الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الاتفاق بين الرياض وطهران يفسح المجال أمام دول المنطقة لتنفيذ خططها التنموية الوساطة الصينية بين السعودية وإيران تفرض واقعًا جديدًا فى الشرق الأوسط

الحراك الواسع والتطورات المتلاحقة هى العناوين الأبرز عقب الإعلان عن الاتفاق بين السعودية وإيران، فلقد شهدت منطقة الخليج فى الفترة القليلة الماضية اتصالات هاتفية وزيارات معلنة وأخرى غير معلنة فى إطار المحاولات والسعى الجاد تجاه تبريد الملفات الساخنة، وتصفير المشكلات، وإعادة رسم خريطة التوازن الإقليمى، وتطوير العلاقات البينية، والتركيـــز علـــى الإصلاحـــات الاقتصادية والاجتماعية فى الداخل، وإعطاء مساحات واسعة للتعاون بديلًا عن المواجهة التى أضرت بجميع القوى الإقليمية التى بدت منهكة اقتصاديًا بسبب التداعيات التى فرضتها الحرب الروسية - الأوكرانية التى اندلعت قبل أكثر من عام ولا تزال تلقى بتداعياتها على معظم دول المنطقة.



يبدو أن قطار الدبلوماسية الصينى السريع يمضى بسرعة تفوق قدرة البعض على ملاحقة فهم الواقع الذى تسعى الصين إلى إعادة تشكيله فى منطقة الخليج، فبعد توقيع الاتفاق السعودى الإيرانى فى بكين ها هى تمهد لقمة خليجية إيرانية تستضيفها العاصمة الصينية بعد افتتاح سفارتى السعودية وإيران فى الرياض وطهران بعد عيد الفطر وفى غضون أقل من شهرين حسب الاتفاق المبرم الذى مهد لواقع جديد وربما عالم جديد ترسم بكين ملامحه وتشكل أبعاد أضلاعه بحيث لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية تحمل أعباء تكاليفه، وتبعات تحدياته.

لا شك أن إيقاع الحراك الدبلوماسى السريع الخفى والمعلن هيأ الأجواء الإيجابية لعودة العلاقات بين دول الخليج من جهة وإيران وسوريا من جهة أخرى، فلأول مرة تتوافق كل من إيران وسلطنة عمان على رؤية هلال شهر رمضان مع الدول العربية والإسلامية على بداية صيام شهر رمضان، إذ أعلنت كل من السعودية ومصر وإيران وقطر والكويت والبحرين والإمارات والعراق وفلسطين ومصر وليبيا وتونس أن أول أيام الصوم هو الموافق 23 مارس.

لقد فتح الاتفاق بين كل من المملكة العربية السعودية وإيران الذى تم الإعلان عنه برعاية ووساطة صينية فى أوائل شهر مارس الباب واسعًا أمام عودة استئناف العلاقات العربية مع طهران ودمشق، فبعد أعوام من القطيعة نتيجة إغلاق الرياض سفارتها فى دمشق، أجرت السعودية وسوريا الأسبوع الماضى محادثات تتعلق باستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين، وكانت المملكة العربية السعودية أغلقت سفارتها فى دمشق وسحبت كل الدبلوماسيين والعاملين فيها فى مارس 2012، وفى الإمارات أجرى الرئيس السورى بشار الأسد محادثات مع الشيخ محمد بن زايد بعد زيارة سبق له القيام بها إلى سلطنة عمان الشهر الماضى التقى خلالها السلطان هيثم بن طارق.، ومن جانبه أعلن الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى أنه رحب بدعوة تلقاها من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لزيارة العاصمة السعودية الرياض بهدف ترسيخ العلاقات بين الدولتين، كما جرت اتصالات هاتفية متبادلة بين كل من وزير الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الإيرانى حسين أمير عبداللهيان للتهنئة بمناسبة حلول شهر رمضان، والاتفاق على عقد لقاء ثنائى بينهما خلال شهر رمضان الحالى.

بشكل عام فإن الأوضاع بعد الاتفاق السعودى الإيراني لن تكون كما كانت قبله، فمن المؤكد أن الأيام المقبلة سوف تشهد الكثير من المفاجآت على صعيد العلاقات بين القوى الإقليمية والدول فى الشرق الأوسط بما فيها المزيد من التقارب بين السعودية وإيران وبين القوى والدول المختلفة، كما أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية باتت وشيكة فى ظل معلومات تشير إلى مشاركة الرئيس السورى بشار الأسد فى القمة العربية التى سوف تستضيفها العاصمة السعودية الرياض بعد عيد الفطر المبارك.

لا شك أن الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران جاء ليضع حدًّا للصراع فى منطقتى الخليج والشرق الأوسط، ويهيئ الأجواء لحل المشاكل وإعادة الاستقرار فى كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن، وينهى أكثر من أربعة عقود من الخصومة والقطيعة، ويفسح المجال أمام دول المنطقة لتنفيذ خطط وبرامج التنمية الاقتصادية لتحقيق السلام الاجتماعى، وإرساء مبادئ حسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية والنأى بالدين عن الصراعات السياسية وهو ما يمثل نقطة جوهرية فى تحقيق الاستقرار فى منطقتنا التى تشهد تجاذبات دينية وطائفية وعرقية منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979م.

وفى المقابل رسخت رعاية الصين للاتفاق السعودى الإيرانى من نهج السياسة التى تتبعها بكين بأنها تستهدف فقط بناء علاقات قائمة على الاقتصاد، وأنها لا تسعى إلى أى نفوذ سياسى، بل تستهدف تطوير علاقاتها الاقتصادية، وزيادة استثماراتها فى المنطقة، وفتح الطريق أمام «مبادرة الحزام والطريـــق» إلـــى الوصول إلـــى الموارد الطبيعية فى منطقة الشرق الأوسط وخارجها، التى بموجبها وقعت الصين عقود ثلاثة موانئ، اثنان فى إسرائيل وواحد فى الإمارات العربية المتحدة؛ وتعبيد الآلاف من الأميال من السكك الحديدية والطرق السريعة؛ ومصنع طائرات دون طيار، ومشروع توسعة على قناة السويس بقيمة 5.8 مليار دولار، حيث تستثمر الصين ما يقرب من 5 مليارات دولار فى المنطقة الاقتصادية للقناة، وبلغ الاستثمار الصينى التراكمى فى الخليج 27.137 مليار دولار، وصل إلى 9.213 مليار دولار فى الشرق الأوسط بين عامى 2005 و2021، ووافق الصينيون على استثمار 400 مليار دولار على مدى السنوات الخمس والعشرين القادمة فى قطاعات البنوك والاتصالات السلكية واللاسلكية والموانئ والسكك الحديدية والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات فى إيران مقابل إمداد النفط الإيرانى، وتعد الصين أيضًا أكبر عميل للنفط السعودى والإيرانى، وهو ما يفسر اهتمام بكين بالمضى قدمًا فى التسوية بين الرياض وطهران وهما أكبر المستفيدين من مبادرة الحزام والطريق.

إن نجاح وساطة الصين للاتفاق السعودى الإيرانى من شأنه أن يفتح المجال واسعًا أمام استعادة الأمن والاستقرار فى دول المنطقة، ومن ثم التركيز على جهود إعادة الإعمار، وإعادة تأهيل وترميم البنية التحتية التى تهدمت والتى تحتاج إلى الكثير من الإنفاق، فعلى سبيل المثال، وطبقًا لتقرير أعده البنك الدولى العام الماضى فإن سوريا وحدها تحتاج إلى 400 مليار دولار لإعادة الإعمار، وأن تكلفة إعادة الإعمار في اليمن تقدّر بـ 25 مليار دولار.