الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد فوزه لولاية ثالثة منذ تأسيس الجمهورية التركية الجديدة: 3 ملفات تحدد مستقبل تركيا أمام أردوغان

تمكن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان من الفوز بولاية رئاسية جديدة لمدة 5 سنوات بعد منافسة محتدمة مع مرشح المعارضة كمال كيليجدار أوغلو فى واحدة من أعنف المعارك الانتخابية فى تاريخ البلاد ليصبح أول رئيس يحصل على 3 ولايات منذ تأسيس الجمهورية التركية الجديدة فى عام 1923. ويبدأ أردوغان الموجود فى السلطة منذ 20 عاما فترته الجديدة وسط ترقب لكيفية تعامله مع 3 ملفات رئيسة سيطرت على المشهد الانتخابى وشكلت عاملا محوريا فى توجهات الناخبين وهى: علاقة تركيا مع الغرب وقضية اللاجئين والأزمة الاقتصادية.



 

واعتبر كثيرون أن الانتخابات لن تحدد فقط من سيحكم تركيا لكن أيضا كيف تحكم واتجاهات اقتصادها بعد أن انخفضت عملتها إلى عشر قيمتها مقابل الدولار خلال عقد وكذلك شكل سياستها الخارجية التى أثارت غضب الغرب بسبب تنمية أنقرة لعلاقاتها مع موسكو.

 

وأحدث أردوغان تحولا عميقا فى تركيا من خلال سياسة خارجية منفتحة على شرق آسيا ووسطها على حساب حلفاء أنقرة الغربيين التقليديين الذين حاول التقرب منهم فى البداية عند وصوله إلى السلطة؛ وتراجعت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبى بعد محاولة انقلاب فى 2016 وما تلاها من تحويل نظامها إلى رئاسى ورغم نفور الغرب من أردوغان سمحت الحرب فى أوكرانيا له بالعودة إلى تصدر المشهد بفضل وساطته بين كييڤ وموسكو؛ وتعطيله منذ حوالى عام دخول السويد إلى حلف شمال الأطلسى الناتو؛ وفى ظل وصول المفاوضات بشأن انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبى لطريق مسدود تقريبا توقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى فى تقرير له ألا تتغير علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبى خلال الفترة المقبلة. ورجح المعهد الأمريكى عدم التوصل إلى اتفاق يسمح بدخول الأتراك إلى الاتحاد الأوروبى بدون تأشيرة دخول مشيرا إلى أن الغرب سيستمر فى رؤية أردوغان كشريك صعب ومهم للمصالح الاستراتيچية.

 

وتركيا عضو فى حلف الناتو منذ عام 1952 وتملك ثانى أكبر جيش من حيث العدد بين دول الحلف بعد الولايات المتحدة التى تختلف معها حول عدد من النقاط منها دعم واشنطن للجماعات المسلحة الكردية فى سوريا وحصول أنقرة على نظام دفاع صاروخى روسى من طراز «S-400».

 

كما تلفت إدارة الرئيس الأمريكى چو بايدن نظر أنقرة بانتظام إلى انتهاكات حقوق الإنسان والديمقراطية وفقا للمعهد الأمريكى الذى اعتبر أن العلاقة بين واشنطن وأنقرة قائمة على الصفقات وغير مستقرة لبعض الوقت الأمر الذى لن يتغير إذا أعيد انتخاب أردوغان. ورأى المعهد أن قضية ضم السويد إلى الناتو قبل قمة الحلف فى يوليو القادم ستظل أولوية رئيسية لواشنطن؛ مشيرا إلى أن موافقة تركيا ستمكن إدارة بايدن من الضغط فى سبيل بيع مقاتلات F-16 إلى تركيا؛ وقال إنه بدون هذا الامتياز من غير المرجح أن يوافق الكونجرس على أى مبيعات. واعتبر المعهد أن تركيا ما زالت قادرة على الاضطلاع بدور قيم فى تعزيز مصالح السياسة الأمريكية كما بينت صفقة الحبوب التى توسطت فيها تركيا والأمم المتحدة بين روسيا وأوكرانيا.

 

ونسج الرئيس الروسى ڤلاديمير بوتين وأردوغان اللذان يمسك كل منهما بمقاليد الحكم منذ أعوام طويلة علاقة شخصية وثيقة اكتسبت أهمية أكبر منذ وجدت موسكو نفسها تحت عزلة العقوبات الغربية المتزايدة منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية فى فبراير عام 2022. وعن طبيعة هذه العلاقة التى وصفها بـالمميزة مع بوتين قال الرئيس التركى فى حديث لشبكة CNN الأمريكية «نحن دولة قوية وتربطنا علاقة إيجابية بروسيا فالبلدان يحتاجان بعضهما البعض فى كل مجال».

 

وردا على سؤال حول أسباب التفاهم بين الرئيسين قال المتحدث باسم الكرملين دميترى بيسكوف إن بوتين وأردوغان رجلا دولة يحترم كل منهما كلمته. وفى هذا السياق؛ دعا المعهد الأمريكى إلى مراقبة علاقة أردوغان ببوتين مشيرا إلى أن هذه العلاقة دفعت كبار المسئولين الأمريكيين إلى زيارة تركيا بانتظام وتحذير الحكومة والشركات الخاصة من انتهاك العقوبات الروسية وإعادة اللاجئين؛ وظهرت خلال الانتخابات الأخيرة قضية اللاجئين فى تركيا بشكل واضح فى انتخابات الرئاسة إذ تستقبل تركيا 3.4 مليون لاجئ سورى على الأقل ومئات الآلاف من الأفغان والإيرانيين والعراقيين. وبالنسبة للسوريين؛ أدت الانتخابات والتحول المناهض للمهاجرين فى السياسة التركية إلى إثارة حالة جديدة من الضبابية بشأن مستقبلهم ما دفع الكثيرين إلى التساؤل عما إذا كان سيجب عليهم معاودة الكرة وبدء حياة جديدة مرة أخرى بعد فرارهم من حرب دامية فى وطنهم. وتعهد أردوغان أخيرا بأن بلاده لن تعيد اللاجئين السوريين إلى بلادهم بالطرد أو الإجبار مشيرا إلى أن الإعادة ستكون ضمن المعايير الإنسانية إلى مساكن ستبنيها تركيا فى الشمال السورى لهم. كما أعلن أردوغان فى 8 مايو الماضى أن بلاده تنتظر دعما من منظمات إغاثية دولية بناء 200 ألف وحدة سكنية فى 13 موقعا فى سوريا فى خطوة تهدف إلى إعادة مليون لاجئ سورى يقيمون فى تركيا. وعلى غرار القادة الآخرين فى المنطقة؛ يعمل أردوغان أيضا على حل الخلافات مع الرئيس السورى بشار الأسد ما يزيد من احتمال حدوث تقارب قد يقلق العديد من السوريين فى تركيا.

 

أما الأزمة الاقتصادية؛ فمنذ أكثر من 20 عاما وتحديدا فى 17 أغسطس عام 1999 أثار زلزال أودى بآلاف الأتراك خلال الليل غضبا شعبيا صعد مشاعر استياء تجاه وضع اقتصادى صعب ما ساهم فى إيصال رجب طيب أردوغان إلى السلطة. وفى عام 2023 وجد الرئيس التركى نفسه أمام ظروف أكثر شدة لكن أمام تحد مشابه؛ حيث تسبب زلزال 6 فبراير الماضى بوقوع أكثر من 50 ألف قتيل فيما تعيش البلاد فى الوقت نفسه أزمة اقتصادية منذ أشهر. وكان الجانب الاقتصادى أحد نقاط القوة الرئيسية لأردوغان فى العقد الأول من حكمه إذ تمتعت تركيا بازدهار طويل الأمد مع إنشاء طرق ومستشفيات ومدارس جديدة وارتفاع مستويات المعيشة لسكانها البالغ عددهم 85 مليون نسمة.

لكن أردوغان يواجه انتقادات شديدة بسبب وضع الاقتصاد التركى حاليا وغضب الناجين من زلزال فبراير المدمر الذين تركوا لمواجهة مصيرهم فى الأيام الأولى التى تلت الكارثة. كما أدت السياسات غير التقليدية التى دعا إليها الرئيس التركى بهدف تحقيق النمو إلى هبوط قيمة الليرة 80 % على مدى السنوات الخمس الماضية وتكريس مشكلة التضخم وانهيار ثقة الأتراك فى عملتهم.

 

ولعبت السلطات خلال العامين الماضين دورا متزايدا فى أسواق الصرف الأجنبى لدرجة أن بعض خبراء الاقتصاد أصبحوا الآن يناقشون علنا هل كان تعويم الليرة دون تدخل ؟ وقالت مصادر مطلعة بالحكومة فى الأيام الماضية إن خلافا يدور حول هل يجب التمسك بالاستراتيچية الاقتصادية الحالية التى تعطى الأولوية لأسعار الفائدة المنخفضة أم التحول إلى سياسات تقليدية بدرجة أكبر بعد الانتخابات.

وتتجه الأنظار الآن إلى احتياطيات العملات الأجنبية والليرة مع تجاوزها مستوى 20 مقابل الدولار وهى أحدث محطة رئيسية فى رحلة هبوطها الطويلة. وقال دارون عاصم أوغلو الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوچيا إنه من الصعب التكهن بما إن كانت ستحدث أزمة أو توقيت حدوثها ومن المتوقع أن يعزز الموسم السياحى القوى الاحتياطيات مرة أخرى فى الأمد القصير. وفى الفترة التى سبقت الانتخابات؛ توقع محللون لدى چيه.بى مورجان أن تنخفض الليرة إلى مستوى 30 مقابل الدولار فى غياب تحول واضح نحو سياسات تقليدية. ويفترض المحللون أن أردوغان سيفى بوعوده فى حملته الانتخابية بزيادة الدخل وإعادة بناء البلاد بعد زلزال فبراير؛ بينما يشعر مستثمرون بالقلق من أنه إذا تعافت السوق مرة أخرى؛ فقد تلجأ السلطات إلى مزيد من ضوابط رأس المال الصارمة وهو أمر قالت الحكومة مرارا إنها لا تدرسه بينما تسعى لسد فجوة التمويل الخارجى البالغة 230 مليار دولار أو 25 % من الناتج المحلى الإجمالى.

ولاقى رئيس حزب العدالة والتنمية هزات سياسية خصوصا عندما حرمته المعارضة فى 2015 من غالبيته البرلمانية ثم انتزعت منه رئاسة بلديتى أنقرة وإسطنبول عام 2019. وولد أردوغان فى حى قاسم باشا الشعبى بإسطنبول وكان يتطلع إلى احتراف رياضة كرة القدم التى مارسها لفترة قصيرة قبل الانتقال إلى العمل السياسى وتعلم أصول اللعبة السياسية داخل التيار الإسلامى الذى كان يقوده نجم الدين أربكان ثم دفع إلى الواجهة مع انتخابه رئيسا لبلدية المدينة التى ولد فيها عام 1994 وبعدها بأربع سنوات حكم عليه بالسجن مع النفاذ. وشارك فى تأسيس حزب العدالة والتنمية قبل أن يعود ليفوز فى انتخابات 2002 فيصبح فى العام التالى رئيسا للحكومة وبقى فى هذا المنصب حتى 2014 عندما نجح فى الفوز بالرئاسة التركية فى الدورة الأولى ونال ثقة الناخبين فى الدورة الثانية عام 2018 قبل أن تجرى انتخابات الدورة الثالثة فى مايو 2023.

ويبقى أردوغان المتزوج والأب لأربعة أولاد فى نظر أنصاره الوحيد القادر على التصدى للغرب وقيادة السفينة من الأزمات الإقليمية والدولية؛ لكن منذ التظاهرات الكبيرة المعادية للحكومة التى قمعت بعنف فى ربيع 2013 أصبح الشخصية التى تواجه أكبر مقدار من الانتقادات فى تركيا.

وشكلت ولاية هاتاى جنوب البلاد إحدى أبرز ملامح نتائج اليوم إذ منحت أصواتها بالتساوى تقريبا للمرشحين المتنافسين؛ فيما حاز أردوغان فيها بنسبة بسيطة بـ50.13 %، وهى نتيجة مقاربة للتى أسفرت عنها الجولة الأولى مع تقدم طفيف لكليجدار أوغلو علما بأن هاتاى تعد من أكثر الولايات التركية تضررا من زلزال 6 فبراير الماضى. أما بقية الولايات المتأثرة بالزلزال والتى منحت غالبية أصواتها لأردوغان فى جولة 14 مايو فلم يحدث تغيير فى ولائها الانتخابى لكنها سجلت زيادة فى عدد الأصوات التى حصل عليها الرئيس التركى بالآلاف. فمثلا بعدما حصل أردوغان فى الجولة الأولى على 453 ألفا من أصواتها تمكن من زيادة هذا الرقم إلى 469 ألفًا.

ويتهم أردوغان بأنه أبعد البلاد عن نهج أتاتورك العلمانى ويقول منتقدوه إن حكومته كممت أفواه المعارضة وقوضت الحقوق وأخضعت النظام القضائى لنفوذها؛ وهذا الاتهام تنفيه حكومة أردوغان التى تقول إنها وفرت الحماية للمواطنين فى مواجهة تهديدات أمنية من بينها محاولة انقلاب عام 2016. ويقول خبراء فى الاقتصاد إن دعوات أردوغان لخفض أسعار الفائدة أدت إلى ارتفاع التضخم لأعلى مستوى له فى 24 عاما عند 85 % العام الماضى كما أدت إلى هبوط الليرة إلى عشر قيمتها مقابل الدولار على مدار العقد الماضى.

وتحت حكم أردوغان استعرضت تركيا قوتها العسكرية فى الشرق الأوسط وخارجه فقد شنت 4 عمليات توغل فى سوريا وهجوما على مسلحين أكراد داخل العراق وأرسلت دعما عسكريا إلى ليبيا وأذربيجان. وشهدت تركيا أيضا سلسلة من المواجهات الدبلوماسية مع قوى فى المنطقة بينها السعودية ومصر والإمارات إلى جانب إسرائيل كما دخلت فى خصومة مع اليونان وقبرص حول الحدود البحرية فى شرق البحر المتوسط.

و فيما يخص مصر؛ فقد جددت القاهرة تمسكها بشروطها تجاه إتمام المصالحة مع أنقرة بعد أن تعطلت خلال الأسابيع الأخيرة إثر ما اعتبرته مصر عدم التزام تركيا بتعهداتها وبعد أيام من توتر العلاقة بين البلدين إثر انتقادات حادة صاغها ياسين أقطاى مستشار الرئيس التركى أردوغان للقاهرة عاد وزير الخارجية المصرى سامح شكرى للتأكيد على توقف مباحثات البلدين فى الوقت الحالى بعد جولة اللقاءات الاستكشافية فى الأسبوع الأول من الشهر الماضى نافيا توجه أى وفد من القاهرة إلى تركيا لاستئناف المباحثات قريبا. 

وتتركز الخلافات الرئيسة بين البلدين على التباينات بينهما فى دعم طرفى الصراع فى ليبيا والموقف من احتياطيات الغاز الطبيعى شرق البحر المتوسط بالإضافة إلى معارضة أنقرة إطاحة الرئيس المخلوع محمد مرسى المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين التى تصنفها القاهرة جماعة إرهابية ما أدى إلى توتر العلاقات السياسية بين البلدين لكن العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما استمرت بشكل طبيعى. لكن فى السابع عشر من مايو2023؛ أثار انتقاد مستشار الرئيس التركى ياسين أقطاى لتأييد محكمة مصرية حكم الإعدام ضد 12 متهما بينهم قيادات من تنظيم الإخوان المسلمين لتكون أحكاما نهائية واجبة النفاذ ضمن قضية اعتصام رابعة العدوية التى يعود تاريخها إلى عام 2013 حفيظة واستياء الأوساط السياسية المصرية وهاجمت وسائل الإعلام المصرية من جديد الدولة التركية ما عكس عودة مباحثات التقارب بين البلدين إلى المربع صفر.