الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مع فضيلة د.على جمعة عضو هيئة كبار العلماء (1) لم يأمرنا الله ورسوله أن نعتزل العالم.. بل أمرنا أن نواجهه وأن نتعامل معه

روضة رمضان



مع بدءِ أيامِ  شَهْر رمضان  حرصنا على أن نكونَ معكم من خلال روضة رمضانية  تقدم مادةً صحفية من نوع خاص تُشبع رغبة القارئ فى معرفة رأى الدين فى بعض القضايا وتأخذ بيده للجلوس على مائدة أحد كبار العلماء للتعرُّف على رأى الدين فى العديد من القضايا؛ حيث خصَّصنا فى «روضة رمضان» هذا العام حوارًا أسبوعيًا مع فضيلة الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق الذى يتسمُ بغزارة العلم والفقه، فضلاً عن كونك تشعر بالألفة معه كونه يحمل صفة العالِم  الفقيه.

كما كان لنا فى الروضة تحقيقٌ فى عدد من الموضوعات التى نعرضها تباعًا كل أسبوع نتعرَّف من خلالها على رؤية تنويرية دينية صحيحة تثير الوعى الدينى، وتسهم فى تعميق الفهم الصحيح للدين.

ولم نتجاهَل فى «روضة رمضان» هذا العام من طرح عدد من الفتاوَى التى تساعدنا فى رمضان على تجاوُز بعض الأمور التى قد تلتبس لدَيْنا خلال الشهر الكريم. 

 

يُعَد فضيلة الدكتور على جمعة عضو هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب، والمفتى السابق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية النموذجَ الأمثل للعالم المُجَدّد فى عصرنا المتلاحق الأحداث؛ حيث استطاع فضيلته امتلاك أدوات التجديد بفهم صحيح للواقع وأحكام الدين الحنيف.

لذلك كانت له منهجية ورؤية عصرية فى نقل تعاليم الدين الصحيحة، وأحكام الشرع الحنيف من متون التراث. وكتب الفقه وأصوله والتى يصعب على الكثيرين فهمها الصحيح، إلى الجانب التطبيقى فى حياتنا بصورة عصرية تقبّلتها الناس بمختلف ثقافتهم ومعرفتهم، فأصبح بما يقدمه من توضيح للدين مُجددَ العصر.

ومن خلال «روضة رمضان» نبحر مع فضيلة العلامة الدكتور على جمعة فى معرفة منهجه، ورؤيته فى كثير من القضايا التى يصعب على كثير منّا الوصول فيها إلى رؤية يطمئن لها الإنسانُ، وتحقق له الاتباع الصحيح للدين. 

فى البداية كثير من الناس يرون أن لفضيلة الدكتور على جمعة منهجَ تجديد متميزًا فى عصرنا بصورة تتيح فهم الدين الصحيح، فما هى أسُس ذلك المنهج؟ وفى هذا يقول د.على جمعة: لقد وفقنى الله- سبحانه- من غير حول منّى ولا قوة إلى أن أدرُسَ علومَ الدين على ما تقتضيه العملية التعليمية من أستاذ ومنهج وكتاب وجَوّ علمى، وأدعو الله أن يهب لى الشروط التى نص عليها الإمام الشافعى:

أَخِى لَنْ تَنَالَ الْعِلْمَ إِلَّا بِسِتَّةٍ... سَأُنْبِيكَ عَنْ تَفْصِيلِهَا بِبَيَانِ

ذَكَاءٍ وَحِرْصٍ وَاجْتِهَادٍ وَبُلْغَةٍ... وَإِرْشَادِ أُسْتَاذٍ وَطُولِ زَمَانِ

ثم مَنَّ الله عليَّ فدَرَستُ من علوم الدنيا والواقع، ثم سافرت عبر الأرض فى كل الدول، وشاركت فى المؤتمرات والندوات، ودَرَّست علوم الشريعة والقانون والاقتصاد، وناقشت أكثر من مئة رسالة علمية، وساهمت فى بناء المؤسّسات والجامعات، وتوليت المناصب كأستاذ جامعى وعضو لجنة الفتوَى وعضو مجمع البحوث الإسلامية وعضو مجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامى ثم مفتيًا للديار المصرية، ثم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

 ومن هذه الرّحلة ترسخ فى نفسى:

1 - احترام التراث، وتوَلّد فى يقينى نظرية واجب الوقت، وأن السلف الصالح قد بذلوا مجهودهم فحافظوا على الإسلام بتوفيق الله، وبنوا حضارة كبيرة ولا بُدّ أن نقوم بواجبنا كما قاموا.

2  - احترام الزمان، وأنه دائم التغير، وأن الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة غيرت البرنامج اليومى للإنسان، ولم يعد يعيش أمسَه فى يومه ولا يومَه فى غده، فهو إذن يتعامل مع نسبى غاية فى النسبية.

3  - وإدراك أن الإسلام دين عالمى ودعوة شاملة، وعلى ذلك فلا بُدّ من تقديمه بصورته الحقيقية إلى العالم، ولا نكون حائلًا بين الناس والخالق، ولا نكون بسوء فِعالنا وأقوالنا صادّين عن سبيل الله بغير علم، وقد حذرنا القرآنُ من هذه الصفة فقال تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ)، وهذا الشعور مؤثر فى الاختيار الفقهى، وذلك بخلاف مَن حَصَرَ نفسه فى مذهب بعينه يريد حمل الناس أطْرًا عليه، ضاربًا بعالمية الإسلام عرض الحائط، ضاربًا بلا مبالاة بل بلا رحمة بالدعوة إلى الله، والتى كان يلزمه أن يجعلها نُصب عينيه، وهو يظن أنه حارس القديم وكاهن التراث، والله يعلم كم يفسد فى الأرض بحُسن نية، أو بجهل وفساد عقل، وهذا الصنف من الناس كثير.

4 - وحاولت أن أضع معايير الاختيار الفقهى ففتشت فى الفقه الوسيع مُفَرِّقًا بين الظنى والقطعى، فلا أخرج عن إجماع حقيقى ولا أحقر مجهود السابقين، ولا أقف عنده جامدًا،؛ بل أستأنس به وأفرح بموافقته، وأجتهد رأيى ولا آلو؛ قيامًا بواجب الشهادة التى أمر الله بها الأمّة، فقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).

5 - وأنا أتصور لو أن الأكابر من العلماء عبر العصور قد قاموا فى عصرنا لذهبوا ذلك المَذهب، ولقد رأينا علماء الشرق والغرب من أهل الإسلام وغير الإسلام يثنون على هذه الطريقة وتلقى قبولاً عامًّا، وهكذا كان الحال عبر العصور مع العلماء المسلمين الذين فهموا الإسلام فلم يُفَرِّطُوا فيه ولم يتعصبوا لمذاهبهم، وعلموا أن الإسلام أكبر من المذاهب والأعراف وأكبر من التاريخ والجغرافيا.

وفى ظل هذه الرؤية حاولتُ أن أستخرج الجديد بمناهج القدماء، وحاولت أن أبنِىَ وأستكمل تلك المناهج، والتقطتُ من الأصول والفقه ما فتح الله به ليكون ذلك عونًا لكل مسلم أن يعيش عصره، وأن يحب دينه، وأن يعمّر هذا الكون ويشارك فى بناء الإنسان وحضارته على أسُس ربّانية، وأن يدعو إلى الله على بصيرة كما يحب ربنا ويرضى.

 التلبيس بين الحق والباطل 

إذا انتقلنا لقضية فهم الدين فهناك مَن يرى أن يختلط عليه فى كثير من الأمور الصحيح من غير الصحيح.. فهل هذا من التلبيس؟

 وفى هذا الأمر يوضح د.على جمعة أن التلبيس صفة تعد كبيرة من الكبائر؛ لأنها تمنع أساسًا من أسُس الاجتماع البشرى، وهو التفاهم المبنى أساسًا على الفهم، والفهم حتى يكون صحيحًا يجب أن يكون صورة صحيحة للواقع، فإذا قام أحدهم بموجب ظاهرة صوتية يتكلم كلامًا يخلط فيه الحق بالباطل؛ فإن هذا هو التلبيس بعينه، الذى يعطل الفهم، فيعطل التفاهم، فيعطل بعد ذلك البحث عن مشترك بين البشر، فيعطل مع هذا الاتفاق والائتلاف، ويدعو إلى النفاق والاختلاف، قال تعالى: (لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

 تجديد الإيمان 

وحول ما يعنيه بعضنا من ضعف فى إيمانه، وكيف نعالج ذلك؟ 

يرى د.على جمعة أن المسلم يستطيع أن يبدأ كل يوم عامًا جديدًا، ولقد رأينا الشرع وهو يدعو دائمًا إلى التجديد فيقول رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «جَدِّدُوا إِيْمَانَكُمْ»، قِيل: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟ قَال: «أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ» (أحمد)، فالرغبة فى التجديد نجدها دائمًا فى ثنايا الأوامر الإلهية فى مثل قوله تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ)،والشرع يقول لنا دائمًا هيا نبدأ من جديد، وهو أمْرٌ يتناسب مع الضعف البشرى، وفى الحديث: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» (الترمذي)، فكثرة التوبة تتناسب مع كثرة الخطأ، وخُلِق الإنسان ضعيفًا. ويساعد على فكرة التجديد هذه المحطات التى يغفر الله لنا ما بينها، ففى الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ». (مسلم)

ويقول: «قد ارشدنا أهل الله من المسلمين فى طريق سلوكهم إلى رب العالمين إلى برنامج، ويتمثل ذلك فى أربعة عناصر وهي: قلة الطعام، وقلة الكلام، وقلة المنام، وقلة الأنام. أمّا قلة الطعام: فالنبى صلى الله عليه وسلم يقول: «حسبُ ابن آدم لقيمات يُقِمْنَ صُلْبَه» (الترمذى)، وكان صلى الله عليه وسلم يصوم يومَى الاثنين والخميس، وكان يصوم ثلاثة أيام من وسط الشهر؛ الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وكان يصوم يوم عاشوراء وهو العاشر من المُحَرَّم، وكان يصوم السّت من الشوال، ويصوم الأيام التسع الأوائل من ذى الحجة، وفى بعض الأحيان كان يصوم السبت والأحد، وفى بعض الأحيان كان يصوم شهر المُحَرَّم كله أو شهر شعبان كله كما ورد فى الحديث، ومن جَمَع بين هذه الصوائم كلها وجد وكأنه يصوم نصف السَّنة خلا رمضان، وكان يقول: «أَعْدَلُ الصِّيَامِ عِنْدَ اللهِ هُوَ صِيَامُ دَاوُدَ؛ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا». (البخارى).

وقلة الكلام؛ فقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن كثرة الكلام فنهانا عن اللغو، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)، وقال: (وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)، وفى حديث معاذ وهو يسأل للنبى صلى الله عليه وسلم: وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِى النَّارِ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ!»، كما مدح الله سبحانه وتعالى هذا الصنف من الناس، فقال: (وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ يَضْمَن لِى ما بين رجْليه وما بين لَحْيَيه (أى فكَّيْه) أَضْمَن له الجنة»، ولو أن الناس وضعوا هذا فى برنامجهم اليومى لتغير وجه الاجتماع البشرى من الصدام إلى الوفاق ومن القسوة إلى الرحمة ومن العنف إلى الود.

 أمّا قلة المنام: فهى علامة على كثرة العمل، ونراها فى الإرشادات الإلهية؛ حيث يقول لنبيه: (قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلًا. نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلًا)، وفى مثل قوله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مُّحْمُودًا)، وفى مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «أفَلاَ أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا!» 

 وتدريب الجسد على قلة المنام أمر يحتاج إلى أناة وصبر ومعالجة بالحكمة حتى لا يصاب الإنسان بأى ضرر؛ فإن الْمُنْبَتَّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى. أمّا قلة الأنام: فنُظِّمَتْ فى الدين بالاعتكاف، قال تعالى مخاطبًا إبراهيم وإسماعيل: (أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)، ثم أيّد الإسلام ذلك فكان النبى «صلى الله عليه وسلم» يعتكف العَشر الأواخر من رمضان، وجاءه الوحى وهو معتكف فى غار حراء حيث كان يتعبد الليالى ذواتِ العدد بعيدًا عن الناس، وهذا يتيح للإنسان فرصة لمراجعة النفس والتأمل فى كيفية الخروج من العيوب وأخذ قرارات لتعديل السلوك وتغييره، وتعديل السلوك أصبح قسمًا مستقلاً من علم النفس فى السنين الأخيرة.

 

 حب الحياة 

وفى فقضية أخرَى تردد سؤال الكثيرين؛ هل يخالف حب الحياة مع الالتزام بالدين؟ 

وهنا يوضح د.على جمعة أن هناك فرقًا كبيرًا بين حب الحياة وبين حب الحياة الدنيا، فالحياة فى مفهومنا تشمل الدنيا والآخرة، وعقيدة المسلمين تشتمل على الإيمان باليوم الآخر ومن بعده الخلود والبقاء، وأمّا هذه الدنيا فليست غاية الأمر؛ بل هى الفانية، ولذلك قصر تعالى الحياة على الآخرة فقال: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). فالدنيا جزء قصير فى رحلة الحياة، فمَن أحبها وتعلق بها وحدها فقد نسى وخسر حب الحياة الدائمة. قال تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، وقال تعالى: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا).

ولقد أمرَنا بأن نحب الحياة الدنيا من حيث هى مَرحلة أو مَزرعة للحياة الآخرة الباقية، وكذلك أمرَنا بأن نأخذ حظنا من السعادة فيها، فالمؤمن هو الأحق والأجدر بأن ينال حظه من نِعَم ربّه وعطائه وتسخيراته فى الكون، ولكن نتمتع بزينة الحياة الدنيا وأعيننا على الدار الآخرة التى هى استمرار للحياة. قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).

 التعامل مع الإنترنت 

وحول سؤال يتردد من أن الشباب يجلس إلى الإنترنت فإذ به بين اكتئابٍ مما يرَى فيه يدفعه إلى إغلاقه إن كان شابًا ملتزمًا فتأتيه حالة من حب الاعتزال، وبين شابٍ آخر يضيع فى متاهات ما يرَى وتأخذه أمواج الفتن فلا يعرف رأسَه من رِجْلَيْه ولا يعرف حياته من آخرته، وبين شابٍ ثالث يتحير مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وبين شابٍ رابع وخامس.. فكيف تكون الهداية وما هداية ربّنا سبحانه وتعالى فى ذلك؟ 

وفى إجابته يقول د.على جمعة: إن المسلم يعيش كل العصور، والإسلام هو دين خاتم وكلمة ربّنا فيه هى الكلمة الأخيرة التى خاطبت العالمين، ولم يأمرنا ربّنا ولا رسُوله أن نعتزل هذا العالم ولا أن نوليه ظهورنا ؛ بل أمرَنا أن نواجهه وأن نتعامل معه لا أن نفر منه، وينبغى على الشاب وهو جالس أمام هذه النافذة التى جمعت الخبيث والطيب وجمعت الخير والشر يرى منها العالم ينبغى عليه أن يضع أمامه ثلاث قواعد؛ القاعدة الأولى: «معرفة الله سبحانه وتعالى» وهو كلام سمعناه وفهمناه وعلمناه.. فما المطلوب منّا؟ 

المطلوب منّا أن نحوّله إلى معيارٍ للقبول والرد.. أن نفهمه فهمًا عميقًا مستنيرا.

أيها الشاب اعرف ربَّك، واعرف شرعَك، ولا تنبهر.. فلقد كُلّفنا بأن نواجه الناس وأن نعلم الواقع وأن نعيش عصرنا، والنبى صلى الله عليه وسلم فى حديثٍ طويل يتكلم عن صفات المؤمن فيقول «أن يكون مدركًا لشأنه عالمًا بزمانه»، فقد خَلق الله العصر الذى نحن فيه وخلقنا فيه ؛ فأمَرَنا أن نقوم بواجبنا وبواجب الوقت الذى خُلقنا فيه، فلنتدبر كتابَ ربّنا وسُنّة نبينا وكلام سَلفنا الصالح الذين أحبوا الله ورسوله وطبّقوا شرعه فى حياتنا الدنيا، ولنأخذ من ذلك كله ما نستطيع به أن نسير فى حياتنا أقوياء أعزاء ندعوا إلى الخير ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله.