الهاشتاج تصدر وسائل الإعلام المصرية والسعودية وكان شعارًا للزيارة لن ترونا إلا معًا

الرياض: صبحى شبانة
بدّدت الزيارة السريعة التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى جدة بالمملكة العربية السعودية الأسبوع الماضى التكهنات والشائعات التى طالما عكف مروجوها على دق أسافين الوقيعة بين البلدين الشقيقين اللذين يشكلان معًا نموذجًا فريدًا للأخوة الصافية الصادقة المبنية على أسس راسخة من التاريخ المشترك، وديمومة علاقات حسن الجوار الذى يفرض ضرورة الدعم المتبادل بين الطرفين، وحتمية التنسيق المشترك من أجل الحفاظ على استقرار وأمن المنطقة.
وككل اللقاءات السابقة حمل اللقاء الأخوى والودىّ الذى جمع بين الرئيس عبدالفتاح السيسى وأخيه الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز على مائدة السحور فى شهر رمضان المبارك وعلى مقربة من مكة المكرمة مضامين مهمة، ورسائل طمأنة عديدة فى اتجاهات مختلفة عكست قوة ومتانة العلاقات الأخوية بين قيادات الدولتين، والتنسيق والتشاور المستمر، وتوحيد الرؤى فيما بينهما بما يدعم أمن واستقرار المنطقة.
وألقت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى بحجر فى مياه السياسة العربية الراكدة لتلفت الأنظار إلى حجم التحولات الجيوسياسية، والتبدلات الإقليمية، التى تشهدها المنطقة فى ظل تباينات كبيرة لا تزال تخيم على المشهد العربى الواقع رهينة لمؤثرات أيديولوجية، أو مشاحنات عرقية، أو مشاكسات جغرافية مع قوى إقليمية متاخمة طامعة، تفرض العودة إلى العمل العربى المشترك الذى ينبغى له أن يستجيب لحقائق التاريخ والجغرافيا.
وتكمن عبقرية اختيار توقيت الزيارة التى فاجأت الجميع فى أنها جاءت وقت السحور، أى فى الحد الفاصل بين انسحاب ظلام الليل وبدء بزوغ ضوء النهار، فى رمزية فلسفية تتطلع إلى بدء فجر جديد فى العلاقات العربية – العربية، يتسم بالوضوح والشفافية والالتفاف حول مشروع عربى واحد ينطلق من القمة العربية المقبلة التى عليها رهانات كبيرة فى تحقيق توافق عربى طال انتظاره.
وأظهرت مشاهد الحفاوة والترحيب الذى لقيه الرئيس عبدالفتاح السيسى من أخيه الأمير محمد بن سلمان ولى العهد، رئيس مجلس الوزراء، لدى وصوله إلى مطار الملك عبدالعزيز الدولى بمدينة جدة فى وقت متأخر من ليل الأحد، ولدى مغادرته فجر الاثنين الماضيين، عمق العلاقات الأخوية المتجذرة التى تجمع بين الدولتين الكبيرتين، والحرص المتبادل على تعزيزها وتطويرها لأن البلدين يمثلان ضمانة قوية للأمن القومى العربى، وأنهما وحدهما ينوءان بأحمال واثقال الهم والمأزق العربى، ويعملان سويًا على طى صفحة الخلافات، وإفساح المجال أمام عودة العلاقات العربية – العربية لإعطاء مزيد من الزخم للعمل العربى المشترك فى ظل التغيرات الحدية الإقليمية والعالمية التى تشهدها المنطقة وتؤثر سياسيًا واقتصاديًا على مستقبل منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
وبرهنت الزيارة الخاطفة فى هذا التوقيت الذى تستعد فيه المملكة لاستضافة القمة العربية الـ32 المقررة فى يوم 19 مايو المقبل فى العاصمة الرياض على أنها ستكون قمة للم الشمل العربى، إذ مـــن المتوقع أن تطوى قمـــة الرياض صفحة المقاطعة مع دمشق، لتنهى بذلك 11 عامًا مـــن تلك القطيعة التى لم تؤد إلا إلى الفرقة والتشرذم ولم تسفر عن شىء، وبات من المرجح أن توجه المملكة الدعوة إلى الرئيس السورى بشار الأسد للمشاركة فى أعمال القمة، خصوصًا أن لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى بولى العهد السعودى جاء بعد يوم واحد من قيام وزير الخارجية السورى فيصل المقداد بزيارة إلى القاهرة هى الأولى من نوعها منذ عام 2011م، كما أن المعلومات تشير إلى زيـــارة منتظـــرة ســـيقوم بهـــا وزير الخارجيـــة الســـعودى الأميـــر فيصل بن فرحـــان إلى دمشـــق قريبًا.
كما عكس الاستقبال الحافل للرئيس عبدالفتاح السيسى رغبة المملكة العربية السعودية فى تبريد الخلافات، ومواجهة التباينات، وطمس الحساسيات قبل انعقاد القمة العربية التى تريد لها الرياض أن تنجح، وأن يكون ما بعد القمة ليس كما قبلها، بمعنى أن يكون هناك عالم عربى أكثر تماسكًا وتناغمًا، عالم عربى واحد فى مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية التى عادة ما ترافق أفول قوى وبزوغ أخرى، كما هو الحادث الآن، أمريكا التى تلملم أطرافها وتنسحب إلى داخلها، والصين التى تبسط هيمنتها على العالم، وتحمل فى كوامنها كل عناصر الإمبراطورية الناعمة، على عكس الولايات المتحدة التى تعاملت مع العالم بخشونة وبمعايير مزدوجة أضرت بالسلم العالمى، وعصفت بالاقتصاد الدولى.
وعكست البيانات الرسمية التى صدرت عن القاهرة والرياض عمق العلاقات التاريخية الوثيقة والمتميزة التى تربـــط بـــين البلدين الشـــقيقين على جميـــع المســـتويات وأهميـــة الزيـــارة فى مواصلـــة تطويـــر العلاقـــات الأخويـــة، والحـــرص المتبـــادل على تعزيـــز التعاون فـــى جميع المجالات بما يعـــود بالنفع على الشـــعبين، ومواصلة التنســـيق والتشاور تجـــاه التطـــورات والقضايـــا الإقليميـــة والدولية، وأنه جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين وآفاق التعاون المشترك وسبل تعزيزه وتطويره فى مختلف المجالات، إلى جانب بحث تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة تجاهها، إضافة إلى بحث مجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وقال الرئيس عبدالفتاح السيسى عبر حساباته الرســـمية على مواقع التواصل الاجتماعى: «وإننـــى إذ أعبـــر عـــن امتنانـــى وتقديرى ُلحســـن الاســـتقبال والضيافة، أؤكد على ُعمق ومتانة العلاقـــات الثنائية بين مصر والمملكـــة العربيـــة الســـعودية، وأتطلـــع لتنميتها وتعزيزها فى جميع المجالات، وبما يحقق المصالح المشتركة لبلدينا وتطلعات شعوبنا العظيمة».
نجحت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى ولقاؤه ولى العهد الأمير محمد بن سلمان فى التأكيد على الرغبة المشتركة للبلدين فى الحفاظ على المصالح المشتركة، والحفـــاظ علـــى العلاقات الإستراتيجية عند مستواها المتميز بما يدعم الاستقرار فى المنطقة، والحفاظ على الامن القومى العربى، والعمل معا على حلحلة الملفات الإقليمية التى تحتاج إلى جهودهما المشتركة لمواجهة تعنت القوى الإقليمية، لأن التنسيق بين القاهرة والرياض يشكل قوة وازنة على المستوى العربى والإقليمى لا يمكن تجاهلها أو تخطيها، كما أن الزيارة جاءت فى إطار التشاور المستمر بين البلدين، لدعم الاستقرار والتنمية بالمنطقة، ومواجهة التحديات التى تؤثر على الأمن القومى المصرى والسعودى والأمن القومى العربى، وأمن البحر الأحمر والخليج، بجانب مكافحة التطرف والإرهاب، وسبل دعم القضية الفلسطينية، وسوريا وليبيا واليمن ولبنان.