الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بين مأزق الاقتصاد.. وتغيير مسار تركيا إردوغان يواجه أصعب اختبار بعد عقدين من الحكم

بعد شهور من التوتر فى الداخل التركى، ووصف الانتخابات الرئاسية بأنها الأصعب والأشد فى تاريخ البلاد استطاع الرئيس رجب طيب أردوغان أن يفوز بولاية ثالثة من الرئاسة فى وقت تواجه فيه أنقرة عدة أزمات طاحنة، انهيار الليرة، أزمات الاقتصاد، قوة المعارضة الليبرالية، أزمة اللاجئين..  وغيرها، إلا أنه يبقى ملفا العلاقات الخارجية والأزمة الاقتصادية هما الأهم والأصعب على الرئيس التركى على الأقل خلال المرحلة الأولى من ترتيب أوراق رئاسته.



ورغم تفاقم الانقسامات فى الداخل التركى فإن هذه الأزمة ليست الأهم خلال الفترة المقبلة للرئيس الجديد، فيبقى الاقتصاد والعلاقات الخارجية هما رمانة الميزان لحكم واحدة من أقوى الدول فى الإقليم..  فبالنسبة للاقتصاد فإن أنقرة تحاول النهوض مرة أخرى وسط تحديات قوية بعد انهيار الليرة ووصول التضخم فى شهور ماضية إلى أكثر من %80 فضلًا عن فقد الاحتياطى النقدى للبلاد بصورة خطيرة.. أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فعلى الرغم من أن إردوغان قد حاول على مدار العامين الماضيين اتباع تغييرات قوية لمساراته السياسية، فإن فوزه بفترة رئاسية لمدة خمسة أعوام أخرى تحمل معها الكثير من التساؤلات والتحليلات حول ملامح التغيرات التى قد تطرأ على علاقاته الخارجية، وكيف سترسم خريطة تحالفات تركيا القادمة، خصوصا الشرق الأوسط؟

أزمات متتالية

يعانى الاقتصاد التركى من مشكلات ضخمة، يأتى فى مقدمتها الانخفاض المستمر فى قيمة الليرة التركية، والتضخم المرتفع، وتراجع الإنتاجية، هذا بالإضافة الى تراجع الاحتياطى فى البنك المركزى التركى الى 98.5 مليار دولار فى مايو الماضى، ما يشير إلى مزيد من الانخفاض فى ظل الزيادة الحادة التى تواجهها السلطات فى الطلب على النقد الأجنبى.

ويقترب سعر الليرة التركية مقابل الدولار من مستويات تاريخية متدنية عند 20.07 ليرة لكل دولار، أما التضخم فوصل إلى 44 %خلال أبريل الماضى، بعد تسجيله مستويات قياسية فى أكتوبر 2022 عند %85.5، بحسب المعهد التركى للإحصاء.

وأبقى المركزى التركى فى قراره الصادر نهاية الشهر الماضى معدلات الفائدة دون تغيير للشهر الثالث على التوالى، وذلك بعد أن خفضها بمقدار نصف نقطة مئوية فى شهر فبراير الماضى، إذ قرر المركزى التركى تثبيت سعر الفائدة على سعر الليرة التركية عند 8.5 %.

ووفق تقرير البنك الدولى الصادر، أبريل الماضى، توقع أن يحقق الاقتصاد التركى نموًا بنسبة 3.2 % فى 2023، عوضا عن توقعات سابقة أفادت بنموه بنسبة

 2.7 %، كما رفع البنك الدولى توقعاته لنمو الاقتصاد التركى للعام 2024 بنسبة 4.3 %بدلا من %4 فى السابق، وتوقع نسبة 4.1 % فى العام 2025.

وتوقع التقرير الدولى أن تكون خسائر الزلزال الذى ضرب البلاد فبراير الماضى نحو 34.2 مليار دولار.

سياسات «غير مستدامة»

ورصد تقرير لصحيفة «فاينانشال تايمز» صدر بعد نهاية الجولة الأولى من الانتخابات التركية، عُرض خلاله عدد من التقديرات التى أعلنت عنها وكالات التصنيف والمؤسسات المالية الكبرى بشأن مستقبل الاقتصاد التركى فى ضوء ما أظهرته نتائج الجولة الأولى.

وكان تقدير وكالة «موديز» الائتمانية، أن السياسات المالية لإردوغان تعتبر «غير تقليدية» وأيضًا «غير مستدامة» وهذا الأمر سيؤدى إلى تزايد مخاطر التضخم والضغوط الكبيرة على الليرة التركية.

أما وكالة «فيتش» فنقلت «فاينانشال تايمز» عن أحد كبار المديرين فى الوكالة، إريك أريسبى، قوله إن العجز الكبير فى الحساب الجارى فى تركيا، والذى وصل إلى مستوى قياسى بلغ 24 مليار دولار فى الربع الأول من هذا العام، كان أيضًا «مشكلة كبيرة». ومن المتوقع أن تستمر المشكلة إلى فترة ليست قليلة مع استمرار الرئيس التركى فى اتباع نفسى سياساته النقدية.

وجاء تقرير بنك  HSBC، مشيرًا إلى أن عجز الحساب الجارى التركى كان أحد «نقاط الضعف» الرئيسية. وقال البنك إن البيانات التجارية لشهر أبريل تشير إلى أنه «لا يوجد مؤشر على أن التحسن جار على المدى القريب».

كما توقع المحلل فى باركليز، إركان إرجوزيل، وصول عجز الحساب الجارى إلى نحو 40 مليار دولار فى الأشهر الـ 12 المقبلة. بينما ستحتاج تركيا إلى حوالى 30 مليار دولار لتمويل ذلك العجز، كما أنه متوقع أن يستمر الارتفاع السريع فى أسعار الصرف «بعد أن تم تحجيمه بطرق غير عادية حتى الانتخابات» وهو أمر لا مفر منه الآن.

ضوابط مشددة

يلفت تقرير «الفاينانشال تايمز» إلى أن حكومة إردوغان طبقت مجموعة من الإجراءات غير التقليدية لتحقيق الاستقرار فى الاقتصاد التركى البالغ 900 مليار دولار، وقد تضمنت هذه الإجراءات اتباع ضوابط مشددة على تحويلات الشركات للعملات الأجنبية وإطلاق حسابات التوفير الخاصة فى العام 2021 لحماية المودعين من تقلبات الليرة، وغير ذلك، وقد ساعدت هذه الأدوات فى إبطاء انخفاض الليرة، على الرغم من أن العملة لا تزال تتداول بالقرب من أدنى مستوى قياسى لها عند 19.67 مقابل الدولار.

لكن عديدًا من المحللين -طبقًا لتقرير الفاينانشال تايمز يقولون إن قيمة الليرة لا تزال مبالغ فيها، ويرجع ذلك جزئيًا إلى هذه الإجراءات والجهود المطولة التى يبذلها البنك المركزى لدعم العملة.

من جهة أخرى،  يوضح الصحفى الاقتصادى التركى، كريم أولكر، أن الاقتصاد التركى أصبح هشًا بصورة كبيرة، وأمام إدارة أنقرة العديد من التحديات التى تتطلب الدراسة والعمل سريعًا لتقليل تبعاتها.

وأضاف أولكر، فى حديث صحفى، أنه على مدار العشرين عامًا الماضية، لم تتمكن تركيا من الحصول على استثمارات جديدة تزيد على مليار دولار فى المرة الواحدة. وتم إلغاء استثمارات كبيرة أو تخارجت من البلاد.

ويعتقد أولكر بأنه «لا يمكن للاقتصاد التركى -فى ظل هذه الظروف- أن ينمو، وحتى لو حدث ذلك فلن ينعكس على الجمهور؛ مع ارتفاع معدلات التضخم الذى يجعل الحياة أكثر صعوبة»، وذلك علاوة على معدلات البطالة خاصة أن «الاستثمارات التى تدخل البلاد عادة ما تكون تكون من المشتريات، أى أنها لا تخلق فرص عمل جديدة».

وأوضح أولكر ان الحرب «الروسية - الأوكرانية» كان يمكن أن تكون منحة وليست محنة لتركيا، موضحًا: «كان ينبغى أن تكون تركيا أكثر دولة استثمارية شعبية فى العالم، ويمكن للمصنعين الغربيين الفارين من روسيا القدوم إلى تركيا، لكنهم لم يأتوا بسبب الأجندة الخارجية للرئيس أردوغان» على حد تعبيره، معتقدًا فى الوقت نفسه بأنه «أن مع فوز إردوغان فسوف تبدأ الدول الغربية فى اتخاذ إجراءات صارمة وتحذيرات بشأن روسيا.. ربما الحظر أو العقوبات تبدو خيارات حتمية فى هذا السياق».

سياسة متشابكة

أما الملف الثانى الأكثر صعوبة على مر السنوات الأخيرة فهو العلاقات الخارجية لأنقرة، فعلى مدار العقد الأخير عززت السياسة الخارجية لتركيا من حضورها الإقليمى بالمنطقة اعتمادًا على «العامل العسكري»، إذ تتمتع بوجود عسكرى فى كل من سوريا وليبيا والعراق. كما تقدم خدمات واستشارات عسكرية بالعديد من الدول الأفريقية، بالإضافة لأذربيجان حيث ساهمت أنقرة فى دعم الأخيرة فى حربها مع أرمينيا وتحرير إقليم ناجورنو قره باج.

كمل عمل الرئيس التركى على فرض بعض التوترات فى المنطقة العربية مع دول رئيسية مثل مصر والسعودية والإمارات، لكن خلال العامين الماضيين حاول الرئيس التركى كسر الجليد وإعادة العلاقات مرة أخرى مع كل من القاهرة والرياض وأبوظبى، كما فتح قنوات للحوار مع دمشق. واعتبر ذلك قراءة تركية جديدة للمنطقة ما بعد سنوات من السياسة التصادمية مع جيرانها فى الإقليم.

لكن وفق تقرير لصحيفة «صنداى تايمز»، فإن أزمة الأكراد فى تركيا ستستمر مع فوز الرئيس إردوغان بفترة رئاسية أخرى، وأوضحت مراسلة الصحيفة البريطانية فى أنقرة، لويز كالاهان، أن أزمة التواجد التركى فى الشمال السورى تعتبر نقطة ضعف قوية فى السياسة الخارجية لتركيا، خاصة وأنه مازال «أعداؤها اللدودون» - السوريون الأكراد - يسيطرون على أجزاء واسعة على حدود تركيا الجنوبية، الأمر الذى يعرض أمنها القومى لخطر، بحسب كالاهان، وهو الأمر الذى حان الوقت إلى البحث فيه بحلول دبلوماسية إذا أراد الرئيس التركى أن يعم الاستقرار فى المنطقة.

تسوية العلاقات الدولية

أما فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، فقد أسهمت الحرب «الروسية - الأوكرانية» فى تعزيز مكانة تركيا لدى الأطراف الدولية سواء فى موسكو أو الدول الغربية الداعمة لكييف.

وقد انتهجت أنقرة سياسة خاصة حيال الحرب «الروسية - الأوكرانية»، استطاعت من خلالها الحفاظ على علاقتها مع موسكو مما أثار حفيظة الغرب الذى كان يأمل أن تتخذ تركيا موقفًا أكثر ميلًا لتوجهات حلف الناتو المناهض لروسيا، الأمر الذى زاد من تعقيد العلاقة مع الولايات المتحدة والتى تشهد توترًا مع حكومة إردوغان التى تتهم إدارة بايدن بدعم الميليشيات الكردية المعادية لتركيا شمال سوريا.

ووفقًا لرؤية أردوغان، فإن التوتر بالمنظومة الدولية -خاصة فى ظل الحرب الروسية الأوكرانية- يمنح تركيا مساحة أكبر لخط سياسة أكثر استقلالًا، تمثل فيها أنقرة مركز ثقل بين الأطراف الدولية المتنافسة.

أما فيما يتعلق بملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، فترى مراسلة «صنداى تايمز» أن هذه القضية ربما لن تحل فى ظل تواجد الرئيس إردوغان فى منصبه،  وأنه من المرجح أن تتوتر علاقات تركيا مع الغرب أكثر فى حال تطوير علاقات تجارية واقتصادية أقوى مع موسكو.

من جهة أخرى، اعتمدت السياسة الخارجية التركية -الآونة الأخيرة- على مقاربة جديدة للبيئة الدولية الإقليمية، تضمن جملة من العوامل والأهداف التى ما زالت قائمة.

وقامت المقاربة التركية الجديدة -فى تحسين العلاقات مع دول الخليج العربي- على تقديم العامل الاقتصادى فى السياسة الخارجية، سعيًا لتخفيف الضغط الخارجى على تركيا واستعادة الأسواق العربية.

كما تهدف أنقرة فى مقاربتها الجديدة إلى احتواء التطور بعلاقات دول شرق المتوسط مع خصمها التقليدى اليونان، حيث يهدف تقارب أنقرة مع القاهرة لتعزيز الموقف التركى بمواجهة أثينا، كما تأمل تركيا فرض نفسها ممرًا لصادرات الغاز الطبيعى، لما لذلك من تأثير اقتصادى وجيوسياسى.