الأحد 11 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (جَاءَنِى مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ): التفسير بين الدلالة اللغوية.. والترادف! "53"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.  



للدلالة  اللغوية أهمية كبيرة فى تفسير نائلة صبرى، فقد أفردت عنوانًا مستقلًا لتفسير المفردات قبل البدء فى التفسير؛ إلا أنها لم تفسر إلا المفردات التى ترى أن شرحها ضرورى لتوضيح المعنى الإجمالى.

نائلة صبرى كانت تعيد المفردات إلى أصلها اللغوى، وأحيانًا أخرى كانت تختار المعنى حسب فهمها للآية، بالإضافة إلى أنها لم تتعرض للتفصيل فى القضايا اللغوية من نحو وصرف وبلاغة إلا على نحو مختصر وحسب الحاجة إليه فى فهم الآية.

أمّا البلاغة فلم يكن لها مساحة مستقلة؛ وإنما كانت تأتى بما فى السورة من صور بلاغية ضمن فقرة مميزات السورة، مثلًا فى سورة الشعراء تذكر الوجوه البلاغية فتقول: «تضمنت السورة وجوهًا بلاغية وصورًا بيانية بديعة، مثل الكناية (فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) تعبيرًا عن الذل والهوان».

والجناس (رَسُولَكُمُ ٱلَّذِي أُرسِلَ)، (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ)، (مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)، والطباق (أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ)، (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)، (وَالَّذِي يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ)، (يُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ).

والمقابلة (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ)، (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ)، والسّجع (المتقين، الغاوين، ضلال مبين)، (يفسدون، يصلحون، الأرذلون).

وتتعرض للبلاغة فى تفسيرها إذا كان لها دور فى توضيح المعنى، كما فى قوله تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِى الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) الروم 19، قالت: «يخرج الحى المؤمن من الميت الكافر، وهى استعارة، أى قد يكون الرجُل مؤمنًا ويأتيه وَلدٌ فاجرٌ كافرٌ، والعكس قد يخرج من الكافر المؤمن أى يكون الرجُل كافرًا ويأتيه وَلدٌ صالحٌ مؤمنٌ، وكذلك النبات الحى يخرج من الحَبّ الذى لا حياة فيه، ويخرج من الحَب الميت نباتًا حيًا، وهذا يدل على كمال قدرته تعالى وبديع صنعه».

 جاء وأتى:

تكرّر فعل «جاء» مع مشتقاته 278مرّة، وتكرر فعل «أتى» مع مشتقاته 549 مرّة فى القرآن الكريم، وتم استخدام فعل «جاء» وأتى فى آية واحدة: (يَا أَبَتِ إِنِّى قَدْ جَاءَنِى مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِى أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا) مريم 43، يُعبر الفعلان عن حالة بين متكلم ومخاطب، المتكلم هو النبى إبراهيم، والمخاطب هو أبوه.

النبى إبراهيم جاءه الوحىُ بمعلومات من مجال آخر من عند الله، ولهذا قال النبى إبراهيم (جَاءَنِى)، ولو كان أبوه يُصدّق بوجود الله، لقال النبى إبراهيم «ما لم يجئك».

قال تعالى: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) النمل، 22 المتكلم هو الهُدهُد، والمخاطب النبى سليمان، والنبأ اليقين أمر خارج مجال معلومات سليمان، ولهذا قال الهُدهُد جئتك.

ويتحدد مجال استعمال الفعل بتعيين المتكلم والمخاطب، وبوجودهما من مجال واحد، أو من مجالين مختلفين، فالعبرة بالمجال الذى تأتى أو تجىء منه المعلومات.

وفى قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِى وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) الحِجْر 87، المتكلم هو الله تعالى، والمخاطب هو الرسول، والسبع المثانى من مجال معارف الله، ولهذا قال تعالى آتيناك، نسبة إلى مجال معارفه تعالى كمتكلم، وحين يتكلم الله نسبة إلى مجال معارف المخاطب، يستعمل فعل جاء: (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ) يونس 76، المتكلم هو الله، والمخاطب هو الرسول، والحق وصل إلى الناس من خارج مجال معارفهم، ولهذا قال تعالى جاءهم.

وفى قوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ والجِنُّ عَلى أنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذا القُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ولَوْ كانَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) الإسراء88، المتكلم هو الله تعالى، والمخاطب هو النبى محمد عليه الصلاة والسلام، والحديث عن القرآن، فيوضح تعالى للمكذبين أنهم إن كانوا يزعمون أن النبى أتى بالقرآن من عنده، فليأتوا بمثله كما فعل هو بزعمهم، لكنهم لن يستطيعوا ولو استعانوا بكل الناس وكل الجن؛ لأن القرآن جاء من مجال الله، ولم يأتِ من مجال البشر.

 العام والسَّنَة:

فى قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) العنكبوت 14، العام لكل ما فيه خير والسَّنَة لما فيه شر، قال تعالى: (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا) يوسف 47، وفى قوله تعالى: (ثُمَّ يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) يوسف 49، الزرع فيه جهد فى هذه السّنين.

وفى قصة النبى نوح: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) العنكبوت 14، باعتبار الخمسين عامًا هى الخمسين عامًا من حياته التى كان مرتاحًا فيها مع المؤمنين بعد الطوفان، والسّنين الـ 950 كان فى مشقة معهم قبل الطوفان.

كلمتا السَّنَة والعام جاءتا فى آيات القرآن على أن السَّنة دلالة على الجدب والقحط، والعام دلالة على الخير.

 الفعل والعمل:

يقولون العمل ما كان فيه امتداد زمن، العمل أخصّ من الفعل فكل عمل فعل ولا ينعكس. والعمل فيه امتداد زمن (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ) سبأ 13 هذا للجانّ وهذا العمل يقتضى منهم وقتًا لكن لمّا تحدث تعالى عن الملائكة قال (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) النحل 50 ؛ لأن فعل الملائكة برمش العين. عندنا آيات وكلام علمائنا دقيق فى هذا الباب. (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا) يس 71 ما قال فعلت (وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) يس 35؛ لأن خَلق الأنعام والثمار يحتاج لوقت، الله تعالى لما يخلق التفاحة لا تخلق فجأة فقال عملت أيدينا يعنى هذا النظام معمول بهذا الشكل لأن فيه امتداد زمن. لكنه تعالى قال (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) الفجر 6 باللحظة أرسل عليهم حجارة، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) خسف بهم وقال تعالى (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا) إبراهيم 45 العقوبات، غضب الله سبحانه وتعالى لما ينزل على الضالين والظالمين أنفسهم ينزل فورًا ولا يحتاج لامتداد زمن.

(قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِى الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) البقرة 71، كادوا لا يفعلون والذبح سريع فهو فعل لكنه تعالى قال: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) البقرة 96، أى حياة؛ لأن مدة العمل فيه فيه مدة. فى ضوء هذا نستطيع أن ننظر معانى الآيات التى فيها زمن يقول يعلمون وما ليس فيه امتداد زمن وهو مفاجئ يقول يفعلون. 

 تستطع وتسطع:

الفرق بين تستطع: (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) الكهف 78، وتسطع: (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) الكهف 82، واستطاعوا واسطاعوا (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) الكهف 97.

جاءت (لم تستطع) كاملة؛ لأنه سيخبره بصورة كاملة، لما أنجز الإيضاح، انتهى الكلام وصار وقت المفارقة قال له (مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا)، فحذف نوعًا من الإيجاز والاختصار لأنه سبق أن قال له (تَسْتَطِعْ) وشرح له، الآن انتهى الكلام فاستعمل كلمة تسطع لأنها أقصر وهى أوفق للمغادرة لأن فيها إيجاز.

أمّا كلمة (استطاعوا) وكلمة (اسطاعوا)، هنا الكلام على ما صنعه ذو القرنين من سد وكان مَبنَى من الحديد ومواد أخرى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) الكهف 97؛ لأن سد الحديد الضخم تسلقه أسهل من ثقبه، ولأن النقب يحتاج إلى جهد فاستعمل مع السهولة حذف حرف التاء فأصبحت الكلمة (اسْطَاعُوا)، ومع الصعوبة كمل الفعل جاءت الكلمة كاملة (اسْتَطَاعُوا).

فضلًا عن أن كلمة اسطاعوا فى هذا الموضع كأنها توحى بشىء من الانزلاق يعنى لما أرادوا أن يصعدوا ينزلقون فجاءت كلمة (اسطاعوا)، ولذلك تم استعمال البنية الكاملة للفعل استطاع لما كان العمل أصعب، ولما كان أسهل استعمل اسطاع.

 السمع والإنصات:

السمع يحدث تلقائيًا من دون توجيه: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء 140.

والاستماع هو توجيه السمع بقصد: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) الجـن 1، والإنصات هو تدَخُّل العقل والفكر فيما تم سمعه: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف 204.

أمّا الإصغاء فيدخل القلب والفؤاد فيما تم سمعه: (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) الأنعام 113.

لقد أمر تعالى بتدبر القرآن: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) ص 29، فالقرآن أنزله تعالى لكى يقرأه الناس ويتدبروا آياته لما ينفعهم فى دينهم ودنياهم.