الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ): الأم والوالدة.. فى القرآن! "54"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.  



منذ  منتصف القرن العشرين؛ تحتفل بعضُ الدول بعيد الأم لتكريم الأمهات، بعد أن وجد بعضُ المفكرين الغربيين أن الأبناء فى مجتمعاتهم يَهملون أمهاتهم؛ فأرادوا أن يجعلوا يومًا فى السَّنة كمناسَبة ليُذَكروا الأبناء بأمهاتهم.

ويختلف تاريخه من دولة لأخرى، فى مصر وفى الدول العربية يكون يوم 21 مارس، وفي النرويج 2 فبراير، وفي الأرجنتين يوم 3 أكتوبر، وفى جنوب إفريقيا يوم 1 مايو، وفي أمريكا 2 مايو، وفى إندونيسيا يوم 22 ديسمبر.

وتأتى كلمة «الأم» وكلمة «الوالدة» فى آيات القرآن الكريم تعبيرًا عن المرأة التى لها وَلد، ولأن القرآنَ كلامُ الله فالكلمات دقيقة من حيث المعنى والوظيفة، وعدم إمكانية استبدال الكلمة بمرادف لها.

فالمولود نتيجة لقاح وحَمْل ووضْع، والوالدة هى صاحبة البويضة وهى الأم التى حملته ووضعته، وفى القصص القرآنى جاء أن المسيح عليه السلام كان بارًا بوالدته السيدة مريم، وهى فى نفس الوقت أمُّه التى حملته ووضعته.

 الوالد والوالدة:

فالوالدة هى صاحبة البويضة التى يحدث لها اللقاح ثم الحَمل ثم الوضْع فتصبح أمًّا: (وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ)، النجم 32، فإذا تلازم البويضة والحمل والوضع فى أنثى واحدة فهى والدة وأمٌّ حاملة للجنين وواضعة له: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، لقمان 14، فالأم هى التى تحمل الجنين.

والوالد هو صاحب الحيوان المنوى، والوالدة صاحبة البويضة، أمّا اﻷم فقد تكون الوالدة وقد لا تكون، فهناك أمُّ المؤمنين، واﻷمُّ المُرضعة، واﻷم المُربية، وجميعهن يدخلن فى حرمة النكاح: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَتُكُمْ)، النساء 23، ولم يقل «والداتكم».

واﻷب قد يكون الوالد وقد لا يكون، بمعنى أن الوالدَيْن مفهوم بيولوچى،  واﻷبوَيْن مفهوم إنسانى،  واﻹرث نصيب إنسانى للأم واﻷب: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)، النساء 11، وكل إنسان له أبٌ واحدٌ قد يكون هو الوالد وقد لا يكون. 

والوالد له مَرحلة الألقاح، أمّا الوالدة فهى صاحبة البويضة يليها بعد اللقاح الحمل والوضع فتصبح أمًّا: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ)، لقمان 14، فإذا تلازم البويضة والحمل والوضع فى أنثى واحدة فهى والدة وأمٌّ حاملة للجنين وواضعة: (وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ)، النجم 32.

القرآن يطلق مصطلح «الأم» على التى تحمل الجنين؛ لأنها تغذيه من دمها وترعاه فى بطنها أثناء الحمل، ولهذا فهى أمٌّ ووالدة اجتمعت فيها الصفتان: (يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ)، الزمر 6.

أمّا الولادة بمعنى الوضع وخروج المولود إلى النور من الرَّحم: (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)، مريم 15، (يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكم واخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِى والِدٌ عَنْ ولَدِهِ ولا مَوْلُودٌ هو جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئًا)، لقمان 33.

المولودُ بعد الولادة، يسميه القرآن وليدًا: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)، الشعراء 18، ولمّا كانت الأنثى أمًّا تحمل وتضع؛ فقد قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا)، النحل 78.

ولمّا كان خروج الوليد من بطن أمّه، والتى هى فى غالب الأحيان والدته؛ خصوصية مقصورة عليها حصرًا، ولا تنسحب على أى امرأة أخرى؛ فقد استنكر تعالى ظاهرة كانت موجودة فى الجاهلية، أن يقول الزوج لزوجته «أنت علىَّ كظهر أمّى»، واعتبر ذلك منكرًا وزورًا: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِلَّا اللَّائِى وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا)، المجادلة 2.

 الوالدان والأبوان:

ولذلك يوجد أولاد بالولادة، وأولاد بالتربية، فالتربية هى التى تجعل منهم كفارًا فجارًا، أو تجعل منهم مؤمنين صالحين، والمربون فى هذه الحالة هم الآباء، فإذا قام الوالدان بالتربية المادية والمعنوية، بالرعاية والإنفاق؛ أصبحا أبوين، وإذا قام غير الوالدين بهذه التربية والرعاية كانا هما الأبوين.

فالأبوان هما اللذان يقدمان الرعاية والإنفاق والتنشئة للمولود بعد الولادة، فإن كان المولود ابنهما فهما والداه، وهنا يتضح معنى «الأب» الذى يقوم بالتربية والإنفاق على تنشئة الوليد، فإن كان والده، فهو أبوه أيضا،ً أمّا إن كان ليس بوالده فهو أبوه فقط، وكذلك «الأم» التى تقوم على التربية والرعاية، فإن كانت والدته، فهى أمّه ووالدته؛ أمّا إن كانت ليست بوالدته فهى أمّه فقط.

وقد يكون للإنسان أكثر من أمّ؛ أمٌّ والدة، وأمٌّ مربية، وقد تجتمع أمومة الولادة وأمومة التربية فى امرأة واحدة، ولهذا يأتى تحريم النكاح فى القرآن يخص الأم ولم يذكر الوالدة لأنها محرمة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَتُكُمْ)، النساء 23.

وهذا طبيعى ينسجم مع باقى آيات التنزيل التى تعتبر المرضعة أمًّا، وتعدها من المحارم مع أنها ليست والدة: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِى أَرْضَعْنَكُمْ)، النساء23، (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ  وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)، الأحزاب 6، فى الآية زوجات النبى أمهات المؤمنين وليس والدات المؤمنين، ولذلك دخلن فى محارم النكاح: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَتُكُمْ).

وإذا كان القرآن قد فرَّق بدقة بين الوالد والأب فى المصطلح والمعنى؛ فحصر الأول بالإلقاح والثانى بالإنفاق والرعاية والتربية، فهو قد وحَّد فى مصطلح الأم بين جميع وجوه الأمومة، البيولوچية فى الرحم، والمولود الجنين، والتربية بعد الوضع: (إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى)، طه 38.

 أمُّ النبى موسَى:

أمُّ النبى موسَى كانت والدةً وأمًّا بالحمل والولادة: (إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ)، طه 40، وبقيت أمًّا بالكفالة والرضاعة والتنشئة.

أوحَى الله تعالى إلى أمّ النبى موسّى عليه السلام: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، القصص 7.

وتوضّح لنا الآيات فى سورة القصص مدى فساد فرعون واستضعافه لطائفة من سكان مصر، وفى المقابل فإن التدبير الإلهى يقضى بنجاة المستضعفين وهلاك المفسدين، وذلك عن طريق الطفل موسَى، والذى كان سيلقى مصيره المميت من خلال قرار الذبح الفرعونى،  ولكن التدبير الإلهى يجعل فرعون نفسه هو الذى يقوم برعاية الطفل وتنشئته؛ ليكون هلاك فرعون وجُنده على يده: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، الأنفال 30.

ويبدأ تنفيذ التدبير الإلهى بالوحى إلى أمّ موسَى الخائفة على حياة رضيعها بأوامر ثم وعد من الله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، القصص7، فأمْرُ الرضاعة معروفٌ لا يحتاج لوحى ولكن الهدف منه أن يتعوّد الرضيع على أمّه قبل أن يفارقها، بعد ذلك أمرَها بأن تلقيه فى ماء النيل ولأنه من الطبيعى أن تخاف فالوحى يطمئنها حتى تثق فى نجاة ابنها الرضيع.

وكان الوعد الإلهى لها بأن يرجع الطفل الرضيع لها، وأن تعيش الأمُّ لترَى ابنها رسولاً نبيًا، وأهمية التصريح هنا بما ينتظر المولود من مستقبل يكون فيه رسولاً هو تأكيد الطمأنينة للأم، ولتعلم أنه طالما سيكون ابنها نبيًا مرسلاً فإن الله تعالى لن يتخلى عنه، وأن الوحى إليها هو وحىٌ حقيقىٌ من الله، وما عليها إلا أن تتوكل على الله.

قال تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، القصص 10 و11، وظلت الأختُ تتبع الأخبارَ فعلمت أن الرضيع رفض المرضعات بعد أن تعوَّد على صدر أمّه.

وتقترح الأختُ تقديم مرضعة جديدة هى أمُّ موسى: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ. فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، القصص 12و13.

 أمٌّ والدةٌ وأمٌّ مربية:

فالإنسانُ قد تكون له أكثر من أمّ؛ أمّ والدة وأمّ مربية، وقد تجتمع الاثنتان فى امرأة واحدة، ولهذا نجد تحريم النكاح فى القرآن الكريم شمل الأم لأن الوالدة من المحارم أصلًا.

الفرق بين الوالدة والأمّ فى القرآن؛ من الناحية البيولوچية لا بُدَّ للمولود من والدة، ومن ناحية التربية والحماية والرعاية والتنشئة لا بُدّ له من أمّ.

أمُّ النبى موسَى كانت والدة بالولادة، وأمًّا بالكفالة والرضاعة والتنشئة، كما أن هذه السيدة تُعتبر مثالاً للإيمان بالله تعالى والتوكل عليه، كما نجدها مثالاً للأمّ التى أنجبت وقامت برعاية اثنين من الأنبياء هما موسَى وهارون عليهما السلام.