المحاكمة التاريخية للرئيس الأمريكى الـ45 ترامب خلف أسوار المحاكمة

فى مشهد فريد من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، دخل الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب قاعة المحكمة بمدينة مانهاتن ليواجه لائحة اتهامات تصل إلى 34 تهمة جنائية وهى المرة الأولى التى يواجه فيها رئيس سابق لأقوى دولة فى العالم مثل هذه الجرائم.

 

ووفق صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فإن ترامب فى حالة إدانته فى إحدى هذه القضايا قد يصل الأمر إلى سجنة لمدة أربع سنوات على حد أقصى، ليكون ترامب مرة أخرى صاحب المشهد السياسى الصاخب فى مسار الحياة السياسية الأمريكية كما كان إبان فترة حكمه الرئيس الأكثر إثارة للجدل منذ اللحظه الأولى لوصوله لرئاسة المكتب البيضاوى ليس على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية فقط.. ولكن على مستوى السياسة العالمية.

محاكمة الرئيس

«لقد كنت ضحية تدخل فى الانتخابات الأمريكية»، «الديمقراطيون يحاولون استهدافى عبر تحقيقات زائفة.. وكل ما نشهد الآن يجعل أمريكا مثل دولة من العالم الثالث»، «الجريمة الوحيدة التى ارتكبتها هى الدفاع بجسارة عن أمتنا فى مواجهة الساعين لتدميرها».

بهذه العبارات جاء أول رد فعل للرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب عقب الانتهاء من محاكمته فى مدينة مانهاتن، خلال المؤتمر الإعلامى الذى أقامه لمناصريه فى منتجع مارالاجو فى بالم بيتش بولاية فلوريدا.

وأضاف ترامب فى خطابه للجمع الغفير من مؤيديه: إن اقتصاد الولايات المتحدة أصبح يعانى من أكبر تضخم منذ 60 عامًا مؤكدًا أنه لو لم يترك البيت الأبيض لما قامت حرب أوكرانيا ولم تشهد أمريكا مثل هذه الكوارث، مشيرًا أن اتفاق إيران مع السعودية والتحالف الصينى الأمريكى فى منتهى الخطورة لقوة أمريكا.. لذلك «لا بد أن تعود أمريكا مرة أخرى».

وكان يوم الثلاثاء الماضى يومًا مشهودًا فى التاريخ الأمريكى، حيث بدأت محاكمة الرئيس الـ45 للولايات المتحدة على خلفية 34 اتهامًا جنائيًا، وهى المرة الأولى التى يواجه فيها رئيس أمريكى مثل هذه الاتهامات.

وخلال المحاكمة نفى ترامب جميع التهم التى وجهت له من قبل مدعى عام مانهاتن ألفين براج، والتى جاءت على خلفية قضية دفع أموال لممثلة الأفلام الإباحية ستورمى دانييلز، مقابل عدم الكشف عن إقامة علاقة معها، إبان الانتخابات الرئاسية فى 2016. وذلك فى ختام تحقيق استمر طيلت خمس سنوات. وغادر الرئيس الأمريكى السابق، مقر محكمة مانهاتن، بعد أن دفع ببراءته فى جميع الاتهامات الموجهة إليه، كذلك منحت محكمة مانهاتن، ترامب، إطلاق سراح غير مشروط، فى إعقاب الإدلاء بلائحة الاتهامات الموجهة إليه، مع توصية من المحكمة بعدم إدلاء ترامب بتصريحات عبر مواقع التواصل الاجتماعى قد تثير القلق داخل الشارع الأمريكى.

وفى مشهد سينمائى عكس قوة ترامب، دخل الرئيس السابق قاعة المحكمة فى مانهاتن وهو يحيى أنصاره الذين تجمعوا خارج قاعة المحكمة، رافعًا قبضته أمام المصورين ومحاطاً بحراسة الخدمة السرية (المكلفة بحماية الرؤساء) ولوح ترامب للواقفين خارج المبنى قبل أن يتوجه إلى الداخل، من دون أن يدلى بأى تصريحات.

وكان ترامب قد كتب عبر منصة التواصل الاجتماعى التى أسسها «تروث» قبل بدء محاكمته: «سوف يعتقلوننى. لا أصدق أن هذا يحدث فى أمريكا».

ولم يسمح بتسجيل الفيديو فى قاعة المحكمة، ولكن سمح لعدد قليل من المصورين بالتقاط الصور لفترة وجيزة.

وواظب ترامب على الإصرار على براءته وندد بالتحقيق الذى أجراه المدعى العام لمنطقة مانهاتن باعتباره «مطاردة ساحرات» ذات دوافع سياسية.

وبعد انتهاء المحاكمة التى استمرت قرابة الساعة عاد ترامب إلى منزله فى فلوريدا، حيث ألقى خطابًا أمام أنصاره فى منتجع مار لاجو للمرة الأولى منذ إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية من منزله وليس فى مجمع انتخابى.

 لن نتساهل

وقال المدعى العام فى محكمة مانهاتن، ألفين براج، إنه تم توجيه 34 تهمة جنائية إلى الرئيس السابق دونالد ترامب.

وشدد براج على أن السلطات القضائية فى نيويورك «لن تتساهل مع الجرائم التى ارتكبها ترامب»، وأورد عدداً من الاتهامات التى وجهها للرئيس الأمريكى السابق، والتى من بينها، حسبما ورد فى مؤتمر صحفى، تقديم رشى لـ3 أشخاص لشراء صمتهم، خلال فترة الانتخابات الرئاسية فى 2016، كذلك التلاعب فى السجلات الخاصة بالحملة الانتخابية.

وأضاف براج، فى مؤتمر صحفى، إن كل البيانات الكاذبة فى سجلات الأعمال، والتى تتعلق بالدفع لدانيلز، تم إجراؤها للتستر على جرائم أخرى تتعلق بانتخابات 2016، موضحًا أن هذه الجرائم شملت انتهاكات لقانون الانتخابات فى ولاية نيويورك وبيانات كاذبة للسلطات الضريبية.

وعادة ما يكون تزوير السجلات التجارية جنحة، ولكن يمكن أن يصبح جناية إذا تم القيام به للتستر على جريمة أخرى، وفقًا لقانون ولاية نويويورك.

وأكد براج أن «الكل سواسية أمام القانون». وأضاف أن القضاء لا يمكن أن يتساهل مع «السلوك الإجرامى الخطير» الذى انتهجه الرئيس السابق. وحدد القاضى، خوان مانويل ميرشان، الرابع من ديسمبر المقبل موعدا لجلسة الاستماع الثانية فى المحاكمة.

 قائمة الاتهامات

وشملت لائحة الاتهام المكونة من 16 صفحة ضد ترامب والتى نشرتها هيئة الادعاء، أن ترامب قام «بقصد الاحتيال ونية ارتكاب جريمة أخرى والمساعدة والتستر على ارتكاب جريمة» بإدخال وثائق وقيود حسابات وصكوك مزورة.

والتهم التى جرى توجيهها لترامب فى نيويورك تدخل ضمن دائرة «الجنايات»، وهى تشمل تزوير سجلات تجارية، كما كان متوقعًا منذ فترة، والمقصود بتزوير سجلات تجارية فى حالة ترامب، حسب خبراء قضائيين أمريكيين، هو أن ترامب كلف محاميه السابق مايكل كوهين، بدفع المال نيابة عنه للممثلة ستورمى دانييلز، حتى لا يظهر فى الصورة، ثم سدد له المبلغ على شكل أتعاب وهو أمر مناف للقانون.

وتقول شبكة CNBS إن اللائحة تتحدث عن «مدفوعات مالية سرية لامرأتين قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016»، وتضيف الشبكة الأمريكية أن « المدفوعات كانت جزءًا من مخطط أوسع لقمع مزاعم المرأتين، نجمة الأفلام الإباحية، ستورمى دانيلز، وعارضة بلاى بوى، كارين ماكدوجال، بأنهما مارستا الجنس مع ترامب، فى محاولة لمنع قصصهن من التأثير على فرص ترامب فى انتخابات عام 2016».

وحملت أول وثيقة فى لائحة الاتهام تاريخ 14 فبراير 2017، وهى وصل حساب «invoice» من، مارك كوهين، محامى ترامب السابق، وتعود الوثائق وقيود الحسابات ووصول الاستلام والصكوك الـ34 إلى  ‏ Donald J Trump Revocable Trust أو صندوق ممتلكات دونالد ترامب.

والوثائق والصكوك الـ34 شملت 11 تهمة تتعلق بفواتير من مايكل كوهين، محامى ترامب السابق الذى قادت اعترافاته لتوجيه الاتهام للرئيس السابق، وتمتد وصولات الحساب هذه من فبراير 2017 إلى ديسمبر من نفس العام.

كما تم توجيه 12 تهمة إدخال معلومات مزورة فى سجلات حسابات Donald J. Trump Revocable Trust تمتد لنفس الفترة الزمنية.

ووجهت للرئيس السابق أيضًا 11 تهمة ادخال مزور لصكوك فى سجلات حسابات Donald J. Trump Revocable  Trust تمتد طوال نفس الفترة الزمنية. وتقول CNBS إن تسعة من هذه الصكوك تحمل توقيع دونالد ترامب.

وقال ممثلو الادعاء، أيضًا وفقًا للشبكة الأمريكية، إن شركة نشر مقربة لترامب، أمريكان ميديا، دفعت 30 ألف دولار لبواب برج ترامب السابق الذى ادعى أن لديه قصة عن إنجاب ترامب لطفل خارج إطار الزواج.

ووفقًا CNBS فإن الدفعات الثلاث كانت جزءًا من جهود مزعومة من قبل ترامب وآخرين، من بينهم رئيس AMI آنذاك ديفيد بيكر، ممتدة من أغسطس 2015 إلى ديسمبر 2017 «لتحديد وشراء ودفن المعلومات السلبية عنه وتعزيز آفاقه الانتخابية».

الدعم رغم المنافسة

وفى خطوة دعم غير مسبوقة لمنافس انتخابى من قبل حزبه، أظهر أحدث استطلاع أجرته «رويترز، وإيبسوس»، أن الجمهوريين يواصلون دعم الرئيس السابق دونالد ترامب كمرشحهم المفضل فى الانتخابات التمهيدية الرئاسية لعام 2024، وأُجرى الاستطلاع عبر الإنترنت بين 31 مارس و3 أبريل، بعد إعلان توجيه اتهام لترامب.

وذكر الاستطلاع أن 48 % من الجمهوريين سيدعمون ترامب فى الانتخابات التمهيدية للرئاسة، على الرغم من توجيه الاتهام الجنائى إليه ومحاكمته الوشيكة، ارتفاعا من %44 فى الاستطلاع الذى سبقه، كما أن نحو %19 يؤيدون أقرب منافسيه، حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، بانخفاض من %30 فى الاستفتاء السابق.

ويقول استطلاع «رويترز، وإيبسوس»، أن أكثر من النصف إن توجيه الاتهام إلى دونالد ترامب بتهم جنائية له دوافع سياسية بواقع %51. وكان رأى حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، أبرز منافسى ترامب لنيل ترشيح الحزب الجمهورى لانتخابات 2024 الرئاسية، أن توجيه الاتهام «منافٍ للقيم الأمريكية»، وأكد أن ولايته فلوريدا التى يقيم فيها الرئيس السابق لن تستجيب «لطلب تسليم» من ولاية نيويورك.

هذا وأعرب الرئيس الجمهورى لمجلس النواب كيفن ماكارثى عن الدعم نفسه مؤكدًا أن «الشعب الأمريكى لن يتسامح مع هذا الظلم، ومجلس النواب سيُحاسب ألفين براج واستغلاله غير المسبوق للسلطة».

كما وصف مايك بنس، نائب ترامب أثناء توليه الرئاسة، اللائحة بأنها «عار»، رغم أن هذا المسئول السابق نأى بنفسه منه منذ خروجه من السلطة ومن المتوقع أن يترشح فى عام 2024.

كما قال جاكلين يونجكين، حاكم ولاية فيرجينيا الجمهورى إن لائحة الاتهام ضد ترامب «مصطنعة ودوافعها سياسية خالصة»، كذلك أعرب تيم سكوت عضو مجلس الشيوخ من الحزب الجمهورى، أن هذه المحاكمة «مهزلة.. فالقانون أصبح سلاحًا سياسيًا».