الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مــن برديات مــدن الياسمين "الحلقة الأخيرة"

المَشاهد «الـخمسة والعشرون» لثورة «الثلاثون»



 

القاهرة - يونيو 2013

صورتى الثانية عشرة، مِن الإسكندرية، من نفس المسيرة التى تحركت من أمام جامعة الإسكندرية صوبَ ساحة مسجد القائد إبراهيم، كانت شقيقات الرائد أيوب السعداوى يَسِرن مع المتظاهرين يهتفن ارحل ارحل، أمّا السيدات الجالسات أمام العمارة القريبة من ساحة الجامع، فكُنّ أمَّه وجارتَها يوزعن المياه المثلجة والمأكولات على المتظاهرين، ويهتفن ويصفقن على نغمات الموسيقى العالية التى تنبعث من جنبات الشوارع المزدحمة، يصفقن ويزغردن ويهتفن، ارحل ارحل، أمّا تلك السيدة العجوز التى تتدلّى من شبّاك شقتها، وتلوّح بالعلَم وتهتف بصوتٍ واهن، مصر مصر، فهى أبلة زاهية مدرّسة الرسم التى أحبّتها صفية وتحتفظ بمنديلها وحبِّها فى قلبِها، صفية لا تعلم أن زاهية تعيش فى الإسكندرية بعدما تقاعدت من عملِها، تركت الشرقية وذهبت لتعيش مع ابنتِها فى الإسكندرية وعلى بُعد عمارتين أو ثلاث من بيت صفية، صفية لا تعلم أن تلك السيدة التى تعلق الأعلام على مَنشر الغسيل من شرفة بيتِها هى أبلة زاهية، وربما لو قابلتها فى الشارع فلن تعرفها، هذه السيدة هى أبلة زاهية، أمّا الصغيرة التى تطِل من الشبّاك بجوارها فهى حفيدتها الجميلة صفية، والتى أطلقت زاهية عليها اسمَها حبًا فى تلميذة صغيرة ذكية عاشقة للرسم والفن، وعاشقة للتاريخ ولمصر، كانت تدرس لها فى المرحلة الابتدائية منذ سنواتٍ طويلة، وانقطعت بينهما الصلة منذ ذلك الوقت.

 

صورتى الثالثة عشرة، من الإسكندرية، مِن أمام قِسم الرمل كان لبيب وزملاؤه الضباط، ضباط المباحث، وضباط الأمن الوطنى، ومأمور القِسم، وأُمناء الشرطة والجنود، جميعهم يرابضون أمام القِسم من الساعات الأولى للنهار يوجّهون التحيةَ للمتظاهرين المارين أمام القِسم، ويوزّعون عليهم الماءَ البارد والعصير، ويرددّون هتافاتِهم بصوتٍ أعلى تحيا مصر، تحيا مصر، ارحل ارحل. وحين وقف المتظاهرون أمام بوابة القِسم وأدّوا جميعهم التحيةَ العسكرية لضباط القِسم ورجاله، وهُم يهتفون جيش وشرطة وشعب إيد واحدة، رفعَ المأمور يدَه بالتحية العسكرية للمتظاهرين، ولحِقَه جميع الضباط وأمناء الشرطة والجنود، وصفّق الجميع تصفيقًا عاليًا، وسجّل أحد الصحفيين تلك اللقطة العظيمة، فى فيديو تَداوَله المصريون طيلةَ النهار ولأيامٍ كثيرة بعدَها، فرِحين بالمصريين الذين تصالحوا مع رجال الشرطة بعدما فهِموا المؤامرةَ التى أوقعت بينهم وبين أبنائها رجال الشرطة المصرية، فأدّوا التحية العسكرية لرجال القِسم فرِحين فخورين بالشرطة التى حيّت المتظاهرين وانحازت لهم انحيازًا وطنيًا ضد الرئيس والجماعة ومكتب الإرشاد، وأدت لهم التحيةَ العسكرية، وجيش وشرطة وشعب إيد واحدة، إيد واحدة، إيد واحدة، وانهمرت دموع لبيب ولم يوارِها، هى دموع الفخر بالشعب الذى انتصر لوطنِه وخرج ينقذها وسينقذها، وجيش وشرطة وشعب، إيد واحدة، إيد واحدة، إيد واحدة.

صورتى الرابعة عشرة، مِن أسوان فى الساعات المبكرة الأولى للنهار، وقت أن طافت مسيرة العاملين بالسياحة كلَّ أرجاء المدينة، من أول كورنيش النيل لآخره، يصفق لها كل المارة وأصحاب المحلات والعجائز فى البيوت، وتزغرد النسوة ويتراقص الشباب والأطفال على نغمات الدفوف والهتافات، مسيرة ضخمة اخترقت أسوان كلها، مرت فى كل الشوارع الكبيرة، وكل الميادين يسير فيها كريم وزملاؤه وأصدقاؤه وقدامى المحاربين ومئات الألوف من الرجال والنساء، صغارًا وكبارًا، مِن العاملين فى قطاع السياحة أصحاب البازارات والحناطير، أصحاب المراكب العائمة والمراكب الشراعية أصحاب الفنادق وشركات السياحة، والعاملين بها، والمرشِدون السياحيون يدقون الدفوفَ ويصفقون ويهتفون على نغمات مواويلهم وأغانيهم ارحل ارحل. وفى كل خطوةٍ تتحركها المسيرة للأمام ينضم إليها مئات ومئات من المتظاهرين، فتزداد حجمًا ويرتفع صوتها أكثر وأكثر، ارحل ارحل. حتى دخلت ميدانَ الشهداء فى قلب أسوان، فصفق لها وهتف معها الأهالى الرابضون فى الميدان منذ فجر اليوم، صرختْ رقية، المسيرة وصلت، ازداد الحماس وارتفع صوت الهتاف، وعلا التصفيق على نغمات الدفوف، رقية ومعها نجمة، وبناتها، وسلمى زوجة سميح، سهراية وبناتها وأزواجهن وأولادهن، مصطفى ودعاء وبناتهما، العاملون فى وكالة المعلم زكى والجيران والأحباء، أحفاد نبقة، كلهم وسط الملايين المحتشدة فى ميدان الشهداء يهتفون، ارحل ارحل. وشاهدت أم تميمة وكأنها عادت شابةً تعتلى أكتاف المتظاهرين وتصرخ، ارحل ارحل. توزع عليهم العيونَ الحارسة وأعلام الوطن وتصرخ، ارحل ارحل. يَسقط يَسقط حُكم المرشِد، فيردّ المتظاهرون والمتظاهرات خلفَها بصوتٍ كهدير توربينات السد العالي(25) وأقوى، ارحل ارحل، يسقط يسقط حكم المرشد.

صورتى الخامسة عشرة، من أسوان أيضا، تُظهِر رَجلا قويًا شجاعًا، يقف وسط ألوف الشباب أمام مقر الغربان فى قلب مدينة أسوان، يهتف ويهتفون خلفَه، يسقط يسقط حكم المرشد، يسقط يسقط حكم المرشد، ويدقون الدفوفَ بنغمات المعارك ويصفقون بإصرار وقوة، ارحل ارحل، إنه سميح ابن رقية، الذى حمل اسمَ عمِّه الشهيد وشجاعته وبأسه، يقف وسط الألوف يقودهم، يصفق فيصفقون خلفَه، يهتف فيرددون هتافاتِه، يتوعد الغربانَ بانتقام المصريين فيدق الجميع أقدامهم على الأرض بصوت راعد، يعِدونهم بما يستحقونه من عقاب وانتقام من المصريين على ما أفسدوه فى حياتهم وما خططوا له من دمار الوطن وتدميره، ويفوح الياسمين بعبيره فى سماء أسوان ويتنشر شذاه فى قلب المدينة وأهلها.

صورتى السادسة عشرة، من السويس حيث تجلس أم نصرة على مقهى سعيد حربى، وعلَم مصر فى يدها، وحمزة يجلس على مقعد بجوارها، تهتف أم نصرة، تحيا مصر، تحيا مصر، فيهتف حمزة الصغير خلفها، مصر مصر، نَعم هذه السيدة العجوز ذات الوجه المتورد، والصوت المتحمس والعزيمة القوية هى أم نصرة، جدّة وداد زوجة زين، السيدة المصرية ابنة السويس ذات القلب الفولاذى والوطنية الجارفة، نعم هى التى تهتف بصوت عالٍ ارحل ارحل، كلما مرت أمام مقهى حربى الذى يجلس عليه منذ بداية النهار، مسيرة من أبناء السويس تهتف معهم ارحل ارحل، وتلوّح بالعلَم، وحمزة أيضًا يلوّح بالعلَم الصغير الذى اشترته له، وداد تقف أمام المقهى تصفق للمسيرات وتهتف يسقط يسقط حكم المرشد، على نفس المقهى كانت تجلس أم الملازم هشام السويسى تهتف وتصفق، أمّا السيدات الصغيرات اللاتى كن يترددن عليها فهُن شقيقاته وجميعهن منذ الصباح الباكر فى الشوارع يهتفن مع المتظاهرين يحررن وطنهن من الصهاينة الجدد كما تقول أم هشام السويسى.

صورتى السابعة عشرة، من السويس، هذا الأسد الذى يقف أمام مقهاه فى السويس، هو سيد حربى ابن المعلم حربى الكبير، يقف بنفسه أمام المقهى فى عز الحر يحيّى المتظاهرين ويوزع عليهم الماءَ المثلج ويصفق ويهتف معهم، ويعود داخل مقهاه ليرفع صوت التليفزيون الذى يصف ويحكى عن المسيرات والمظاهرات فى كل مكان فى مصر، يصرخ سيد حربى، الله أكبر، الله أكبر، يحتضن حمزةَ ويرفعه على كتفِه ويتراقص به على نغمات يا حبيبتى يا مصر، يصرخ فى أم نصرة، ده عبور جديد، ولا يوم سته اكتوبر يا ام نصره، باسم الله، الله اكبر، باسم الله، باسم الله، وينطلق الكف السويسى من سيد حربى وكل المارين فى الشارع، وعمّال المقهى يعيدون ويستعيدون أيام الانتصار والمقاومة وحرب الاستنزاف، وكسر الحصار الإسرائيلى، وتتعالى أغنيات المقاومة ونغمات السمسمية، ويا بيوت السويس يا بيوت مدينتى، أستشهد تحتك وتعيشى انتى، أمّا خالد وجمال، أولاد سعيد حربى وابن عمّهما عرابى، فهُم هؤلاء الشباب المتحمس الذى يصرخ فى الناس انزلوا انزلوا، ويصفق للمارين أمام المقهى وهُم أيضًا مَن يوزعون الماءَ البارد على المتظاهرين، ويرقصون على نغمات السمسمية التى يحملها العازفون المَهرة يتقدمون المظاهراتِ يسمعون الاتحادية صوت السويس وهتافها الهادر على نغمات المقاومة والانتصار وأغانى فِرقة الأرض، وهذه الأمطار التى تسقط زخاتها على رؤوس المتظاهرين هى امطار الياسمين التى تجمعت سحبها فوق المدينة منذ ساعات النهار الأولى وتسقط زهيراتها فرحة وقوة فى قلب السويس الصامده وأهلها الشجعان.

صورتى الثامنة عشرة، يَظهر فيها الأسيوطى بائع السميط، نعم هو ذلك الرجل القوى الطويل الذى يحمل سلّة السميط، ويسير أمام كل مسيرة تمر أمام مقهى حربى ويوصلها كما يقول بألف سلامة لميدان الأربعين، حيث يتجمع المتظاهرون فى أكبر تجمّع بالمدينة، إنه الأسيوطى الذى يقف وسط المظاهرات يهتف ويغنى ويبكى، ويشير لأهل السويس فى الشرفات والنوافذ انزلوا انزلوا، النسوة يزغردن فى الشرفات ويلوّحن بالأعلام، أمّا الست منيرة، فتسير على قدميها تلف شوارع السويس مع مسيرة نساء السويس وجاراتِها وزميلاتها فى جمعية الأُسَر المنتجة، تسير معهن ووسطهن تحمّسهن بالهتاف والغناء لمصر أغنيات المقاومة وليالى الانتصار. 

صورتى التاسعة عشرة، مِن السويس، حيث تسير حنان، حفيدة أم نصرة وزوجها وأولادها فى المسيرة التى تسير على الكورنيش متجهة صوب ميدان الأربعين، يهتفون مع بقية المتظاهرين، انزل يا سيسى، مرسى مش رئيسى، يحملون أعلامَ مصر وصورَ الفريق السيسى، مكتوب عليها انزل يا سيسى، يرفعونها فوق رؤوسهم، الجيش والشعب إيد واحدة، يصرخ أحدهم جيش وشرطة وشعب إيد واحدة، يصفق المتظاهرون، جيش وشرطة وشعب إيد واحدة.

صورتى العشرون، مِن السويس، أمام مقر هيئة قناة السويس فى بور توفيق، كان والد هشام السويسى وزملاؤه من العاملين بالهيئة يتكدسون أمام بوابة الهيئة يهتفون انزل يا سيسى مرسى مش رئيسى، النبطشيات تتبدل أمام البوابة حسْب مواعيد العمل مُراعين انتظام حملات السفن فى مجرى القناة، يرفعون أعلام مصر، ويعلّقونها عاليةً فوق بوابة الهيئة.

صورتى الحادية والعشرون، مِن الشرقية، حين خرجت المسيرات من كل القرى المحيطة بالزقازيق، لتطوف فى شوارعها الضيقة وحاراتها، وتأخذ أهل القرية وتتجه ناحية الزقازيق، ناحية ميدان المحطة الذى تجمّع فيه المتظاهرون من كل صوبٍ فى مظاهرةٍ كبيرة يزداد حجمها كل لحظة، مسيرة خلف الأخرى تدخل الميدان، كلما دخلت مسيرة صفق المتواجدون فى الميدان وازداد الحماس وارتفع صوت الهتافات، ارحل ارحل، احنا بُكره العصر حنكون قاعدين فى القصر، ارحل ارحل، فتوح الخولى يسير وسط المظاهرات يهتف، ومِن خلفِه أهل قريتِه يرفعون الأعلام، والنسوة يزغردن، والهتافات عالية مدوية، ارحل ارحل.

صورتى الثانية والعشرون، مِن الزقازيق أيضًا، حيث نرى هذا الرجُلَ السنديانة العجوز الذى يجلس على المقهى بشعرِه الأشيب وشاربِه المَهيب وملامحه التى رسمت الأيام أخاديدَها، هو ربيع الخولى، يجلس على المقهى يرفع العلَم بيده المرتعشة، ويهتف بصوته المذبوح، ارحل ارحل، ينظر فى تليفونِه كل بضع دقائق ينتظر اتصالا من الست عسليه لتطمنئه عليها وعلى مصر، سرعان ما لحق به رجال وكالة المعلم رضوان، العجائز والشيوخ، ورؤساء الأقسام فى الوكالة جلسوا بجوارهم، وسرعان ما علا صوت ضحكهم وفرحهم، وكأنهم عادوا شبابًا مثلما كانوا وقتما تعارفوا أيام المعلم رضوان، رحمة الله عليه، جلسوا بجواره ودارت صوانى الشاى والقهوة، وتعالت كركرة الجوزة والشيشه العجمى، يصفقون كلما مرت أمامهم مسيرة ويهتفون معها بصوتهم، ارحل ارحل، يسقط يسقط حكم المرشد، أمّا هذه السيدة ذات الجلباب الأسود والتى تحمل العلَم فى يدها وتلوّح به ودموعها لا تكف على وجهها، فهى الست نعيمة ابنة عمّة فاطمة، والتى فقدت ابنتَها فى مذبحة بحر البقر وقتما ضربَ الصهاينة المدرسةَ بالنابالم، والتى لم تخلع ثوب الحداد الأسود قط بعد وفاة ابنتها، ورغم أنها أنجبت بعد الحادثة ثلاثَ بناتٍ أخريات، إلا أن جرح قلبِها لم يندمل أبدًا، نعيمة تكره إسرائيل، وتَكره كل عدوٍ لمصر تراه سيقتل بناتِها مثل إسرائيل، لم تطمئن إلا لعبدالناصر تحسّه رغم الهزيمة لم يترك البلد للقهر، وحين بدأت الأيام الصعبة فى مصر، كانت تتصل بفاطمة تسألها عما يحدث، فتكلمها عسلية وتشرح لها ما يحدث فى الوطن، وأن الإرهابيين مثل الصهاينة، وكلهم أعداء لمصر، نعيمة سلمت قلبها لعسلية وسارت خلفها، وحين طلبت منها عسلية أن تجمع توقيعاتٍ على استمارات «تمرّد»، حملت الاستمارات وسارت فى الأسواق تدفع النسوة للتوقيع والبَصم بالإصبع على الاستمارات بعدما تُصوّر بطاقاتِهن الشخصية، وحين قالت لها عسلية سننزل الثورة علشان نحمى مصر، اشترت نعيمة الأعلام وجهزت لبناتها طُرَحًا حمراء وزركشتها بالخطوط الكروشيه السوداء والبيضاء، وفى فجر الثلاثين من يونيو خرجت من قريتها ومعها نساء القرية وبائعات سوق الثلاثاء، وزميلات بناتها، وتقدمت المسيرة التى وصلت للزقازيق قبل الظهر، نعيمة تهتف ارحل ارحل، وكلهن يرددن خلفَها بصوت عالٍ، نعيمة تهتف يسقط يسقط حكم المرشد، فترد النسوة عليها، ربيع الخولى شاهدها وهو يجلس على المقهى فدعاها وبناتها للجلوس معه رفضت وقالت مش وقت قعاد، منحها ماء بارد لها ولكل صاحباتها، وتابعها ببصره فخورًا، وشرح لابنِه، دى نعيمة بنت عمة خالتك فاطمه، من البيت الكبير، قلبها اتحرق لما حرقوا بنتها فى بحر البقر، ومن ساعتها وهى بتكره الصهاينة وكل اللى زيهم خايفة على البلد وعلى بناتها منهم. صوتها العالى وهى تهتف يدوّى فى شوارع الزقازيق، ارحل ارحل، فيصفق ربيع الخولى فرحًا ويذكّر نفسه ليحكى لعسلية وقت أن يكلمها أنه شاهدَ نعيمة فى الثورة تقود المظاهراتِ، وكانت زعيمة فِعلًا.

صورتى الثالثة والعشرون، تُظِهر شبابَ وكالة المعلم رضوان بالشرقية، وقت أن خرجوا من وكالتهم بعدما أمّنوها بالاتفاق مع مدرعات الجيش على رأس السوق وساروا مع شباب كثيرين من الزقازيق والقرى المجاورة، فى تظاهرةٍ تحركت من أمام النادى الرياضى بجوار المحافظة، ساروا يحملون الأعلام والطبول، يدقون عليها دقاتٍ عاليةً لتنبيه أهل المدينة بما يحدث من شبابها الغاضب من الجماعة وأيامها الغبراء، شبابها الحالمون لمصر بمستقبلٍ أجملَ، حاولت الجماعة ورئيسها تدميرَه، فانتفضوا ضدهم ينقذون المستقبل وحياتهم، ارحل ارحل، انزل يا سيسى، مرسى مش رئيسى، تسير خلفهم وبجوارهم كثير من الشابات والنسوة، بعضهن بملابسهن الإفرنجية، طالبات الجامعة والموظفات، وبعضهن بجلابيب القرى وملابسهن المزركشة الجميلة يهتفن بصوت مليء بالخصوبة والحيوية، ارحل ارحل، وتحلّق الطائرات فوق رؤوسهم ورؤوسهن فيصرخون فرحًا ويرفعون صوتهم أكثر وأكثر علّه يصل وزارة الدفاع، لقلب وزير الدفاع الذى يضع الشعبُ كله عليه وعلى الجيش المصرى منتهى أملِهم، ارحل ارحل، يسقط يسقط حكم المرشد، ويفوح الياسمين بعبيره فى سماء الشرقية وقلب أولادها وأرواحهم..

صورتى الرابعة والعشرون، التقطتُها مِن فوق عمارة عالية بدوران شُبرا، من حيث تحركت المسيرة الكبيرة لأهل شبرا صوبَ ميدان التحرير، مئات الألوف من المصريين، يرفعون أعلام مصر، وصورَ الفريق السيسى، يحملون الطبولَ الكبيرة فى الصفوف الأولى، تتحرك المسيرة، تزغرد النسوة فى الشرفات والنوافذ طيلة الطريق الذى تمر منه المسيرة، تتحرك المسيرة بقوةٍ وشجاعة، فترتجف الأرض تحت أقدامهم، ارحل ارحل، المسيرة كبيرة، تحركت الصفوف الأولى فيها مسافة طويلة، ومنتصف المسيرة وآخرها لم يتحرك خطوة، ولم يخرج من دوران شبرا بعد، وصلت بدايات المسيرة لكورنيش أغاخان لينضم لها المئات والمئات، يسأل عجوز، جايين منين؟ تصرخ سيدة تسير بجوار المسيرة الكبيرة، دول الشبراوية، يبتسم ويصرخ، أجدع ناس، ترد عليه الصفوف الأولى من المسيرة، كل مصر أجدع ناس، ويهتفون جميعًا ارحل ارحل، ويرفعون أعلام مصر، ويلوّحون بها فى السماء.

صورتى الخامسة والعشرون، هى صورة لسماء مصر المحروسة، حيث تحلّق الطائرات الحربية، يقودها نسور الجو، يشاركون المتظاهرين فرحتَهم، ويلقون عليهم الأعلام فوق ميادين التحرير، والاتحادية، ومصطفى محمود، وعند وزارة الدفاع، وميدان جهينة، وميدان الرماية، وميدان باب الشعرية، وميدان الحسين وغيرها من ميادين الثورة، وكل شوارعها فى القاهرة، وكل مدن المحافظات وعواصمها، المتظاهرون يصفقون للطائرات ويلوّحون لطياريها، ويشعرون بالثقة والطمأنينة لأن جيش مصر يحمى شعب مصر ويؤيد إرادتَها الوطنية.

عشرات اللقطات الواضحة التى تحكى ما الذى فعله المصريون يومَ ثورتِهم العظيمة، ثورة الحضارة المصرية، وقتما قرروا أن يطهروا أرضهم من الجماعة ورئيسها، وانتفضوا يحمون أرضهم ووطنَهم وأمنهم القومى ومستقبل أولادهم، عشرات اللقطات لمسيرات المصريين أهل مصر الأُصَلاء فى كل المدن والمحافظات، صورُ متلاحقة تصف مَشاهدَ ولقطاتٍ متشابهةً طبق الأصل فى كل ميدان، وشارع، ومدينة، ومحافَظة، وكأنها زهيرات يانعة كثيرة على فروع شجرة ياسمين واحدة، صورة لمسيرات الغردقة، وأخرى لمسيرات شرم الشيخ، حيث خرج العاملون بالفنادق، وأهل المدينة يصرخون ارحل ارحل، صورة للمسيرة التى تجمعت أمام البوابة الرابعة للقرية السياحية مارينا فى الساحل الشمالى من روّادها يهتفون انزل يا سيسى، صورة للمسيرات الحاشدة فى المنصورة التى امتلأت شوارعها وميادينها منذ فجر النهار، وصورة لمسيرات بورسعيد التى ملأت شوارعها صخبًا وهتافًا على نغمات السمسمية والتصفيق، والتى سارت فيها حفيدات الحاجّة روضة القناديلى، أخت المعلم زكى وعمة عسلية، يصرخن ارحل ارحل. صورة لمظاهرات الإسماعيلية التى خرجت تجوب المدينة، وعيناها على القناة، وذكريات حظر التجول تستفز كل أهلها، يصرخون ارحل ارحل. وحين يقتربون من رجال الجيش الذين يؤمّنون كل المنشآت ومَجرى القناة يصفقون ويهتفون: الجيش والشعب إيد واحدة، صورة لمظاهرات المنوفية ونسوتها البطلات اللاتى أمسكن الطبول، وأخذن يقُدن المسيراتِ على نغمات أغانيهن الشعبية وارحل ارحل، ارحل يعنى امشى ياللى ما بتفهمشى، النسوة الجميلات بجلابيبِهن الواسعة، وأعلام مصر التى تزين رؤوسهن، واللافتات الحمراء المكتوب عليها ارحل، والمعلّقه فى رقابهن، نسوة المنوفية قُدنَ المسيراتِ، وكل أهل المنوفية يسيرون خلفهن يهتفون انزل يا سيسى انزل يا سيسى، صورة لطائرات نسور الجو المصرى تحلق فوق كل المسيرات، تحييها وتقويها، فتنتشر الزغاريد كنسائم الفجر الصبوح منعِشة، مفرِحة، وتهب أعاصير التصفيق قويةً عنيدة، وترتفع الهتافات شامخةً للسماء ارحل ارحل.

هذه الصور، للمسيرات الصاخبة الحاشدة التى سارت فى شوارع الفيوم، وبنى سويف، وأسيوط، وسوهاج، وقنا، مسيرات أهلِنا الأُصَلاء، أهلنا الصعايدة، أهل الجنوب، صنّاع الحضارة وحرّاسها، الذين خرجوا من دورهم ونجوعهم يهتفون بصوتِ طيبة وعزيمة منف وبقوة مسلات الفراعنة وحضارة المعابد، ارحل ارحل.

هذه الصور، تسجّل وتوثق إرادةَ وقوة المصريين والمصريات، وشجاعتهم وقت أن خرجوا فى كل مدن مصر وميادينها وشوارعها، رافعين أعلام مصر على رؤوسهم يصرخون من أعماق قلوبهم، ارحل ارحل، تحيا مصر، تحيا مصر، يسقط يسقط حكم المرشد، فى مرسى مطروح، فى البحيرة، فى الغربية، فى كفر الشيخ، فى القليوبية، فى الجيزة، فى الفيوم، فى البحر الأحمر، على ساحل البحر الأبيض، فى حلايب وشلاتين، فى شمال وجنوب سيناء، فى كل مكان وكل شارع، وكل نجع وكل حارة، وكل عطفة وكل ميدان، خرج ملايين المصريين يهتفون يسقط يسقط حكم المرشد، يدعمهم ويؤيدهم، ويدعو لهم ويهتف معهم، ويشاركهم الإرادة الوطنية والحماس والإصرار ملايين المصريين ممن بقوا فى فى شرفات المنازل ونوافذ البيوت وعلى الأرصفة أمام محلاتهم، جميعهم صمّموا وقرروا وحسموا اختيارَهم لصالح مصر أرض الحضارة ضد الغربان البوم الضباع النجسة أعداء الحياة والإنسانية، وانتصروا جميعًا انتصارًا ساحقًا.

هذه الصور واللقطات وأكثر منها، التقطتُها بعينَى الثاقبتين وقلبى المحب وروحى المخلصه لمصر وأهلها، وجلست فى نهاية كل يوم من أيام ثورة الحضارة المصرية العظيمة، جلست فوق سحابتى العالية أسجل تفاصيلها فى برديتى العظيمة، بردية الانتصار التى عشت لحظاتِها لحظةً لحظة، شاهدت الطائراتِ الحربية ترسم فى السماء قلوبًا ملونة مليئة بالحب للشعب ولأبنائه، وسمعت رسائل الحب التى يرسلها المتظاهرةن لجيشهم وشرطتهم تحيةً وهتافًا وصفيرًا وزغاريدَ، وفى المساء انفجرت فى السماء الألعاب النارية مع الصفير العالى والهتافات الصاخبة مع صوت الضحكات وصوت الأمل، وصوت الإرادة الوطنية، وصوت النصر، وصوت شاديه يا حبيبتى يا مصر، أربعة أيامٍ والمصريون يرابطون فى ميادين الثورة وشوارعها يهتفون، ارحل ارحل، انزل يا سيسى، مرسى مش رئيسى. ينتظرون القولَ الفصل من قواتهم المسلحة وانحيازها لإرادتهم الوطنية والقيام بدورها فى حمايه أمنِهم القومى، حتى كان مساء الثالث من يوليو، ودوّى صوت وزير الدفاع فى قلب كل المصريين عاليًا؛ يحقق للمصريين مطالبَهم، منصاعًا لإرادتهم منحازًا لاختيارهم وثورتهم الشعبية العظيمة، معلِنًا انتصارَ مصر وشعبها على أعداء الحضارة وأعداء الحياة.. ويُعطّل العمل بالدستور.

فكانت هذه البردية العظيمة، التى تحكى عن الثورة العظيمة، ثورة الثلاثين من يونيو، وكان قول وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسى هو سطرها الأخير، يُعطّل العمل بالدستور.. والذى وقّعتُ بعدَه على آخر صفحاتِها، وختمتها بخاتمى الملَكى، وحملتها بكل الحب والفرحة لخزانه الكنوز والنفائس، خزانة برديات انتصار مصر التى كتبتُها بقلبى ودمى وقتما شاركت المصريين فرحتهم عبر سنوات الزمان وأيام التاريخ، هذه هى بردية الانتصار التى كتبت فيها لمحاتٍ وومضات لحظات من ثورة الثلاثين من يونيو، مثلما كتبتُ قبلَها بردية الانتصار يوم استرداد طابا، يومَ رفع العلَم المصرى على سيناء، مثلما كتبت بردية الانتصار يوم العبور فى السادس من أكتوبر وانتصار الجيش المصرى وتحرير الأرض، ومثلما كتبت بردية الانتصار يوم أمّمنا قناة السويس عام ستة وخمسين، ومثلما كتبت بردية الانتصار يوم بناء السد العالى، ومثلما كتبت بردية الانتصار يوم رحيل آخر جندى إنجليزى من أرض مصر عام أربعة وخمسين، مثلما كتبت مثلها يوم توحُّدِ القُطرين على يد الملك العظيم مينا، إنها برديات انتصار كيميت، برديات انتصار مصر، برديات انتصار مصر التى كتبها أهلُها، شعبها، نبض قلبها، دماء أبطالها، روح أشجع وأجمل أولادها، برديات انتصار مصر التى كتبها المصريون بدمائهم وإصرارهم، وقوتهم وعزيمتهم وشجاعتهم وإرادتهم الوطنية عن حاضرهم السعيد؛ لتضَم لخزانة الكنوز والنفائس، خزانة برديات انتصار مصر من أول التاريخ لآخر الزمان.