الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حواديت.. حضارة مصر بناها المصريون (4) المصريون هم أول من أسسوا فن الحروب باشتراك الجيش والأسطول معًا

حواديت.. حضارة مصر بناها المصريون (4) المصريون هم أول من أسسوا فن الحروب باشتراك الجيش والأسطول معًا

عندما نُصرح بأننا من بدأنا كل شىء يظهر من يتهمنا بالغرور والكبرياء والتعالى، ولكنها الحقيقة التاريخية التى يرفض الكثيرون تصديقها رغم علمهم الأكيد بأنها حدثت بالفعل واليوم نستعرض صفحة من تاريخنا العريق وهى أن المصريين هم أول من وضع  فنون الحرب والقتال وأول من قام بحرب فى التاريخ يشترك فيها الجيش والأسطول معا قبل الآلاف السنين.



أصل الحضارة

عندما توفى آخر ملوك الأسرة الرابعة وهو الملك شيبسكاف ابن منكاورع عام 2560 قبل الميلاد ولم يكن له وريث للعرش، تولت أخته الملكة خنت كاوس الحكم وهى صاحبة الهرم الرابع بجوار هرم والدها بصحراء الجيزة وكتبت على باب هرمها (ملك الوجهين القبلى والبحرى والأم الملكية وبنت الإلة وكل شىء تأمر به يُنفذ لأجلها)،وقد تزوجت أحد أفراد كهنة رع وأنجبت وريثا للعرش وهو (وسر كاف) مؤسس الأسرة الخامسة، وقد شهدت الأسرة الخامسة ضعفًا فى نهاية حكم ملوكها، مما أدى إلى سقوطها وظهور الأسرة السادسة والتى استطاع ثالث ملوكها (ببى الأول 2402حتى 2377 ق. م) انتشال البلاد من الفوضى والارتقاء بها فى الفنون وإعادة صلتها بالأمم المجاورة لها.

وقد شهدت مصر على امتداد 920 عامًا تقريبا هى عمر الأسرات من الأولى لنهاية السادسة تقدمًا ملحوظًا فى حضارتها ونهضتها، حيث تمتع حكم الأسرتين الخامسة والسادسة بإحراز الانتصارات  فى الحروب واستخدام طرق جديدة فيها، بالإضافة لانطلاق الرحالة المصريين لاستكشاف المناطق المحيطة بها سواء غربًا تجاه ليبيا (وكان يطلق عليها لوبيا) أو جنوبًا حتى وصلوا إلى أواسط قارة إفريقيا.

الإبداع فى بناء المعابد

اتجه ملوك الأسرة الخامسة إلى الاهتمام بالمعابد بديلاً عن بنائهم الأهرامات وإن لم يهملوها فقد بنى الملك (ساحورع) ثانى ملوك الأسرة الخامسة هرمه الصغير الحجم مقارنة بأهرام أجداده من الأسرة الرابعة، ولكنه استعاض عن ذلك بتشييد معبد فخم استخدم فى بنائه أثمن المواد المعمارية واهتم بتزيين قاعاته وأبهائه المحمولة على أعمدة الجرانيت ذات التيجان النخلية (على هيئة جريد النخل فى حزمة مربوطة). وبلغ من عناية معماريى الأسرة الخامسة بعمارة هذا المعبد وغيره من المعابد حداً كبيراً لم نعرفه من قبل إذ لم يهملوا فى شىء واحتاطوا لدرء كل ما عساه أن يؤثر على سلامة البناء فلم يسقطوا المطر من حسابهم وجعلوه ينساب من مزاريب كل منها على هيئة رأس أسد تسقط المياه من أفواهها إلى قنوات صغيرة عمقوها قليلاً فى الأرضية، ثم تسير المياه منحدرة إلى  الخارج، أما المياه التى كانت تستخدم داخل حجرات المعبد فى أجزائه المختلفة فكانت تسير من مواسير تحت أرضية المعبد، وكانت هذه المواسير مصنوعة. من النحاس وملحومة إلى بعضها بالرصاص، وتسير إلى خارج المعبد حيث تصب فى أحد الأماكن المنخفضة فى مكان بعيد عن الأنظار.

ولا جدال فى أن فن عمارة المعابد وتشييدها قد تقدم كثيراً فى عهد الأسرة الخامسة، كما زادت النقوش التى على جدران تلك المعابد وتنوعت.

حماية حدود مصر الغربية 

كانت مصر ومازالت مطمعًا فى اللجوء إليها والاستقرار بها، حيث سجلت لنا بقايا النقوش التى كانت تغطى جدران معبدى (ساحورع) والطريق الموصل بينهما كثيراً من نشاط هذا الملك وبخاصة فى ميدان الحرب، إذ تعرضت مصر فى أيامه إلى غزو من ناحية الغرب عندما جاءت بعض القبائل الليبية ومعها زعماؤها ونساؤهم وحيواناتهم ليهاجموا الدلتا ويستقروا فى وادى النيل فهزمهم ساحورع هزيمة منكرة،   وتوضح نقـوش مـعبـده أنه أرسل أسطولاً إلى شواطئ فينيقيا، وعند عودته استقبله الملك يحف به كبار موظفيه، مما حدا ببعض الباحثين فى التاريخ المصرى إلى الاعتقاد بأن ذلك الأسطول لم يرسل للحرب أو للتجارة، وإنما كان فى رحلة ودية وربما عاد بأميرة من أميرات تلك البلاد لتصبح زوجة من زوجات ساحورع.

ولم يقتصر نشاطه على غربى مصر وعلى الساحل الفينيقى (ساحل البحر الأبيض باتجاه لبنان وسوريا حاليًا)،  بل أرسل أيضاً حملة أخرى نحو الجنوب إذ ترك رئيس الحملة اسم الملك منقوشاً على إحدى الصخور على مقربة من شاطئ النيل عند توماس فى بلاد النوبة، كما نعرف من حـجـر بالرمـو أن ساحورع  قد أرسل حملة إلى بلاد بونت، وهى المنطقة التى حول بوغاز باب المندب وتشمل الشاطئين الإفريقى والآسيوى أى الصومال وإريتريا فى ناحية وجنوبى بلاد الغرب فى الناحية الأخرى، وأن تلك البعثة عادت ومعها حمولات كثيرة من البخور والذهب وعـدد غـيـر قليل من أعـواد من الأخشاب التى كان المصريون يـهـتـمـون بالحصول عليها، وربما كان بعضها أو أكثرها من الأبنوس.

اشتراك الجيش والأسطول فى حرب 

ترك لنا الأجداد نقوشًا على مقابر دشاشة فى محافظة بنى سويف توضح مهاجمة المصريين لأحد حصون جنوبى فلسطين فقد حدث فى عهد الملك (ببى الأول) (من عام 2402 حتى 2377 ق م) من الأسرة السادسة أن جاءت الأخبار عن هجرة أعداد غفيرة من الشمال الشرقى من بلاد ما بين النهرين (العراق حاليًا) وتقدمهم فى هجرتهم إلى أن وصلوا إلى فلسطين، بل الحدود المصرية، فاضطر ملك  مصر إذ ذاك إلى منع هؤلاء المهاجرين الآسيويين من دخول مصر.

وتعد تلك الحملة هى الأولى من نوعها فى تاريخ مصر، بل فى تاريخ العالم على ما نعلم، حيث تعتبر أول حملة اشترك فيها الجيش والأسطول يتم تدوينها تاريخيًا وقد برهن المصريون فى هذه الحملة على أنهم بحارة حقيقيون، حيث فطنوا سريعًا واستطاعوا تقدير الميزة التى يجنيها الجيش من نقله بوساطة البحر إلى نقطة الهدف التى يريدها، فتجنبوا الطرق الصحراوية الطويلة الخطرة التى ربما أفنت الجيش وجعلت عودته مغامرة عظيمة، لذلك يمكننا القول (والحديث لدكتور أحمد فخرى بكتابه مصر الفرعونية) بأن مصر كانت أول دولة فى العالم قامت بحملة حارب فيها الجيش بحماية أسطول بلاده.

ويذكر القائد وينى بأن الملك (ببى الأول) قد أرسله خمس مرات لقيادة الجيش لتأديب بلاد البدو (شرق مصر) فى كل مرة يثورون فيها ويعود الجيش المصرى سالمًا بعد ذبح الآلاف من البدو والإتيان بالأسرى منهم.

اهتمام مصر بإفريقيا

زاد اهتمام ملوك مصر بشئون الجنوب منذ أيام الأسرة الخامسة عندما كانوا يرسلون الحملات للسودان، وزاد هذا الاهتمام فى الأسرة السادسة فأوكلوا إلى أمراء جزيرة الفنتين وتعرف الآن باسم جزيرة أسوان مهمة القيام بتلك الرحلات إذ كان أولئك الأمراء أكثر الناس دراية بما يلى بلادهم، وكانوا يشرفون على الحدود المصرية فى الجنوب.

وأثمرت سياسة، القائد وينى فى عهد الملك (مرى إن رع) والذى تولى بعد الملك ببى الأول، وبخاصة منذ توليه أمر وظيفة حاكم الوجه القبلى، فى توطيد صلته بزعماء النوبة وكان هؤلاء الزعماء وأتباعهم يتطوعون فى الجيش المصرى عند قيامه بالحروب فى فلسطين كما كانوا يختارون من بين أولئك النوبيين حراساً يسهرون على الأمن منذ أيام الأسرة السادسة فى العاصمة وربما فى غيرها من المدن أيضاً، وكان آخر عمل كبير قام به وينى  فى عهد هذا الملك حفره لخمس قنوات فى صخور الشلال الأول لتسهيل سير السفن، وقد أتم ذلك فى عام واحد، وذهب الملك بنفسه ليرى العمل بعد إتمامه وليقدم له زعماء أسوان وقبائل النوبة ولاءهم، ويقدم قرابينه للإله خنوم سید منطقة الشلال.

أول مستكشف ورحالة مصرى «حرخوف»

يُعد «حرخوف» أحد عظماء حكام «الفانتين أى أسوان»  ولا يزال قبره محفوظًا لنا للآن على الضفة الغربية من شلال أسوان، من أعظم أبطال هذا المضمار، وقد قام «حرخوف» بثلاث رحلات فى داخل الأقطار الأفريقية قبل وفاة الملك «مرى إن رع» وقد قصّ علينا بنفسه المخاطرات المختلفة التى قام بها،على قبره بكل دقة واختصار، وكان أحب الألقاب إلى نفسه هو لقب رئيس الحملة بجانب ألقابه الأخرى وهى الكاهن المرتل ونائب الملك فى نخن وحامل الخاتم الملكى وكانت الحملات باتجاه الغرب إلى بلاد «إيام» (فى طريق ليبيا حاليًا) ليكتشف الطريق المؤدى إلى البلاد الأجنبية، واستغرقت الحملة الأولى ستة أشهر فقط، وعاد بكل أنواع الهدايا من هذه البلاد، وفى الحملة الثانية فى بلاد ليبيا جنوبًا واستغرقت ثمانية أشهر، وعاد محملاً بمنتجات هذه البلاد الأجنبية بكميات وافرة، ولم يكن لهذه المنتجات نظائر لها من قبل، أما الحملة الثالثة فقد اتخذ طريق منطقة الواحات وقد وجد رئيس «إيام» الذى قام ضد بلاد لوبيا ليحاربهم حتى الحدود الغربية، وقد سار حرخوف لغاية بلاد لوبيا، وأخضعها لدرجة أنهم عبدوا الآلهة المصرية ووحد رؤساء القبائل ثم عاد بنحو 300 حمار محملة بالبخور، والأبنوس، والزيت وجلود الفهود، والعاج.وجلود الفهود، والعاج.. وكل المنتجات الطبية.

ولا شك أن الذى يمعن فى تفاصيل ما جاء فى هذه الرحلات لا يتردد لحظة فى أن  «حرخوف»، كان كاشفًا عظيمًا فى عصره.. ويُعد أول من فتح الطريق للكاشفين والرواد العظام فى عصرنا للتوغل فى مجاهل أفريقيا، وقد جلب الخيرات منها لمليكه «مرى إن رع» وسهل سبيل التجارة بين مصر وتلك الأقطار النائية التى لم يجسر أحد قبله أن يجوب مجاهلها ويستفيد منها مثله، ولا غرابة إذن أن يرسل إليه الملك من يستقبله وهو عائد من تلك الرحلة الفذة.

قدسية جسد المتوفى المصرى

يندهش بعض مواطنى الدول المجاورة من إصرار المصريين على الدفن فى تراب بلدهم وقد اتضح أنه سلوك فكرى وعقائدى مصرى ورثناه عن الأجداد.. فرغم اعتقاد المصريين أن ارتياد مجاهل البلاد النائية، كانت من الأعمال الجليلة، غير أنه كان لا يقبل بأية حال من الأحوال أن يتم ترك جسده للدفن فى هذه الجهات القاصية، إذا حدث أن لقى حتفه فيها، بل كانت تسعى عائلته بكل الطرق لإحضاره إلى موطنه الأصلى حتى يتم تكفينه وإقامة كل الطقوس والمراسم الجنائزية التى لا بد منها حتى يكون له نصيب فى الخلود بعد الموت؛ وذلك لاعتقاده أن خلوده فى القبر كان يتوقف على هذه التجهيزات والاحتفالات التى لا يتسنى القيام بها فى البلاد القاصية، ومن أجل ذلك كانت ترسل بعثة خاصة إذا قضت الحاجة لإحضار جثة الكاشف المتوفى، وقد حدث أن كاشفًا قام بإحضار جثة أحد هؤلاء الرواد، فكان الثناء الذى ناله على ذلك عظيمًا، ولم ينل أى ثناء على إحضار فيل يبلغ طول خرطومه نحو تسعة أقدام، وليس عجيبًا أن يقال فى مصر أن التقوى تحل أولاً ثم تحل بعدها الفائدة المادية.

الأسرات من الأولى لنهاية السادسة 

الأسرة الأولى من عام 3200 حتى 2980 قبل الميلاد واستمرت 220 عامًا

الأسرة الثانية من عام 2980حتى 2780 قبل الميلاد واستمرت 200 عام 

الأسرة الثالثة من عام 2780 حتى 2680 ق م واستمرت 100 عام 

الأسرة الرابعة من عام 2680 حتى 2560 ق م واستمرت 120 عامًا 

الأسرة الخامسة من عام 2560 حتى 2420 ق م واستمرت 140 عامًا 

الأسرة السادسة من عام 2420 حتى 2280 ق.م واستمرت 140 عامًا.