الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ماذا تفعل أمريكا فى العراق حتى اليوم: 20 عامـًًـا على احتلال العراق أكبر ورطة لبريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية

فى تقرير كتبه چون هاريس فى الجارديان البريطانية فى ذكرى مرور 20 عامًا على الغزو الأمريكى للعراق هذه الأيام من شهر مارس قال أنه على الرغم من مرور كل هذه السنوات على الحرب إلا أن أثارها لا تزال ممتدة ليس فقط على العراق لوحده الذى دمرته الحرب ولم يذق طعم الاستقرار منذ تلك اللحظة وغرق فى مستنقع من الفساد والحرب الأهلية، وإنما فى المنطقة بكاملها. ولا تزال الشعوب العربية عموما والشعب العراقى خاصة يدفعون ثمن تلك الحرب التى شنت بناء على ادعاءات كاذبة بأن العراق يملك أسلحة دمار شامل وأثبت التفتيش المتكرر بعد الحرب أن العراق لا يملك أية أسلحة ذرية ولا بيولوجية ولا كيماوية وأن الغرض من الحرب كان تدمير العراق ليس إلا.



 

ينال رئيس حزب العمال كير ستارمر الكثير من الإلهام من فوز حزبه الكاسح فى انتخابات عام 1997 وهو كان دائم التجول بانتظام على محطات التلفزيون والراديو؛ وعثر رئيس الحكومة السابق جوردون براون على دور يتمثل فى كونه الضمير الهادر للسياسة البريطانية. وهناك بعض السمات العمالية فى شخصية رئيس الوزراء البريطانى الجديد ريشى سوناك مثل أسلوبه غير الطبقى فى التحدث ومحاولاته تسويق نفسه باعتباره سيد الفعالية التكنوقراطية، كما أنه مصمم على جذب حزبه نحو المسار الرئيسى. ولكن وصلنا الآن إلى ذكرى سنوية مضطربة ففى الـ20 من مارس الحالى صادف مرور 20 عامًا على الغزو الأمريكى للعراق وهو ما يذكر ليس بمسئولية بلير عن أفظع كارثة سياسية وإنسانية تورطت فيها المملكة المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية وإنما هى لحظة ارتكبت فيها المؤسسة السياسية البريطانية كارثة متهورة وعلينا ألا ننسى أن دعم الغزو شمل حزب المحافظين والغالبية العظمى للصحافة البريطانية وبهذا المعنى؛ فإن هذه الذكرى تمثل تذكيرا حيا بالمخاطر الناجمة عن التفكير الجماعى السريع والنتائج السلبية الناجمة عن حصر الحقائق المعقدة فى رواية بسيطة.

لا يزال الناس فى العراق الذى يعانى أزمات متعددة وكذلك المنطقة كلها يعيشون نتائج هذه الحرب فى حياتهم اليومية؛ وبالمقارنة يفكر معظمنا بالحرب باعتبارها بعيدة عنا وعلى أساس أنها مجموعة من الأحداث المتلاشية، وفى الأسبوع الماضى فقط قال أحد الكتاب فى صحيفة فايننشيال تايمز: لم تترك حرب العراق أثرا كبيرا فى العالم الغربى ولكن ذلك الغزو لم يؤدِّ إلى زعزعة السياسة ولكن حلقة تتسم بالأهمية مثل هذه كانت تنطوى دائما على آثار عميقة على المملكة المتحدة بسبب الوضع الكارثى للحرب. واتضح سريعا أن حقيقة مشاركتنا فيها ليس لها أى أساس من الحقيقة مما أدى إلى أزمة ثقة عموما لاتزال تتفاقم. وكان هناك شعور لعدم مشروعية الحرب مبكرا لهذا فى فبراير 2003 عندما وصل حوالى مليون شخص فى مظاهرة فى لندن يعلنون معارضتهم للحرب التى يزداد احتمال اندلاعها مع مرور الساعات. وعندما تقرأ أى تقرير إخبارى تشعر بأن السياسة والسلطة ابتعدتا كثيرا عن العامة وتركتا فجوة مضطربة.

وبعد مرور شهر على الغزو سقطت العاصمة العراقية بيد القوات الأمريكية وتم إبلاغ الملايين منا مرة أخرى أننا كنا مخطئين؛ ولكن أى شخص يتذكر الحرب سيعرف تماما ما الذى حدث لاحقا فقد وقعت أعمال عنف بلا نهاية وأعداد كبيرة جدا من الوفيات بالإضافة إلى أعمال الرعب التى ارتكبتها القوات الأمريكية فى سجن أبوغريب والكثير الكثير . ووفقا لما توصل إليه مفتشو الأسلحة فقالوا بإيجاز لا يوجد أسلحة نووية فى العراق ولا كيماوية ولا بيولوچية. وفى عام 2005 فاز بلير بالانتخابات بدعم أقل من ربع الناخبين وقالت صحيفة الجارديان ليس هناك أدنى شك بأن المؤرخين سيذكرون أن هذه الانتخابات هى انتخابات العراق وعندما تغلب الحزب الوطنى الإسكتلندى على حزب العمال فى الانتخابات الإسكتلندية عام 2007 وتعرضت سياسة الدولة للتغيير تنازل بلير عن السلطة.

وحدث الانهيار المالى بعد عام من ذلك تلاه إثبات آخر على أن السياسة أصبحت الآن فى حالة مضطربة، فقد شهد عام 2010 دعما متقلبا لحزب الديمقراطيين الليبراليين المعروف بـكليجمانيا وانتخاب برلمان معلق وبعدها جائت سلسلة من التحولات الزلزالية، فقد برز حزب استقلال المملكة المتحدة الرافض للاتحاد الأوروبى واستفتاء استقلال إسكتلندا فى عام 2014 ومن ثم انتخاب القائد العمالى چيرمى كوربين الذى عرف بمعارضته القوية للحرب فى العراق؛ وكان اليمين يسارع فى تحركه نحو الانعزالية وضيق الأفق مما أدى إلى انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبى «بريكست» فى حين تقبل اليسار الأفكار التى طالما حذر منها بلير. ويقول الكاتب چون هاريس وبصرف النظر عن الموضوع السياسى الذى كنت أغطيه خلال هذه الفترة كنت أسمع الشىء نفسه عند الناخبين، أحكام مريرة بشأن فترة وجود بلير فى السلطة ورفض جميع السياسيين باعتبارهم كاذبين. ولم يكن العراق هو السبب الوحيد وراء ذلك ولكنها كانت دائما حاضرة.

وتعتبر فكرة السياسة كتجارة كاذبة فكرة قديمة ولكن فى هذه الحالة لم يكن الناس مخطئين إذ إن الذكرى الـ20 هذا العام هى بمثابة تذكير بحالات الخداع الثلاث المركزية للغاية فى سياسة الحرب، والسخط العام الذى تسببت فيه. ولكن ذلك لم يكن واضحا إلا أنه فى عام 2016 أكدها تقرير تشيلكوت حيث قال إن بلير ومساعديه قدموا معلومات ضعيفة وغير مكتملة باعتبارها دليلا موثوقا على أسلحة الدمار الشامل العراقية. وأكد للدولة مرارا وتكرارا أنه لم يتم اتخاذ قرار بشأن الذهاب إلى الحرب من عدمه، ولكنه أكد للرئيس الأمريكى چورج بوش الابن فى يوليو 2002 أنه سنكون معك، مهما حدث مما يشير إلى أنه قرر المشاركة فى هذه الحرب منذ فترة بعيدة. ومع قرب حدوث الغزو كان مجلس الأمن الدولى يناقش خياراته وقال بلير إن الموقف الفرنسى يوضح بأن فرنسا ستصوت بالرفض مهما كانت الظروف فى حين قال الرئيس الفرنسى فى ذلك الوقت چاك شيراك شيئا مختلفا حيث قال إن مفتشى الأمم المتحدة للأسلحة يريدون منحهم مزيدا من الوقت وأن العراق لم يتعاون وربما ستكون الحرب حتمية ولكن ليس اليوم؛ وربما تكون هذه الخدع قد تلاشت عن ذاكرتنا ولكن تأثيراتها مستمرة وكان العراق السبب فى تلطيخ السجل المحلى لبلير ونائبه براون إلى حد كبير وشكلت نهاية لرؤية حزب العمال الجديد لبريطانيا كدولة شابة وواثقة بنفسها. وربما يرى المسئولون عن الحزبين الرئيسين فى البرلمان أن هناك بعض الراحة فى فكرة أنه يمكننا العودة إلى حالة الهدوء والنظام النسبى التى كنا عليها قبل 20 عاما، ولكن لن تكون هناك عودة إلى تلك الحالة وأن الرعب والجروح السياسية للحرب هى أحد الأسباب الرئيسة لذلك.

واليوم وببعد 20 عامًا على الغزو الأمريكى للعراق والذى بدأ بعملية قصف عنيف أطلق عليها الصدمة والترويع لا تزال القوات الأمريكية تحافظ على تواجد صغير ولكنه مستمر فى البلاد ورغم أن السبب الرسمى لعودة القوات فى 2014 بعد الانسحاب الكامل فى 2011 هو مواجهة تنظيم داعش إلا أن هذا لم يعد السبب الرئيسى وراء بقائها، وينتشر ما يقرب من 2500 جندى أمريكى فى جميع أنحاء العراق ويتواجد معظمهم فى منشآت عسكرية فى بغداد وشمال البلاد ورغم أن هذا العدد أقل بكثير من عدد القوات الأمريكية التى تواجدت فى العراق فى ذروة الحرب فى عام 2007 عندما بلغ أكثر من 170 ألف جندى يقول مسئولون أمريكيون إن التواجد المحدود والمستمر فى البلاد ضرورى لإظهار الالتزام تجاه المنطقة والتحوط من مخاطر النفوذ الإيرانى وتهريب الأسلحة . 

بدأ الغزو الأمريكى للعراق فى 19 مارس 2003 بحملة قصف ضخمة أضاءت السماء؛ أطلقت عليها الولايات المتحدة الصدمة والترويع تسببت فى تدمير أجزاء كبيرة من البلاد ومهدت السبيل للقوات البرية الأمريكية للوصول إلى بغداد، واستند الغزو إلى مزاعم بأن نظام الرئيس العراقى الراحل صدام حسين كان يخفى أسلحة دمار شامل ولكن تبين لاحقا أن هذه المزاعم خاطئة وأدى الغزو إلى الإطاحة بصدام حسين من السلطة. ورغم ترحيب العديد من العراقيين بالإطاحة بصدام لكنهم شعروا بخيبة أمل بسبب عجز الحكومة عن استعادة الخدمات الأساسية، والمعاناة الإنسانية الناجمة عن المعارك المستمرة. وأدى الشعور بالاستياء والصراع على السلطة إلى تأجيج الصراع الدائر إلى أن انسحبت الولايات المتحدة بشكل كامل من العراق فى ديسمبر 2011. ولعب الانقسام دورا رئيسيا فى انهيار قوات الشرطة والجيش فى البلاد أمام هجوم تنظيم داعش الذى اجتاح العراق وسوريا فى عام 2014 . ودفع ظهور تنظيم داعش الذى استمد جذوره من الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة وتهديده المتزايد للولايات المتحدة وحلفائها فى جميع أنحاء أوروبا الولايات المتحدة إلى العودة إلى العراق بطلب من الحكومة العراقية فى عام 2014.

وشن التحالف الدولى الذى قادته الولايات المتحدة حملات قصف جوى فى العراق ثم سوريا واستأنف جهدا كبيرا فى عمليات التدريب وتقديم المشورة للجيش العراقى واستمرت جهود التحالف بدعم من قوات تابعة لحلف شمال الأطلسى الناتو حتى بعد القضاء على حملة تنظيم داعش لإنشاء ما أسماه بـدولة الخلافة فى مارس 2019. ويتمركز حوالى 2500 جندى أمريكى فى قواعد مشتركة مع القوات العراقية حيث يقدمون التدريب والمعدات للقوات هناك. ولكن العدد الإجمالى للقوات يتغير ووزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون لم تكشف عن عدد قوات العمليات الخاصة الأمريكية التى تتحرك بانتظام داخل وخارج البلاد لمساعدة القوات العراقية أو تسافر إلى سوريا لتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب وتعود. ونقلت الجارديان عن الچنرال المتقاعد من قوات مشاة البحرية الأمريكية فرانك ماكنزى والذى كان القائد الأعلى للقوات الأمريكية فى الشرق الأوسط من عام 2019 إلى عام 2022 قوله إن العراق لا يزال يتعرض لضغوط بسبب داعش وسنساعدهم على مواصلة القتال، لقد فعلنا الكثير من الأمور لمساعدتهم على تحسين سيطرتهم على سيادتهم التى تمثل أهمية كبيرة بالنسبة للعراقيين.

ويتمثل السبب الذى يقال كثيرا لاستمرار تواجد القوات الأمريكية فى العراق فى مساعدة القوات هناك على محاربة العناصر المتبقية من تنظيم داعش ومنع عودته من جديد، ولكن السبب الرئيسى يتمثل فى إيران إذ يثير النفوذ السياسى لطهران وقوة الفصائل المسلحة فى العراق وفى جميع أنحاء المنطقة مخاوف أمنية لدى الولايات المتحدة منذ سنوات، وأن تواجد القوات الأمريكية بالعراق يزيد من صعوبة تهريب الأسلحة الإيرانية من خلال العراق وسوريا إلى لبنان ليستخدمها وكلاؤها بما فى ذلك جماعة حزب الله اللبنانية ضد إسرائيل؛ وينطبق نفس الشىء على تواجد القوات الأمريكية بالقرب من قاعدة التنف العسكرية فى جنوب شرق سوريا التى تتواجد على طريق حيوى يمكن أن يربط القوات المدعومة من إيران من طهران إلى جنوب لبنان، وتعرقل القوات الأمريكية فى كل من العراق وسوريا ما يمكن أن يكون جسرا لإيران إلى شرق البحر المتوسط . 

أما عن الغزو الأمريكى للعراق بالأرقام، فبعد انسحاب آخر القوات الأمريكية من العراق فى ديسمبر 2011 لقى عشرات الآلاف من المدنيين العراقيين مصرعهم إلى جانب 4487 جنديا أمريكيا وسقط أكثر من 3500 جندى فى أعمال عدائية وتوفى ما يقرب من 1000 جندى فى حالات غير قتالية بين عامى 2003 و2011 وأصيب أكثر من 32 ألف جندى بجروح. وقدمت الولايات المتحدة 60.64 مليار دولار لتمويل قوات الأمن العراقية وإعادة إعمار المدن فى الفترة من عام 2003 حتى عام 2012 وفقا للمفتش العام الخاص لإعادة إعمار العراق، وخصصت واشنطن 20 مليار دولار من هذا المبلغ لتمويل وتجهيز وتدريب قوات الأمن العراقية.

وقال وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن إن القوات الأمريكية جاهزة للبقاء فى العراق بدعوة من الحكومة العراقية مع التزام بغداد بحماية قوات التحالف من أى أطراف خارجية فيما شدد على أن حل الخلافات بين بغداد وإقليم كردستان العراق يسهم فى تحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى والاقتصادى فى البلاد. وأضاف أوستن الذى وصل إلى العراق فى زيارة غير معلنة مع اقتراب الذكرى الـ20 للغزو الأمريكى للبلاد وقال أنه بالنظر إلى الفترة القادمة فإن القوات الأمريكية جاهزة للبقاء فى العراق بدعوة من الحكومة العراقية، ونحن فخورون بدعم الشركاء وعلينا أن نتمكن من ضمان استمرار عمل القوات بأمان، أشكر رئيس الوزراء محمد شياع السودانى ووزير الدفاع محمد سعيد العباسى على التزام العراق من أجل ضمان أن قوات التحالف وبطلب من الحكومة العراقية سوف تكون محمية من أى أطراف خارجية. ولدى الولايات المتحدة حاليا 2500 جندى فى العراق و900 جندى إضافى فى سوريا للمساعدة فى تقديم المشورة ومد يد العون للقوات المحلية لمحاربة تنظيم داعش الذى سيطر فى عام 2014 على مساحات شاسعة من الأراضى فى كلا البلدين؛ وكانت هذه هى أرفع زيارة لمسئول أمريكى إلى بغداد منذ تولى الرئيس چو بايدن الرئاسة فى 2021.وذكر مشروع تكاليف الحرب التابع لمعهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون بمقتل ما يتراوح بين 185 ألفا و280 ألف مدنى عراقى فى الحرب، وكان أوستن قد أدلى بتصريحات فى عام 2011 قال فيها إن الولايات المتحدة حققت أهدافها العسكرية فى العراق حين كان يشغل منصب قائد القوات الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط. لكن بعد ثلاث سنوات أعادت الولايات المتحدة آلاف الجنود إلى العراق وسوريا فى عهد الرئيس السابق باراك أوباما بهدف دعم القتال ضد تنظيم داعش. 

وعلى جانب آخر قال رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السوادنى فى الذكرى ال 20 لاحتلال العراق إن بلاده ليست فى حاجة إلى قوات قتالية من التحالف الدولى بل إلى مستشارين لأغراض الأمن والتشاور مشددا على ألا وجود لتنظيم داعش فى العراق ومؤكدا أن التنظيم انتهى عسكريا وميدانيا فى البلاد، وأضاف السودانى فى مؤتمر ميونيخ للأمن لسنا فى حاجة إلى قوات قتالية من التحالف الدولى ولكن إلى مستشارين لأغراض الأمن والتشاور مشددا على أن الولايات المتحدة شريك استراتيچى للعراق. وتابع أن العراق نحتاج مساعدة المجتمع الدولى فى استرداد المطلوبين الإرهابيين ومنع تمويلهم .