الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هل لاتزال تواجه مجتمعـًَا متحجرا: .. مسرحية (بيت روز).. هموم المرأة العصرية على طاولة الاعتراف

داخل قاعة (صلاح عبدالصبور) بمسرح الطليعة بالعتبة، تحول الجمهور من مجرد مشاهد عادى إلى شريك أساسى فى العرض المسرحى (بيت روز)، حيث التف الحضور حول منضدة تتوسط القاعة، تجلس عليها أربع صديقات فى عمر الثلاثين، قررن أن يلتقين بعد طول غياب داخل مقهى (بيت روز) وبينما تعرض شاشة مثبتة على أحد جدران المقهى لقطات من فيلم (الباب المفتوح) ذلك الفيلم الذى ناقش حقوق المرأة وهمومها فى الستينيات من القرن الماضى.



 

 يتحول لقاء الفتيات الأربعة (سالى سعيد، ونادية حسن، وسماح سليم، وهاجر حاتم) إلى جلسة مكاشفة، أقرب إلى البوح والفضفضة، تكشف فيها الفتيات عن هموم وأوجاع لا يظهرنها فى العلن، بل يتفنن فى إخفائها وسط ضغط مجتمعى رهيب، وفكر ذكورى متحجر، لا يزال يكبل المرأة ويعيق تقدمها، فيجبرها أحيانا على العيش مع زوج قاس وعنيف خوفا من الطلاق، أو القبول بآخر دون حب خوفا من العنوسة، أو يترك بداخلها ندبات لا تمحى بفعل واقعة تحرش قديمة.

 مفاتيح النفس البشرية

تحديات كثيرة صاحبت العرض، أولها أن من تصدى لكتابته وإخراجه بكل ما يحتويه من انفعالات ونقلات نفسية معقدة رجل، وهو الكاتب والمخرج المسرحى «محمود جمال حدينى» فضلا عن اختياره تقديم المسرحية من مشهد واحد طويل، وبديكور ثابت طوال العرض، مع عدم اعتماده على وجود خشبة مسرح بالمعنى التقليدى، وعن كل هذه التحديات يقول «حدينى»: «لا أومن بالفكرة السائدة أن المرأة هى أفضل من تكتب عن المرأة، بل أعتبر المسرح النسوى به نوع من التقليل من شأن المرأة، وفى رأيى أن المؤلف لا بد أن يمتلك نسخة من مفاتيح النفس البشرية على اختلافها، وبالتالى يستطيع أن يكتب عن المشاعر النفسية أيا كان أصحابها، فلدى القدرة عن التعبير عن معاناة الأطفال، والعجائز، والفقراء حتى وإن لم أشعر بها يوما». وعن المدة التى استغرقها فى كتابة النص يقول: «هذا هو أسرع نص كتبته فى حياتى، حيث استغرق يوما واحدا فقط فى كتابته، لكن الوقت الأكبر قضيته مع البطلات فى البروفات التى استغرقت قرابة الأربعة أشهر، من أجل النقاش فى جميع تفاصيل العمل، وضبط انفعالات ومشاعر الشخصيات».

وعن النقلات النفسية العنيفة الموجودة فى العرض، والتى تتطلب مجهودا كبيرا من البطلات من أجل خروجها للنور ما بين ضحك وبكاء، وحزن وتأثر يقول: «لقد قرأت فى علم النفس كثيرا، وبالتالى فأنا أصنع شخصياتى، وأضع نصب عينى دوافعها، وردود فعلها فى المواقف المختلفة، وخلفياتها، وهو ما ظهر جليا فى العرض».

 أما عن اختياره لديكور العرض بحيث يبدو الجمهور كما لو كان عبارة عن مجموعة من رواد المقهى قرروا التلصص على الفتيات الأربع، يقول: «أنا أحب التجربة والمغامرة، والخروج عن المألوف، وقدمت فى (بيت روز) دراما غير تقليدية، لا تعتمد على البداية والوسط والنهاية، بل اعتمدت فيها على العنصر النسائى فقط رغم أن كثيرا من المسرحيين يرون أن المسرحية التى يلعب بطولتها فتيات فقط تفقد الإيقاع، وهوما ثبت عكسه، وبالتالى فعلينا طوال الوقت أن نسعى للتجريب، ومحاولة فهم سيكولوجية المتلقى التى اختلفت كثيرا عن الماضى».

أما عن دلالة عرض فيلم (الباب المفتوح) فى الخلفية فيقول: «الفيلم من أهم الأفلام التى ناقشت حقوق المرأة وهمومها منذ ستين عاما، بل وعرضت نموذج الرجل صاحب الوجاهة الاجتماعية، والعلمية لكنه يريد أن يستعبدالمرأة ويعاملها كجارية، والذى يمثله الفنان الراحل «محمود مرسى» ونموذج الرجل الذى يريدها شريكة، دون أن تفنى نفسها فيه، ويفتح لها الباب لكى تنطلق، وتبدع، وتعيش الحياة، وفى رأيى أن المرأة لازالت تحتاج حتى اليوم إلى من يدلها على الباب المفتوح، ولا سيما أنها لازالت تستضعف تحت كثير من المسميات الخداعة كتقاليد المجتمع وأعرافه».

تقلبات نفسية

«سالى سعيد» واحدة من بطلات العرض، والتى صنعت بصمة واضحة فى العديد من الأعمال التى شاركت بها، وعلى رأسها العرض المسرحى (سالب واحد) الذى قدمت فيه دور أم لطفل يعانى من إعاقة ذهنية وجسدية، وحظيت بإشادة نقدية وجماهرية كبيرة، فضلا عن أنها أول من قرأت نص مسرحية (بيت روز) بصفتها زوجة مؤلف العرض ومخرجه، وعن ذلك تقول: «قرأت النص بمجرد أن انتهى «محمود» من كتابته، وشعرت حينها برغبة شديدة فى المشاركة فى بطولة هذا العمل، وقد كان انطباعى عنه منذ اللحظات الأولى بأنه مختلف وجديد».

وعن أصعب ما فى دور «سارة» الشخصية التى قدمتها فى المسرحية تقول: «قضينا وقت طويل برفقة المخرج من أجل التدريب على النقلات النفسية والتقلبات التى تحدث للشخصيات بين لحظة وأخرى، وهى أصعب ما فى الشخصية التى تعانى من العصبية والمزاجية الشديدة، وتعانى من نظرة المجتمع أيضا بصفتها متحررة طبقا لمقاييسه، كما أنها مضطرة أن تضع قناعا مزيفا طوال الوقت بصفتها واحدة من مشاهير التواصل الاجتماعى، وكل هذه التفاصيل خلقت تركيبة نفسية صعبة».

ذاكرة انفعالية

تعد مسرحية (بيت روز) التجربة المسرحية الأولى لـ«هاجر حاتم» والتى عملت فى الصحافة لسنوات طويلة، ثم قررت مؤخرا الالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية، وعن تجربتها تقول: «ظننت فى البداية أن دورى فى (بيت روز) سيكون دورا ثانويا، لكننى بعد قراءة النص فوجئت بأن الأربع فتيات بطلات، والغريب أننى تمنيت أن لا يتم اختيارى لتقديم شخصية «نوران» لأنها هادئة وخجولة، وهو الأمر المخالف لطبيعتى، لكن المفاجأة أن المخرج قد رآنى فى شخصية «نوران».

وعن الاستعدادات لتقديم الشخصية تقول: «قضينا وقتا طويلا فى البروفات، وفى بعض البروفات كان «حدينى» يطالبنا بالارتجال من الشخصيات دون الالتزام بالنص المكتوب، كان يقصد من ذلك أن يجعل الشخصيات تألف بعضها البعض، وهو ما حدث بالفعل».

وعن تأثرها لدرجة البكاء فى بعض المواقف تقول: «تعلمت فى معهد الفنون المسرحية استدعاء الذاكرة الانفعالية، ومعايشة الشخصية، وكنت انزعج فى ليالى العروض الأولى عندما لم أتمكن من البكاء أحيانا، لكن نصحنى «حدينى» بألا استدعى الدموع بالقوة، لأن عيونى تتحدث عما بداخلى وقد التزمت بالنصيحة».

وعن ردود فعل الجمهور بعد العرض تقول: «تلقيت ردود فعل إيجابية كثيرة، لكن أكثر المواقف التى أثرت بى هو قيام بعض الفتيات بالبكاء بعد العرض، وطلب بعضهن معانقتى، حيث أشعر حينها أن الدور لمس شيئا بداخلها».