الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كيف أثرت الحرب على نفوذ موسكو فى وسط آسيا؟ روسيا تواجه خطر التمدد الأمريكى والتوغل الصينى

بعد بدء الحرب الروسية - الأوكرانية، كان موقف دول الوسط الآسيوى الخمس مغايرًا عما هو متوقع لدول الاتحاد السوفيتى السابق، حيث رفضت هذه الدول الانسياق لتأييد موسكو، كما أنها رفضت أيضًا تأييد العقوبات الغربية على روسيا، واختارت أن تنتهج الموقف المحايد، وهو ما جعل الجانب الأمريكى يستشعر قابلية الدول الخمس للخروج من عباءة بوتين والانفتاح أكثر للغرب.



الموقف المقلق

فى أكتوبر الماضى، أقيمت قمة «روسيا- آسيا الوسطى» فى العاصمة الكازاخية أستانة، حيث جمعت هذه القمة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظراءه من الدول الخمس لوسط آسيا، حيث جاءت هذه القمة لتؤكد موقف موسكو من ترسيخ تواجدها فى المنطقة رغم ما اتخذته دول وسط آسيا من موقف تجاه الحرب الروسية- الأوكرانية.

وفى نهاية القمة، أكد الرئيس الروسى على عمق الشراكة الاستراتيجية مع الجمهوريات السوفييتية السابقة، وأبدى تفهمه «لقلقهم» من تداعيات الأزمة الأوكرانية، ونفى أن تؤثر على طبيعة ونوعية العلاقات بينهم وبين موسكو. يأتى هذا بعد عدة قرارات اتخذتها دول آسيا الوسطى أشارت لخلافات بينها وبين موسكو، ومنها قرار دولة قيرغيزستان إلغاء إجراء مناورات عسكرية تابعة لمنظمة «معاهدة الأمن الجماعى» بقيادة روسيا على أراضيها، ورفض كازاخستان وأوزبكستان الاعتراف بشرعية ضم موسكو إقليم الدونباس الأوكرانى لها، تزامن مع ذلك تكثيف التعاون بين تلك الدول وبين واشنطن التى قادت مناورات عسكرية دولية فى طاجيكستان مؤخراً، وكذلك تغلغل اقتصادى صينى، حيث تعد بكين الشريك التجارى الأول للدول الخمس، الأمر الذى أثار مخاوف موسكو من تراجع نفوذها بالفناء الخلفى لها إثر انشغالها بالأزمة الأوكرانية.

ومنذ تفكك الاتحاد السوفيتى قبل ثلاثة عقود حرصت روسيا الاتحادية الوريث الشرعى له على استمرار العلاقات الاستراتيجية مع دول آسيا الوسطى التى استقلت عنه (كازاخستان، أوزبكستان، تركمانستان، قيرغيزستان، طاجيكستان)، حيث قامت بدور مهم لإنهاء الحرب الأهلية فى طاجيكستان وتوسطت لحل النزاعات الحدودية بين دول المنطقة، واستمرت كمورد للمعدات العسكرية والمواد الغذائية لها، فضلاً عن الروابط الثقافية والتاريخية، ولكن مع اندلاع الحرب الأوكرانية ظهرت بعض المؤشرات المقلقة بالنسبة للنفوذ الروسى فى آسيا الوسطى.

المؤشر الخطر

وكانت دول وسط آسيا قد اتفقت على اتخاذ موقف محايد فى الأزمة الروسية الأوكرانية، فلم ترحب بها أو تدينها، كما أصرت كازاخستان وأوزبكستان على عدم الاعتراف بشرعية ضم إقليم الدونباس ومقاطعتى (خيرسون، زاباروجيا) لروسيا خشية من تكرار هذا السيناريو مع إحداهما، كما سمحتا بتنظيم تظاهرات مؤيدة لأوكرانيا، وأعلنتا وقف التعامل مع البطاقات الروسية البنكية «مير» خشية فرض عقوبات أمريكية عليهما، ونفت كازاخستان وقيرغيزستان طلب موسكو منهما إرسال قوات عسكرية لأوكرانيا أو المشاركة بالقتال بأى صورة كانت، وتعهد رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، بحماية 98 ألف مواطن روسى معظمهم من الشباب سافروا لبلاده بعد إعلان التعبئة الجزئية بروسيا فى منتصف سبتمبر الماضى، كما قدم مساعدات إنسانية مستمرة لكييف، وحذرت دول المنطقة مواطنيها من القتال فى أوكرانيا لصالح أى طرف.

فى المقابل، رفضت دول آسيا الوسطى الخمس فرض أى عقوبات اقتصادية على روسيا رغم الضغوط الأمريكية عليها لتنفيذ ذلك، كما رفضت تعليق عضوية روسيا فى مجلس «حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة، وأجرى رؤساء الدول الخمس عدة اتصالات هاتفية بصفة شهرية للرئيس الروسى لبحث العلاقات الثنائية وتطورات الأزمة الأوكرانية وطرح رئيس كازاخستان وساطته بين موسكو وكييف. وجدير بالذكر أن تركمانستان تتبع سياسة خارجية محايدة إلا أنها أعلنت تفهم مبررات روسيا للعملية العسكرية، وذلك بعد دعم “بوتين” توريث الحكم فيها.

وخلال قمة «روسيا- آسيا الوسطى» ظهر للمرة الأولى خلاف بين موسكو وحلفائها خاصة طاجيكستان، وطلب رئيس الأخير، إمام على رحمن، من نظيره الروسى بـ«احترام مصالح دول آسيا الوسطى وضخ المزيد من الاستثمارات بالمنطقة»، وتعد هذه المرة الأولى التى يوجه فيها رحمن انتقاداً لموسكو، لأنه من أقوى حلفائها العسكريين، حيث تستضيف بلاده أكبر قواعد روسيا العسكرية بالخارج، كما اتهمت وسائل إعلام روسية رحمن بتأجيج الاشتباكات الحدودية بتحريض أمريكى مع قيرغيزستان لإفشال «قمة شنجهاى» وإثارة التوتر بالفناء الخلفى لموسكو، بينما انتقد الرئيس القيرغيزى، صادر جباروف، موسكو لعدم التدخل ووقف الاعتداء الطاجيكى على بلاده، وأعلن انسحابه من المناورات العسكرية المشتركة مع روسيا.

هذا التوتر تكرر بين روسيا وكازاخستان إثر عدد من القضايا الخلافية برزت بعد الأزمة الأوكرانية، حيث كشفت موسكو عن وجود مختبرات بيولوجية أمريكية سرية فيها، وطالبت بالتحقيق فى الأمر، كما أعلنت أستانة وقف تصدير جميع المعدات العسكرية حتى أغسطس 2023، لتجنب مطالبة موسكو بتصدير أى أسلحة لها. وعلقت موسكو وقف تصدير النفط الكازاخى للخارج لعدة أسابيع، ما كبد اقتصادها خسائر كبيرة ودفع أستانة للبحث عن مصادر بديلة للموانئ الروسية لتصدير النفط. وقد انتقدت موسكو هذه المواقف واعتبرتها «تمرداً» ضدها، لأن دول آسيا الوسطى لم تدعم موسكو الدعم اللازم كبيلاروسيا مثلاً.

الخطر الصينى

أما التغلغل الصينى فكان سمة توتر آخر بين الجانبين، حيث قام الرئيس الصينى شى جين بينج خلال الفترة (14-16 سبتمبر الماضى) بأول جولة خارجية له منذ عامين لكازاخستان وأوزبكستان، ما يؤكد الأهمية الاستراتيجية للمنطقة لديه، وأعلن عن استعداده لتعزير التعاون بمجالى الأمن والدفاع مع كازاخستان، واقترح ضمها لتحالف «بريكس»، وهو ما رحبت به الأخيرة، كما شهدت مشاركة بينج بقمة «منظمة شنجهاى للتعاون» ترحيباً كبيراً من دول المنطقة التى وصفت بكين بأنها «ستظل صديقة وشريكة موثوقة دائماً»، كما أبدت بكين اتخاذ تدابير مشتركة لتعزيز التعاون مع طاجيكستان بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات، وأعلنت تقديم مساعدات أمنية وصحية لقيرغيزستان تقدر بنحو مليار يوان.

وقد شهد العام الحالى تطوراً ملحوظاً فى العلاقات بين بكين ودول المنطقة بمناسبة مرور 30 عاماً عليها، حيث عقد فى يونيو 2022 الاجتماع الثالث لوزراء خارجية دول «آسيا الوسطى-الصين» (C-C5) واعتمد البيان الختامى له «خارطة طريق لتطوير التعاون الإقليمى 2022-2025، وهى الخارطة التى تركز على مبادرات للتكامل بين الطرفين، فى المقابل رفضت كل من كازاخستان وأوزبكستان العضوتان بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة فتح نقاشات بالمجلس حول الانتهاكات التى تُتهم الصين بارتكابها فى منطقة «شينجيانج» ضد أقلية «الإيجور» المسلمة، ما يؤكد حرصهما على تطوير علاقاتهما الاقتصادية مع بكين.

الدخول الأمريكى

أما زيادة التدخل الأمريكى فإن التواجد فى المنطقة كان له عامل آخر استغلته واشنطن لمد ذراعيها لدول الوسط الآسيوى، وفى زيارة لوزير الخارجية أنتونى بيلنكن إلى كازاخستان فبراير الماضى، أكدت على هذا الهدف، وخلال زيارته التقى بلينكن بزعماء الدول الخمس فى أستانة، حيث أعلن وزير الخارجية عن تخصيص واشنطن 25 مليون دولار إضافية، بعد حزمة أولى مماثلة أعلنت فى سبتمبر، لمساعدة دول آسيا الوسطى على تنويع طرق التجارة، وخلق فرص العمل بشكل خاص.

وقد أدركت واشنطن خطأ انسحابها العسكرى والسياسى من أفغانستان الذى نتج عنه فراغ سياسى أمنى سعت موسكو وبكين لشغله، ولذا بدأت العام الماضى تعزيز تعاونها مع دول آسيا الوسطى، حيث نظمت القيادة الوسطى للجيش الأمريكى فى أغسطس 2022 تدريبات «التعاون الإقليمى - 22» العسكرية فى طاجيكستان بمشاركة (قيرغيزستان، كازاخستان، أوزبكستان)، وهو ما اعترضت عليه موسكو وأوضحت أن دوافع واشنطن هى استكشاف مسرح عمليات عسكرية محتمل بآسيا الوسطى وحذرت دول آسيا الوسطى من مخاطر الانخراط فيها.

كما عقد وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكين اجتماعاً مع وزراء خارجية دول آسيا الوسطى الخمس وفق صيغة ‏(C5+1)  التى وضعتها واشنطن لتحدد آليات التعاون بينها وبين دول المنطقة، وذلك على هامش الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك بنهاية سبتمبر 2022.

وأعلنت واشنطن تقديم 60 مليون دولار كمساعدات أمنية لطاجيكستان، وقدمت مساعدات زراعية لقيرغيزستان، وأعلنت دعمها استقرار النظام السياسى فى كازاخستان وأوزبكستان عقب الاحتجاجات التى شهدتها الدولتان، وقام عدة وفود أمريكية بزيارات متكررة لدول المنطقة لتعزيز التعاون المشترك وحقوق الإنسان، كما تتفاوض واشنطن حالياً مع طاجيكستان وأوزبكستان لتبيع لهما نحو 46 طائرة عسكرية أفغانية، ورحبت بوقف إطلاق النار بين قيرغيزستان وطاجيكستان. وتهدف واشنطن من ذلك إلى تهديد نفوذ روسيا فى مجالها الحيوى ومحاولة إشغالها عن الأزمة الأوكرانية، وتوفير بدائل لمصادر الطاقة الروسية، فمنطقة آسيا الوسطى تملك %7 من احتياطى النفط والغاز العالمى.

تهديد «بوتين»

فى ظل استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية وتأكيد بوتين بخطر قد يهز عرش قوته فى دول ما وراء البحر، عمل الرئيس الروسى على تغير استراتيجية فى هذه المنطقة، حيث أكد بوتين خلال قمته مع رؤساء دول آسيا الوسطى أهمية صيغة «روسيا – آسيا الوسطى» لتعزيز التعاون بين الطرفين، وجدد الشراكة الاستراتيجية بينهم ودعا للتحول إلى الاعتماد على العملات الوطنية فى التبادل التجارى بينهم.

كذلك كثفت موسكو منذ بدء الأزمة الأوكرانية العمل «بالدبلوماسية الجماعية» من خلال تفعيل عمل المنظمات الإقليمية التى تقودها مع دول آسيا الوسطى، حيث عقد بالعاصمة الكازاخية أستانة خلال شهر أكتوبر الماضى قمة «رابطة الدول المستقلة» التى تضم روسيا و12 من الجمهوريات السوفييتية السابقة، ودعا خلالها إلى إنشاء منظمة دولية لدعم اللغة الروسية، كالمنظمة الفرانكفونية، لا سيما أن هناك 300 مليون شخص فى العالم يتحدثون بها، ما يعزز النفوذ الروسى الثقافى بالمنطقة.