الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

دراما من زمن فات .. أرابيسك وزيزينيا دراما لهويتنا المفقودة! (الحلقة الثالثة)

بعد نجاح الملحمة الخماسية من «ليالى الحلمية» يستمر الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة فى البحث عن أسئلة وقضايا كانت تشغله منذ أول مجموعة قصصية «خارج الدنيا» عام 1967، ندخل عالم قد نعرف القليل منه والكثير الذى وثقه عكاشة فى رواياته وأعماله التليفزيونية على مدار تاريخه.. من خلال اثنين من أجمل مسلسلاته التى مازلنا نتذكرها حتى الآن وهما «أرابيسك» و«زيزينيا»، وهما من إخراج جمال عبدالحميد.



 

ما يقرب من 33 عاماً مرت على العرض الأول لكل منهما، الاثنان لهما مذاق وطابع استثنائى، لما يحملاه من واقع وتاريخ وشخصيات من لحم ودم نسجها أسامة أنور عكاشة بشغف يغلفه دوماً البحث عن الهوية المصرية، والتى جاءت على لسان شخصياته وقوامها والتغييرات التى طرأت عليها من أبناء الحارة الشعبية بطبقاتها المتوسطة والفقيرة وأيضاً الطبقات الأرستقراطية، فى نص شعرى من الحوار الذى يمزج بين الماضى والحاضر وأيضاً المستقبل. 

ولأن المؤلف كان شغوفًا ومهمومًا بالبحث الدائم عن قصص حقيقية تعبر عن الشخصية المصرية الأصيلة فى حارات مصر. استمرت تلك الأسئلة أيضاً فى الجزءين الأول والثانى من مسلسل «زيزينيا» من خلال شخصيات من عروق مختلفة فى مدينة الإسكندرية، هذا المزيج الثقافى المتعدد بين الإيطالى واليونانى والمصرى الأصيل، وهو ما جعل مصر قادرة على هضم هذا المزيج من تلك الثقافات، والتى شكلت شخصية مصر.. مزج تلك الثقافات التى اختلطت بالمجتمع المصرى منذ احتلال الرومان والفرنسيين والإنجليز على مدار العصور، جعل من مسلسلات مثل ارابيسك وزيزينيا مادة خصبة لتشريح تاريخ وطبقات مصر، والتى مررها إلينا أسامة أنور عكاشة إلى قلوبنا بصيغة جعلتنا نتذوق طعمها حتى الآن. 

العلاقات بين الشخصيات دائماً متشابكة بشكل لا يشعر المشاهد بغربة أو عدم فهم لتلك التركيبة، والتى كانت جديدة فى بدايات صعود الأعمال التليفزيونية التى قدمها عكاشة منذ الثمانينات واستمرت حتى سنوات العقد الأول من الألفية الجديدة.

(1)

أنا السؤال والجواب، أنا مفتاح السر  وحل اللغز!

من «حسن النعمانى» لـ«بشر عامر عبدالظاهر»

بما أن السؤال الأهم الذى دائمًا ما كان يطرحه أسامة أنور عكاشة فى أعماله، حملت كل من الشخصيتين الأساسيتين فى مسلسلى أرابيسك وزيزينيا نفس السؤال، كل منهما يبحث عن هويته، حسن النعمانى حرفى الأرابيسك والمعروف عنه فى منطقته الشعبية أنه ابن بلد، يأتى بالحق لأصحابه، يقف فى مواجهة الظلم والفساد، مقابل تجارته التى فقدها..

لا ينسى أحد مشهد النهاية الشهير فى الحلقة الأخيرة من «أرابيسك» حين وقف «حسن النعمانى» أمام المتهمين فى التخشيبة، والتى بدت وكأنها فصل فى مدرسة، يلقى فيه درساً عن التاريخ والفن ويشرح لهم رؤيته لهوية مصر، هل هى هوية فرعونية، أم عربية إسلامية؟ 

فشخصية «حسن النعمانى» أو «حسن فتح الله النعمانى، طبقًا لشهادة الميلاد، أو حسن أرابيسك طبقًا لصنعته، أو حسن أبو كيفه كما تسميه شلة القهوة التى يجالسها.. تلك الشخصية التى جسدها ببراعة «صلاح السعدني» استوحاها أسامة أنور عكاشة من شخصية حقيقية اسمها «على حمامة» فى حى خان دويدار بخان الخليلى - الحى الذى ألهم الأديب والكاتب نجيب محفوظ فى رواياته-هى شخصية مصرية خالصة. 

يعيش «حسن أرابيسك» فى حى شعبى من أحياء القاهرة الفاطمية مع أمه (هدى سلطان) وأخيه حسنى (هشام سليم)، وأخته التى نعلم أنها تزوجت من أحد تجار الموبيليا الذين هم أيضا أحد ثمار قبح الانفتاح الاقتصادى الذى يواجهه حسن أرابيسك. يُعانى أرابيسك من آثار هذا الانفتاح الذى أفقد فن الأرابيسك الأصيل قيمته ضمن القيم التى فُقدت، ومن ضمنها قيم الحارة المصرية والتضامن الأهلى واحترام الكبير.

يحترف «حسن» صنعة الأرابيسك أو فن الزخرفة الإسلامى، والتى أخذها عن والده وأجداده. ومن وجهة نظر المؤلف أسامة أنور عكاشة فإن الأرابيسك معبر عن الأصالة والتراث الذى لم يُمح أبداً، رغم كل محاولات سلبه ومسخه.. وهو ما عبر عنها الشاعر سيد حجاب فى التتر المقدمة والنهاية التى غناها «حسن فؤاد» ولحنها «عمار الشريعي» :حوشوا لا ريح شاردة تقشقش عشوشنا.. 

 يعيش حسن النعمانى حالة الاغتراب والغربة بعيداً عن زمنه، وسط أهالى حارته وعائلته وأصدقائه، لكن يظل البطل ابن البلد الذى انتصر فى حرب أكتوبر، ولكن الواقع والانفتاح يضعه أمام تحد كبير ما بين السعى من جديد، أو السطل فى جلسات الحشيش.

على الجانب الآخر، نرى شخصية «بشر عامر عبدالظاهر» تبدو على النقيض تماماً من حسن أرابيسك، لكنها شخصية بألف لسان فى شخص واحد، كانت رمزاً لمدينة الإسكندرية نفسها ذات الخليط الثقافى، هو ابن الطبقة الأرستقراطية الراقية، التى استوطنت الإسكندرية فى بدايات القرن الماضى، بنصف مصرى، ونصف إيطالى، حائر بين الهويتين، فمصر هى البلد التى ولد فيها، وتطبع بثقافتها وعاداتها ولغتها وهمومها، بينما أسرة والدته تحاول جذبه إلى نصفه الأوروبى وإبعاده عن أولاد البلد الذى عرفهم وأحبهم، كما أحب نساء كثيرات بعلاقاته العابرة، أحب أيضاً حياة الزخم والرفاهية فى الرقص والسهر والمقاهى التى عشقها، لكنه يرفض كل محاولات أسرته الأوروبية جذبه والعودة الى موطنه وانتصر لفكرة أن الوطن هو البلد الذى تعيش وتحب فيه، وليس الذى جاء منه جدودك. . 

ربما ما جمع «الاثنين» رغم اختلافاتهما الاجتماعية والثقافية، إلا أنهما قريبان منا بأسئلة الهوية، التى جاءت على لسانيهما وألسنة باقى الشخصيات، وتلخص فى الجملة التى تبدأ فى تتر المقدمة من «زيزينيا»: أنا السؤال والجواب، أنا مفتاح السر وحل اللغز.. أنا بشر عامر عبدالظاهر»... 

 (2)

زيزينيا .. ثلاثية لم تكتمل!

فى مسلسل «زيزينيا»، يتناول الكاتب أكثر فترات التاريخ فى مصر حساسية، مليئة بالصخب والاضطراب بدءاً من أربعينيات القرن الماضى وتحديداً وقت بداية حرب فلسطين 1948 وعقب الحرب العالمية الثانية. ولأن الإسكندرية كانت المدينة التى أحبها أسامة أنور عكاشة، فقرر أن تكون هى ملحمته الثلاثية الثانية بعد خماسية «ليالى الحلمية».. كتبها فى ثلاثة أجزاء عن تلك المدينة الساحرة، الكوز موبوليتان باختلاط العروق والجنسيات، عن تاريخ المدينة التى لم يغيرها أى شيء الى أن زحف التيار الإسلامى المتطرف فى التسعينيات، ودمرها.

كان المخرج جمال عبدالحميد يتمتع بعلاقة طيبة مع المؤلف أسامة أنور عكاشة، خاصة بعد تجربة مسلسل «أرابيسك» الذى جمعهما لأول مرة.. بعد نجاح أرابيسك لم يكن «عكاشة» يحمل قدرًا كبيرًا من الثقة فى جمال عبدالحميد كمخرج يستطيع إخراج ملحمة درامية كالتى يكتبها عكاشة.. 

و«جمال عبدالحميد» القادم من عالم الفوازير، والعمل لسنوات طويلة كمساعد مخرج ومونتير ومصمم المقدمة والنهاية للعديد من المسلسلات التى أخرجها إسماعيل عبدالحافظ ويحيى العلمى، هو أيضاً يحب الإسكندرية مثلما أحبها الكثيرون منا.. كان يحلم بالعمل مرة أخرى مع مؤلف بحجم أسامة أنور عكاشة، 

فى العام 1996 اجتمع الاثنان مرة أخرى، ولكن فى المدينة التى أحبها الاثنان – الإسكندرية- وبدأ الإعداد وتصوير الجزء الأول والذى حمل اسم «الولى والخواجة»، والجزء الثانى «الليل والفنار».. لكن، لم يكتمل اللقاء بين كل من عبدالحميد وعكاشة لخروج الجزء الثالث للنور والذى يحمل عنوان «إبحار فى العاصفة».. حدث ذلك بسبب خلافات من ناحية الإنتاج، واعتذار أكثر من ممثل عن الاستمرار فى الجزء الجديد، إلى أن اشتدت الخلافات بين كل من المؤلف والمخرج، بسبب تدخل أسامة فى طريقة الإخراج – وهو ما ذكره جمال عبدالحميد فى أحد لقاءاته- وتطاوله بالسب والضرب على «هشام عكاشة» ابن الكاتب أسامة أنور عكاشة أثناء تصوير الجزء الثاني.. حدثت قطيعة استمرت لسنوات طويلة، لم يلتقيا مرة أخرى إلا قبل أيام من وفاة أسامة أنور عكاشة.. 

 (3)

 فى زيزينيا ... إسكندرانية هاى لايف 

فى تتر البداية بالجزء الأول من مسلسل «زيزينيا» كانت الشارة التى وضعها الكاتب أسامة أنور عكاشة والمخرج جمال عبدالحميد هي: دراما للتليفزيون فى ثلاثة فصول.. 

الفصل الأول: الولى والخواجة 

«فى الرمل إسكندرانية.... هاى لايف» كانت تلك هى الجملة التى تعبر عن مدينة الإسكندرية، لكونها مدينة عرفت على مدار التاريخ التى جمعت الطبقات الأرستقراطية والأجانب من مختلف الجنسيات، واجتمع هذا الخليط فى حى واحد اسمه «زيزينيا» والمعروف بالحى الراقى، ويقع بين منطقة الرمل وجليم وسان ستيفانو.. ويمتد حى «زيزينيا» فى وقتنا الحالى شمالا إلى طريق الكورنيش بالإسكندرية، ويقطع حى زيزينيا خط ترام النصر، وكذلك طريق الحرية، وينتهى جنوباً إلى آخر شارع إبراهيم العطار، وشارع رياض. 

يعود أصل تسمية حى «زيزينيا» إلى «الكونت استيفان زيزينيا» اليونانى الأصل الذى استقر فى الأسكندرية فى عهد محمد على باشا، وقتها كان يعمل القنصل العام لبلجيكا فى مصر، ثم أصبح واحدًا من أشهر وأكبر تجار القطن عام 1872. 

وفى كتاب «تاريخ البحرية التجارية المصرية» ذكر المؤرخ الدكتور خلف عبدالعظيم : « أنه يؤخذ على سعيد باشا أنه منح زيزينيا اليونانى الأصل، والحاصل على الجنسية الفرنسية، حق جباية رسوم مرور السفن عند هويس الإسكندرية، عند اتصال ترعة المحمودية بميناء ثغر الإسكندرية، وكان هذا الامتياز يدر أرباحا سنوية لزيزينيا، تقدر بـ 8 آلاف جنيه، وهو مبلغ ضخم فى ذلك الزمن .

أدرك سعيد باشا، بعد فوات الأوان أن حق جباية الرسوم عمل من أعمال السيادة الوطنية للحكومة، ولا يصح أن يتولاها الأجانب، فقرر سعيد باشا سحب امتياز زيزينيا، واسترداد ملكية الهاويس، لكن حصل زيزينيا على تعويض من الحكومة بلغ ثلاثة ملايين من الفرنكات، أو مايقارب من 120 ألف جنيه، رغم أن الحكومة المصرية كانت قبل زيزينيا هى التى تدير الهاويس، بل وقامت بتطهيره وعمل إصلاحات جيدة به»... 

أحب «ستيفان» الإسكندرية، وأدرك أهمية هذه المدينة، فبدأ فى شراء الأراضى وتعميرها عام 1854، واختار حى «الرمل» ليسكن به. وبعد مرور فترة من الزمن باع الخواجة جزءاً من الحى إلى الحكومة وذلك لمد خط الترام وبعد مد الخط بدأت المنطقة فى العمران وعرفها الناس وأقاموا بها فسميت المنطقة بحى زيزينيا نسبةً إلى صاحب المنطقة الأول وهو ذلك الاسم الذى يطلق على الحى إلى وقتنا هذا.

 

أرابيسك 

 

عدد الحلقات: 41

مدة الحلقة: 45 دقيقة

أول عرض: 11 فبراير 1994 / 1 رمضان 1414

تأليف: أسامة أنور عكاشة

اخراج: جمال عبدالحميد

البطولة: صلاح السعدنى، هدى سلطان، هالة صدقى، هشام سليم، لوسى، كرم مطاوع، حسن الأسمر، المنتصر بالله، لطفى لبيب، أبو بكر عزت أشعار: سيد حجاب 

ألحان وموسيقى تصويرية: عمار الشريعى 

غناء: حسن فؤاد

عدد الشخصيات: 58 

التصوير: استديو الأهرام، الوحدة العاشرة 

إنتاج: قطاع الإنتاج 

توزيع: قطاع الشئون المالية والاقتصادية باتحاد الإذاعة والتليفزيون

كلمات تتر البداية: 

وينفلت من بين إيدينا الزمان..    كأنه سَحبة قوس فى أوتار كمان

وتنفرط ليَّام عقود كهرمان..        يتفرفط النور.. والحنان.. والأمان

وينفلت من بين إيدينا الزمان..    الشر.. شرَّق وغرَّب.. داخل فى حوشنا

حوشوا.. لا ريح شاردة تقشقش عشوشنا..    حوشوا.. شرارة تطيش.. تشقق عروشنا

وتغشنا المرايات.. تشوش وشوشنا..    وتهيل تراب ع الهالة والهيلمان

الغش طرطش.. رش ع الوش بُوية..    ما دريتش مين بلياتشو.. أو مين رزين

شاب الزمان.. وشقيقى مش شكل أبويا..    شاهت وشوشنا.. تهنا بين شين وزين

ولسه ياما وياما حنشوف كمان..    وينفلت من بين إيدينا الزمان

 

زيزينيا

عدد الأجزاء: 2 

عدد الحلقات: 79 

عدد الشخصيات: 103

تأليف: أسامة أنور عكاشة

اخراج: جمال عبدالحميد

البطولة: يحيى الفخرانى، جميل راتب، ماجدة الخطيب، هدى سلطان، حمدى غيث، رجاء حسين، هالة صدقى، آثار الحكيم، سوسن بدر محمود الجندى، عبدالعزيز مخيون، أحمد بدير، شوقى شامخ، نبيل الحلفاوي.

أشعار: أحمد فؤاد نجم 

موسيقى وألحان: عمار الشريعى 

غناء: محمد الحلو

إنتاج: قطاع الإنتاج

توزيع: قطاع الشئون المالية والاقتصادية باتحاد الإذاعة والتليفزيون

الجزء الأول (الولى والخواجة) 

مدة الحلقة: 41 دقيقة

أول عرض: 10 يناير 1997 /1 رمضان 1417

التصوير: استديو النحاس ومدينة السينما

الجزء الثانى (الليل والفنار)

مدة الحلقة: 45 دقيقة 

أول عرض: 27 نوفمبر 2000 / 1 رمضان 1421

التصوير: استديو مدينة الإنتاج الإعلامى ومدينة السينما 

كلمات تتر النهاية: 

عمار يا اسكندرية يا جميلة يا ماريا

وعد ومكتوب عليا ومسطر ع الجبين

لشرب م الحب حبة وانزل بحر المحبة

واسكن حضن الأحبة والناس الطيبين

حكاياتك يا زيزينيا، حواديت وناس ودنيا

فى حوارى اسكندرية وليالى المنشدين

وأما التاريخ يواكب ويزاحم بالمناكب

يتعبى ف المراكب وغناوى الصيادين

هيلا هيلا وهيلا بيلا شيال والعمر شيلة

وهموم الدنيا ليلة فيها القمر حزين

ويا موج بحر الليالى عديتك وانت عالي

ودفعت المهر غالى بالأيام والسنين

وعمار يا اسكندرية يا جميلة يا ماريا