكر بهم شركات الإنتاج، إلا أنها على الجانب الآخر تخصم الكثير من مساحة الاحترام والحب.

لا أوافق قطعًا أن يبتعد الفنان عن الناس وكأنه كائنٌ أسطورىٌ، حطمت (الميديا) تلك الصورة وتلاشت المسافات بين الفنان والجمهور، إلاّ أننى أيضًا أرى أن بعض برامج التليفزيون، أساءت كثيرًا للفنانين وشوهت صورتهم الذهنية.

 على الفنان أن يضبط المؤشر، ويحدد مقدار جرعة الحضور، فلا يتواجد إلا قليلاً!

 انتهى زمن (حسن أبوالروس) وهو يهدد الناس بالضرب لو لم ينصتوا إليه، عندما تنزل ستار النهاية؛ عليه أن يعتصم ببيته، ويغنى مع نفسه مغلقًا كل الأبواب، حتى لا يسمعه أحد وهو يردد: (والله زمان .. زمان والله).