السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تطور الأوضاع فى الشرق الأوسط يؤكد تراجع النفوذ الأمريكى الوساطة الصينية تنجح فى «اتفاق العودة» بين الرياض وطهران

فى خطوة استثنائية قد تؤثر على ميزان القوى العالمية، أعلنت طهران والرياض استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، إثر مفاوضات استضافتها الصين، فى خطوة قد تنطوى على تغييرات إقليمية دبلوماسية كبرى ووسط احتفاء دولى وإقليمى بعودة هذه العلاقات وإنهاء فترة من التوترات، بينما على الجهة الأخرى، قد يكون هناك خاسرون لهذه العودة، فيما عكست تراجعًا قويًا للدور الأمريكى فى منطقة الخليج بصورة خاصة، بل وظهور ساحة جديدة للمنافسة بين واشنطن وبكين وحلفائهما فى الشرق الأوسط. 



لكن يبقى «اتفاق العودة» خطوة ستكون لها العديد من الآثار الإيجابية لفرض الاستقرار فى المنطقة العربية ومصالحه المشتركة.

«الهزة» الأمريكية

بقدر ما كان الإعلان عن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران مفاجئا، بقدر ما توقف الكثير من المحللين عند نقطة معينة، ألا وهى رعاية الصين لهذا الاتفاق التاريخى الذى أنهى سبعة أعوام من القطيعة. وأعلنت إيران والسعودية الجمعة 10 مارس استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، إثر مفاوضات استضافتها الصين، فى خطوة قد تنطوى على تغييرات إقليمية دبلوماسية كبرى.

وفى بيان الإعلان عن هذا الاتفاق، أبرزت السعودية الدور الذى شاركت به الصين وبمبادرة من الرئيس شى جينبينج «لتطوير علاقات حسن الجوار» واستضافة بلاده مباحثات بين الطرفين خلال الفترة من (6 - 10 مارس) برئاسة مساعد بن محمد العيبان مستشار الأمن الوطنى فى المملكة، وعلى شمخانى أمين المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى.

وقد أفردت الكثير من الصحف الأمريكية مساحات لهذه الجزئية وما تحمله من دلالات، فى مقدمتها تعاظم الدور الصينى اقتصاديا وسياسيا فى الشرق الأوسط، على حساب ضعف النفوذ الأمريكى فى تلك المنطقة، حسبما رأت صحيفة «نيويورك تايمز».

كما ركزت الصحيفة الأمريكية، على ما أعلنه كبير الدبلوماسيين الصينيين وانج يى فى بيان على موقع وزارة الخارجية الصينية تعقيبا على الاتفاق، وتأكيده أن بكين قامت بدور رئيسى فى استئناف العلاقات بين الرياض وطهران.

ووصف الدبلوماسى الصينى البارز هذا التطور بأنه «انتصار للحوار، انتصار للسلام، وخبر إيجابى كبير للعالم المضطرب بشدة حاليا، ويرسل إشارة واضحة».

وبعيدا عن حسابات الصين والولايات المتحدة ومصالحهما، يرى مراقبون أن الاتفاق السعودى - الإيرانى ربما يضع نهاية لسنوات من الخلافات بين قوتين لهما ثقلهما فى المنطقة، الأمر الذى قد يخمد نار صراعات لم تعد دول الإقليم تتحمل تبعاتها فى ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وذلك ما لم يكن لقوى عظمى أخرى رأى مغاير.

أما صحيفة «واشنطن بوست» فقد ركزت على دور الوساطة الذى قامت به بكين بالنسبة للاتفاق الذى تضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران «وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران»، وكذلك التأكيد على «احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية»، فضلا عن الاتفاق على عقد لقاء بين وزيرى خارجية البلدين قريبا «لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما».

ووصفت الصحيفة هذا التطور بأنه «اختراق كبير لتنافس مرير لطالما قسم الشرق الأوسط»، ولفتت إلى فشل محاولات إدارة الرئيس باراك أوباما إصلاح العلاقات بين السعودية وإيران، الذى كان يرى أن الصراع بينهما يمثل «مصدرا للتوتر الطائفى فى المنطقة».

 اللاعب الاستراتيجى

ورأت «واشنطن بوست» أن التركيز على الدور الذى قامت به الصين فى هذا الاتفاق ربما يستهدف توجيه رسالة للقوى العظمى، ومن بينها الولايات المتحدة، «مفادها أن محور الشرق الأوسط يتغير»، حسبما ذكرت ماريا لويزا فانتابى المستشارة الخاصة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى مركز الحوار الإنسانى بجنيف فى تصريحاتها لـ«واشنطن بوست». واستشهدت الصحيفة بوصف إدارة الرئيس جو بايدن لتعاظم دور الصين بأنه «أكبر تحد جيوسياسى للقرن الـ21».

واعتبرت كاميل لونس، الباحثة فى مكتب الشرق الأوسط بالمعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية أن دور الصين «مفاجئ جدا حتى للمحللين الصينيين».، موضحة أن بكين لطالما تجنبت التدخل سياسيا فى الشرق الأوسط، مع التركيز بدلا من ذلك على العلاقات الاقتصادية، مشيرة إلى أن الاتفاق يبعث برسالة رمزية «قوية جدا» نظرا لتوقيعها قبل أيام فقط من الذكرى العشرين للغزو الأمريكى للعراق.

ومن جانبها، قالت كريستين سميث ديوان من معهد دول الخليج العربية بواشطن إن الصين حلت حقا كـ«لاعب استراتيجى فى الخليج».

وفى السياق نفسه، أكدت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أن نموذج الصين للدبلوماسية الجديدة حقق فوزًا بالصفقة الإيرانية السعودية، معتبرةً أن مبادرة بكين تمثل نموذجًا جديدًا لإدارة العلاقات الدولية.

ولفتت الصحيفة إلى أن زيادة نفوذ الصين فى الشرق الأوسط دليل ملموس على أنّ بكين مستعدة للاستفادة من نفوذها فى النزاعات الخارجية، مشيرة إلى أن بكين اقتربت من الشرق الأوسط الغنى بالنفط حيث ظهرت فى المرتبة الأولى فى العالم كمستورد للطاقة، لكن دورها الآن أكبر بكثير.

وعلى الرغم من الدور التاريخى للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، فإن الصين باتت تمتلك قوة اقتصادية ودبلوماسية متزايدة هناك، بحسب الصحيفة.

 الردود والتوقعات

وتوالت ردود الأفعال الدولية والإقليمية على هذه الخطوة والاتفاق الذى سيدعم الاستقرار فى المنطقة، وقد أيدت كلً من الكويت والإمارات العربية والبحرين وقطر ومصر ولبنان والعراق وعمان وسوريا هذه الخطوة الفعالة داعين لأهمية التواصل الإيجابى والحوار بين دول المنطقة لترسيخ مفاهيم حسن الجوار وبناء مستقبل أكثر استقرارًا للجميع.

كما ثمنت الدول العربية الدولة الصينية فى هذا الشأن لتطوير علاقات الصداقة بين كلا الطرفين بما يصب فى مصلحة دول المنطقة والعالم.

كما رحب الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربى، جاسم محمد البديوى، بالبيان الثلاثى المشترك، وأكد على موقف دول مجلس التعاون تجاه دعم سياسة الحوار وحل الخلافات سياسيا.

من جانبها كان إعلان واشنطن بالترحيب بهذه الخطوة داخل السياق الحذر، وقال الرئيس جو بايدن عندما سئل عن الاتفاق السعودى - الإيرانى أنه يعتقد أن «كلما كانت العلاقة بين إسرائيل وجيرانها العرب جيدة كان ذلك أفضل للجميع».

وفى وقت سابق قال المتحدث باسم الأمن القومى بالبيت الأبيض جون كيربى إن «واشنطن على علم بتقارير استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية». وأضاف: «بشكل عام، واشنطن ترحب بأى جهود تعمل على خفض التوتر فى الشرق الأوسط». وقال كيربى: «إذا تم الحفاظ على الاتفاق وانتهت حرب اليمن ولم تعد السعودية مجبرة على مواصلة الدفاع عن نفسها نتيجة الهجمات القادمة من هناك فنحن نرحب بذلك». وأضاف: «سنرى إذا ما كان الإيرانيون سيحافظون على تعهداتهم ضمن الاتفاق».

كما هنأت تركيا كلا الطرفين فى اتخاذ مثل هذه الخطوة، وأعربت عن ثقتها بأن التقدم فى العلاقات بين البلدين سيسهم بشكل كبير فى أمن المنطقة واستقرارها وازدهارها.

وأعربت باريس عن تأيدها لهذا الإعلان وأفادت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية آن- كلير لوجندر بأن باريس تؤيد «أى مبادرة يمكن أن تساهم بشكل ملموس فى تهدئة التوترات وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين».

 شرق أوسط بعد أمريكا

ومع تطور الأوضاع فى الشرق الأوسط التى تؤكد تراجع النفوذ الأمريكى وسط حلفائها من الخليج، أكد خبراء أن الخطوة الصينية تنذر بواقع «شرق أوسط جديد بدون أمريكا» حيث أوضح تشاس فريمان، دبلوماسى متقاعد، وسفير واشنطن لدى المملكة العربية السعودية السابق، أنّ النفوذ الأمريكى يتآكل منذ عقود من التجاوز المدمر لسنوات ما بعد 11 سبتمبر إلى دبلوماسية السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب.

ونقلت شبكة «فوكس نيوز» عن فريمان، أنه «إذا خلقتَ فراغًا دبلوماسيًا، فسيقوم شخص ما بملئه، وهذا ما حدث بشكل أساسى للسياسة الأمريكية فى الخليج»، مؤكدًا أنّ هذا «تطورٌ كبيرٌ حقًا».

وأوضح فريمان أن الدبلوماسية الصينية لا تعنى أنّ بكين تحاول إزاحة الدور الأمنى للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط. وبدلًا من ذلك، قال إنّ الصين «تحاول خلق بيئة دولية سلمية هناك، يمكنك فيها القيام بأعمال تجارية».

وفى السياق نفسه، ذكرت مجلة «نيوزويك» أن الإعلان عن اتفاق لإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية تحت رعاية الصين، أعطى الصين المزيد من النفوذ فى الشرق الأوسط، وبات الآن يمثل علامة فارقة لجهود بكين لترسيخ نفسها كقوة دبلوماسية رائدة.

ورأت المجلة الأمريكية أن «الاتفاق التاريخى الذى تم الإعلان عنه هو بداية النهاية لخلاف دام سبع سنوات بين قوتين رائدتين فى الشرق الأوسط». 

فى المقابل، حوّل الصينيون أنفسهم فجأةً إلى لاعب قوة جديد، فى حين يتساءل الإسرائيليون الآن عن موقعهم، بعدما كانوا يغازلون السعوديين ضد طهران، وفق «نيويورك تايمز».

ونقلت الصحيفة عن نائبة مدير الأبحاث فى مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط، إيمى هوثورن، قولها إنه «لا توجد طريقة للتغلب على الصين، هذه صفقة كبيرة».

ورأت هوثورن أنّ «الإنجاز المرموق للصين يدفعها إلى دور جديد دبلوماسيًا ويتفوّق على أى شىء تمكنت الولايات المتحدة من تحقيقه فى المنطقة منذ تولى بايدن منصبه».