الأربعاء 7 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
بردية الانتصار من برديات مدن الياسمين "الحلقة 1"

بردية الانتصار من برديات مدن الياسمين "الحلقة 1"

«بُكره العيد وحنعيّد وندبحك يا شيخ سيد»



القاهرة - يونيو 2013

على فين يا دكتور عزيز؟ سألنى مؤنس، حاتمشّى للبيت، عايز أحس القاهرة واللى بيحصل فيها. ودّعته وخرجت من المستشفى، لم أقُل له ما الذى أحِسه وما الذى أريده، عايز أشم ريحة الهوا المصرى فى الوقت ده، عبير أنفاس الناس ووهج إرادتهم، عايز أشوف روحهم فين ومسلّمينها لمين، عايز أبُص فى عيون الناس وأخُش جوّه قلوبهم أسمع نبضها، عايز أتونس بيهم يطمنونى على الجاى، عايز أشوف الغُمّة انزاحت من على عيونهم وعقولهم وفهم الحقيقة نورها. أتذكر الوجوه التى شاهدتها فى الميدان فى يناير، قلوب كثيرة متحمسة صادقة حالمة، تتمنى وتحلم بالخير لوطنها، ولا تعرف ما الذى هى مقدِمةٌ عليه، وعيون زجاجية بليدة تخفى شرًا أسودَ، تنشر الخديعة والشائعات، وتسعى لهدفها الخفِى ولا تكشفه، وتورّط الميدانَ وجميع مَن فيه؛ لتنفيذ أهدافها ومؤامراتها الشريرة.

خرجت من المستشفى لأسير فى شوارع القاهرة دعمًا ليقينى ورؤيتى الصحيحة للمصريين فى هذه اللحظة التاريخية الفارقة، أبحث عن أماراتِ وإشارات، وعن علامات إدراك المصريين لِما حدث فى وطنهم فى العاميْن والنصف الماضييْن، أبحث عن أمارات وإشارات وعلامات تصميمِهم على إنقاذ وطنهم من المؤامرة التى عصفت به، بشجاعتهم وإرادتهم الوطنية العفية القوية، وعزيمتهم الصلبة، وإصرارهم الصلد للحفاظ على وطنِهم وحمايتِه.

سِرت فى شوارع القاهرة طويلا، تحركت ليلا من المستشفى صوب كورنيش النيل فى الروضة، ومنها للمنيَل، عبَرت كوبرى الجامعة سيرًا على الأقدام، دبابات الجيش وعرباته المدرعة فى كل الشوارع الكبيرة، وأمام كل المنشآت الحيوية، ضباط الجيش فوق الدبابات مُشهِرون أسلحتهم، وعلى وجوههم ابتساماتُ ثقةٍ للمصريين السائرين فى الشوارع أمامَهم وبجوارِهم، أكملت سيرى فى شارع الجيزة، من تمثال نهضة مصر وحتى الجامعة وبين السرايات، المنطقة مغلَقة، قوات الجيش والشرطة تقف على مقربةٍ من كل مداخل ومخارج المنطقة، أمام البنوك وحديقة الحيوانات، منطقة مديرية أمن الجيزة مغلَقة تمامًا، تحيطها الحواجز من كل جهة، هنا يحتل بعض المصريين الشوارعَ، ويصرخون باسم الرئيس المدنى المنتخَب ابن الجماعة وشرعيته.. وإسلامية إسلامية، يرفعون الأعلام السوداء والخضراء، الذقون الشعثاء والغضب الأسود يرسمون ملامح اعتصام النهضة، كما يقولون عنه، يحتلون الشوارع من جامعة القاهرة وحتى تمثال نهضة مصر.. 

نظرت للتمثال وابتسمت، ما الذى كنتَ ستقوله يا مختار لو علِمتَ أن أعداء الحضارة والفن والحياة يعتلون تمثالك الجميلَ، ويلصقون عليه أعلامهم السوداء، رافعين شعاراتٍ لتدمير مصر؟ هل كنتَ ستنقل تمثالك من مكانِه إلى حيث يقف المصريون الحقيقيون حماة الحضارة والحياة والوطن؛ ليقوّيهم ويهتف معهم تحيا مصر؟ أم كنتَ ستترك تمثالك مكانَه بسيدتِه الشامخة وأبو الهول العظيم ليحاربا مع مصر وحضارتها ضد تلك الذقون الشعثاء، والعيون البليدة، والقلوب الميتة، والعنف المجرم؟! ابتسمت لتمثال نهضة مصرَ وكأنى أحسست الفلاحةَ المصرية الشامخة ردّت لى الابتسامة، وكأن قلبَها الحجرى دبّت فيه الحياة، وهمست لى لا تخَف، وكأنها واثقةٌ أنها وأبو الهول وقتَ المعركه سيتركانِ قاعدتَهما الرخامية وينضمانِ للمصريين دفاعًا عن الحضارة والحياة، سلامٌ عليك يا مختار يا مصرى حيث أنت، سلامٌ على كل المصريين ممن موّلوا تمثالك بقروشِهم القليلة قبل نحتِه، سلامٌ عليك وعليهم وقد تركتكم خلفَكم أثرًا شامخًا، محاربًا مقاتلا مقاومًا، وقت المعركة فى صفوف الشعب والحضارة، رائحة الكراهية النفّاذة المنبعثة من وسط الاعتصام خَنقت أنفاسى، لولا ابتسامة الفلاحة المصرية، ولولا قوتها التى دعمتنى بها ورسالتها، لا تخَف، لأُغشِى علىّ علَى مدخل تلك البؤرة الملعونة غضبًا وحنقًا من هؤلاء الذين سلّموا عقولهم لأعدائهم؛ ليقتلوهم بشعاراتٍ زائفةٍ ساعين لحرمانِهم من وطنِهم وحياتهم، وهُم يعاونونهم ولا يدركون! لا تخَف، لا تخَف، صوت الفلاحة يدوى فى قلبى، وأنا أتحرك بعيدًا عن المكان.

أكملت سيرى فى شارع الجيزة، دبابات الجيش تقف على مقربةٍ من كوبرى الجلاء وفندق الشيراتون، عربات الشرطة تجوب الشوارع، من إحدى العربات، ومن نافذتها الأمامية، يُخرِج ضابط لافتةً حمراءَ، مكتوب عليها ارحل، السيارات تُحَييه وتصفق له، فيردّ سائق العربة التحيةَ بسيلٍ منهمِر من آلة التنبيه، اتجهت يسارًا صوب شارع التحرير المزدحم بالمشاة، أمام محطات البنزين طوابير طويلة، السائقون يتجاذبون أطراف الحديث ويضحكون، يأكلون ويشربون، أحدهم لصق على الزجاج الخلفى لسيارته، ارحل، حَييتُه فقال، قاطعين البنزين، فاهمينا حنيأس! حننزل التحرير إن شا الله بنزحف ونقوله ارحل! يصفق له بقية السائقين، مررت على فرن الخبز، علَم مصر كبير على واجهة المخبز، حييت الحاج عبدالرزاق صاحب الفرن، وسألته عن أحواله، فهِم سؤالى، اتطمن يا دكتور العيش كتير، وخير ربنا كتير، وإحنا شغالين، ومش حنقفل خالص، الجيش مَر علينا وقال أى مشكلة نبلّغهم، همّا موجودين معانا وجنبنا فى الميدان. تذكرت زين، أين أنت الآن يا زين؟ وما هو المكان الذى تؤمّنه برجالك وحياتك؟ ابتسمَ الحاج عبدالرزاق، وأكد علىّ، البلد فى إيدين أمينة يا دكتور، الجيش وزع علينا دقيق زيادة، وقال أى مشكلة نتصل بيهم، واحنا شغالين زى العادة وأكتر، والنهارده الوقفة وبُكره العيد.. ولوّحت له أودّعه متفائلًا، بُكره العيد يا عبدالرزاق، وعلى رأى الأغنية، بُكره العيد وحنعيّد وندبحك يا شيخ سيد(7).

وتدوى الأغنية فى أُذنى، بُكره العيد وحنعيّد، وندبحك يا شيخ سيد، وأغنيها هامسًا مبتسمًا فى الشوارع المزدحمة المكتظة بأهل مصر يستعدون للعيد، وصوت فلاحة مختار يدوى فى قلبى، لا تخَف، لا تخَف! 

لاأزال أسير على قدمَى، من شارع التحرير لشارع الدقى، لشارع مصدّق، عمارات كثيرة تخرج من نوافذها أعلام مصر تلوّح فى السماء رسالة تحدٍ وطمأنينة، محلات الطعام تلصق الأعلام على زجاج واجهاتها. ما أزال أسير على قدمَى صوب بيتى فى المهندسين، الشوارع زحام، والمارة كثيرون، علَم مصر ينتشر على السيارات وشرفات البيوت ونوافذها، وعلى واجهات المحلات، أشم رائحة النصر، طفل صغير يلوّح بعلَم مصر، آخَر يرفع علامة النصر بكفّه الصغيرة، يشبِه حمزة، حمزة سينزل غدًا مع وداد، سألتنى عن رأيى، قلت لها، طبعًا تاخديه معاكى، يعيش معاكى اللحظة، اللى عمرها ما حتتمسح من ذاكرته. طمأنتها، ما تخافيش يا وداد، الجيش والشرطة فى الشوارع لحماية الشعب. ضحكت وقالت، مش خايفة، ولا حد خايف. أسير فى شارع محيى الدين أبو العز، المحلات صاخبة، وكأن هذا الشعب لن يَخرج غدًا لينتفض ويفرض إرادته الوطنية على التاريخ والحاضر وعلى العالم كله، المارة يتضاحكون، سيدة فى الخمسينيات تقف على ناصية شارعى محيى الدين أبو العز من ناحية شارع جامعة الدول العربية، تلوّح بالعلَم وتهتف، ارحل ارحل، باعة الأعلام ينتشرون فى شارع جامعة الدول العربية، يبيعون أعلامًا وقبّعاتٍ وأقنعةً بعلَم مصر، وأبواقًا بلاستيكية وأساورَ وعقودًا كلها ملونة بألوان العلَم، أستنشِق رائحة القاهرة فى قلبى، أستنشِق رائحة مصر، أستنشِق رائحة الإصرار والشجاعة، رائحة الانتصار، الآنَ، مطمئنًا، أستطيع أن أقول إن هذا الشعب أخذ القرار، سينتفض ويثور، وأخذ القرار سينتصر ويفرض إرادته الوطنية، الآن، مطمئنًا، أستطيع أن أقول إن مصر تتحرك صوب المستقبل، وتتخلص من أسمال وقيود وكراهية ومؤامرة الجماعة الفاشية.. وبُكره العيد وحنعيّد، وندبحك يا شيخ سيد، بُكره العيد وحنعيّد، وندبحك يا شيخ سيد و.. لا تخَف، لا تخَف.