الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد زيارة «بلينكن» إلى «بكين» الولايات المتحدة والصين.. علاقات باردة ومنافسات محتدمة

تحديات وتحذيرات.. مواجهات كلامية وتوترات.. حالة من عدم الاستقرار سادت العلاقات الأمريكية - الصينية خلال الفترة الأخيرة. وفى ظل تفاقم المنافسة بين الجانبين، قام وزير الخارجية الأمريكى «إنتونى بلينكن» بزيارة «الصين»، ليلتقى خلالها عددًا من المسئولين، وعلى رأسهم الرئيس الصينى «شى جين بينج»، بهدف تهدئة التوترات بين البلدين.



ومع ذلك، يبدو أن الأمل الضعيف -الذى علق الخبراء الدوليون آمالهم عليه بتهدئة حدة المنافسة بين البلدين، لما أسفر عنه اللقاء من مبادرات حسنة إلى حد ما- لم يدم سوى 24 ساعة فقط بعد انتهاء زيارة «بلينكن»؛ وذلك بسبب جولة جديدة من التصريحات، التى أضحت أكثر حدة من أى وقت مضى بين الجانبين، على غرار ما قاله الرئيس الأمريكى «جو بايدن»، حول نظيره الصينى «شى جين بينج».

 

الزيارة الأهم فى السنوات الأخيرة

وصفت زيارة «بلينكن» إلى «الصين»، التى تعد أول زيارة لوزير خارجية أمريكى إلى «بكين» منذ عام 2018  بأنها (الأهم)؛ لما اشتملت عليه الزيارة من بحث عدد من القضايا المهمة، أشار إليها كل من الرئيس الصينى، ووزير الخارجية الأمريكى فى تصريحات صحفية.

فالرئيس الصينى «شى جين-بينج» أعرب عن أمله فى أن تشكل زيارة «بلينكن» إلى «بكين» مساهمة إيجابية فى استقرار علاقات البلدين؛ موضحًا أن العالم يحتاج إلى علاقات مستقرة بشكل عام بين «الصين»، و«الولايات المتحدة». 

وشدد الرئيس الصينى على ضرورة تصرف البلدين بحس من المسئولية تجاه الشعب والعالم، ومعالجة العلاقات الثنائية بشكل صحيح، وذلك نظرًا للمصالح المشتركة بين «بكين»، و«واشنطن» على اعتبار أن نجاح كل منهما يمثل فرصة وليس تهديدًا لبعضهما البعض؛ معتبرًا أنه بهذه الطريقة، قد يسهم البلدان فى السلام والتنمية العالميين، ويساعدان فى جعل العالم، المتغير والمضطرب أكثر استقرارًا.

كما أكد «جين بينج» على احترام «الصين» المصالح الأمريكية، وأنها لا تسعى إلى تحدى «الولايات المتحدة» أو إزاحتها؛ داعيًا «واشنطن» لاحترام «بكين» فى المقابل، وعدم الإضرار بالحقوق والمصالح المشروعة لها. 

وأشار –أيضًا- إلى أن الجانبين بحاجة إلى البقاء ملتزمين بالتفاهمات المشتركة التى توصل إليها مع نظيره الأمريكى «جو بايدن» فى مدينة «بالى» الإندونيسية خلال قمة العشرين العام الماضى، وترجمة التصريحات الإيجابية إلى أفعال، من أجل تحقيق الاستقرار فى العلاقات الصينية-الأمريكية.

من جانبه، أوضح وزير الخارجية الأمريكى فى ختام زيارته إلى «الصين» أنه أجرى محادثات مهمة مع الرئيس الصيني؛ مؤكدًا أنه خلال المباحثات التى استمرت يومين مع المسئولين الصينيين، أشار لوضوح موقف «الولايات المتحدة» من التحديات التى تمثلها «الصين»؛ مشددًا -فى الوقت ذاته- على ضرورة التواصل المستدام لإدارة الخلافات بمسئولية، وضمان أن المنافسة لن تتحول إلى صراع.

وبشأن العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، فأشاد وزير الخارجية الأمريكى بالمبادرة الصينية لإنهاء الأزمة بين البلدين المتناحرين؛ موضحًا أن «بكين» تلعب دورًا بناءً فى جهود إحلال السلام. 

وفى هذا السياق، أكد «بلينكن» أن «الصين» جددت تعهدها عدم تزويد «روسيا» بأسلحة فتاكة تستخدمها فى عمليتها العسكرية فى «أوكرانيا»، ليُهدئ بذلك ردود الفعل الغربية واسعة النطاق على ما يتداوله الإعلام من تقرير تفيد بدعم «الصين» إلى «روسيا» فى عمليتها العسكرية.

أما فيما يخص قضية التنافس المحورية بين «الولايات المتحدة»، و«الصين»، والتى تطرقت إليها المحادثات، ولكن لم تسفر عن نتيجة إيجابية، هى «تايوان»، التى أشار إليها وزير الخارجية الأمريكى بأنها ضمن قضايا عديدة يختلفون بشأنها بشكل عميق.

وأكد «بلينكن» -فى هذا الصدد- أن «الولايات المتحدة» واضحة بشأن مواقفها من التحديات التى تمثلها «الصين»؛ مشيرًا لإثارته خلال اجتماعاته فى «بكين» جميع المخاوف الأمريكية بشأن ما وصفه بالخطوات الاستفزازية، التى اتخذتها «الصين» فى مضيق «تايوان» منذ عام 2016.

من جانبه، شدد كبير الدبلوماسيين الصينيين «وانج يي»، عقب لقائه مع «بلينكن»، على أن بلاده لن تقدم أى تنازلات بشأن «تايوان»؛ قائلًا، إنه: «على هذا الصعيد، لا مجال للصين للتسوية، أو التنازل. يجب على «الولايات المتحدة» أن تحترم مبدأ (الصين واحدة)، واحترام سيادتها، وسلامة أراضيها»؛ وهو ما رد عليه «بلينكن» مؤكدًا أن بلاده مستمر فى تأييدها لمبدأ (الصين الواحدة)، إلا أنه أضاف بعض التفاصيل التى تغير هذا المفهوم، عبر قوله، إن: «هذا المبدأ يعنى أن «واشنطن» تعترف رسميًا بالحكومة الصينية فقط، لكنها -فى الوقت ذاته- لا تؤيد موقفها بأن «تايوان» جزء لا يتجزأ من أراضيها».

 هل دمر الرئيس الأمريكى ما حققه «بلينكن»؟

لم يمر 24 ساعة على مغادرة وزير الخارجية الأمريكى الأراضى الصينية، حتى انتقد «بايدن» نظيره الصينى بتصريحات عدائية، وصفه خلالها بالديكتاتور.

وقال «بايدن» إن: « «شى جين بينج» شعر بالحرج الشديد عندما أسقطت «واشنطن» المنطاد الصينى فوق «الولايات المتحدة» فى 4 فبراير الماضي»؛ مشبهًا إياه بالرجل القوى الذى عُزل فى الظلام.

من جانبها، اعتبرت وزارة الخارجية الصينية أن وصف الرئيس الأمريكى للرئيس الصينى ينتهك بشكل خطير الوقار السياسى للصين، ويرقى إلى استفزاز سياسى علنى.

وأعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية «ماو نينج» عن استياء «بكين» العميق، ومعارضتها الصارمة لهذا الوصف؛ معتبرة أن هذا الكلام من جانب «واشنطن» مناف للمنطق، وغير مسئول، ولا يعكس الواقع.

إن تجدد التصريحات الحادة بين الجانبين، جاءت -أيضًا- بعد ساعات قليلة من تصريحات «بلينكن»، التى قال فيها، إنه: «يجب على الدولتين أن تتجاوزا حادث المنطاد الصينى، وإغلاق هذا الملف».

جدير بالذكر، أن هذا الحادث كان سببا رئيسيا فى تأجيل زيارة وزير الخارجية الأمريكى إلى «الصين» فى فبراير الماضى، كما أنه كان أعلى نقطة فى الخلاف بين البلدين، وذلك بعد أن رصدت «الولايات المتحدة» منطادًا فى مجالها الجوى، اتهمت فيه «الصين» بالتجسس، حيث أمر «بايدن» بإسقاط المنطاد لدى عبوره إلى المحيط الأطلسى قبالة سواحل ولاية «ساوث كارولاينا». 

ونفى مسئولون صينيون –حينها- أن يكون المنطاد فى مهمة تجسس؛ مؤكدين أن المنطاد كان لغرض أبحاث الطقس، وأنه كان فى مهمة مدنية.  

فى النهاية، يبدو أن خفض مسئولى البلدين، والخبراء الدوليين، لسقف التوقعات بشأن زيارة «بلينكن» للصين، واستبعادهم حدوث أى انفراجة فى العلاقات، كان فى محله، ليس فقط بسبب تجدد التوترات، بل لعدم بدء الدولتين –أيضًا- فى فتح قنوات الاتصال العسكرية، التى أوقفتها السلطات الصينية العام الماضى، احتجاجًا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى السابقة «نانسى بيلوسى» إلى «تايوان»، الأخيرة التى صارت مركز منافسة شرسة وتهديدًا وشيكًا بين أكبر قوتين عظميين فى العالم!