السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأزمة معقدة ومصالح الشعب معطلة لبنان كرسى بدون رئيس

«كرسى بدون صاحب».. أنه المقعد الأهم فى لبنان، هى صورة يعرفها الجميع لم تعد غريبة مع انتهاء ولاية كل رئيس للبلاد بظهور كرسى الرئيس بدون مرشح فائز، حيث يخلو المنصب ويظل البلد تائهًا بسبب التوازنات بين القوى السياسية التى يتحكم فيها بشكل بالغ أطراف إقليمية ودولية.



 

لا يكون هدف معظم الأعضاء فى مجلس النواب أن يختاروا رئيسًا من أول مرة لخدمة الشعب ومصالحه، ولكن المهم للكثير من الأحزاب والتيارات خدمة قوى إقليمية يلعبون لصالحهم، ولا يوجد لديهم غضاضة فى أن تعقد عشرات الجلسات التى تفشل فى اختيار الرئيس ولا يوجد أدنى مشكلة لديهم فى أن يستمر البلد بدون رئيس لسنوات وسنوات، وهو ما تكرر قبل ذلك ووصل الأمر إلى فراغ الكرسى الرئاسى فى قصر بعبدا بدون رئيس منتخب من قبل المجلس النيابى لقرابة الـ 3 سنوات، وحتى الآن مع مغادرة الرئيس المنتهى ولايته ميشال عون، أكمل الكرسى الرئاسى الشهر الخامس فى الفراغ بعد فشل 11 جلسة نيابية فى اختيار رئيس، وتحول الصراع السياسى من جولات ما يعرف بـ«الورقة البيضاء» التى كانت معطلة فى اختيار الرئيس من جانب المكون الذى يجيد تلك اللعبة وهو حزب الله وحركة أمل ومن معهم من مكونات مسيحية مارونية ليس لها مساحة الأغلبية البرلمانية فى اختيار الرئيس إلى إفصاح علنى من جانب حزب الله مؤخرًا عن مرشحه للكرسى الرئاسى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وهو حفيد رئيس لبنان فى أوائل السبعينيات من القرن الماضى الذى يحمل الاسم نفسه، بينما يرشح الطرف الآخر الذى يقوده حزب «القوات اللبنانية» ميشال معوض.

وبحسب الدستور، تبدأ العملية الانتخابية بدعوة رئيس مجلس النواب إلى انتخاب الرئيس، ثم ينعقد المجلس بنصاب الثلثين على الأقل، أى 86 نائبًا أو أكثر، وبعد ذلك يفتتح رئيس المجلس الجلسة ويطلب الاقتراع فورًا، فيدور الصندوق على النواب الحاضرين، ثم تبدأ عملية فرز الأصوات ويفوز فى دورة الاقتراع الأولى من يحظى بثلثى الأصوات وما فوق أى 86 صوتًا أو أكثر، وفى حال عدم فوز أحد يدور الصندوق دورة ثانية ويفوز من يحظى بالأكثرية المطلقة، أى ما يعادل 65 صوتًا أو أكثر، وهكذا تستمر عمليات الاقتراع حتى اختيار الرئيس.

الأزمة معقدة هذه المرة، حيث إن اللبنانيين ليسوا أمام فراغ واحد معتادين عليه وهو الفراغ الرئاسى، فهناك أيضا فراغ حكومى بوزارة لـ«تصريف الأعمال» لتتوقف مصالح الشعب الذى لن يكون هناك مبالغة فى وصفه بـ«المفلس» بعد أن شهدت الليرة أكبر سقوط طوال تاريخ البلاد، بدون كهرباء أو مياه أو خدمات صحية أو تعليمية ومؤسسات غير واضح من المسئول عنها، وجريمة انفجار المرفأ.

ويأتى بجانب ذلك المستجدات الدولية التى قد يكون لها ارتباط حتى لو غير مباشر بالملف اللبنانى، وهو الاتفاق السعودى الإيرانى الذى جرى مؤخرًا برعاية صينية، وبحسب خبراء فإنه على الرغم من أهمية تسوية لبنان أمام المجتمع الدولى، فإن أولويات الاتفاق بين الرياض وطهران تحمل ملفات أخرى لها أولوية، وقد يكون لبنان فى آخر بنود تلك القائمة.

أستاذ العلوم السياسية بالجامعة اللبنانية، د.خالد العزى، يقول: إن لبنان يعيش فراغًا رئاسيًا مفروضًا عليه ويتكرر منذ عقود بسبب التوازنات الداخلية وتحكم ما يعرف بـ«الثنائى الشيعى» المكون من حزب الله وحركة أمل الذى يحاول فرض الرئيس بحجة يسوق لها جماهيريًا وهى حماية «ظهر المقاومة»، ولكن هدف هذا الثنائى هو التحكم فى مفاصل الدولة لصالح قوى إقليمية دون الاكتراث بما ينتج عن «الفراغ» من انهيار وتفكك مؤسسات الدولة بشكلها العام سواء الأكاديمية والتعليمية والصحية والقضائية والأمنية، ولكن المهم لهذا الثنائى هو أن يتحول لبنان إلى ورقة لعب وضغط لصالح حليفهما «إيران» سواء فى الملعب العربى أو الدولى، ولذلك لا يستغنى «حزب الله» فى كل مرة مع نهاية ولاية رئيس الجمهورية عن تكرار «الفراغ الرئاسى» حتى يأتى برئيس يخدم مصالح قوى إقليمية واللعب بالبلد حتى لو كان الرئيس المرشح من جانب الحزب مرفوضًا من الشارع أو بقية القوى السياسية، وحتى لو كان الناتج المباشر عن «الفراغ» مع خلو المنصب هو «خراب البلد» وانهيار الاقتصاد واستفزاز الشارع وتعطيل المؤسسات ونشر الفوضى أما قبول الجميع بمرشحه الذى يخدم أجندته الداخلية ومصالح حلفائه الإقليميين عبر لبنان.

ويفسر «العزى»: إن المرشح الرئاسى سليمان فرنجية الذى يريد حزب الله فرضه، هو مرفوض فى الأساس من جانب بيئته والمقصود هنا «المسيحيون الموارنة»، حيث بحسب الدستور اللبنانى منذ الاستقلال، يكون رئيس الجمهورية مسيحيًا مارونيًا، ورئيس الوزراء مسلمًا سنيًا، أما رئيس مجلس النواب فمسلم شيعى، وبالنسبة لرئيس الجمهورية فإن بيئته المارونية ترفضه بجانب أن المرجعية الدينية أى «البطريركية المارونية» ضد هذا الترشيح الذى يتضح للجميع على مستوى جميع الطوائف، أن هذا المرشح الذى يأتى به «حزب الله» وأعوانه أصحاب الأقلية من داخل الطائفة المارونية المعنية بالمرشح الرئاسى، لن يكون رئيسًا لكل اللبنانيين، بل عمله سيكون تأمين خدمة مصالح «حزب الله» لإحكام قبضته على مفاصل الدولة والاحتماء من أى مشاكسات خارجية بالتحكم فى جميع المراكز الحساسة فى الدولة، وبالتالى إبعاد لبنان عن محيطه العربى والدولى وعدم القبول بالإصلاحات الاقتصادية، توزيع مغانم وزارية ومراكز لدى أصحاب النفوذ التى تدين بالولاء لمن أتى بهم وليس المعاملة من خلال الكفاءة والتميز الوظيفى أو الخبرات، فيكون العمل بالسطو على مراكز مهمة بالبلاد عبر أشخاص تابعين له من طوائف أخرى، ولكنهم يرتبطون بمصلحة معه.

ورجح «العزى» أن يظل الفراغ الرئاسى مستمرًا مستبعدًا أن يكون هناك تحريك للأزمة اللبنانية مع الحدث الذى جرى مؤخرًا والذى ترتبط به لبنان إقليميًا ويؤثر على وضعها الداخلى، والمقصود هنا «الاتفاق السعودى الإيرانى» مشيرًا إلى أن ملامح وتفاصيل هذا الاتفاق سيتم الإفراج عنها بعد شهرين وهو اتفاق تجريبى، وفى الأغلب لن يكون التسوية اللبنانية ضمن أولويات هذا الاتفاق، والمتوقع هو تحييد لبنان فى اتفاق الرياض وطهران وأن يبقى الحال على ما هو عليه من مواجهات واحتقان داخلى وفراغ رئاسى يضر لبنان وشعبه أكثر مما هو واقع الآن، وقد يكون لبنان من حصة التحرك الفرنسى الذى يسعى للحفاظ على تواجده فى لبنان وإبعاد البلاد عن التجاذبات الإقليمية لتأمين نوع من الاستقرار القادم الذى يقود بيروت إلى العودة لحضن المجتمع الدولى بعد المعاناة والمأساة التى تكبدها نتيجة الانهيارات الاقتصادية والمؤسساتية لإيجاد مناخ آمن يهدف فتح الطريق أمام الاستثمارات العالمية الهادفة إلى استخراج الغاز والنفط المطلوب أوروبيًا وعالميًا.

ويتفق المحلل السياسى «جورج العاقورى» مع «العزى» فى الترجيحات المتعلقة بعدم وضع الاتفاق السعودى الإيرانى ملف التسوية فى لبنان والفراغ الرئاسى ضمن أولوياته مفسرًا ذلك بأن الاتفاق بين دولتين لهما شأنهما، فى حين أن الاستحقاق الرئاسى فى لبنان أمر داخلى أولاً ويعود للبنانيين تحديد هامش تدخل الخارج، كما استبعد أن تكون ارتدادات هذا الاتفاق فورية على لبنان لأن أولوية الطرفين فى ملفات ومناطق أخرى، لكنه أشار إلى أنه قد تكون هناك إيجابيات لهذا الاتفاق على لبنان أن استمر ولكن ليس على المدى القريب وأبرزها: سحب أذرع إيران من دول المنطقة وتجفيف موارد إيران لتلك الأذرع، مما يعنى تحجيم حزب الله فيضطر أن يتخلى عن دوره الإقليمى ليعود تحت سقف الدولة. إلا أن «العاقورى» شدد على أن ذلك سيكون متوقفًا على مدى جدية إيران فى إتمام هذا الاتفاق، لذلك من المرجح أن يستمر الفراغ فى المدى المنظور بانتظار تبلور الأمور، حيث إننا أمام خيارين:، إما استمرار تعنت الثنائى «حزب الله» و«أمل» بترشيح «فرنجية» صاحب التمثيل الهزيل فى الشارع المسيحى، حيث حصد «تيار المرده» نائباً واحداً فى الانتخابات النيابية الأخيرة من أصل 128 والمرفوض من القوى السياسية والإصلاحية، والثانى الانتقال إلى التفاوض بشأن مرشحين آخرين بعيدا عن «ميشال معوض» و«فرنجية»، ولكن بعد إعطاء الأخير فترة زمنية لقول الثنائى له أننا جربنا إيصالك، لكن حظوظك أضحت معدومة.

ويشرح «العاقورى» حالة وتبعات «الفراغ الرئاسى» فى بلاده بالقول إنه مر 5 أشهر على هذا الفراغ على وقع الانهيار المالى والاقتصادى المتسارع والضائقة الاجتماعية التى بلغت أوجها مع ارتفاع نسبة الانتحار بشكل جنونى، ورغم كل ذلك مازال انتخاب الرئيس متعثرًا، لافتًا إلى التحول الذى جاء مؤخرًا عندما أقدم «الثنائى الشيعى» الأسبوع المنصرم على ترشيح «سليمان فرنجية»، إذ بعدما كانوا يعتمدون الترشيح السلبى له عبر «ورقة بيضاء» ولا يرشحونه رسمياً متحججين أنهم بانتظار تأمين نسبة الاقتراع المطلوبة أى 65 صوتًا والنصاب المطلوب 86 صوتًا للجلسة البرلمانية التى يتم فيها الاختيار، ها هم اليوم يرشحونه رغم عدم توفر 65 صوتًا له رغم خوف من أن تسبق الأوضاع غير محتملة الجميع نحو الانفجار الاجتماعى، حيث الضائقة تطال كل فئات المجتمع وظاهرة الانتحار عبارة للطوائف وتضرب حتى بيئة «حزب الله» ذاته ولم تجدِ نفعًا شعارات «المقاومة» فالجوع يدق جميع الأبواب فى المقابل كانت قوى المعارضة سباقة من الجلسة الأولى على ترشيح اسم فعلى هو النائب ميشال معوض.

ويقول «العاقورى»: إن ظاهرة الفراغ الرئاسى تكرست فى لبنان مع انسحاب الوجود السورى من لبنان، حيث إن قبل الحرب الأهلية التى اشتعلت عام 1975 كانت الآلية الديمقراطية تسير وبعض الرؤساء وصلوا بفارق صوت واحد وكانت هناك موازين قوى بالحد الأدنى، أما بعد الحرب منذ عام 1990 حتى 2005، فكان لبنان محكومًا بالنظام الأمنى السورى وكانت دمشق هى من تقوم بتعيين الرؤساء وينتخبون فلكلوريًا، ليكون أول فراغ مع الرئيس الممدد له «إميل لحود» فى سبتمبر 2007 واستمر الفراغ 10 أشهر حتى أقدم «حزب الله» على استباحة بيروت فى 7 مايو ليسقط ضحايا وعبر مشهد دموى جاء الرئيس ميشال سليمان نتيجة تسوية الدوحة وكان إنهاء الفراغ الرئاسى بتكلفة دموية غالية. تكرر الأمر فى 2014 عندما أعلن حزب الله ترشيح العماد ميشال عون وعطل البلاد واستدامة الفراغ لأكثر من عامين ونصف العام حتى جاء مرشحه رئيسًا للجمهورية. اليوم نحن أمام فراغ جديد، حيث يمارس حزب الله وتحالفاته نفس سياسة التعطيل وأخذ البلاد رهينة لفرض مرشحه، إلا أن من الصعوبة بمكان الاستمرار بنفس الوتيرة أن يدوم عامين ونصف العام. فمن جهة البلد فى حال انهيار غير مسبوق ومن جهة أخرى موازين القوى برلمانياً تغيرت بعد «17 تشرين» مع دخول نواب تغيرين من جهة وتراجع الشريك المسيحى «التيار الوطنى الحر» حليف حزب الله من حيث عدد النواب مقابل تقدم حزب «القوات اللبنانية» الذى أصبح يملك أكبر كتلة نيابية وهو رأس حربة سيادياً وفى مواجهة مشروع «حزب الله».

فيما يوضح المنسق العام لحزب النجادة عدنان الحكيم، أنه بحسب الدستور اللبنانى عند فراغ سدة رئاسة الجمهورية تتحول الصلاحيات كاملة إلى رئاسة الحكومة والوزراء مجتمعين إذ يتكفل رئيس الوزراء بصلاحيات الرئيس، وتبقى الحكومة لتصريف الأعمال لحين انتخاب رئيس للجمهورية، ويعتبر البرلمان مجلسًا انتخابيًا وليس تشريعيًا بمعنى أنه ليس من حقه تشريع أى قرار، إنما يجتمع فقط لانتخاب الرئيس، وهذا ما يؤدى إلى عدم استكمال ما يريده الشعب من إصلاحات مالية واجتماعية وصحية وتعليمية، حيث تتوقف كل الأمور لحين انتخاب رئيس للبلاد.

ويؤكد «الحكيم» أن هذا التعطيل الذى يقوم به البعض هو «تكتيكى» من وجهة نظر المتسببين فى هذا التعثر حتى يأتوا بمن يريدون كما حدث فى المرات السابقة، ولكن فى هذه المرة، فإن المجتمع الدولى واعٍ لهذا المسلسل تماما، مشيرًا إلى أن الوضع فى اختيار الرئيس هذه المرة له أبعاد أخرى غير التى تم التعود عليها فى المرات السابقة، وذلك يعود لما تم اكتشافه من موارد الغاز والنفط على السواحل اللبنانية بكميات كبرى وكل العالم من المؤكد يهمه هذه الثروة النفطية وفى يد من ستكون وكيف سيتم استخدامها؟!، ولذلك لن يتم الاستخراج إلا بعد انتخاب رئيس الجمهورية ويكون هناك حكومة جديدة تقوم بالإصلاحات التى يتطلبها المؤسسات المالية الدولية.