السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

يحافظون على الطقوس الدينية ولكن أطباق كثيرة ناقصة على الموائد بسبب التعثر الاقتصادى.. «رمضان» والنفحات العطرة.. من بغداد إلى مراكش

لم تمس كالعادة الطقوس الدينية لدى المسلمين فى العالم العربى من المحيط إلى الخليج مع قدوم الشهر الكريم، بينما كان التغيير فى العادات والتقاليد المرتبطة بالموائد والطاولات الرمضانية من بلد إلى آخر، حيث أن لكل بلد أكلات ومشروبات وطقوسًا مرتبطة بالحالة المالية بالدرجة الأولى والمتأثرة فى هذا العام عن أى سنوات سابقة لسبب رئيسى فى كافة الدول العربية وهو انعكاسات الحرب «الروسية - الأوكرانية»، ولكن هناك أسباب خاصة لبعض البلدان جاءت بعدم الاحتفاء بما لذ وطاب كما هو معتاد فى الشهر الكريم.



أطباق عدة أساسية فى الشهر الكريم حرم منها العرب فى دول شمال أفريقيا والعراق والسودان واليمن وفلسطين لأسباب اقتصادية لاسيما المكونة من اللحوم والدواجن، ولكن فى لبنان وصل الوضع إلى أن الطبق الأساسى الناقص المعتاد عليه هو طبق «الفتوش» أى السلطة الخضراء الذى وصلت تكلفته إلى ربع مليون ليرة بعد أن كان سعره منذ 3 سنوات 4500 ليرة، وبعد أن كان الحد الأدنى للأجور فى لبنان منذ 4 سنوات 400 دولار أصبح مع حلول الشهر الكريم 50 دولارا.

أكثر البلدان التى تضررت أحوال مواطنيها مع استقبال الشهر الكريم كانت سوريا التى لم تكن أزمتها الاقتصادية متعلقة فقط بالضرر العالمى الناتج عن حرب روسيا وأوكرانيا أو استمرار آثار الحرب التى تشهدها البلدان منذ أكثر من عقد من الزمن حتى لو خفت وطأتها من حيث المعارك مؤخرا، ولكن حضر ما هو أصعب وهى آثار الزلزال الذى لم يجعل «السفرة» شحيحة فقط بل أن هناك الكثيرين من السوريين فى المناطق المتضررة يقضون الشهر الكريم إما فى مساكن إيواء جماعية أو فى خيام أمام منازلهم تخوفا من تجدد توابع الزلزال حيث فضلوا المكوث فى الشارع، وفى ظل انعدام المحروقات والكهرباء كان اللجوء إلى طبخ مأكولاتهم على الحطب بطريقة أولية بديلة.

ولا تزال سوريا تعيش مع توابع الزلزال المؤثرة بشكل بالغ على الملايين من المواطنين الذين شردوا وباتوا بدون مأوى ليكون استقبال الشهر الكريم أكثر صعوبة مقارنة بالسنوات السابقة، حيث إنه خلال العقد الأخير يعيش السوريون فى أوضاع صعبة بسبب الحرب الواقعة ومع محاولة التأقلم جاء الزلزال بأحوال مريرة، لتكون الخضروات والفاكهة أيضا التى كانت فى متناول الجميع مرتفعة للغاية على الرغم من أن سوريا بلد زراعى، بسبب عمليات النقل والتوزيع من المناطق الزراعية وارتفاع أسعار المحروقات التى تتحرك بها سيارات النقل، ومع حلول رمضان، يعيش من تضررت منازلهم فى أوضاع صعبة فى ظل عدم توفر الكهرباء والمحروقات، حيث كان اللجوء إلى حلول بديلة ومنها وقوف أهالى أمام منازلهم يطبخون طعامهم على الحطب.

وكان رمضان فى سوريا  قبل الحرب وما ترتب عن كارثة الزلزال مؤخرا، أياما لتجمع العائلات والاصدقاء، وكان من المظاهر الثابتة، الخروج إلى المطاعم حيث كانت الأحياء تعج بمباهج الفرحة، وبين يوم وآخر يكون الإفطار أو السحور فى منزل صديق أو أحد الأقارب أو يكون التجمع فى مطعم أما الآن فإن «العزومة» تحتاج إلى قرض بنكي، أما أسعار السلع الأساسية، فأصبحت أسعارها مرتفعة للغاية بعد أن أصبح الوضع متمثلا فى أن الشخص ذا الدخل المتوسط، من الصعب عليه أن يتناول أكلتين دسمتين فى الشهر الواحد، لتكون المائدة السورية مقارنة بالأعوام السابقة بسيطة ومحدودة لأن الأكلات التى لها مذاق محبوب بين السوريين باتت ذات تكلفة مرتفعة، فضلا عن أن الحلويات التى تشتهر بها سوريا أصبحت غير حاضرة مع ارتفاع أسعار المكسرات والصنوبر التى كانت فى متناول يد الجميع قبل ذلك.

وفى هذا العام، لم تخل مائدة أسرة سورية من متوسطى ومحدودى الدخل من التمر والشوربة والسلطات، أما الطبق الرئيسى الذى يحتوى على لحوم أو دجاج أو أسماك فهو نادر كما كان معتادا إلا عند الأغنياء فقط، وبجانب ذلك يجتمع البعض على المقاهى بعد صلاة التراويح لتناول الشاى بينما كان من ضمن الطقوس الأساسية فى سنوات سابقة هو السحور فى المطاعم أو فى عزومات لدى الأصدقاء والأقارب.

وتقول فى هذا السياق، الإعلامية السورية سمر رضوان، إن هناك العديد من الأشكال والطقوس الرمضانية تم إلغاؤها هذا العام بسبب ارتفاع الأسعار والضغوط المادية الناتجة عن الأوضاع التى نحاول التعامل معها والشعب يستجمع قواه ما بين ظروف الحرب وكارثة الزلزال، موضحة أن الأسعار باتت «مرعبة» حيث كان من المفترض أن بعد الزلزال يتعظ بعض التجار من الكارثة البشرية التى ضربت البلاد مؤخرا ويشعرون بمتاعب وآلام الناس ولا يغالون فى الأثمان، ولكن الأسعار اشتعلت أكثر.

وأشارت إلى أن كارثة الزلزال جاءت بإفطار جماعى لأسر فقدت منازلهم وبات سكنهم مراكز إيواء، فى حين أن من لم تتضرر منازلهم، يعيش عدد كبير منهم أمام بيوتهم فى مخيمات حيث مازالت مخاوف توابع الزلزال قائمة ويرفضون دخول أبواب سكنهم.

وتوضح «رضوان» أن هناك ثوابت فى حياة السوريين خلال الشهر الكريم فى سنوات سابقة أصبحت غير قائمة من بينها تناول الإفطار والسحور فى مطاعم وسط تجمع الأهل والأصدقاء، أما الآن فهذا المشهد غير متواجد لأن الأسعار تضاعفت 3 مرات أو أكثر من قبل الزلزال مقارنة بحلول شهر رمضان، ووجبة الإفطار فى المطاعم لشخص واحد سعرها يعادل حاليا نصف راتب موظف حكومى بعد أن كانت فى سنوات سابقة بأسعار مقبولة، وأيضا الحلوى الأساسية المعروفة بها سوريا وكان لا تخلو منها مائدة وهى «البقلاوة» أصبحت مختفية حيث أصبح سعر الكيلو بحوالى ثلث راتب موظف أو عامل.

وإلى الساحل الفينيقي، حيث أصعب «رمضان» يمر على اللبنانيين الذين لم يعيشوا هذه الظروف فى الشهر الكريم منذ زمن أجدادهم حتى وقت المجاعة قبل أكثر من 100 سنة، لم يكن حالة «العوز» وعدم القدرة على شراء الاحتياجات بهذا الشكل، حيث إن الأمر لدى المسلمين فى لبنان خاصة المنتشرين بشكل رئيسى فى العاصمة بيروت ومدن طرابلس فى الشمال وصيدا وصور فى الجنوب، لا يتعلق بالقدرة الشرائية على توفير كميات قليلة من اللحوم أو الدواجن على طاولة الطعام، فهناك ما هو أصعب من عدم القدرة على توفير طبق أساسى لا بد من تواجده مكون من الخضروات الطازجة وهو «الفتوش» الذى باتت تكلفته بالمنزل للفرد الواحد حوالى ربع مليون ليرة، أى ما يعادل وفق آخر معدلات سعر الصرف 2 ونصف دولار بعد أن كان يعادل منذ عامين 3 آلاف ليرة أى 2 دولار فقط من حيث التكلفة.

الكارثة الواقعة على المواطن اللبنانى تتعلق بحصوله على راتبه بالعملة الوطنية «الليرة» حيث كان يساوى الدولار الواحد على مدار أكثر من 30 عاما فى السنوات الماضية حوالى 1500 ليرة، أما الآن فأصبح الدولار يقابله 120 ألف ليرة، ويكون راتب المواطن اللبنانى بالليرة ولكن تكلفة المعيشة الفعلية بالدولار، بمعنى أن المواطن الذى كان يحصل على 150 ألف ليرة وكان يعادلها من قبل ذلك 100 دولار، أصبحت الـ 150 ألف ليرة بدولار وربع أى نقص قيمة دخله على أقل تقدير أكثر من 100 مرة خلال آخر 18 شهرًا.

وبحسب رصد ميدانى يوضح الكارثة الاقتصادية التى تضرب اللبنانيين وتنعكس عليهم مع استقبال شهر رمضان، أنه على سبيل المثال فإن تكلفة طبق الفتوش عام 2020 كانت حوالى 4500 ليرة أى دولارين عندما كان الدولار بـ 2000 ليرة، وفى عام 2021، وصل تكلفة طبق الفتوش 12500 ليرة عندما كان سعر الدولار فى هذا الوقت 6 آلاف ليرة، وفى 2022 كان سعر مكونات  «الفتوش» للفرد الواحد 50 ألف ليرة عندما أصبح وقتئذ الدولار الأمريكى بـ25 ألف ليرة، ولكن مع رمضان هذا العام، على الرغم من أن تكلفة صحن «الفتوش» دولارين كما هو ولكن بعملة المواطن اللبنانى أصبح بربع مليون ليرة بعد أن أصبح سعر الدولار 120 ألف ليرة، ويتم على هذا المؤشر قياس تكاليف المعيشة اليومية على كافة المستويات من مواد غذائية ومشتريات أساسية للبيت اللبناني.

ومن بغداد حيث يعتبر العراق من أكثر الدول العربية وقتا فى الصيام بسبب طول مدة النهار، وتكون للشهر الكريم طقوس لها احتفالات تقوم على انتشار الزينة فى الشوارع والمصابيح المضيئة التى لا يخلو منها أى شارع لاسيما فى المناطق الشعبية والأحياء العتيقة.

وانعكس ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم بصورة واضحة على الأسواق، مما جاء بثقل كبير على المستهلكين مع عدم ثبات سعر الصرف للدولار وتحكم السوق الموازية فى ذلك فى وقت تعتمد فيه البلاد على استيراد الكثير من الاحتياجات الأساسية، وما زاد الأزمة هو تزامن مجيء الشهر الكريم مع عيد النيروز الذى يحتفل به الأكراد فى مناطق متفرقة فى العراق المتعدد والمتنوع بإرثه الثقافى والحضاري.

وهناك أكلات لها تواجد مهم على السفرة العراقية قد لا تتواجد هذا العام كما هو معتاد عليه بسبب ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، من بينها أكلات الدولمة والمسكوف والكباب والتبسى والتشريب والقوزى والكبة بأنواعها المتعددة، وبجانب ذلك يتصدر على مائدة الصائمين حساء العدس، إضافة إلى اللبن والتمر والمشروبات الغازية والعصائر الطبيعية.

وننتقل إلى دول شمال إفريقيا من ليبيا إلى موريتانيا مرورا بتونس والجزائر والمغرب، حيث تكون العادات والتقاليد والأجواء والاحتفالات والزينة بالشوارع والمنازل مختلفة وليست بكثافة بقية الدول العربية فى الشهر الكريم مقارنة بمصر وسوريا ولبنان وفلسطين والعراق والخليج العربي، وبجانب ذلك لا تنتشر العزومات بين الأصدقاء والعائلات فى دول المغرب العربى بالشكل المعتاد عليه فى عواصم عربية أخرى حيث بحسب العادات فى تلك البلدان يتم النظر إلى الإفطار فى منزل شخص آخر حتى لو كان صديقًا أو قريبًا على أنه نوع من «العيب» وإن اقتصرت تكون على مستوى العائلة الصغيرة بشكل محدود للغاية وإذا تم تبادل الزيارات يكون على مستوى ضيق وفى الأيام الأخيرة للشهر الكريم.

وما بين مدن الدار البيضاء ومراكش وطنجة، كان الرصد لاستقبال المغاربة شهر رمضان الذى يعتبر من الأوقات المهمة فى المملكة حيث تتجسد معه خصوصيات حضارية تحمل الروحانيات والتقاليد التى تعبر عن تقديس المغاربة لهذا الشهر المبارك التى تتمثل فى طابع التعبد فى ظل تنوع الموروث الثقافى والاجتماعى.

ولا ينقطع «المغاربة» فى شتى المدن رجالا ونساء وأطفالا عن التواجد فى المساجد ليلا بجانب المكوث فى الساحات الشهيرة لتناول الحلوى والعصائر فى حين أن الزيارات العائلية أو توجه المغتربين إلى مسقط رأسهم لا تكون حاضرة كما كانت فى عقود سابقة لطبيعة المغرب فى بعد المسافات بين المدن من جهة، ومن جهة أخرى، ارتباط كل أسرة بعادات وتقاليد المدينة التى يعيشون فيها حتى لو كانوا حديثى العهد بها.

ومن المشاهد الأساسية لربات البيوت فى المغرب هو التجمع لتجهيز أنواع مختلفة من الحلويات بكميات كبيرة يكون جزءا لا بأس بها للتوزيع على الفقراء وغير القادرين يوميا، بجانب تجهيز العديد من المخبوزات والحلويات ومنها «البريوات» وهى مقبلات مغربية حلوة ومالحة تأخذ شكل المثلثات الذهبية التى تخفى بداخلها حشوات متنوعة، ويكون ظهورها على الموائد فى غالب الأحيان بالمناسبات، والأعياد، واستقبال الضيوف، ربما لأن إعدادها معقد نسبيا، ويتطلب بعض الوقت، وتتكون من ورق البسطيلة  أى الجلاش، ويتم حشوها بأكثر من شكل ونوع وطريقة، بجانب العصائر الطازجة الحاضرة على الموائد بشكل متنوع من مدينة إلى أخرى بحسب العادات.

ومن مدينة مراكش، تؤكد «سكينة بن محمد – باحثة اجتماعية» أن «الشباكية» تعتبر من الحلويات المهمة والضرورية على المائدة المغربية فى رمضان حيث يتم تناولها مع حساء الحريرة  المكونة من الحمص والعدس والفول والقطاني، ولذلك ارتفعت مع قدوم الشهر الكريم أسعار المواد الأساسية لهذا الحساء، ونفس الحال حلوى «المحنشة» التى صاحبها رفع سعر العسل والزيت الذى تجهز به تلك الحلوى نظرا للإقبال الكبير على مكونات تجهيزها ونفس الحال لأسعار التمور.

وتشير «سكينة» إلى أنه مع أول أيام رمضان، يستعد المغاربة فى كل الأقاليم للاحتفال بليلة القدر فى 27 من الشهر الكريم وذلك بتجهيز وتفصيل أو شراء لباس تقليدى ما بين جلاليب وقفاطين للرجال والنساء والأطفال، ليقضون بها هذه الليلة سواء بالعبادة أو الاحتفال فى الساحات.

ومن تونس الخضراء، لم تنشر مظاهر الفرحة بالشهر الكريم عبر الزينة والمصابيح المضيئة كما كان فى السنوات الماضية، حيث تنعكس الأزمة الاقتصادية بشكل كبير على جيب المواطن من جهة، ومن جهة أخرى، عدم توفر الكثير من السلع التى يتم استيراد حاجات أساسية كثير منها من الخارج.

ومع انتشار التوانسة فى المساجد وقت صلاة التراويح بعد تناول الافطار لاسيما فى مدن سوسة وصفاقس والقيروان وبالطبع العاصمة التى تحافظ على إرثها الإسلامى فى المساجد العتيقة، وضح  سوء الوضع الاقتصادى هناك فى ظل مشاكل تضر السلع الأساسية مثل السكر والدقيق وخصوصا الزيوت حيث إن ما هو متوفر منها أغلى من الثمن المعتاد لكونه مستوردا من الخارج وتؤثر أزمة الزيت والدقيق ما بين انعدامها أو ارتفاع أسعارها على الأطباق الرئيسية وفى صدارة ذلك «البريك» أو «السمبوسة» التى تخبز وتقلى فى الزيت بعدة أنواع.

أما اللحوم فارتفعت أسعارها فى تونس مع الشهر الكريم بنسب تزيد على 50 %، ومع محاولة الهروب من نار ثمن اللحوم والدواجن كان التوجه المباشر والتكدس نحو الأسماك التى ارتفعت هى الأخرى بطبيعة الحال على الرغم من شهرة تونس بتوافر المأكولات البحرية، بجانب انعدام الألبان ومشتقاتها بشكل واضح مع ارتفاع أسعار المتواجد منها وسط تلاعب فى الأسعار بالأسواق الموازية بشكل كبير.