السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

التصويت الصعب لتأجيل الكارثة الاقتصاد العالمى فى انتظار قرار الكونجرس

رُغْمَ تصويت النواب الأمريكى على مشروع قانون برفع سقف الدَّيْن حتى 2025، بَعد مفاوضات ماراثونية بين الرئيس الأمريكى چو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفين مكارثى لـ«تأجيل» الأزمة إلى ما بَعد الانتخابات الأمريكية العام المقبل، لا يزال أمام مجلس الشيوخ التصديق بالموافقة على مشروع القانون وسط انقسامات بين الحزبَيْن الجمهورى والديمقراطى.



إلّا أن هذه الموافقة قد تكون خطوة لتجنب أزمة اقتصادية عالمية لتجنب الولايات المتحدة خطر عدم تسديد ديونها للمرّة الأولى فى التاريخ، إلّا أنه لا يزال أمام الإدارة الأمريكية والكونجرس أزمة تمرير المشروع فى الشيوخ قبل 5 يونيو الجارى لتجنب الوقوع فى الكارثة الاقتصادية.. ومع الأسف هذه الكارثة تؤثر تبعاتها على اقتصاديات العالم كله، وقد يشهد العالم أزمة أخرى تفوق الأزمة الاقتصادية فى 2008.

 انقسامات خطرة

لا تُعَدُّ خطوة النواب الأخيرة لتمرير مشروع القانون، ولكن يبقى تصويت مجلس الشيوخ (ذى الأغلبية الديمقراطية)، وقد يستغرق الأمر أيامًا تتخطى فرصة الخمسة أيام المرجوة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الجمهوريين فى مجلس النواب استخدموا الفرصة الوحيدة التى أتيحت لهم لاختصار العقبات الإجرائية الطويلة لمجلس الشيوخ.. وتخضع معظم مشاريع قوانين مجلس الشيوخ لتصويتَيْن؛ تصويت يوافق فيه مجلس الشيوخ على وقف النقاش، ومن ثم الانتقال إلى الإقرار النهائى بالتصويت على مشروع القانون.

ويتطلب الانتقال للتصويت النهائى أغلبية 60 صوتًا، ويمكن أن تضاف عدة أيام فى حال وجود معارضة فى ظل الانقسام الحاد فى المجلس الذى يتشكل من 51 عضوًا ديمقراطيًا مقابل 49 جمهوريًا.

وعلى الرّغم من أن مكارثى وبايدن، قد أمضيا الأيام الماضية فى الترويج نحو الاتفاق لضمان إيجابية تصويت الحزبَيْن فى غرفتَىْ الكونجرس (النواب والشيوخ)؛ إلّا أنه يمكن للمعارضين لمشروع القانون أن يبطئوا تمريره، ما يهدد بعرقلة الجهود الرامية إلى تجنب تخلف الحكومة الأمريكية عن السداد، وهو الأمْرُ الذى يهدد بحدوث فوضى اقتصادية فى الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية.

وقال بعض المحافظين (الجمهوريين) فى مجلسَىْ النواب والشيوخ إنهم يعارضون الصفقة لأنها «لا تذهب بعيدًا بما يكفى للحد من الإنفاق الفيدرالى»، فى حين أن بعض التقدميين (الديمقراطيين) يتهمون بايدن بالرضوخ لتقييد الإنفاق بصورة كبيرة.

ويرفع الاتفاق الراهن حد الدَّيْن الحالى البالغ 31.4 تريليون دولار حتى عام 2025 مع وضع حد أقصى للإنفاق التقديرى غير الدفاعى عند 704 مليارات دولار للسنة المالية 2024.. وقاوم الحزب الجمهورى المطلب الديمقراطى بالتكافؤ بين الإنفاق الدفاعى والرعاية الاجتماعية، إذ يزيد الاتفاق الإنفاق الدفاعى بنحو 3% فى السنة المالية 2024 وترفعه إلى 895 مليار دولار فى السنة المالية 2025.

ويرى التيار المتشدد بالحزب الجمهورى أن هذا أقل من معدل زيادة نسب التضخم ولا يقترب من المستوى المطلوب لمواجهة التهديدات العالمية المتزايدة؛ خصوصًا من الصين.. فى المقابل؛ أعرب أعضاء التيار التقدمى الديمقراطى عن رفضهم لتنازلات بايدن، وعلى رأسها التضحية بالإعانات الاجتماعية والغذائية للعاطلين عن العمل من كبار السّن.. وتعهّد أعضاء الكونجرس من التيارَيْن بالتصويت برفض مشروع القرار أمام الكونجرس.

 قنبلة موقوتة

تخيّل أن الاقتصاد الأمريكى قد انهار، وأننا أمام أزمة اقتصادية عالمية تبدو معها أزمة 2008 كـ«حفلة شاى» حسب توصيف سيمون فرينش، كبير الاقتصاديين فى بنك الاستثمار «بانمور جوردون».

«عجز الميزانية» مرضٌ قديم أصاب الاقتصادَ الأمريكى؛ لأن واشنطن وجدت حلاً عابرًا للأزمات بسندات وزارة الخزانة، ظهر عندما قررت واشنطن دخول الحرب العالمية الأولى، وبسبب الحاجة للأموال باعت الخزانة الأمريكية صَكًا ماليًا للبنوك مقابل فوائد سنوية، وكان لجوء الخزانة للقروض مرهونًا بموافقة الكونجرس الأمريكى؛ لتجنب الإجراءات البيروقراطية فى زمن الحرب، ومنح وزارة الخزانة صلاحيات محددة للاقتراض دون طلب تصويت الكونجرس كل مَرّة.

هذا الخيال يمكن أن يصبح واقعًا مع تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها بحلول الأول من يونيو، وقد تفلس الحكومة فى الخامس من يونيو؛ ما قد يؤدى إلى عجز عن الوفاء بالتزاماتها المالية يضر الاقتصاد الأمريكى، ويفاقم تكلفة الاقتراض، وتنعكس آثاره الكارثية على الاقتصاد العالمى.

وتنفق حكومة الولايات المتحدة أموالًا أكثر مما تكسب، وهى تعانى بالفعل من عجز يصل إلى تريليون دولار سنويًّا، ولتعويض الفارق تلجأ إلى الاقتراض ضمْن سقف محدد من قِبَل الكونجرس، وهو ما يُعرَف بـ«سقف الدَّيْن».

فى العام الأخير، حددت الميزانية الأمريكية بـ 6.5 تريليون دولار، بينما قدّر الناتج المحلى بـ 4.6 تريليون دولار، وهذا يعنى وجود عجز قيمته 1.9 تريليون دولار، ما يعادل الناتج المحلى الإجمالى لدولة مثل إيطاليا، وبدأ العجز الذى تراكم طوال السنوات الماضية عام 2019 قبل ظهور جائحة «كورونا»، ويُعَد حاليا أعلى بـ 3 أضعاف من مستواه عام 2019.

حتى وقت غير بعيد، لا أحد كان يصدّق أن الولايات المتحدة- التى تتربع على رأس الاقتصادات العالمية، وصاحبة أقوى عُملة، والدولة الأكثر ثراءً فى العالم وأكثرها مديونية أيضًا- عاجزة عن سداد ديونها، ففى 19 يناير الماضى وصلت البلاد إلى السقف الأعلى للدَّيْن البالغ 31.4 تريليون دولار.

من هنا؛ دبت الخلافات والانقسامات بين الحزبَيْن الرئيسيّيْن (الديمقراطى والجمهورى)، لا على مبدأ الدَّيْن بحد ذاته؛ بل على كيفية التعامل مع العجز الاتحادى، وطريقة نفقات الموازنة الاتحادية وأولوياتها، التى يهدف الجمهوريون إلى خفضها 3 تريليونات دولار أولًا (ما يضاهى الناتج المحلى الفرنسى)، بينما يرى الديمقراطيون أن الأمريكيين الأثرياء والشركات يجب أن يدفعوا ضرائب أكثر.

تهديد عرش الدولار

أزمة سقف الدَّيْن تُعتَبَر الأصعب على إدارة الرئيس چو بايدن، ورُغْمَ تصويت النواب بالموافقة وضمان تصويت الشيوخ، بسبب الأغلبية الديمقراطية، بالموافقة أيضًا؛ لكن يبقى عنصر الزمن هو العنصر الأصعب للحاق بتسديد المديونات الأمريكية.

وفى تقرير لمجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية، أوضح أن أحد المخاوف الكبرى المتعلقة بالعجز المحتمل عن سداد الديون هو أن هذا الحدث سيعطى المزيد من الزخم لخلع الدولار الأمريكى عن عرشه باعتباره العُملة الاحتياطية الرئيسية فى العالم.

لأن دولًا مثل الصين، وروسيا، وجنوب إفريقيا، وغيرها، بدأت فى إجراء جزء من تعاملاتها التجارية بعُملات أخرى للهرب من تسليح الحكومة الأمريكية المحتمل لعُملتها الوطنية، مثلما كان واضحًا فى العقوبات الاقتصادية ضد روسيا.

وعلى الرّغم من أن الابتعاد عن الدولار الأمريكى ليس مرجحًا فى المدى القريب؛ فإن هذا الاتجاه ليس فى صالح واشنطن. هذا لأن العجز عن السداد بسبب غياب الإرادة السياسية سيضع حدًا لقدرة واشنطن على طباعة الأموال فى صورة سندات خزانة وغيرها من الأوراق المالية.

وأوضحت «ناشيونال إنترست»، أن أزمة سقف الدَّيْن ليست الوحيدة التى تواجهها الولايات المتحدة، فسقف الدَّيْن يُعتبر فى حد ذاته مجرد عرض لشىء أكثر إشكالية، وهو نظام سياسى منهك، وربما يكون معطلًا.. وأضاف تقرير المجلة الأمريكية: إن الأرضية المشتركة التى تصنع على أساسها القوانين انكمشت بشدة، كما أن الحل الوسط أصبح كلمة مرفوضة؛ خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالميزانيات والعجز.

 خطر يهدد الاقتصاد العالمى

وتعتبر الولايات المتحدة التى تتصدر الدول الأعلى ديونًا فى العالم، يُجمع كثير من الاقتصاديين الأمريكيين أن هذه الأزمة ستعرِّض أسواق المال الأمريكية لخسائر فادحة، وتلحق ضررًا فادحًا بسمعة الولايات المتحدة الاقتصادية، ويفقد نظامها المالى موثوقيته الدولية، وسط توقعات بأن يُحدث ذلك ضررًا بالغًا بالاقتصاد الأمريكى، فى حال العجز عن التوصل لاتفاق خلال أيام.

إذا كانت أزمة الديون التى تعصف بواشنطن ستدفع الولايات المتحدة فى النهاية إلى الدخول فى فخ الركود، فلن ينهار الاقتصاد الأمريكى بمفرده؛ فقد تتسبب الهزات الارتدادية لهذا الزلزال المالى الوشيك فى إحداث أزمة مالية عالمية، لا سيما مع الضرر الذى سيلحق بسوق السندات وارتفاع الفوائد على الاقتراض، وربما التوقف عن منح القروض للشركات والطلاب والدول.. ولم تتخلف الولايات المتحدة عن عمد فى سداد  ديونها، ما يجعل من المستحيل التنبؤ بالآثار المحتملة التى يمكن أن يحدثها ذلك على النظام المالى الدولى، ومع ذلك يتوقع معظم الاقتصاديين أن ذلك سيكون «سيّئًا وواسع الانتشار»، ومن وجهة نظر خبراء ستكون أمريكا على حافة انهيار نقدى قد يؤدى إلى عواقب وخيمة مع تداعيات على الاقتصاد العالمى بالكامل، وقد يخلق ظروفًا أسوأ ممّا كانت عليه خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008. 

وعلى الصعيد الدولى؛ سيؤدى التخلف عن السداد إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتقليل قيمة الدولار مقابل العملات العالمية الأخرى، وإصابة الأسواق العالمية بحالة من الركود الذى سيفرض على المستهلكين والشركات تقليل كمية السلع والخدمات من خارج البلاد، وهنا سيكون الضرر أكبر على الدول التى تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة.

ليس هذا فحسب؛ انخفاض قيمة الدولار قد تتسبّب فى انخفاض حجم التبادلات التجارية العالمية، ما يؤثر سلبًا على البلدان التى يرتبط اقتصادها بالدولار.

فى حال لم تتمكن واشنطن من الوفاء بالتزاماتها دون الحكومة، يقول خبراء إن الدول الأخرى، خاصة الصين وروسيا، ستستخدم المأساة الاقتصادية لأمريكا كـ«تذكرة ذهبية» لخَلق نظام عالمى جديد أقل اعتمادًا على الدولار، مقابل دفع عُملتها الخاصة لتصبح بمثابة أساس للتجارة العالمية مستقبلًا.

ويرى مراقبون أن هناك مخاوف كثيرة من اهتزاز ثقة المقرضين وتراجُع مكانة الدولار كعُملة احتياطية، ويمكن أن يكون لفقدان الثقة بالدولار تداعيات بعيدة المدى على الاقتصاد والسياسة الخارجية أيضًا.

انخفضت بالفعل حصة احتياطيات الدولار الأمريكى التى تحتفظ بها البنوك المركزية إلى 59 %- أدنى مستوى لها منذ 25 عامًا- خلال الربع الرابع من عام 2020، ويأتى اليورو ثانيًا بنسبة 20 %، ويشكّل اليوان الصينى أقل من 3% على مستوى العالم عام 2021، وفقًا لصندوق النقد الدولى.

سعت كل من روسيا والصين منذ فترة طويلة لاستبدال الدولار بالعُملة الصينية المعتمدة «الرنمينبى» مع ما يسمى بدول «البريكس»، التى تفكر فى إنشاء عُملة مشتركة للتحرر من شبح الدولار العالمى.