الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كتاب و أديب.. «الراهبة الإسبانية» التى تمردت على قيود الكنيسة والمجتمع الحلقة (9)

عندما نُشِرت رواية «دونكيشوت» فى عام 1605 فى إسبانيا لاقت نجاحًا كبيرًا، حيث اعتبرت هذة الرواية مثالًا للسعى إلى الحرية والتخلص من القيود التى يفرضها المجتمع والكنيسة فى ذلك الوقت.. وفى القرن السادس عشر ظهرت رواية أخرى لا تقل أهمية عن رواية «دونكيشوت»، بل اعتبرها العديد من الأدباء والنقاد أنها الصورة المؤنثة لها. حيث تحكى قصة البطلة كاتالينا الراهبة الصغيرة التى أرادت أن تكسر القيود التى فرضت عليها طوال حياتها بعدما أخذها والدها وهى طفلة رضيعة لأحد الأديرة؛ حيث تتولى الراهبات تربيتها وتنشئتها، إلا أنها تتمرد على كل ما حولها وتهرب من الدير لتواجه واقعًا وحقائق قاسية.



 

إنها رواية «الراهبة الإسبانية» للكاتب الإنجليزى «توماس دى كوينسى» وتدور الرواية عن رحلة  البحث عن الحريّة  والخلاص وعن  الذات بعيدًا عن القيود والأفكار القديمة عن طريق سرد قصة حقيقية لفتاة تدعى كاتالينا، راهبة تهرب من الدير رامية كلّ شيء خلفها فى عصر محافظ للغاية وملتزم.

 وجاء فى مقدمة الرواية أنها تكملة لمسيرة الدونكيشوت وربما يأتى التشابه أو التكامل من حيث أن الروايتين تعتبران تمردًا على السائد والذهاب إلى منطقة أخرى غير معروفة للآخر، حيث يبحث الأبطال فيها عن ذواتهم وعن أفكارٍ أكثر التصاقًا بالقيم الإنسانية والتحررية سعيًا إلى عالم لا يجابه الغرابة والاختلاف، عالمٍ أكثر تسامحًا وتقبلًا للحريّة.

 وتكتسب الرواية طابعًا دراميًا منذ بدايتها حيث يسلمها والدها طفلة رضيعة لأحد أديرة الراهبات بعد أن يتأكد أنها طفلة غير شرعية لزوجته ويتركها على وعد أنه يزورها إلا أنه لا يذهب إليها مرة أخرى.

 وترحب رئيسة الدير وتتطلع إلى أن تحل مكانها يوًما ما، حيث هى من  تقوم بتربيتها وتتطلع لأن تضع فيها كل المؤهلات التى تجعلها أهلًا لهذه المكانة يومًا ما.

ولكن كاتالينا كانت لها رؤية وطريق آخر حيث كان التمرد واضحًا فى شخصها من البداية، حيث كان وجودها ينزع الهدوء من المكان وتتفنن فى أن تكيد للراهبات، ولا تكف عن المشاكسة. 

كلما مضى الوقت تزداد شخصية كيت طيشًا وعنادًا، وذلك ما أثار الذعر لدى الأخوات، واعتقدن بأن الاختيار كان خطأً فى تربية طفلة قد تصبح نمرةً شرسة. فكانت كيت لا تسامح  من يسيء إليها فجمعت فى شخصيتها الوداعة والشراسة فى آن واحد، وما زاد من صرامة شخصية كيت هو الحكايات والقصص التى تُسمع حول البطولات واكتشاف أقاربها لممالك جديدة، وكل ذلك تحقق بأدوات بسيطة.

وعندما تبلغ كاتالينا الـ 15 تهرب من الدير وتكسر كل القيود التى فرضت عليها، حيث تنكرت فى زى شاب صغير وتقيمُ لفترة فى أحد البيوت الإسبانية، إلا أنها سريعًا ما تمل الحياة هناك فتسرق بعضًا من الفضة التى اعتبرتها تعويضًا لمجهودها فى الدراسة الميدانية، إذ تسلك طريقها من فيتوريا إلى بلد الوليد.

وهناك يتهكم بعض الأشخاص على ملبسها ويرشقونها بالحجارة ولأنها فتاة عنيفة فقد شجت رأس أحدهم بالحجارة، وتم إلقاء القبض عليها، ولم ينقذها سوى فارس كان يراقبها وأعجب بسلوكها وتدخل لإخلاء سبيلها.

إلا أن الدراما لم تنته فى حياتها، حيث تفاجأت بزيارة والدها لدون فرانسيسكو دى كارديناس الذى حظيت لديه بالرعاية والثقة والذى يخبره بتفاصيل هروبها ويتضحُ بأن الدون هو المسئول والكفيل بمؤسسة الدير.

وتشعر كاتالينا بأنها مهددة فتقرر الهرب مرة أخرى عبر عبور المحيط الأطلسى وتترك بيت الشاب الإسبانى، وتمضى ليلةً فى أحد الاسطبلات، وصادفت وجود شخصين فى المكان تحدثا عن رحلة تنطلقُ إلى أمريكا من أحد موانئ الأندلس. تنضم إلى الركاب وتبحر السفينة غير أن تبدل الأجواء والعواصف تحول دون وصول السفينة إلى الوجهة.

تكتبُ لكيت حياة جديدة بعدما لقى الركاب حتفهم غرقًا بمن فيهم الربان.

 وتصل إلى بايتا فى البيرو، حيث تبدأ  بالعمل لدى أوركويزا كاتبة، إلا أنها تتورط  فى جريمة قتل وذلك عندما تتطوع مجندة فى سفينة عسكرية قاصدة إلى «كونثيبثيون» يجمعها القدر بينها وبين أخيها دون أن يعرف الأخير بانتسابهما إلى عائلة واحدة، لكن تتكتم على هويتها وذلك لا تكون نتيجته سوى تلطيخ يدها بدم الضابط فى المبارزة.

فتتخفى باسم «بيترو دياز» إلا أنه يتم اتهامها بمغازلة ابنة سيدتها جوانا، ولا يؤدى بها ذلك لكشف جنسيتها، وما يعمقُ أزمتها أكثر هو طعنها لأحد المقامرين، فأردته قتيلًا. 

ويصدرُ عقب هذا الحدث قرار يقضى بإعدامها شنقًا لكن تخرج من هذه الضائقة أيضًا وتحوزُ بذلك كل الصفات والمآثر البطولية فى حياتها. واستطاع كوينسى فى النهاية أن يجسد لأول مرة فى تاريخ الأدب الكلاسيكى بطولة أنثوية ناتجة عن قصة واقعية وحياة كاتب أيضا شديدة التعقيد.

فقد ولد توماس دى كوينسى فى، مانشستر، وتوفى والده عندما كان صغيرًا جدًا. بعد فترة وجيزة من ولادته.

وانتقلت العائلة إلى ذا فارم ثم بعد ذلك إلى غرينهايس، وهو منزل ريفى أكبر فى تشورلتون أون ميدلوك بالقرب من مانشستر. 

فى عام 1796، بعد ثلاث سنوات من وفاة والده توماس كوينسى، أخذت  والدته -إليزابيث بينسون سابقًا- اسم «دى كوينسي». ثم انتقلت والدة دى كوينسى فى العام نفسه إلى باث، مقاطعة سومرست، ليلتحق توماس بمدرسة الملك إدوارد.

كان دى كوينسى طفلًا ضعيفًا ومريضًا. قضى شبابه فى عزلة، وعندما عاد شقيقه الأكبر، ويليام، إلى المنزل، أحدث إزعاجًا كبيرًا فى الأنحاء.

 كانت والدة دى كوينسى امرأة ذات شخصية وذكاء قويين، ولكن يبدو أنها ألهمت الرعب أكثر من المودة عند أطفالها، إذ ربتهم بصرامة، وأخرجت دى كوينسى من المدرسة بعد ثلاث سنوات لأنها كانت تخشى أن يصبح عنيدًا ومتكبرًا، وأرسلته إلى مدرسة أقل مستوى فى وينغفيلد. 

يقال إنه فى هذا الوقت، وفى عام 1799 بالتحديد، قرأ دى كوينسى لأول مرة ليريكال بالادز (Lyrical Ballads) لويليام ووردزوورث.

فى عام 1800، كان دى كوينسى، البالغ من العمر 15 عامًا، جاهزًا للالتحاق بجامعة أكسفورد. 

وكانت منحته الدراسية سابقة كثيرًا لسنه. وقال عنه أستاذه فى باث: «بإمكان هذا الصبى أن يخطب فى حشد إنجليزي».

 وقد أُرسل إلى مدرسة مانشستر الثانوية، لكى يحصل بعد قضاء 3 سنوات هناك على منحة فى كلية براسينوس، أكسفورد، لكنه عاد بعد 19 شهرًا. 

عاش دى كوينسى من يوليو إلى نوفمبر 1802 عابر سبيل وتوفى فقيرا بعيدا عن أهله.

وعلى الرغم من التفاف الأدباء والكتَّاب قديما للمعاناة التى عاشتها بعض الراهبات وحاولوا مساعدتهن؛ فإننا نجد فى الأدب الحديث تجسيدًا لواقع آخر مثلما فعل الأديب العراقى «شاكر نوري» فى روايته «جحيم راهب» والتى سنتحدث عنها الأسبوع المقبل بإذن الله.