الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ديمقراطية «العم سام» الرئيس الأمريكى «المحتمل».. خلف قضبان الاتهام

الديمقراطية المنشودة.. الحلم الأمريكى.. بلاد العجائب.. مصطلحات عدة صَدّرتها الولايات المتحدة على مدار تاريخها للعالم كله كرمز للحياة المثالية وبلاد الحقوق والحريات المتناهية.. لكن على مدار الأعوام الماضية وبالأصح منذ انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016 جاء الرئيسُ الأكثر جدلًا حول العالم «دونالد ترامب» ليضع مقايس جديدة لرئيس أقوى دولة فى العالم، هذا الملياردير الأمريكى الذى انقلب على حلفائه فى الغرب وصادق أعداءه فى الصين وروسيا وحتى كوريا الشمالية وعكف على قلب موازين السياسة الأمريكية كافة حتى خروجه من البيت الأبيض كان مصحوبًا بمشهد تاريخى باقتحام الكونجرس من قِبَل مؤيديه المعروفين بـ«الترامبيستا» قسّم المجتمع بين مؤيد لترامب أو عدو للهيمنة الأمريكية..



وحتى مع خروجه من باب المكتب البيضاوى لم يكتفِ بشن كل الحروب ضد خصومه والتشكيك فى نزاهة انتخابات «بلاد الديمقراطية» ليستقر به الحال بعد ذلك فى مواجهة نحو 71 قضية بين جنائية وفيدرالية للمرّة الأولى فى تاريخ رؤساء، ورُغْمَ كل ذلك يبقى ترامب صاحب النصيب الأوفر لتولى منصب رئيس الولايات المتحدة وفق دستور «بلاد العم سام» ولن يقف ترامب عند هذا الحد فما زال المستقبل يحمل العديد من المفاجآت.

اتهامات.. وخصوم

للمرّة الثانية يحفر الرئيس السابق دونالد ترامب اسمَه فى التاريخ الأمريكى، بعد توجيه اتهامات جنائية له فى سابقة لم تحدث من قبل، بدأت بتوجيه 34 اتهامًا لرئيس أمريكا سابقًا، بسبب فضيحة الممثلة الإباحية ستورمى دانييلز، لشراء الصمت ومحاولة قمع المعلومات التى قد تضر بترشيحه خلال انتخابات 2016، ثم جاء الاتهام الأقوى والأخطر والذى يحمل صبغة التجسُّس وتهديد الأمن القومى الأمريكى بعد توجيه وزارة العدل الأمريكية إشعارًا  بـ37 تهمة فيدرالية للرئيس الأمريكى السابق بعد احتفاظه بوثائق «سرية» فى منتجعه مارالاجو بفلوريدا، الأمر الذى يضع المرشح الأوفر حظًا فى مواجهة خصوم على حد قوله، يستغلون السُّلطة لخدمة أغراضهم الشخصية، وهو بهذا يشير إلى الرئيس چو بادين الذى يتمتع بسُلطات على وزارة العدل الأمريكية، الأمر الذى يؤكد أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون الأكثر غرابة فى تاريخ «بلاد العجائب»، والأغرب من ذلك أن ترامب ما زال يتصدر مشهد استطلاعات الرأى حول ترشحه بأنه الأوفر حظًا لنَيْل منصب الرئيس الأمريكى فى انتخابات 2024، لكن هل يمكن لترامب أن يحكم الولايات المتحدة وهو خلف القضبان؛ خصوصًا أن الاتهامات الموجهة له سواء فى القضايا الفيدرالية أو الجنائية أو التهرب الضريبى، وغيرها قد تصل فيها مدة العقوبة فوق 200 عام؟ وفق تصريحات ترامب نفسه.

الثمَن السياسى

على الرّغم من أن ترامب يواجه اتهامات عدة تضر بكل الصور لأى مرشح رئاسى؛ فإنه يسعى إلى زيادة مكسبة بين مؤيديه بارتداء زى الضحية الدائم، ورُغم أن لائحة الاتهامات الموجهة له وفق الوثائق السرية التى تم العثور عليها فى منزله والتى تتضمن 31 وثيقة سرية تجمع فيها معلومات استخبارية عن دول أجنبية وقدرات عسكرية أمريكية وبرامج النووى الإيرانى وغيرها، كذلك تهم بتوجيه موظفيه لإخفاء الوثائق عن المحققين والإدلاء بتصريحات كاذبة عن وجودها مما يضعه تحت طائلة اختراق قانون التجسُّس والتآمر لعرقلة العدالة والإدلاء بتصريحات كاذبة، ولكن مع ترامب الأمر يختلف؛ حيث حاول الأخير بكل السُّبُل أن يحوّل هزائمه لمكسب؛ حيث سعى لتصدير صورة المقاتل أمام اضطهاد بايدن وحزبه وأنه مستهدف ويقاتل ببسالة النخبة السياسية الفاسدة. 

وفى مارس الماضى، نجحت حملة ترامب فى جمع أكثر من 4 ملايين دولار فى أول 24 ساعة بعد توجيه الاتهامات له من مدعى ولاية نيويورك فى قضايا الممثلة الإباحية، وفور خروج أنباء توجيه تهم فيدرالية له بسبب قضية الوثائق، تلقى الملايين من متابعى الحملة الانتخابية لترامب رسائل بريدية إلكترونية تحثهم على التبرع للمرشح ترامب لمواجهة «المؤامرات التى تحيكها ضده وزارة العدل وإدارة الرئيس چو بايدن».

كما أشار استطلاع رأى- أجرته صحيفة (USA Today) أبريل الماضى بالتعاون مع جامعة سوفولك- بين الناخبين الجمهوريين، إلى أن نحو 65 % منهم يرون أن الوضع القانونى للرئيس السابق لم يُحدث فرقًا، فى حين قال 27 % منهم إن ذلك سيجعلهم أكثر احتمالاً لدعمه.

وكشف الاستطلاع، الذى شارك فيه 1520 ناخبًا أمريكيًا من بين الناخبين الجمهوريين المحتملين والمستقلين (10 ناخبين)، عن تفوُّق كاسح لترامب بحصوله على 53 % من الأصوات متفوقًا بفارق كبير على أقرب منافسيه رون ديسانتيس حاكم فلوريدا، الذى حصل على 25 % من إجمالى الأصوات.

حرب الدولة العميقة

وقد نجحت حملة ترامب الانتخابية فى شن هجوم شرس على قائمة الاتهامات الموجهة له، وقالت الحملة، خلال منشورات على مواقع التواصل الاجتماعى: «إساءة استخدام غير مسبوقة للسُّلطة من وزارة العدل، ومحاولة للتدخل بالانتخابات، وإن إدارة بايدن تقوم بمحاكمة شاملة لزعيم المعارضة من خلال تلك الخطوة».

وأكدت أن ما وصفتها بالحرب القانونية المفتوحة تمثل سابقة خطيرة، ونقلت الأمور إلى مستوى جديد، وأن «هجمات الدولة العميقة أضحت أكثر شراسة مع تنامى هيمنة ترامب».

وقالت إن ترامب «سيتصدى لهذا الانتهاك غير الدستورى للسُّلطة حتى تتم تبرئته» وإنه كثيرًا ما كان «أكبر تهديد وهدف سياسى لبايدن وللحزب الديمقراطى الفاسد».

أمّا فى الحزب الجمهورى؛ فقال رئيس مجلس النواب كيفن مكارثى إن «الولايات المتحدة تعيش يومًا مظلمًا، ومن غير المعقول أن يوجه رئيس اتهامات للمرشح الرئيسى الذى يعارضه».. مشيرًا إلى أن بايدن احتفظ بوثائق سرية لعقود.

وأكد «مكارثى» خلال منشور على صفحته بموقع «تويتر»، أن كل الأمريكيين يؤمنون بسيادة القانون، وأنه يقف مع الرئيس ترامب ضد هذا الظلم الجسيم- حسب قوله.

من جهة أخرى، قال رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب، الجمهورى چيم جوردان إن هذا «يوم حزين لأمريكا».

وأشار رئيس لجنة الرقابة بمجلس النواب، الجمهورى چيمس كومر إلى أن بايدن أساء التعامل مع وثائق سرية أكثر من ترامب.

أمّا النائب الديمقراطى آدم شيف فاعتبر فوز ترامب بالرئاسة قد يكون أمله الوحيد فى «تجنب السجن»، لكن يجب أن يحاسَب.. مشيرًا إلى أن الرئيس السابق يواجه اتهامات فيدرالية وسيحاول استخدام الاتهامات ضده لتحقيق مكاسب سياسية- حسب قوله.

وقال «شيف» إن ترامب تصرّف خلال 4 سنوات فوق القانون، ويجب أن يعامَل كشخص انتهك القانون.

بدورها قالت النائبة الديمقراطية رشيدة طليب- فى تغريدة- إن ترامب حوكم برلمانيًا (مرتين) والآن توجه له التهم للمرة الثانية.

وثائق بايدن.. بنس.. وترامب

قضية الوثائق السرية لم تكن الوحيدة التى يتهم بها ترامب، فهناك نائبه السابق وخصمه فى انتخابات الحزب مايك بنس الذى عثر ايضًا أنه يحتفظ بوثائق سرية تعود إلى فترة توليه منصبه الحكومى، كذلك الرئيس بايدن واحتفاظه هو الآخر بوثائق تعود إلى فترة توليه منصب نائب الرئيس إبان فترة حكم باراك أوباما، لكن أى منهم وجهت له تهم فيدرالية تتعلق بالتجسُّس أو تهديد الأمن القومى، ووفق تصريحات لديل كاربنتر الأستاذ فى القانون الدستورى بكلية الحقوق بجامعة «سانت مارى»، فى دالاس بولاية تكساس أوضح خلالها أن تهم ترامى تختلف عن بنس وبايدن فى أمرين.. موضحًا، خلال مقابلة أجرتها معه شبكة «سى. بى. إس. نيوز» الإخبارية الأمريكية، أن بنس وبايدن ربما احتفظا ببعض الوثائق المتعلقة بالسرية؛ إلا أنهما لم يفعلا ذلك عن عمد، أمّا الاختلاف الثانى فقد يكون الأهم- وفق كاربنتر- وهو أنه حين طُلب من بايدن وبنس إعادة المستندات والكشف عن وجودها؛ فعلوا ذلك على الفور.

لكن ترامب على النقيض، عندما بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالى (إف. بى. آي) فى مارس 2022، تحقيقًا فى الاحتفاظ غير القانونى بوثائق سرية فى مقر إقامة الرئيس السابق بمنتجع مار-أ-لاجو، واستدعته هيئة محلفين كبرى- طالبته بتسليم الوثائق- حاول عرقلة التحقيق والتمسك بالوثائق.

وقال «كاربنتر»: «هناك بالفعل جريمتان أساسيتان هنا، إحداهما أنه أخذ وثائق مهمة للأمن القومى لا تخصه.. والثانية عندما طُلب منه إعادتها؛ حاول الكذب للتستر على حقيقة أنه احتفظ بالوثائق».

وتجدر الإشارة إلى أن وزارة العدل أغلقت التحقيق فى تعامل نائب الرئيس السابق بنس مع وثائق سرية، ولم توجه أى اتهامات له. فيما لا يزال تحقيق وزارة العدل فى تعامل الرئيس بايدن مع الوثائق السرية مستمرًا.

فرص الفوز

وعلى الرّغم من قائمة الاتهامات الموجهة لترامب سواء جنائية أو فيدرالية، فضلًا عن تحقيقات أخرى حول الهجوم على مبنى الكابيتول فى 2021، وأيضًا انتخابات 2020 فى ولاية چورچيا، بالإضافة لتهمة الاحتيال المالى والضريبى فى قضاياه المالية فى نيويورك؛ فإنه وفق الدستور الأمريكى، لا يمنع كل هذا ترشح ترامب للرئاسة أو حتى الفوز بالمنصب الأقوى عالميًا، فوفق الدستور يجب أن يتوافر فى المرشح لرئاسة البيت الأبيض ثلاثة شروط، أن يتجاوز عمره 35 عامًا، أن يكون حاصلاً على الجنسية الأمريكية، أن يكون أقضى فى الولايات المتحدة أكثر من 15 عامًا.

ووفق خبراء فإن هذه القضايا ربما تكون ساهمت فى زيادة أسهم ترامب لدى الناخبين، فقد أوضح ديفيد رمضان، العضو الجمهورى السابق فى برلمان ولاية فيرچينيا، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة چورچ مايسون الأمريكية، إن التهم قد تكون عززت موقف ترامب داخل الحزب الجمهورى، وعززت فرص فوزه بترشيح الحزب للمنافسة فى الانتخابات الرئاسية.. وأضاف رمضان، فى حديث صحفى: إن التهم تقوّى موقف «المؤمنين بنظريات المؤامرة» وتجعل «الكثير من أعضاء الحزب الجمهورى يعتبرون أن ترامب يتعرض لمطاردة ساحرات، ولهذا فإن التضامن معه يزداد داخل الحزب». ويعنى مصطلح «مطاردة الساحرات» ملاحقة أشخاص أبرياء بتهم زائفة، يتعرضون إلى الأذى الخطير بسببها.

ويتفق المحلل ذو التوجهات المحافظة، والكاتب فى شبكة US News والجمهورى السابق بيتر روف، مع الرأى بأن التهم الحالية تقوّى موقف ترامب داخل الحزب.

ويوضح روف، فى حديثه، أن «ترامب ينظر إليه على نطاق واسع بأنه عدو المؤسّسة السياسية، والتهم هذه تثبت لجمهوره بأنه يتعرض للعقوبة لأنه دافع عن مصالح الأمريكى العادى»، كما يعتقد هذا الجمهور.

ويضيف روف إن «الناخب الأمريكى أمام نوعين من الفوضى عليه أن يختار أحدهما فى الانتخابات؛ الأولى الفوضى السياسية والاجتماعية التى يخلقها ترامب، والثانية الفوضى الاقتصادية التى يخلقها بايدن».

ومع أنه أكد أن فرص ترامب ليست ممتازة للفوز فى هذه الانتخابات، قال إن «سوء أداء بايدن» يجعل من كل شىء ممكنًا.

من جهة أخرى قالت صحيفة بولتيكو الأمريكية، إن فرصة ترامب للنجاة من التهم الفيدرالية هى فوزه فى الانتخابات وإصدار عفو رئاسى منه وله، بصفته رئيس البلاد، أو فى حال أن يفوز رئيس جمهورى فيُصدر هو عفوًا رئاسيًا لترامب، وهو الأمر الذى يجعل ترامب «يقاتل» لنَيْل المنصب الرئاسى للعفو من تهمة التجسُّس.