حالة فريدة فى مصر والوطن العربى شيماء النوبى لـ«روزاليوسف»: أحلم بأن أكون أول مبتهلة معتمدة فى إذاعة القرآن الكريم

هاجر عثمان
كانت طفلة فى العاشرة من عمرها، عندما جذبها هذا الصوت الذى يناجى ربه عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، وكأنه صوت قادم من السماء، لم تكن تعرف آنذاك أسماء هؤلاء المبتهلين أمثال الشيخ النقشبندى ونصر الدين طوبار، ولكن بدأت تقلد هذه الأصوات، وتقدم فقرات فى الإذاعة المدرسية، جعلت عائلتها تهتم بموهبتها وتشجعها على الانضمام لفرق مختلفة لاكتشاف المواهب. حتى نجحت فى أن تصبح أول مبتهلة دينية فى مصر والوطن العربى، واخترقت هذا المجال الذى ظل حكرًا على الرجال منذ سنوات طويلة، كما صنفت من بين أهم 100 امرأة فى العالم عام 2016 وفقًا لتصنيف هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
عن الرحلة تتحدث المبتهلة الدينية شيماء النوبى لروزاليوسف، كيف تتبعت حلمها وشغفها فى تقديم الابتهالات والتحديات التى واجهتها.
فى البداية.. كيف أصبحت شيماء النوبى أول مبتهلة فى مصر والوطن العربى؟
- علاقتى بالابتهالات بدأت منذ الصغر فى العاشرة من عمرى تقريبًا، كنت طفلة شغوفة بالاستماع لإذاعة القرآن الكريم وخاصة الابتهالات المصاحبة لأذان الفجر، بالطبع لم أفهم آنذاك ما هذا الصوت وماذا يُسمى؟، لكن كنت أحاول تقليد هؤلاء المبتهلين. انتبهت عائلتى لموهبتى وشجعونى فى سن صغيرة على الالتحاق بفرق اكتشاف المواهب مثل فرقة سليم سحاب بالأوبرا ثم فرقة الكحلاوى، ومسرح البالون.
واستمرت الرغبة وتطوير الموهبة فى أداء الابتهالات مع سنوات عمرى حتى انتهيت من المرحلة الجامعية، ثم التحقت بدراسة حرة لعلم النغم والمقامات الموسيقية، وهناك اكتشفت طريقى وأن الإنشاد ليس مدرستى، ولكن الابتهالات هى مقصدى، ومع الدراسة والاستماع الجيد أصبح لدىَّ رصيد من الابتهالات وانطلقت عام 2013 كأول امرأة فى مصر والوطن العربى تقدم الابتهالات.
ذكرتِ أن الإنشاد الدينى ليس مدرستى.. ربما يعتقد الكثيرون أن الإنشاد والابتهالات مدرسة واحدة هل لكِ توضيح الفرق بينهما؟
- نعم هناك فرق كبير يتسبب فى الخلط لدى الكثيرين. فلنبدأ بالغناء الدينى وهو ما يؤديه مطربون وتصاحب الأغانى الآلات موسيقية واشتهر بهذا النوع كل من ياسمين الخيام، محمد الكحلاوى، سامى يوسف، ماهر زين وآخرون، أما الإنشاد الدينى فينبثق منه مدرستا المديح والذكر وتصاحبها الآلات الموسيقية، بينما الابتهالات هى مدرسة أخرى تأتى مباشرة بعد مدرسة تلاوة القرآن الكريم، عبارة عن مناجاة وتضرع لله سبحانه وتعالى بدون اصطحاب آلات موسيقية مع المبتهل، وهناك أسماء كبيرة فى عالم الابتهال على رأسهم الشيخ على محمود، النقشبندى، طه الفشنى والشيخ نصر الدين طوبار.
بينما التواشيح الدينية هى مدرسة أخرى يستلزم وجود البطانة أو الجوقة التى ترد على مؤدى التواشيح. وفى رأيى أن معظم المقرئين للقرآن قادرون على الابتهال، مثل الشيخ محمد عمران.
ولماذا ظل عالم الابتهال حكرًا على أصوات الرجال فقط؟
- نجاح أداء الابتهالات يعتمد على جانبين؛ الصدق فى المناجاة والتعبير عن المشاعر الروحانية بعذوبة وتلقائية والجانب الثانى الإمكانيات الصوتية وتكنيك إلقاء الابتهال، وهو ما جعلها حكرًا على الرجال. وفى اعتقادى اقتصار أداء الابتهالات على الرجال فقط لامتلاكهم طبقة صوتية تناسب طبيعة الابتهال الذى يعتمد على المناجاة فى الخشوع وهى طبقة «القرار» فى الصوت والتى نادرًا ما تمتلكها النساء، عادة النساء صاحبات صوت سبرونوا حاد رفيع، لا يلائم إطلاقًا البدء فى المناجاة والابتهال، وقليل من النساء يمتلكن خامة الصوت الرجالى أى «القرار» منهن السيدة أم كلثوم لديها القرار والجواب مميزان، وبفضل الله منحنى فى صوتى هذه الطبقة «القرار»، وهو ما ساعدنى فى إلقاء الابتهالات التى تحتاج أن نبدأها بصوت فيه خشوع، تضرع ومنخفض وليس حادًا عاليًا.
وبلا شك أن الابتهالات هى مدرسة صعبة، والنساء يفضلن الذهاب للإنشاد لأنه أسهل ويعتمد على المجموعة والمصاحبة بالآلات الموسيقية، وهو ما أدى للخلط فى الثقافة الفنية فى مصر التى تعمم مصطلح الإنشاد على الجميع سواء مبتهل أو يمدح أو يُلقى تواشيح دينية، ولكن يظل المبتهل يمتلك قدرة على الإنشاد والغناء بينما لا يستطيع المُطرب أو المُنشد الابتهال.
متى شعرت أن الحلم أصبح حقيقة كمحترفة وليس هاوية؟
- فى الحقيقة الطريق كان طويلاً وتطلب جهدًا كبيرًا بدأ منذ عشر سنوات لبناء قاعدة جماهيرية أصبحت تحضر حفلات اليوم، وتطلب ابتهالاً معينا أو مقطعًا من السيرة. وخلال السنوات الماضية حاولت كثيرًا تطوير ما أقدمه، لم أكتفِ فقط بإلقاء الابتهالات، ولكن قدمت السيرة الهلالية وأغانى فولكلورية أيضًا، ونجحنا مع الفرقة فى إحياء الفولكلور من خلال مزيج موسيقى شرقى غربى، ولأول مرة أدخلنا الآلات الموسيقية مع الابتهالات، وقد استشرت الشيخ طه الإسكندرانى نجل شيخ المبتهلين الشيخ إبراهيم الإسكندرانى، فى إمكانية إلقاء الابتهال بمصاحبة الآلات الموسيقية وأخبرنى أنه لا بأس من ذلك، وكان هدفى من التطوير فى الابتهال مع الاحتفاظ بالمدرسة القديمة، جذب شريحة جديدة من الجمهور وخاصة المراهقين/ ات، وبالفعل لاحظت بعد عدة حفلات هؤلاء المستمعين الجدد من أعمار 13 و14 و15 سنة، وأكون سعيدة للغاية عندما يطلب أحدهم التصوير بجانبى، وشعرت أنى أسير على الطريق الصحيح، يجب أن يكون لدى رسالة سواء من الابتهال أو السيرة الهلالية أو غناء الفولكلور الشعبى. لأن «الفن من غير رسالة ملوش لازمة»!
قرأت تصريحًا سابقًا برغبتك فى تقديم الابتهالات باللغة الإنجليزية؟
- هو حلم ينطلق من رؤيتى لتقديم رسالة، وأرى أن الابتهالات فن الروح، وتلعب دورًا كبيرًا فى رفع ذائقة المستمعين فى ظل موجهة الانحدار وانتشار الكلمات غير اللائقة فى ألوان غنائية مختلفة، وجاءتنى فكرة تقديم الابتهالات باللغة الإنجليزية من ردود الفعل الكبيرة التى أتلقاها من حفلاتى خارج مصر فى أوروبا، وهذا التفاعل الذى يحدث مع جمهور لا يتحدث اللغة العربية ولكنه يتواصل روحيًا مع ابتهالاتى، فالابتهال عابر للديانة واللغة، حتى إن صديقة فرنسية جاءت لمصر وأشهرت إسلامها فى الأزهر، وسعيدة أن ما قدمته من ابتهالات كان بابًا صغيرًا دخلت منه هذه الصديقة لعالم أرحب فى التعرف على الدين ودراسته بشكل أعمق.
وأخُطط خلال الفترة المقبلة لدراسة كيفية تقديم الابتهالات باللغة الإنجليزية، ورسالتى منها نشر السلام والمحبة فى العالم ومواجهة أى تطرف.
كفتاة صعيدية من الجنوب.. هل واجهت تحديات لدخولك عالم الابتهال وغناء السيرة؟
- على المستوى العائلى حظيت بدعم غير مشروط، ولولا أمى ما كنت وصلت لشىء أو حققت أى نجاح، كانت مؤمنة بموهبتى ولديها ثقة كبيرة فى حلمى ومعافرتى فى الوصول لما أردت أن أكون عليه، كانت السند والدعم فى فترات الانهيارات والإحباط، رغم أن بداية المشوار لم تكن واضحة كما هو الآن، كانت أسرتى لا تعلم ماذا أريد هل أكون منشدة أم مبتهلة وما الفرق بينهما.
أما على المستوى المهنى وبعد الاحتراف وانطلاقى فى الحفلات سواء خارج وداخل مصر، فكانت تصلنى تعليقات سلبية مثل «صوت المرأة عورة»، «اتجوزى واقعدى فى البيت»، «ركزى فى بيتك وصوتك فى الغناء حرام شرعًا» وغيرها من عبارات التحريم والرفض. ولكن كل هذه التعليقات لا تترك فى نفسى أى تأثير لأن فى «ناس فاضية متخصصة تحبط أى شخص ناجح وتصدر له طاقة سلبية»، ولكن لدىَّ ثقة كبيرة فى موهبتى، وفخورة بما وصلت له، لقد رسمت طريقى بمفردى ولست فى منافسة مع أحد، ليس هناك نساء قبلى خضن تجربة الابتهال، وأطمح أن أشجع نساء أخريات يرغبن فى تقديم هذا الفن الرفيع».
أنتِ تحملين عضوية نقابة المهن الموسيقية.. هل الابتهال مرحلة تمهيدية للغناء؟
- عضويتى لنقابة الموسيقيين اضطرارية لأن مازالت نقابة الإنشاد الدينى لم تحصل على التراخيص والاعتماد المؤسسى، للأسف الشيخ محمود التهامى بذل مجهودًا كبيرًا لإشهار النقابة، ولكن حتى الآن لم تُعتمد. وليس لدىَّ مانع من تقديم أغانٍ مختلفة بجانب الابتهالات، ولكن سيتم اختيار كلماتها بعناية ودقة، لن تكون أغانى عاطفية تتحدث عن «هجر الحبيب والعتاب والأى كلام، لأنى أحترم جدًا مكانة وهيبة تقديم الابتهالات». ولكن ليس هناك مشكلة فى أغانٍ اجتماعية وصوفية ومواويل تحكى العظة وتمدح الأخلاق الحميدة، ولدىَّ بالفعل أغانٍ حالية تعاونت فيها مع شعراء متعددين مثل أغنية «الشيخ الحسن الشاذلى» من كلمات: حسن رياض، ألحان: وليد منير وتوزيع: وليد مصطفى، وأغنية «ولد ابوك».
هل تعتقدين أن شركات الإنتاج تتبنى مشروعك ويكون هناك ألبوم يحمل أول صوت نسائى للابتهالات؟
- نعم، المناخ إيجابى جدًا لهذه التجربة، وتأكدت من ذلك خلال مشاركتى فى إحدى الفاعليات الثقافية التابعة لإحدى المؤسسات الرسمية بالدولة، والتى لن أستطيع الإفصاح عن تفاصيلها الآن، ولكن لمست تقديرًا كبيرًا من القائمين على الفاعلية وفهم لطبيعة مشروعى، بل تعاقدت معى إحدى شركات الإنتاج على تقديم الابتهال واحترامهم لجميع الشروط والأجر المطلوب. وأعتقد نحن كمبتهلين ومنشدين نستحق التقدير وأن نحصل على أعلى أجر، نحن نقدم أفضل صوت ونذكر اسم الله ورسوله.
فى رأيك.. هل يمكن أن يصل صوت الابتهال النسائى لإذاعة القرآن الكريم قريبًا؟
- حلم حياتى اعتمادى كمبتهلة فى إذاعة القرآن الكريم، وأتذكر أن الشيخ أحمد نعينع استمع لصوتى فى أحد اللقاءات وأثنى عليه، ولكن عبر عن عدم إمكانية الاعتماد للصوت النسائى فى الإذاعة نظرًا للوائح، والتى منعت أصوات مقرئات نساء مصريات بعد الحرب العالمية الثانية من التلاوة على إذاعة القرآن الكريم، من منطلق أن «صوت المرأة عورة»، وكانت أصواتهن جيدة للغاية مثل الشيخة كريمة العدلية وسكينة حسن، حتى إن الشيخة كريمة كانت تتقاضى خمسة جنيهات نصف أجر الشيخ محمد عمران والذى كان يتقاضى 10 جنيهات. حلمى عودة المقرئات النساء للإذاعة مرة ثانية وأن يكون ذلك انفراجة لظهور أصوات نسائية للابتهالات.
ما خططتك القادمة؟
- نجهز لعدة حفلات بمركز الربع الثقافى والجامعة الأمريكية، وأحضر لإطلاق ألبوم جديد يحمل مزيجًا موسيقيًا شرقيًا غربيًا لأغانى الفولكلور، وبجانب حفلاتى لدىَّ جمعية أهلية لجمع التراث الفنى، وهى تهتم بجمع كل ما يخص تراث الإنشاد والابتهالات والفولكلور وكذلك الآلات الموسيقية الشعبية والشرقية، ونقوم بتدريب شيوخ وأصوات نسائية شابة فى الإنشاد والابتهالات.