الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

يرى أن 30 يونيو «معجزة إلهية».. وتوثيق أحداثها «فريضة وطنية»: د.محمد الباز: ما ينتظره الناس من الإعلام أكبر من قدراته الفعلية

بالنسبة لـ د.محمد الباز تتلخص السنة التى حكمت فيها الجماعة الإرهابية مصر بين عنوانين؛ الأول قبل أن يحلف مرسى اليمين: «الفاشى فى قصر الرئاسة» وهو مانشيت أثار الجدل وقتها. والثانى بعد قيام ثورة يونيو حيث كتب مقالًا بعنوان: «مصر نضفت». ويصف تلك السنة الكبيسة قائلًا: «كنا فى حالة جهاد مقدَّس ضد الإخوان».



 

وبعد 10 سنوات على ثورة 30 يونيو فإن الجهاد لا يزال مستمرًا بقطع الطريق على روايات الإفك الإخوانية وتوثيق حقيقة ما جرى من شهود عيان؛ شاهدين على الحدث ومشاركين به ومتفاعلين معه. رحلة خاضها الباز فى كتب هدفها «التوثيق المنهجي» للثورة، وأخيرًا عبر برنامج «الشاهد» على شاشة «إكسترا نيوز». 

فى الحوار الذى أجرته معه «مجلة روزاليوسف» نستكشف تفصيلا رؤيته وروايته للأحداث كمحاور للشهود ومشارك فيها. 

وفى البداية سألناه: كيف يرى ضرورة توثيق الشهادات عن ثورة 30 يونيو؟

- يقول: التوثيق فى الحياة المصرية بشكل عام أمر ضرورى وليس فيما يخص ثورة 30 يونيو فقط. وكباحث فى رحلتى الماجستير والدكتوراه المعنيين بتاريخ الصحافة؛ واجهت عددًا من المشكلات فى الحصول على وثائق، ودائمًا ما تكون هذه مشكلة الباحثين والكتَّاب والمؤلفين.

ربما يرجع سبب هذه المشكلة إلى أن معظم السياسيين يرفضون نشر مذكراتهم بدعوى أن هذه الأحداث ليست ملكهم الشخصى ولكن ملك للبلد. وتتبنى تلك «المدرسة المصرية» قناعة عدم ملكيتها للأحداث حتى التى شاركوا فيها. والحقيقة أن ذلك يتسبب فى ضياع جزء كبير جدًا من تاريخ البلد.

لذلك أعتبر أن توثيق ما جرى فى 30 يونيو «فريضة وطنية»؛ خصوصًا أن لديك خصمًا (الجماعة الإرهابية) يملك دائمًا رواية مغايرة للأحداث يروج لها، وبالتالى كيف نترك المجال لأن يكون مصدر معلومة الأجيال القادمة عن الثورة مستمدًا من تلك الرواية المغلوطة التى يروجها من قامت الثورة ضدهم أصلا؟!

كان هذا دافعى الأساسى لتوثيق الحدث ممن شاركوا فيه على الأرض عبر برنامج «الشاهد». مثقفون وفنانون وكتَّاب شاركوا فى ثورة يونيو يروون تفاصيل ما جرى انطلاقًا من كونهم مواطنين مصريين فى الأساس، ولم يكونوا فى محل مسئولية وقتها. وبالتالى تكمن أهمية الشهادات فى أنها «ذاكرة للأجيال القادمة».

بالحديث عن فريضة التوثيق لثورة يونيو.. الإعلام دائمًا ما يكون محل اتهام باعتباره مقصرًا فى توثيق حدث بهذا الحجم فى التاريخ المصرى.. كيف ترد على ذلك؟

- الإعلام متهم دائمًا وسيظل.. وسبب ذلك بشكل بسيط أن طموح الناس وتوقعاتهم وما ينتظرونه من الإعلام أكبر من قدراته الفعلية، وبالتالى عند قياس الطموحات بالواقع يوجه الاتهام للإعلام بالتقصير؛ وبالمناسبة هذا أمر لا يشغلنى كثيرا «لأنك مهما عملت ستكون متهمًا بالتقصير من أحدهم». وفى الوقت نفسه هذا لا يمنع أن هناك مشكلة فعلًا.

لكن علينا الأخذ فى الاعتبار أن الإعلام المصرى كانت أمامه مهمة أخرى غير التوثيق فى السنوات الماضية وهى الدفاع عن الثورة نفسها؛ كانت هناك معركة حقيقية مع الإعلام المعادى الذى يستهدف ما يحدث على الأرض من مشروعات وقرارات. وهذا لا يمنع أنه كان هناك نوع من أنواع التذكير الدائم بثورة يونيو، أما فكرة برنامج الشاهد فقائمة على التوثيق المنهجى، ورسم صورة لثورة يونيو من كل الزوايا عبر شهادات كل من شاركوا بها، كلٌ فى مكانه.

وفى الوقت نفسه هناك تقصير كبير طبعًا -مثلا- كتَّاب شاركوا فى الحدث ولم يكتبوا مذكراتهم. ولكن يظل الوعى بأهمية وضرورة توثيق هذا الحدث كافيًا بالنسبة لى وبرنامج الشاهد خطوة يمكن البناء عليها.

فيما يخص عزوف بعض من شاركوا فى الثورة عن توثيق شهادتهم.. هل واجهت رفضًا من أحد للمشاركة فى البرنامج وحكاية تجربته؟

- لم يرفض أحد على الإطلاق المشاركة فى توثيق شهادته بالبرنامج، بالعكس كانت هناك حالة حماس من الجميع، فقط كانت بعض الاعتذارات لأسباب صحية.

ولكن خلال حديثك ذكرت أن هناك بعض السياسيين والكتَّاب عزفوا عن توثيق شهادتهم.

- لم نكن نستهدف السياسيين، وكان هدفنا بشكل واضح مَن هم خارج دائرة المسئولية ممن شاركوا فى الحدث ولديهم رؤية. لأن المسئول يكون مقيدًا بحكم منصبه؛ خصوصًا أنه لا يزال لدينا عدد من الشروط التى تخص تحدث للمسئول بعد عدد معين من السنين.  لكن نحن مع بداية التجهيز للبرنامج وضعنا قائمة تتضمن 120 اسما لاختيار 30 منهم، وبالتالى تعتبر حلقات الشاهد المعروضة موسمًا أول للبرنامج يمكن استكماله فى أجزاء أخرى.

وما الشهادات التى فاجأتك بشكل شخصى خلال تسجيل البرنامج؟

- الحقيقة توقفت عند شهادة يونس مخيون، رئيس مجلس شيوخ حزب النور، خصوصا أنه تحدث بصراحة مطلقة، كان المفاجئ بالنسبة لى موقفهم من الإخوان فيما يخص الجزء العقائدى على وجه التحديد. حيث يرى أن الإخوان جماعة عقيدتها فاسدة. كما كشف عن حجم الصراعات الكبرى بين التيارات الإسلامية، بالإضافة لشجاعة مختار نوح فى شهادته.. كما أننى معجب بشهادة محمد سلماوى.

 والحقيقة كل الشهادات مفاجأة بالنسبة للناس لأنها تحكى الكثير من تفاصيل وكواليس ما جرى فى ثورة يونيو. 

على ذكر مختار نوح.. ما تفسيرك لوجود حالة من التشكيك فى شهادات المنشقين عن الجماعة الإرهابية؟

- ربما يرجع ذلك لأن البعض يرى أن الخروج من الجماعة أمر صعب، خصوصًا أنها جماعة عقائدية وبالتالى يشككون فى مصداقية المنشقين، وهذا أمر غير دقيق. فهناك الكثير من المنشقين عن الإخوان وكتبوا شهادات حقيقية  «الناس بتغير دينها مش هتغير جماعتها؟». ولكنّ جزءًا من هذا التشكيك سببه الإخوان أنفسهم حيث يعملون على تكذيب الوقائع المذكورة فى شهادات المنشقين لتشويه صورتهم. 

 أنت واحد من المشاركين فى ثورة يونيو.. برأيك: هل تتمكن الجماعة الإرهابية من تشويه ثورة يونيو فى المستقبل كما فعلوا مع تجربة الرئيس عبدالناصر؟

- هذا أمر صعب لأننا أصبحنا أكثر وعيًا الآن بما فعلوه مع تجربة عبدالناصر. أما قبل ذلك فكانت كتب الإخوان هى أحد مصادر معلوماتنا عن عصر عبدالناصر دون وعى كاف بأنهم يشوهون التاريخ. لكنهم للأسف تمكنوا خلال فترة السبعينيات من إصدار عدد كبير من الكتب والمذكرات التى تدعم روايتهم؛ لكن كلها كتب ومذكرات إفك. 

ولكن لا تزال الشهادات والوثائق التى تكشف أكاذيب الإخوان فى تلك الفترة غير منتشرة بالشكل الكافى.. على سبيل المثال شهادة «أحمد السكرى» المنشق عن الجماعة بعد أن كان أكبر الداعمين لها.

- ربما لأنها كانت مذكرات غامضة. أنا نشرت فى موسوعة «المضللون» فصولا عن أحمد السكرى ومقالاته التى نشرها عام 1948، وبالمناسبة هو خال مختار نوح وقال لى إن مذكراته عن تلك المذكرات التى نشرتها. 

وأعمل على مشروع مكتمل يقطع الطريق على محاولات الإخوان لتشويه ما حدث فى 30 يونيو وبرنامج الشاهد جزء من هذا المشروع بجانب موسوعتى «المضللون» و«القتلة».. وأعمل حاليًا على مشروع لكشف حقيقة ما فعله الإخوان من يناير 2011 وحتى ثورة يونيو ينشر فى كتاب بعنوان «الإخوان 25 - 30».

أما عن احتمالية رجوع الإخوان بشكل تنظيمى أعتقد أنه أمر صعب أيضًا أن يسمح الشعب بذلك مرة أخرى. هذا أمر يتوقف على وعى الناس، ودورنا تشكيل هذا الوعى الجمعى تجاه الجماعة الإرهابية. وعلينا الالتفات إلى وجود عناصر إخوانية فى المجتمع، لكنها حالة كمون وهذه استراتيجية معروفة ويستعملونها دائما. 

وكيف تتابع -كأستاذ للإعلام- برامج وقنوات الإخوان التى تبث من الخارج؟

- أتابع إعلام الإخوان من وقت مبكر وأعمل على كشف الزيف فيها من خلال برنامجى. 

والإعلام الإخوانى قائم بشكل أساسى على فكرة التضليل وتشويه الحقائق ويعتمد على «جرام حقيقة وطن أكاذيب»، كما أنهم بارعون فى تصدير فكرة المظلومية وهذا هو الخطر على الذهنية العامة فى مصر.

ربما وجود أزمة اقتصادية يساهم فى أن خطابهم قد يلقى قبولًا عند البعض، وهذا خطر دائمًا ما نحذر منه، فمن غير المنطقى أن تكون الأزمة مبررًا للاستماع إلى الخصم. فمهما كان الوضع لن تكون الجماعة الإرهابية إلا خصمًا.

وأنت شاهد على ثورة يونيو.. كيف رصدت سقوط الإخوان بعد عام واحد فى السلطة؟ 

- كان هذا أمرًا طبيعيًا ودائما ما كنت أقول: «إذا أردت إسقاط الإخوان فى أى دولة مكنهم من الحكم»؛ فهذه جماعة ظلت أكثر من 80 سنة -قبل الوصول للحكم- لم يتم اختبارهم بشكل حقيقى فى موقع المسئولية، وبالتالى فهم أضعف من تحمل المسئولية. بالإضافة إلى أنهم يضعون مصلحة الجماعة قبل الدولة. وبالتالى فحكمهم يعد احتلالا من الأصل. وطوال عمرى أتعامل مع الإخوان باعتبارهم «عصابة».

ومن الأشياء الغريبة أن معظم من قالوا شهادتهم فى البرنامج قالوا «كنا عارفين إن الإخوان مش هيستمروا أكتر من سنة» وكان هناك إجماع على ذلك، أغلبهم اعتمدوا فى ذلك التصور على إحساسهم فقط.

يمكن الوحيد الذى كان لديه طرح منطقى فى هذا الأمر هو الدكتور مصطفى الفقى، قال لى وقتها «الإخوان هيمشوا بسرعة».. وعندما سألته عن السبب رد على بتعبير شعبى دال: «لأنهم بلعوا البلد ما هضموهاش.. فهتقف فى معدتهم».

والحقيقة أن ذلك العام كشف عن كم الإخوان الكامنين فى المجتمع، كما أن عددًا من الكتَّاب والمثقفين انحازوا لهم بشكل برجماتى؛ ربما كان عذرهم أنهم لا يعرفون التاريخ الحقيقى للجماعة «مش فاهمين».. لكن كان الغريب هو تبدل مواقف البعض من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين لمجرد تمكن الجماعة من الحكم.

فى ظل هذا التصور.. ماذا لو لم تقم ثورة 30 يونيو؟

- لو لم تقم ثورة يونيو كانت مصر ضاعت بشكل كامل. لو كان الإخوان تمكنوا من مفاصل الدولة لرجعت مصر إلى الخلف 500 سنة. لذلك فإن أغلب الشهود على الثورة يعتبرونها معجزة إلهية وهى فعلا كذلك.. 30 يونيو هى ثورة الخلاص.