الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كتاب و أديب.. «سوزانا» الراهبة التى هزت أرجاء أوروبا فى القرن الـ18 "الحلقة 8"

الرواية التى نعرضها لكم هذا الأسبوع أحداثها واقعية، هزت أنحاء أوروبا فى القرن الثامن عشر.



بطلتها تدعى «سوزانا» كانت قد أرسلت رسالة إلى برلمان باريس عام 1796 تطلب من أعضائه أن يحلوها من قسم الرهبنة التى أرغمت  عليه من قبل أهلها حتى يتخلصوا منها، ويضمنوا ألا ترث أى شىء من أموالهم، وألا تنغص حياة أختيها فتحولت حياتها لكابوس.

 

هذه الرسالة التى التقطها الروائى والأديب الفرنسى دنيس دیدرو (الذى ولد فى 5 أكتوبر 1713 فى مدينة لانجر، وتوفى فى 31 يوليو 1784 بباريس).

وديدرو هو فيلسوف فرنسى وكاتب وموسوعى وهو أيضًا «كاتب مسرحى ومقالة وفنى»، والده حرفى، برز بإشرافه على إصدار موسوعة الفنون والعلوم والحرف وبتحرير العديد من فصولها وبكونه أول رئيس تحرير لها. وهو من قادة حركة التنوير.

ولم يتحمل ديدرو الأحداث التى جرت لسوزانا تلك الشابة التى رفضها والدها بعد أن علم أنها نتاج خيانة زوجته، فرفضها وطلب من زوجته أن تتخلص منها حتى لا ترث أمواله أو تكون فى يوم ما مصدر إزعاج لابنتيه.

وكان هذا الطلب هو طوق النجاة للأم التى كانت تريد أن تتخلص من عذاب الضمير، وأن تتخلص من خطيئتها المتجسدة فى ابنتها سوزانا، تلك الطفلة التى كانت تتساءل عن سبب معاملة أبيها السيئة لها وبالرغم من كل شيء تقوم به لإسعاده  إلا أن الرفض المستمر هو الجواب.

وبالفعل  قامت الأم بتسليم الابنة لأحد  أديرة  الراهبات حيث ظلت تعانى من رئيسة الدير الغليظة القلب، التى تضطهدها وتحبسها وتجردها من ملابسها وتعذبها وتحرمها من الطعام وذلك عندما أعلنت لها أنها تريد كسر نذرها وأنها  أرغمت عليه وذلك بعد أن عانت كثيرًا من المعاملة السيئة المستمرة.

وبعد أن فاض بها الكيل اشتكت «سوزانا» إلى أحد الكهنة الذى هيأ لها سبيل الانتقال إلى دير آخر.

 وهناك لم تسلم سوزانا من تجاوزات كثيرة وانتهاكات غير مقبولة من ظلم وقسوة من الأخوات الأخريات.

وظلت سوزانا تناشد القضاة وأعضاء البرلمان عن طريق محامٍ حاول مساعدتها  إلا أن طلبها رفض، ولم يكن أمامها سوى الهروب والتى تأذت منه وجرحت كثيرًا حتى ماتت متأثرة بجراحها.

تأثر ديدرو من قصة سوزانا وهو الفيلسوف قائد حركة التنوير فقرر أن يكتبها وقد عنى بمراجعتها وتنقيحها، وأوصى بنشرها بعد موته، ورأت هذه القصة النور فى 1796 فى عهد الثورة الفرنسية وفى 1865 أحرقت قصة «الراهبة» علنًا بناء على أمر من محكمة السين.

كان يشعر ديدرو  بمرارة بالغة جراء ما يجنيه الأبناء الذين حكم آباؤهم عليهم بالعيش بين جدران الدير وهم كارهون لهذا العيش.

وكان يأمل ديدرو أن يساعد سوزانا بنشر قصتها عن طريق اكتساب تعاطف البرلمان ولكن دون جدوى، فأعاد كتابة مذكراتها فى رواية «الراهبة» ليخلد ذكراها على مدى قرون.

رواية الراهبة وبالرغم من أنها كتبت عام 1760  فإنها لم تترجم للعربية  إلا فى عام 2010 عن طريق مشروع «كلمة» التابع لأبوظبى.

وتعتبر رواية «الراهبة» من أمهات الكتب الكلاسيكية وتشكّل إرثًا للإنسانية جمعاء، الأمر الذى جعل منها مادة للدراسة فى ثانويات وجامعات أوروبية كثيرة، بوصفها نموذجا ساطعًا لأدب القرن الثامن عشر الذى شهدت فيه أوروبا نزوعًا قويًا إلى إعلاء شأن العقل والعدالة الاجتماعية والتخلى عن الخرافات والجهل والظلم، كما اعتبرت صرخة مدوية، ضد أحد أشكال القسر والاستعباد، التى كانت تمارس، باسم الدين، فى أديرة الرهبان والراهبات فى ذلك الوقت، وهو ما تناوله العديد من الأدباء والكتَّاب حتى يومنا هذا.

لم تكن رواية «الراهبة» هى الرواية الوحيدة التى أثارها ديدرو بل كانت حياته كلها عبارة عن مجموعة مواجهات مع رجال الدين ففى بداية مساره، درس ديدرو الفلسفة فى كلية اليسوعيين، ثم ارتأى العمل رجلًا للدين فى الكنيسة قبل دراسة القانون لمدة وجيزة.

تبرأ والده منه عندما قرر أن يصبح كاتبًا فى عام 1734. عاش حياةً بوهيمية طيلة العقد التالى كتب العديد من أعماله الأكثر شهرة فى أربعينيات القرن الثامن عشر فى مجالى الخيال الروائى والواقعى، ومن ضمنها رواية «الحلى الظاهرة».

فى عام 1751، شارك ديدرو فى إنشاء موسوعة إنسيكلوبيدى مع لورن دالمبير. وكانت أول موسوعة تضم مساهمات العديد من الكُتَّاب المذكورين، والأولى فى وصف الفنون الميكانيكية. أثار أسلوبها العلمانى والذى اشتمل على مقالات مشككة حول معجزات المسيح غضب السلطات الدينية والحكومية.

 فى عام 1758، حظرت الكنيسة الكاثوليكية الموسوعة، وحظرتها الحكومة الفرنسية أيضًا فى عام 1759، إلا أن هذا الحظر لم يُنَفذ بشدة.

 غادر العديد من المساهمين الأولين المشروع بسبب قضاياها المثيرة للجدل، بل أن بعضهم سُجن. وغادر دالمبير المشروع فى عام 1759، تاركًا ديدرو المحرر الوحيد للموسوعة. أصبح ديدرو المساهم الرئيسى، وكتب بنفسه نحو 7000 مقالة. تابع العمل فى المشروع حتى عام 1765. وبحلول نهاية ضلوعه فيه كان يائسًا بشكل متزايد من الموسوعة، وشعر بأن المشروع بأكمله كان مضيعةً للوقت. رغم ذلك، تُعتبر موسوعة إنسيكلوبيدى من محفزات الثورة الفرنسية.. عانى ديدرو ماليًا خلال معظم مسيرته المهنية، وحصل على تقدير رسمى ضئيل جدًا لجدارته، ومن ضمنها تجاهل عضويته لأكاديمية اللغة الفرنسية. تحسن وضعه المادى بشكل كبير فى عام 1766، حين دفعت له الإمبراطورة الروسية كاثرين الثانية 50,000 فرنك عندما علمت بمصاعبه المالية ليعمل أمين مكتبة لديها. بقى فى منصبه هذا لبقية حياته، وقضى بضعة أشهر فى محكمة سانت بطرسبرغ بين عامى 1773 و1774.

استندت سمعة ديدرو الأدبية بشكل أساسى على مسرحياته ومساهماته فى الموسوعة، إذ نُشرت العديد من أعماله بعد وفاته فقط، ومن ضمنها جاك القدرى، وابن شقيق رامو، ومفارقة حول الممثل، وحلم دالمبير.

توفى ديدرو بسبب مرض الانصمام الرئوى فى باريس فى 31 يوليو 1784. دُفن فى كنيسة سانت روش. بعث ورثته مكتبته الكبيرة للإمبراطورة كاثرين الثانية والتى بدورها أودعتها فى المكتبة الوطنية فى روسيا. رُفض دفنه مرات عديدة فى مقبرة العظماء إلى جانب الشخصيات الفرنسية البارزة. ارتأت الحكومة الفرنسية تخليد ذكراه بهذا المنوال فى الذكرى 300 لولادته، ولكن ذلك لم يتحقق.

فى عام 1966 تحولت رواية «الراهبة» إلى فيلم فرنسى حمل الاسم نفسه الذى حقق نجاحًا تجاريًا إلى حد كبير. وقامت الحكومة بمنع عرضه لمدة عام  إلا أنه أعيد عرضه مرة أخرى ولا يزال يحقق مشاهدات كثيرة على شبكة الإنترنت.

لم تكن رواية «الراهبة» هى الرواية الوحيدة التى تناولت تلك المشكلة فى ذلك الوقت فقد صدرت رواية أخرى بعنوان «الراهبة الإسبانية» وهى ما سنعرضها لكم الأسبوع المقبل بإذن الله.